لا يمرّ شهر في المغرب دون أن تسمع خبر إيقاف مهربين أو تجار لـ”الحشيش”، داخل المملكة أو على الحدود أو حتى خارجها، في إطار عمل قوات الأمن المغربي لمكافحة تجارة المخدرات التي استفحلت في البلاد، غير أن بعض المراقبين يرون أن من مصلحة المغرب تواصل هذه التجارة وعدم القضاء عليها لما تدرّه من أموال طائلة!
مداخيل طائلة
ما زال المغرب يحافظ على مكانته كمنتج رئيس للحشيش في العالم، فمنتجو “الحشيش” أثبتوا خلال الـ50 سنة الأخيرة صمودهم الكبير أمام كل محاولات الحكومات المتعاقبة على البلاد منع أو تقليص زراعة هذا الصنف من المخدرات، كما أظهروا قدرة في التأقلم مع الظروف المتغيرة التي يعرفها السوق الدولي في اقتصاد الحشيش.
وسبق أن أصدرت الخارجية الأمريكية، من خلال مكتب المخدرات الدولية وإنفاذ القانون، تقريرًا عن المخدرات، اعتبر المغرب من أكبر منتجي ومصدري القنب الهندي في العالم، بعد صدور تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كشف ارتفاع مضبوطات المغرب من القنب الهندي.
80% من مزارع القنب الهندي مسقية وتنتج 1821 كيلوجرامًا من القنب الخام في الهكتار سنويًا في المغرب
كما صنف تقرير أممي صدر عن “مكتب مكافحة المخدرات والجريمة” التابع للأمم المتحدة في مايو الماضي، المغرب على رأس البلدان المنتجة للقنب الهندي على الصعيد العالمي، مشيرًا إلى كونه أيضًا من بين أكثر البلدان المصدرة لتلك النبتة تحديدًا نحو أوروبا، ويعتبر القنب الهندي من أكثر المواد المخدرة استعمالاً في العالم، إذ وصل عدد مستهلكيه إلى 183 مليون شخص، تليه المواد الأفيونية بـ35 مليون شخص، والمستحضرات الأفيونية الطبية بـ18 مليون شخص، وأخيرًا الكوكايين بعدد مستهلكين وصل إلى 17 مليون شخص.
وحسب إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية المغربية، فإن 80% من مزارع القنب الهندي مسقية وتنتج 1821 كيلوجرامًا من القنب الخام في الهكتار سنويًا، فيما 20% المتبقية وغير المسقية تنتج 459 كيلوجرامًا في الهكتار سنويًا، كما يبلغ الإنتاج السنوي للقنب الهندي الخام حسب المعطيات الرسمية 53300 طن سنوي، تمثل منها الكميات المستخلصة (العجينة المخدرة) الموجهة للاستهلاك الفردي 1066 طنًا.
يتصدّر المغرب الدول المنتجة لهذا النوع من المخدرات
وتستغلّ مافيا المخدرات، القرب الجغرافي لأوروبا والمسالك البحرية والبرية والجوية المتوفرة لتهريب المخدرات، وتقول دراسات لـ”الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف” إن 40% من القنب الهندي المستهلك عالميًا مصدره المغرب، كما أن 80% من الاستهلاك الأوروبي لهذه المادة يأتي من المغرب.
وتملك مافيا المخدرات في المملكة، الكثير من القدرات والعلاقات، لتستطيع الاستمرار وتجاوز رقابة سلطة الدولة بطرق شتى لا تخطر على بال، على سبيل المثال أظهر أحد التحقيقات، أن مافيا المخدرات تستخدم مهابط صغيرة، شيدتها بمناطق نائية مخفية بين الجبال، تنطلق منها مروحيات وطائرات صغيرة محملة ببضاعة المخدرات نحو إسبانيا.
مورد رزق عشرات الآلاف من المزارعين
يشارك في زراعة “الحشيش” في المغرب عشرات الآلاف من المزارعين، حسب العديد من الدراسات، كما يعيش مئات الآلاف من سكان مناطق الريف وجباله شمال البلاد من المداخيل المالية الكبيرة التي تدّرها هذه الزراعة، ويقول العديد من المواطنين في مدن الريف المغربي إن لا شغل لهم سوى زراعة “الحشيش”، فطبيعة التربة وثقافة المنطقة لا تسمح له بالعمل في أي مجال آخر غير زراعة القنب الهندي، وبفضل “الحشيش” أصبح شمال المغرب ثاني أغنى مناطق المملكة على الرغم من أنه إقليم مهمَّش منذ فترة حكم الملك الحسن الثاني.
تعود زراعة “الحشيش” في مدن الشمال المغربي إلى القرن الـ12 الميلادي
وتشير تقارير محلية إلى أن المساحة المخصصة لزراعة القنب الهندي في شمال المغرب تراجعت إلى 47196 هكتارًا في 2013، مقابل 134000 هكتار في 2003، وتفيد تقديرات غير رسمية بأن أكثر من 50 ألف شخص من السكان المحليين في المناطق التي يزرع بها القنب الهندي، صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من السلطات الأمنية المحلية بتهمة زراعة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، في إشارة إلى القنب الهندي.
وساهم الوضع البائس لمدن الريف وغياب التنمية في توجّه الآلاف من سكان المنطقة نحو زراعة نبتة القنب الهندي، كمورد رزق لقوتهم اليومي، لتتسع رقعة زراعة هذه النبتة في شمال المغرب بأكمله وتصل إلى مدن أخرى، بعد أن كانت هذه الزراعة محصورة في بضعة دوائر، ووجد العديد من ساكني المنطقة الشمالية، في تجارة الحشيش مصدرًا للاغتناء السريع ومراكمة الثروة بسهولة.
تدرّ زراعة “الحشيش” أموالاً طائلة على سكان الريف
وتعود زراعة “الحشيش” في مدن الشمال المغربي إلى القرن الـ12 الميلادي كما تفيد ذلك العديد من الدراسات، لكن لم تتطور وتتسع مساحة هذه المناطق المزروعة إلاّ مع الظهير الشريف الصادر في 6 من فبراير 1917 بالجريدة الرسمية، وتم تعديله في 22 من أغسطس سنة 1935، والذي بمقتضاه تم الترخيص لقبائل كتامة وبني سدات بإقليم الحسيمة ولبني خالد بإقليم شفشاون بزراعة الكيف بشرط ألا يبيع المزارعون محاصيلهم إلا لشركة احتكار الدخان في المغرب.
لتصبح بذلك هذه العشبة المورد الرئيسي لعيش السكان وتأخذ بُعدًا اقتصاديًا واجتماعيًا حقيقيًا، خاصة خلال العقود القليلة الماضية التي تطور فيها زراعة الكيف وحوَّلها أباطرة المخدرات لتجارة رائجة.
ويذكر أن زراعة الحشيش أو الكيف كما يطلق عليه في المغرب، كانت خلال حقبة الاستعمار الفرنسي خاضعة لقانون يعرف بالظهير الملكي الذي صدر سنة 1919 الذي رخص، وخصوصًا لسكان منطقة الريف – شمال البلاد – زراعة الحشيش أو القنب الهندي، شرط إبلاغ السلطات، لكن بعد الاستقلال أصدرت السلطات قانونًا يمنع زراعة الحشيش وترويجه.
سياحة “الحشيش”
جبال الريف الجميلة وشواطئه الساحرة ومعماره الفريد، ليست العوامل الوحيدة التي تميّز مدن الريف وتجذب السياح إليها، بل “الحشيش” أيضًا، فهذه المدن استطاعت وسط غض الطرف الحكومي أن تجلب نوعًا خاصًا من السياح من الباحثين بأي ثمن عن تدخين لفافات الحشيش، حيث تنشط زراعة وترويج نبات القنب الهندي المخدر في المنطقة، وقدر مكتب الجريمة والمخدرات التابع للأمم المتحدة عائدات محصول القنب الهندي المزروع في المغرب بمليارات الدولارات، إذ يدر على المزارعين البسطاء في شمال المغرب نحو 214 مليون دولار في حين يكسب المتاجرون في أوروبا منه 12 مليار دولار.