ستظل كلمة “صراع” واصفة لكل ما يحدث داخل النفس البشرية و خارجها. فهناك الصراع الأبدي داخل الإنسان بين الخير و الشر و هناك الصراع الدائم بين الحق و الباطل في العالم، اليمين و اليسار. و في وقتنا هذا مع ما يحدث على سطح الكرة الأرضية بشكل عام و في الشرق الأوسط بشكل خاص تجد أن تلك الأحداث كلها تدور تحت إطار الصراع السياسي و الحربي بين أي متخاصمين.
و يعتمد هذا الصراع السياسي في أي دولة سواء داخلها أو بينها و بين دولة أخرى على طبيعة الملعب و الساحة السياسية بشكل أساسي، بعد ذلك تأتي طبيعة و خطط اللاعبين، مثلُها مثل ملاعب كرة القدم، هناك الملاعب الجافة التي تكون أرضها كسفوح جبال أطلس و هناك أيضأ الملاعب الممهدة المفروشة بالبساط الأخضر كأنها تدعو اللاعبين لإحراز الأهداف بكل سهولة.
في البداية يكون التركيز على الملعب و طبيعته و تضاريسه، لكن عند تغيير الملعب يجب على اللاعب تغيير أسلوبه في اللعب، فأفضل فريق في العالم يدرس حالة “الملعب” جيداً لكي يضع له خطة مناسبة تمكنه من الفوز. إن اللعب تحت ثلوج أوروبا غير اللعب في إستضافة لهيب شمس إفريقيا. و اللعب في مستوي إرتفاع طبيعي عن سطح البحر غير اللعب في بلاد مرتفعة عن سطح البحر و مستوى منخفض من الأوكسجين.
على نفس المبدأ نجد الملاعب السياسية و إختلافاتها بين دولة و أخري. لهذا فمن الخطأ مقارنة الأوضاع الخاصة لدولة ما بأخرى سوى لمحاولة التحليل و الفهم للخروج بنتيجة “قد” تساعد فيما بعد في حل أزمة أو صراع في دولة أخرى.
يترتب على ذلك أنه إذا قمنا مثلاً بمقارنة قيادة سياسية بأخرى في بلدان مختفلة لن نستطيع أن نخرج منها بأي نتيجة سوى أن هذا قائد نجح لإتباعه أسلوب يلائم طبيعة ملعبه السياسي، أما الآخر مارس أسلوب قد يكون كسابقة لكنه لا يتناسب مع طبيعة ملعبه.
و بعد خطوة القيادة التركية بإغلاق موقع التواصل الإجتماعي “تويتر” تجد السخط زاد على الدولة الممثلة في شخص “إردوغان” و كيف أنها دولة “ديموقراطية” كما قال أحدهم ساخراً بعد علمه بقرار إغلاق تويتر في تركيا. و أنا هنا لا أناقش هل كان القرار صحيحاً أم خاطئاً ؟ أو هل صدر القرار عن إردوغان أم لا ؟ لكن ردود الأفعال كلها المؤيدة المعارضة في الشارع التركي تدور حول شخص إردوغان.
لكن المشكلة ليست في هذا كله بل في أؤلئك الذين يقارنون ما فعله إردوغان في تركيا و كيف أنه “يضرب بيد من حديد” و ما كان يفعله “مرسي” في مصر و كيف أنه “كان ليناً ساذجاً” مع قتلة و فاسدين.
و إذا قمنا بمقارنة الشخصين ببعضهما البعض الآن من جانب تحليل الساحات السياسية المختلفة التي يلعب فيها كل منهما سيتضح الآتي:
– مرسي لم يكن ليناً فقط، اللين هو ترك المخطئ دون التعرض له، لكن مرسي منح القتلة قلادات، و وصف أول مذابح عصابات الداخلية في ثورة يناير بالعبور مما شجعهم بعد ذلك للإنقلاب عليه.
– إردوغان كان يضرب بالفعل بيد من حديد، نجح نجاح باهراً في تنحية الجيش عن المشهد على الرغم من إفتخار الأتراك الدائم بمصطفى كمال أتاتورك و عسكريته و كيف أنهم كأتراك و أحفاد العثمانيين شعب عسكري و يفتخر بهذا. و كان يضرب بيد من حديد أيضاً على معارضته التي علم العالم كله الآن مدى ولائها للغرب و عملها من أجل مصالحها فقط. و على الصعيد الإقتصادي فالعالم كله يرى بشكل واضح كيف كانت تركيا و كيف صارت.
– مرسي جاء بعد ثورة و بأصوات بعض معارضيه قبل مؤديه – لعدم وجود بديل أمامهم غير البدلة العسكرية – فكان حقاً عليه تلبية مطالب هؤلاء بالعمل على توحيدهم حوله لا تفرقتهم بشتى الطرق الممكنة و الغير ممكنة، فالحديد الذي طلبه من صوّت له وجدناه خشباً ليّناً، الكرباج الذي كان من المُفترض أن يُرهب به القتلة ضُرب به بعض من صوتوا له فقد تعرض بعهم لمحاكمات عسكرية في عهدة و التي كانت من المُفترض أن تُحاكم القتلة.
– إردوغان يلعب سياسة بشكل جيد و مدروس، لكن الرياح قوية تلك المرة، و تقريباً أغلب القوى العالمية متورطة فيها بشكل واضح لعموم الناس، لهذا و للضغوط الخارجية و الداخلية من المظاهرات و إقتراب الإنتخابات مع كثرة الفيديوهات و التسريبات بغض النظر عن صحتها من عدمه، كذلك أيضاً توغل جماعة فتح الله في مناصب عليا في حكومته و قوتها التي لا ينكرها أحد. كل تلك الأسباب و أكثر جعلت هناك حالة من التخبط عند القيادة التركية بشكل عام و إردوغان بشكل خاص، و جعلت ما يصدر عنهم غير مُبرر في بعض الأحيان حتى و إن كان على الطريق الصحيح، و هو ما لا يتقبله الناس حيث أنهم لن يقبلوا بمبدأ أن القيادة الساسية تعلم ما لا نعلمه و أي شيء من هذا القبيل.
– مرسي كان كذلك في مهب الريح، كلنا نعلم أن الإنقلاب كان واقعاً به أو بدونه لكن الفكرة هي في طريقة التعامل مع ما قبل الإنقلاب، فالقدر يجري على أيدي البشر كما يقولون، و أيدي مرسي ساعدت في بناء الإنقلاب، فالأهم من الضرب بمطرقتك الحديدية هو التفكير في كيفية و توقيت الضربة لكي تكون لعبة ضربات قاضية ولا تكون حرباً للإستنزاف فأنت في الأصل لا تملك أي شيء و لم تكن تتحكم في أي شيء في الدولة، و بناء عليه كان عليك كرئيس شرعي منتخب وقتها أن تجعل من شعبه و شرعيتك درعك و مطرقتك التي تساعدك على مواجهة كل تحدي واجهك، على الرغم من ذلك فقد اختار طريق السياسة أو اللين كما وصفه البعض و لكن بشكل غير مدروس فجعل من افعاله فوّهات الأسلحة التي كان هو أول من ذاق طعم رصاصاتها فيما بعد، و لن يكون هناك مثال على هذا أقوي من مثال السيسي نفسه، فقائل جملة أن مرسي هو من صنع السيسي لم يخطئ في شيء.
– إردوغان كان يسير في الطريق الصحيح مستخدماً عقله حتى وصلنا للقضايا و التسريبات الأخيرة التي أثارها حول القاضي الفاسد و علاقاته بالإمارات و تسريبات لرجال الإمارات نفسهم و قام بفضحهم جميعاً أمام العالم كله. لكنه الآن و قبل حوالي ثمانية أيام من الإنتخابات في تركيا يفعل ما يجعل الناس يسخرون من الفعلة و يقولون أنهم في دولة ديموقراطية و البعض الآخر يسخر على قرار غلق تويتر بصور “العصفور” الخاص بشعار تويتر و هو يرتدي “الحجاب”. لهذا فقد كانت تلك فعلاً ضربة من إردوغان لخصومه وتجعله على الطريق الصحيح لكنها تظل تحت إطار الضربات التى تقوي الخِصم ولا تضعفه، فقد نحى عقله في تلك الخطوة و ضرب بيده فقط فنتج عن ذلك أنها لم تاتي في توقيتها الصحيح فلم تكن لخصومه بالشيء الذي يُقلقهم و يصيبهم بالشلل كالضربات الكثيرة السابقة التي وجهها لهم بل كانت المنشطات التى زادت من أفعالهم ضده مما يؤكد حالة الإرتباك و التخبط.
اللين مناسب في حالات معينة، و القسوة كذلك مناسبة لحالات أخرى لكن كيفية إستخدام كل منهما هي ما تحدد هل ستنجح أم لا، فالملابس الحريرية التى تمنحها للفسدة برأفتك و تراخيك معهم يمكن أن يُعاد نسجها ليُصنع منها الحبل الذي سيلتف حلو رقبتك وقت إعدامك إن لم تُحسن دراسة الملعب و دراسة كيفية إستخدام اللين في هذا الملعب.
كذلك القسوة و الضرب بيد من حديد، فيدك الحديدية إن أخطأت الهدف أو التوقيت فستُثبّت بها مِسماراً آخر من مسامير نعشك الذي سيحمل جثتك. يجب التفكير جيداً في آلية و توقيت الهجوم، و إذا تغيّرت معالم الملعب يجب عليك تغيير الآلية و التوقيت فلكل مقام مقال. و إن لم تفعل فسيكون مصيرك مصير من لم يُحسن إستخدام لينه على فرض أن اللين و التسامح كان مطلوباً في الحالة المصرية، فسوء التفكير و عدم الدراسة الجيدة للمُعطيات الواردة من وقت لآخر سيخرج لك بنتيجة واحدة في كل الحالات و هي أن النتيجة ستكون خاطئة بغض النظر عن قيمتها العددية و ما يترتب عليها.
الأحداث في مصر منذ 11 فبراير عام 2011 لم تكن في الطريق الصحيح أصلاً و كنا نستطيع تعديل المسار بعد الوصول لسدة الحكم لكن هذا لم يحدث، أما في التركيا فما يحدث من أفعال و ردود أفعال كلها على الطريق الصحيح لكن بعضها خطوات خاطئة مما يهدد إمكانية أن تبقى على الطريق الصحيح.
و أخيراً، ما يحدث في تركيا أزمة حقيقية خاصة بها و لا يجب مقارنتها بمصر لكنها ستمر بعد أن يعرف إردوغان و أتباعه أهمية التفكير جيداً في الإستفادة مما في يديهم في إنهاء الأزمة في أقرب وقت مع العمل على إستخدامه بالشكل المناسب في التوقيت المناسب كي لا ياتي بنتيجة عكسية.