مع انطلاقة الثورة السورية والتحولات التي طرأت عليها خلال السنوات الأولى من انتفاضة السوريين وانتقال الثورة من السلمية إلى العسكرية وخروج العديد من المناطق عن سيطرة النظام الذي حول في تلك الفترة مناطق المعارضة إلى دمار شامل نتيجة استهدافها بالبراميل المتفجرة، خضعت الثورة للعديد من الانهيارات منها الخدمي والاقتصادي والعسكري.
وفي ظل قصف النظام واجتياحه لمناطق سيطرة المعارضة، كانت الخدمات تغيب بشكل كلي عن الساحة في المناطق المحررة نتيجة قصف الدوائر الرسمية الخدمية التي كانت تكمن في البلدات الخاضعة للمعارضة، أدى ذلك القصف إلى خروج العديد من المؤسسات عن العمل، وتوقفها نتيجة دمار بنيتها التحتية.
وخلال تلك الفترات التي تأزم فيها الوضع الخدمي في المناطق المحررة اتجهت تشكلات مدنية نحو تشكيل مجالس محلية تتبع أصولاً للحومة السورية المؤقتة، لتقديم الخدمات لمواطني البلدات وركزت المجالس على الجانب الخدمي، ورغم ضعف الإمكانات فقد وفرت العديد من الخدمات للمناطق التي انقطعت فيها الخدمات، وعملت المجالس على تأمين مياه الشرب أو جزء منها لسكان المناطق المحررة.
ولكن الكهرباء كانت تغيب عن منازل السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بشكل كلي، نتيجة استهداف مراكز الكهرباء وتعرض المحطات الحرارية للقصف مما أدى إلى توقفها عن العمل، كما تنقطع شبكات الكهرباء داخل الأحياء السكنية نتيجة استهداف المناطق بالمدفعية والبراميل الانفجارية، وفي ظل هذه المرحلة أصلحت المجالس المحلية العديد من الشبكات، إلا أن الكهرباء توقفت عن المناطق المحررة منذ عدة سنوات نتيجة سيطرة النظام على الشبكات الرئيسية للكهرباء في المدن الكبرى كحلب.
الكهرباء والمعاناة مع “الأمبيرات”
خلال تقطع شبكات الكهرباء وتوقف الخدمات داخل المناطق المحررة اتجه الأهالي إلى الاشتراك عبر “الأمبيرات” وهي مولدات كهربائية تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص، وهذه المولدات الكهربائية تتوزع على أحياء داخل التجمعات السكانية، تخلق جوًا من المعاناة المستمرة والمشاكل التي تنتج عنها.
وتنتشر هذه المولدات في كل المناطق المحررة التي تؤمن الكهرباء والاشتراك يكون عبر “الأمبير” وتتأرجح أسعار الأمبير الواحد بين الارتفاع والانخفاض، ولكن في أغلب الأحيان كانت ترتفع أكثر، نتيجة تقطع المحروقات وعلى وجه الخصوص المازوت خلال إغلاق المعابر، والاحتكار من التجار المحليين الذين يتعاملون مع كلا جوانب الصراع السوري.
يعاني أهالي المنطقة من “الأمبيرات” وأجورها الباهظة، فقد وصل سعر الأمبير الواحد نحو 7000 ليرة سورية شهريًا، أي ما يعادل 15 دولارًا أمريكيًا
التقى “نون بوست” أحد سكان مدينة أعزاز أمين الرياض الذي يعمل على عربة صغيرة يبيع عليها الخضار قال: “الكهرباء انقطعت عن المدينة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونحن نعاني من انقطاعها المستمر”، وأضاف أنهم يعانون من تكلفة “الأميبرات” وسعرها الباهظ الذي لا يتناسب مع عمله، فهو لا يكاد يجني مصاريف أطفاله، وأوضح بقوله: “في أغلب الأحيان لا أعمل كيف لي أن أتدبر مصاريف الأمبير، ناهيك عن تكلفة تأمين المياه”.
يعاني أهالي المنطقة من “الأمبيرات” وأجورها الباهظة، فقد وصل سعر الأمبير الواحد نحو 7000 ليرة سورية شهريًا أي ما يعادل 15 دولارًا أمريكيًا، ولا يمكن للعائلة المتوسطة الدخل دفع تكلفة الكهرباء التي لا تصل مدة تشغيلها لعشر ساعات يوميًا، كما تكثر المعاناة على الأرجح في الصيف نتيجة الحر، وهبوط القاطع أكثر من مرة في الساعة، وصعوبة تأمين التبريد للأطعمة والمشروبات في المنزل، وهذه المعاناة منتشرة في المناطق المحررة كافة.
أحد الحدادين المقيم قرب مصنعه في مدينة مارع شرح وضعه المتدني في العمل نتيجة انقطاع الكهرباء، وقال: “بعدما فقدنا الأمل بعودة الكهرباء اقتنيت مولدًا كهربائيًا لتأمين عملي، وانقطاع المازوت وارتفاع أسعاره يقع على عاتق المواطن الذي سيبتاع من مصنعي”.
وهنا تزيد المشكلة، فقد ترتفع الأجور على المواطنين وهذا ما أدى إلى قلة العمل وضعف التجارة، وتجد داخل المدن التي استقبلت مهجرين ضعف أعدادها، شبكات مندثرة على جدران الأحياء، كشبكات العنكبوت، وعدد من القواطع “الإقطاعيين” كما يسميهم السكان المحليين بمجموعة واحدة داخل صندوق حديدي مقفل وأطفال صغار يزورون ذلك الصندوق، كل ربع أو نصف ساعة على التوالي، يوصل الأطفال الكهرباء عبر قاطع منزلهم المخصص الذي غالبًا ما تكون سعته “أمبيرًا واحدًا”، يكون كفيلاً بنشر النور على الأقل في أرجاء المنزل.
شركة “أكينيرجي” الكهربائية ستزود أعزاز بالكهرباء
الأهمية الكبيرة للكهرباء تتزايد في المجتمع نتيجة التطورات الصناعية والتقدم بها والحاجة اليومية لاستخدام الكهرباء في جميع مقتنيات المنازل، وانقطاعها قد يسبب الكثير من النقص للمواطنين، وبعد معاناة مستمرة مع الأمبيرات توعد المجلس المحلي في مدينة أعزاز بتزويد المدينة بالكهرباء التي بدورها تخفف العبء عن المواطنين نتيجة غلاء أسعار “الأمبيرات” وصعوبة الاشتراك بها.
بدأت الشركة التركية المنفذة لمشروع المحطة، العمل بالبناء في 1 من أبريل/نيسان الحاليّ، وبدأت ببناء القواعد في المحطة
كما أن الأمان الذي اكتسبته المنطقة والاستقرار الأمني دفع المجلس المحلي لمدينة أعزاز للبحث عن بدائل وتوفير خدمات أفضل للمدنيين، ووقع محلي المدينة في 2 من مارس/آذار الماضي اتفاقية مع شركة تركية لتستثمر الكهرباء في مدينة أعزاز الواقعة بريف حلب الشمالي.
وفي حديث خاص مع المهندس محمد عمر مصطفى مدير المكتب الخدمي في المجلس المحلي في مدينة أعزاز قال: “بدأ العمل على تجهيز الأرض التي تمّ تخصيصها للشركة التركية لبناء محطة التوليد الحراريّة، وتم اختيار مكان قريب من المدينة يبعد قرابة كيلومتر واحد عنها، ويقع مكان المحطة التي ستنشأ في الجهة الشرقية من مدينة أعزاز”.
كما بدأت الشركة التركية المنفذة لمشروع المحطة، العمل بالبناء في 1 من أبريل/نيسان الحاليّ، وبدأت ببناء القواعد في المحطة بحسب مصطفى، وورشات صيانة الشبكة الكهربائية داخل مدينة أعزاز تقوم بأعمال الصيانة باستبدال الأسلاك المعطلة والأعمدة المدمرة، وتنصيب أعمدة كهرباء جديدة بهدف الوصول إلى أحياء المدينة كافة.
وأضاف المكتب الخدمي أنهم واجهوا مشاكل كبيرة في كل المجالس المحلية، في فترة “الأمبيرات” وغلاء أسعارها وعدم ضبط أصحاب المولدات الكهربائية والتلاعب بالأسعار مع ارتفاع وانخفاض المازوت، وبدأ المجلس المحلي في مدينة أعزاز باستقبال طلبات التسجيل التي أعلنتها الشركة التركية في الـ10 من أبريل/نيسان الحاليّ، وفق إجراءات روتينة تتضمن براءات ذمة للمشترك وحق الملكية للبيت أو المحل التجاري وعقود الإيجارات، كما يوجد رسوم اشتراك للشركة التركية مخصصة للمشترك وحسب استخدامه.
واستطاعة الكهرباء تمكن المواطن من استخدام أي آلة كهربائية، وحسب الاستهلاك يكون الدفع، وتعمل الكهرباء على مدار 24 ساعة كما أنها ليست مثل الأمبيرات التي لا تعمل سوى 9 ساعات يوميًا، بحسب مصطفى.
وذكر أنه سيكون هنالك ساعات كهربائية لكل منزل أو محل تجاري أو معمل صناعي، وجارٍ صيانة الخطوط الكهربائية من الشركة، ووصل الساعة يقع على عاتقها، وأكد أن الكهرباء ستكون أقل تكلفة من الأمبيرات ومتناسبة مع دخل المواطنين، ورسم الاشتراك تم تحديده لكل منزل 400 ليرة تركية، أما المحال التجارية والمعامل الصناعية يتراوح بين 600 و1200 ليرة تركية.
عمل الكهرباء يمكن أن يرفع اقتصاد المناطق المحررة خاصة أنه يتم إنشاء مدينة صناعية في أعزاز ستنتهي مع وجود الكهرباء
تكون طريقة الدفع عبر ساعات إلكترونية تحوي بطاقة “ماستر كارت” يتم شحنها عن طريق الـptt مسبقة الدفع، وعندما ينتهي الشحن تفصل الكهرباء عن المدينة، وأوضح أن مدة تشغيل الكهرباء ستستغرق شهرين، وتكون الكهرباء في أحياء المدينة، وبعد شهرين من عمل الكهرباء سيكون هناك تطبيق على الهاتف المحمول يمكن شحن البطاقة عبره.
وتجدر الإشارة إلى أن أهمية الكهرباء هي أولويات المجالس المحلية والمكاتب الخدمية، وعمل الكهرباء يمكن أن يرفع اقتصاد المناطق المحررة خاصة أنه يتم إنشاء مدينة صناعية في أعزاز ستنتهي مع وجود الكهرباء، كما سيكسب المنطقة أمانًا ليلاً جراء إنارة شوارع المدينة، ويخفف أعباء المواطنين جراء المعاناة التي سبق ذكرها مع “الأمبيرات”.
وكانت مدينة جرابلس الحدودية بريف حلب الشرقي الأولى بوصل الكهرباء من الحكومة التركية، إلا أن باقي المناطق المحررة ليس لها بديل سوى المولدات الكهربائية، وأعزاز هي الخطوة الثانية بعد جرابس وفي مراحل أخرى ستعم الكهرباء باقي مناطق درع الفرات.