ضجت الصحف ووسائل الإعلام التركية بالعناوين المتفائلة بعلاقة أقوى مع المملكة المتحدة، قد تشكل بديلًا عن العلاقة المرتبكة مع واشنطن، وذلك بعد تصريح أردوغان من مدينة ريدنغ البريطانية، بأنه “لن ينسى الدعم البريطاني خلال محاولة انقلاب 15 من يوليو/تموز”، ووصفه بريطانيا بـ”الصديق الحقيقي”.
يجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة إلى بريطانيا، يُنتظر أن يلتقي خلالها الملكة إليزابيث الثانية ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووصفها المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية بأنها “فرصة للبلدين لإثبات العلاقة الثنائية القوية”، حيث يشارك أردوغان في منتدى “تاتلي ديل” الذي تستضيفه مدينة ريدنغ البريطانية بمشاركة مسؤولين سياسيين واقتصاديين وثقافيين بين البلدين.
وفي محاولة لتأكيد ضرورة التقارب بين البلدين اللذين تمتد العلاقة بينهما 500 عام، استدعى أردوغان احتلال نابليون لمصر بين 1789 و1801 وحرب القرم بين 1853 و1856، وقال إن نسخة من النيشان الذي أهداه السلطان سليم الثالث إلى الأدميرال البريطاني اللورد نيلسون قد وُضعت على باب منتدى “تاتلي ديل”.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تدهورًا في العلاقات التركية مع دول الاتحاد الأوروبي، مع توقف المفاوضات بشأن ملف عضوية تركيا في الاتحاد، وزيادة المشاعر العدائية تجاه تركيا على ألسنة السياسيين ووسائل الإعلام، التي أذكتها موجات اللاجئين الكبيرة عبر تركيا وساهمت تركيا في وقفها بأداء دورها المتفق عليه مع الاتحاد.
وأعربت صحيفة “ديلي صباح” المقربة من الحكومة التركية عن تفاؤلها بزيارة أردوغان في افتتاحية عنوانها “هل تحل بريطانيا مكان الولايات المتحدة كأقرب حليف غربي؟”، وصفت فيها العلاقة بين البلدين بـ”الممتازة” وأنها دليل على استعداد أنقرة التعاون مع حلفائها الأوروبيين طالما لم يسعوا لتهديد المصالح التركية.
محاولة الانقلاب نقلة في العلاقة
ربما يكون من أبرز محطات العلاقة بين البلدين، الدعم البريطاني لتركيا في مواجهة محاولة الانقلاب الدموية الفاشلة في 15 من يوليو/تموز 2016، فقد كان وزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا والأمريكتين آلان دانكن، أول المسؤوليين الدوليين زيارة لتركيا بعد ثلاثة أيام من محاولة الانقلاب.
وزار وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لاحقًا البرلمان التركي الذي تعرض لغارات من طائرات الانقلابيين، وصرح في أثناء زيارته بأن بريطانيا ستتخذ خطوات ضد أتباع منظمة غولن على أرضها، وهي المنظمة التي تتهمها تركيا بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية من خلال اختراق أجهزة الجيش والشرطة والقضاء.
وفي السنتين الماضيتين، امتنعت الحكومة البريطانية عن منح حق اللجوء لأعضاء في منظمة غولن، رغم منحهم اللجوء من قبل من عدد من الدول الأوروبية، ووصفت مدبري الانقلاب بأنهم “هاجموا الديمقراطية التركية”.
منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت” في يونيو/حزيران 2016، أعرب مسؤولون أتراك مرارًا عن تفاؤلهم بعلاقة أقوى مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد
وفي إطار مشاركتهما تحت مظلة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا، تتفق بريطانيا وتركيا على الحاجة إلى إنهاء الصراع في سوريا بأسرع وقت والقضاء على الإرهابيين وعلى نظام الأسد في آن معًا.
وفي خضم عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون العابرتين للحدود التركية السورية، قال مسؤولون بريطانيون إن تركيا لها الحق في تأمين حدودها ضد المجموعات الإرهابية وبريطانيا تعترف بمصلحة تركيا الشرعية في تأمين حدودها، وإن الحكومة البريطانية تجري بانتظام مناقشات مع تركيا بشأن الصراع في سوريا.
منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكسيت” في يونيو/حزيران 2016، أعرب مسؤولون أتراك مرارًا عن تفاؤلهم بعلاقة أقوى مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد، وفي أثناء زيارته الأخيرة كرر أردوغان هذه التصريحات، بقوله إن تركيا تولي أهمية خاصة لتطوير التعاون مع بريطانيا.
ويوم السبت الماضي، قال الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي عمر تشليك، إن الاتحاد الأوروبي سيخسر الدور الإستراتيجي لبريطانيا بعد خروجها منه، وذلك في ندوة عن العلاقات التركية البريطانية بعد بريكسيت مع الوزير البريطاني آلان دانكن، أشار فيها الوزير التركي إلى أن تركيا وبريطانيا “ديمقراطيتان كبيرتان في أوروبا، ستواصلان التعاون بعد بريكسيت”.
علاقات اقتصادية متنامية
يسعى البلدان لإيصال حجم التبادل التجاري بينهما، حسبما اتفق زعيما البلدين خلال زيارة ماي إلى تركيا العام الماضي، من 16 إلى 20 مليار دولار، وتأمل تريكا بمواصلة محادثات اتفاقية تجارة حرة بين البلدين بعد مرحلة بريكسيت.
تعمل أكثر من ثلاث آلاف شركة برأسمال بريطاني في تركيا، باستثمارات تجاوزت 10 مليارات دولار في الأعوام الـ15 الماضية، وقد دعت تركيا الشركات البريطانية إلى ضخ مزيد من الاستثمارات للاستفادة من خطة تشجيع الاستثمار في المشاريع التي أعلنتها مؤخرًا بقيمة 135 مليار ليرة تركية (تقارب 34 مليار دولار).
مستقبل العلاقة التجارية بين تركيا وبريطانيا سيظل غامضًا بالنظر إلى ارتباط تركيا باتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، مما يعني ظهور عوائق أمام التجارة بين البلدين عند خروج بريطانيا من الاتحاد، كما يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي سيظل شريكًا أكثر إستراتيجية من بريطانيا بالنسبة إلى تركيا
تُعد بريطانيا الوجهة الثانية للصادرت التركية في أوروبا بعد ألمانيا، كما تشهد تركيا وبريطانيا تعاونًا في الصناعات الأمنية والدفاعية، مثل مشروع هيئة الصناعات الفضائية التركية (TAI) لصناعة الطائرة المقاتلة التركية من الجيل الخامس (TF-X) الذي يُنفذ بالتعاون بين وزارة الدفاع التركية ومؤسسة الدفاع البريطانية، فيما يعد دليلاً على إمكانية تطوير العلاقة أكثر من ذلك.
ومن ناحية أخرى، تستورد تركيا 1% من الصادرات الصناعية والخدمية البريطانية، بقيمة بلغت 3.5 مليار دولار عام 2017، وترى بريطانيا “سوقًا متناميًا بسرعة للصادرات التي طالما استهدفت الحكومة البريطانية تشجيعها”، مثل السيارات والآلات والأدوية.
ويرى محللون أن مستقبل العلاقة التجارية بين تركيا وبريطانيا سيظل غامضًا بالنظر إلى ارتباط تركيا باتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، مما يعني ظهور عوائق أمام التجارة بين البلدين عند خروج بريطانيا من الاتحاد، كما يُشار إلى أن الاتحاد الأوروبي سيظل شريكًا أكثر إستراتيجية من بريطانيا بالنسبة إلى تركيا.
أخيرًا، يتوجب الإشارة إلى الازدياد المُطّرد لعدد السياح القادمين من بريطانيا إلى تركيا الذي يتوقع أن يصل إلى 3 ملايين سائح في العام الحاليّ، بعد أن بلغ مليونًا و700 ألف في العام الماضي، ويحتل السياح البريطانيون المرتبة الأولى بين زوار مدينة أنطاليا السياحية جنب شرق تركيا.
آفاق محتملة للعلاقة
مع استمرار تدهور العلاقات التركية الأمريكية، خاصة في سوريا بعد دعم الأخيرة تنظيمات مرتبطة بتنظيم “بي كي كي” الذي تعده تركيا إرهابيًا، وعدم توصلهما إلى اتفاق بشأن مكافحة منظمة غولن التي يقيم زعيمها في الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو المجال مفتوحًا لحليف غريب قوي آخر لتركيا.
بريطانيا لها يد في الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، خاصة في التحالف ضد تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، إلا أن نيتها ليست واضحة تجاه الإخلال بالتوزانات في المنطقة
ومع أن بريطانيا لها يد في الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، خاصة في التحالف ضد تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، إلا أن نيتها ليست واضحة تجاه الإخلال بالتوزانات في المنطقة، تمامًا كالولايات المتحدة، خاصة بعد تراجع لندن عن واشنطن بخطوة في هذا الصدد الأسبوع الماضي، حين أعلن الرئيس الفرنسي اتفاق باريس ولندن وبرلين على مواصلة التزامها بالاتفاق النووي الذي أعلن ترامب عزمه الانسحاب منه.
هذه النقطة ربما تصب في خانة التوافق مع تركيا، لكنها لا تشير إلى اهتمام بريطاني بملفات الصراع في المنطقة الذي يبدو أنه باتجاه الحسم لصالح محور روسيا وإيران، وحيث إن تركيا تبدو في توافق مع الروس والإيرانيين، فيبدو أنها لن تكون بحاجة إلى بريطانيا في هذا الملف، وربما يكون حلف تركيا مع الغرب في مسائل أخرى خارج الشرق الأوسط مثل الاقتصاد.