خلال 24 ساعة فقط، خرجت حالة التوتر المكتوم بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان إلى السطح مجددًا، حيث قادت الأخيرة هجمة صارمة وقاسية، ردًا على تصرفات إماراتية في الاقتصاد والسياسة والثقافة وُصفت بـ”الاستفزازية”، فلم تعد العلاقات الفاترة بين الجارتين والعضوين في مجلس التعاون الخليجي محللًا لعودتها، ولم يعد الحياد الذي أجادَه السلطان قابوس مجديًا.
عقوبات ضد أبو ظبي.. على الجيران أن يستوعبوا ذلك
يبدو أن صبر السلطنة نفد، فلم تعد تتقبل هذه الاستفزازات، حيث أشار نائب رئيس الهيئة العامة للصناعات الحرفية في سلطنة عُمان، عصام بن علي الرواس، في حديثه مع إذاعة “الوصال” المحلية، إلى تهديدات عُمانية بكشف أوراق دامغة ضد الإمارات، وان “سلطان عُمان قابوس بن سعيد، لديه وثائق إذا أراد أن يكشفها فلن نحتاج لكل هذه الضجة، لكنه يمارس سياسة التهدئة داخليًا وخارجيًا، ولا يريد أن يسيء لأحد؛ لأنه كبير وواثق من نفسه، ويعرف تاريخ بلاده جيدًا”.
رسالة..( عميقة)..من السلطنة
وعلى الجار فهم الرسالة
فالسلطنة وسلطانها مسالمون أهل حلم وحكمة
وطولة بال وشعبها وسلطانها أناس كرام
يسعون دائمًا للخير وحل الخلافات بالحوار
وتاريخ السلطنه مشرف سياسيًا” واجتماعيًا”
فعلى الجار احترام جاره وإلا..نفد صبره..؟؟ pic.twitter.com/YjwDVWI5Pe— بوغانم (@hassanalishaq73) June 6, 2018
الرواس، قال في حديثه لإذاعة “الوصال” المحلية: “على الجيران أن يستوعبوا من الآن فصاعدًا أن صبر الشعب العُماني والمسؤولين في الدولة قد نفد، ولم يعد هناك قدرة على التحمل، في إشارةٍ للإمارات، التي استهدفت السلطنة مؤخرًا، بمحاولات سرقة وتزوير للتاريخ العُمانيّ، خاصة بعد حملات “الذباب الإلكتروني”، وهو مصطلح يستخدمه ناشطون للدلالة على حسابات إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي تابعة للسعودية والإمارات”.
تحذيرات مسؤولي السلطنة سرعان ما تكللت بأفعال، حيث اتخذت مسقط خطوات مفاجئة ضد أبو ظبي، كان أولها في قطاع التعليم الجامعي، حيث أصدرت السلطنة توجيهات لطلابها بعدم الالتحاق ببرنامج دبلوم التأهيل التربوي في جامعة أبو ظبي، وأصدرت لجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي قرارًا بعدم تصديق شهادات دبلوم التأهيل التربوي من الملحق الثقافي للطلاب الملتحقين بعد صدور قرار منع الالتحاق بالبرنامج المذكور بالمؤسسة المذكورة، مقابل ذلك، أدرجت اللجنة جامعة “حمد بن خليفة” في قطر، ضمن قائمة مؤسسات التعليم العالي المُوصى بالدراسة فيها.
هذه القرارات العقابية تتزامن مع حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، ما يثير المخاوف لدى سلطنة عُمان التي تخشى الغدر بها من بعض دول الخليج، على غرار ما تم مع قطر
وفي إطار العقوبات التي تفرضها السلطنة على أبو ظبي قرر مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال العُماني، يوم الأربعاء 6 من يونيو/حزيران الجاري، إلغاء ترخيص بنك أبو ظبي الأول (بنك أبوظبي الوطني سابقًا) من مزاولة العمل في مجال الأوراق المالية في السلطنة، وشطب قيده من سجل الشركات العاملة في هذا المجال، طبقًا لنص المادة (30) من قانون سوق رأس المال، ما يعني خروجه من سوق المال العُماني لأول مرة منذ دخوله عام 1976، مشيرةً إلى أنّ الإلغاء جاء بناءً على طلب من البنك.
هذه القرارات العقابية تتزامن مع حالة من عدم الاستقرار في المنطقة في ظل الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثاني دون وجود بوادر انفراج أو حلحلة، وافتعلتها أبوظبي والرياض وفرضهم للحصار على جارتهم قطر، ما يثير المخاوف لدى سلطنة عُمان التي تخشى الغدر بها من بعض دول الخليج، على غرار ما تم مع قطر.
الإمارات.. استفزازات لا تنتهي
في الفترة الأخيرة تجاوزت الإمارات حدودها بحق جيرانها عبر سلسلةٍ من التصرفات الاستفزازية، ليس آخرها خريطة “مشوهة” عُرضت في يناير 2018، في متحف اللوفر في أبو ظبي تُظهر محافظة “مسندام” العُمانية ضمن حدود الإمارات، ما أثار غضب السلطنة التي اتهمت الإمارات بسرقة تاريخ عُمان وشخصيات عُمانية تاريخية ونسبها إليها.
ولم يكن ذلك الخلاف الأول خلال العام الحاليّ؛ ففي مارس 2018، تسبب الفيلم الوثائقي الذي بثته وسائل الإعلام الإماراتية بعنوان: “زايد الأول.. ذاكرة ومسيرة”، في موجة غضب عارمة على إثر تلفيقه لوقائع تاريخية مشوهة وغير حقيقية.
لكن الأزمة الأخيرة تأتي بعد الخلاف الإعلامي الذي وقع بين سلطنة عُمان والإمارات، الشهر الماضي، بعدما نظمت الأولى ندوة لتأكيد عُمانية المهلب بن أبي صفرة (أحد ولاة الأمويين على خراسان)؛ وذلك استباقًا للمسلسل الإماراتي الذي يعرضه تليفزيون أبو ظبي في رمضان عن “المهلب” لمحاولة إثبات نسبه للإماراتيين، وتقول السلطنة إنه رمز لها.
اعتبر المحلل السياسي العُماني عبد الله الغيلاني أن “التجاوزات الإماراتية والسلوك الرسمي للحكومة الإماراتية نوع من العدوان الثقافي والجغرافي على التراث العُماني”
وسبق المسلسل أزمة أخرى، حيث أدرجت حضارة “مجان” العُمانية في مناهجها الدراسية تحت اسم “حضارة مجان في دولة الإمارات”، ما أثار حالة من الغضب العارم امتدت من عُمان إلى جارتها اليمن، كما شكا القائمون من اجتزاء حديث المؤرخ العُماني محمد المقدم، بما يناسب الفكرة العامة التي يرغبون بالترويج لها.
في هذا الصدد، اعتبر المحلل السياسي العُماني عبد الله الغيلاني أن “التجاوزات الإماراتية والسلوك الرسمي للحكومة الإماراتية نوع من العدوان الثقافي والجغرافي على التراث العُماني”، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فالعدوان الثقافي كان أشد وطأة.
جذور الصراع المكتوم
خريطة “اللوفر”، وإن كانت نقطة الخلاف الأحدث بين الإمارات وعُمان، إلا أنها ليست الوحيدة بينهما، فالعلاقات بين الإمارات وسلطنة عُمان حساسة للغاية، والخلافات بينهما مكتومة، وفي بعض الأحيان تطفو للسطح، خاصة عندما تزداد الاستفزازات الإماراتية.
وشكل العام 2011 محطة العلن في الخلافات بين البلدين، وذلك عندما اكتشفت السلطات العُمانية شبكة من الجواسيس تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات، وذكرت حينها أن الشبكة هدفها كسب ولاءات ضباط وسياسيين عُمانيين، وجمع معلومات خاصة عن الرجل الذي يخلف السلطان قابوس الذي يعيش بلا زوجة أو ابن يرث العرش.
ورغم أن هذه الأزمة حُلَّت بوساطة خليجية كويتية أدت إلى شروط مالية وسياسية على أبو ظبي لصالح مسقط، فإن تبعاتها لم تنتهِ حتى اليوم، حيث توالت الاتهامات بعد ذلك لأ بوظبي، ويتهم بعض العُمانيين الإمارات بشكل غير رسمي بالوقوف وراء أحداث “صحار” التي شهدت احتجاجات ضد النظام السياسي وصلت إلى العاصمة مسقط في فبراير/شباط 2011.
كشفت تقارير صحفية، أن أبو ظبي دبرت محاولة للانقلاب على السلطان قابوس بن سعيد، لكن الأجهزة الأمنية العُمانية أحبطتها
وقد ظهر جليًا أن الإمارات تُعنى بقضية من يخلف السلطان قابوس في حكم السلطنة، ففي العام 2015، أكدت مسقط أن الإمارات تقوم بـعمليات شراء غير مسبوقة لأراضٍ وولاءات قبلية شمال السلطنة على الحدود مع الإمارات، وقدمت أموالًا طائلة لشخصيات قبلية غير معروفة، واكتشفت ذلك في ولاية مدحاء العُمانية التي تقع بالكامل داخل الأراضي الإماراتية، ومحافظة مسندم العُمانية التي تطل على مضيق هرمز (شمالي الإمارات).
وبعيدًا عن أزمة التجسس، شابت العلاقات بين الطرفين العديد من الأزمات، بعضها جاء على خلفية تحركات مشبوهة للإمارات، هدفت من خلالها إلى السيطرة على محافظة المهرة شرق اليمن الحدودية مع سلطنة عُمان، في مسعى لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة محاذية لأهم المضائق البحرية “هرمز”.
وبخلاف النزاعات الحدودية التي تجاوزها الطرفان بالهدوء، فالإمارات لها وقائع تاريخية سيئة مع السلطنة، فقد كشفت تقارير صحفية أن أبو ظبي دبرت محاولة للانقلاب على السلطان قابوس بن سعيد، لكن الأجهزة الأمنية العُمانية أحبطتها.
وفي أكتوبر الماضي، كشف حساب “مجتهد الإمارات” الشهير على تويتر مؤامرة ضد سلطنة عُمان يقودها ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح محمد دحلان، من خلال دعمهما للمعارضة العُمانية المزعومة في مسندم وظفار.
مصادر خاصة: محمد بن زايد ومستشاره “دحلان” يعملان على تمويل المعارضة العمانية في مسندم وظفار ، والتواصل مع معارضين قطريين وتمويلهم أيضًا
— مجتهد الإمارات (@mujtahiduae) October 23, 2017
وحتى الآن حسب المصادر تم تقديم ما يقارب ال 16 مليون دولار لوجهاء ومشايخ من محافظة مسندم#عمان
— مجتهد الإمارات (@mujtahiduae) October 23, 2017
وفي هذا الإطار كشف حساب يدعى “بدون ظل” الذي يعرف نفسه على أنه ضابط بجهاز الأمن الإماراتي، في سلسلة تغريدات له أن “الأجهزة الأمنية في سلطنة عُمان وضعت يدها على وثائق وتسجيلات تؤكد تدخل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في التأثير على أهالي مسندم، بهدف استمالتهم لصالح الإمارات وتحريضهم للمطالبة بالانفصال عن سلطنة عُمان”.
وضعت الأجهزة الأمنية في سلطنة عمان الشقيقه يدها على وثائق وتسجيلات تؤكد تدخل سمو الشيخ محمد بن زايد في التأثير على أهالي مسندم بهدف استمالتهم لصالح الإمارات وتحريضهم للمطالبة بالانفصال عن سلطنة عمان وهو ما أزعج السلطان قابوس
وبعد أن انكشف الأمر سارع سمو الشيخ محمد بن زايد— بدون ظل (@without__shadow) March 19, 2018
وفي أغسطس 2017، برز الصراع الإماراتي العُماني بشكل واضح خلال حملات التجنيس لأبناء المناطق اليمنية الحدودية، وبدأت الإمارات تجنيس عدد من أبناء سقطرى، فردت عُمان بحملة تجنيس أخرى لأسرتي رئيس الوزراء السابق حيدر أبوبكر العطاس، وسلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار، شملت نحو 69 من أبناء الأسرتين.
لماذا تبدأ الإمارات دائمًا؟
لم ينته الخلاف بعد؛ ففي عام 2015، رفضت الإمارات طلب عُمان بمد خطوط الغاز الإيراني عبر أراضيها، وكانت نتيجة ذلك الرفض توقف المشروع حتى الآن، وكانت عُمان تعول عليه لتقليل اعتمادها على النفط في أثناء أزمتها الاقتصادية.
يرجع ذلك إلى أحد الأسباب بشأن الاستفزازات الإماراتية لسلطنة عُمان، حيث أدت العلاقات العسكرية والأمنية التاريخية بين السلطنة وإيران “العدو اللدود” للسعودية والإمارات دورًا في احتدام الصراع بين الإمارات والسلطنة بضوء أخضر سعودي، فهذه العلاقات التي تحافظ على توازنها في ظل تفاقم الصراع الخليجي مع إيران، قد تُبرّر كسبب لتجاهل الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز زيارة عُمان في جولته الخليجية في ديسمبر/كانون الثاني 2016.
ومع استمرار هذه العلاقات ورفض عُمان الانضمام إلى التحالف العسكري الدولي في اليمن، وأدائها للدور السياسي فقط في اليمن، تنتهج الإمارات قولًا بأن “السلطة تدعم الحوثيين في اليمن”، وتتخذ ذلك ذريعة في عدوانها الخفي على السلطنة، وتكيل الاتهامات المباشرة لها بتهريب الأسلحة والمعونات لجماعة أنصار الله الحوثي عبر منفذي ميناء نشطون وصرفيت على الحدود في محافظة المهرة اليمنية.
لعل ما أزعج الإمارات أيضًا من سلطنة عُمان، استيراد مسقط عتادًا عسكريًّا من تركيا؛ ضمن إطار اتفاقية تم توقيعها عام 2015 بين الجانبين
ولا يمكن فصل التصعيد الإماراتي ضد عُمان عن الأزمة الخليجية، فالموقف العُماني المحايد من حصار قطر جعلها وسعيها لكسر الحظر، وتطلعها لحل الأزمة الخليجية، ودعمها لجهود الوساطة الكويتية؛ جعل منها “حليفًا غير وفي” يستحق العقاب، حيث كشف المغرد الشهير “مجتهد الإمارات”، أن سفير أبو ظبي لدى واشنطن يوسف العتيبة “يخوض حملة تحريض سرية داخل أمريكا ضد سلطنة عُمان، بحجة أن السلطنة تدعم الحوثيين”، وبحسب مجتهد، فإنه “بعد شيطنة قطر جاء الدور على سلطنة عُمان”.
وفي هذا الصدد، يؤكد تقرير مجلة “الإيكونومست” البريطانية أن “عُمان التزمت بالحياد في صراعين خليجيين متزامنين – أحدهما عسكري، والآخر دبلوماسي واقتصادي – قد يكون أكبر من قدرتها على تحمّله على المدى الطويل”، ويوضح التقرير أنه “نظرًا لوضع عُمان الاقتصادي الضعيف، يمكن للسعودية والإمارات محاولة تأمين دعمهما في حصار قطر من خلال التهديد بفرض العزلة الاقتصادية من جانبهما على عُمان، أما عدم حدوث هذا حتى الآن، فيدعم التصورات العُمانية بأنه قد يتم انتقاد حيادها علنًا، ولكنه لا يزال ذا قيمة خاصة كقناة أساسية للتراجع“.
أيضًا الأزمة السورية كان لها نصيب من الوساطة العُمانية؛ فمسقط رفضت التصويت على إيقاف عضوية “سوريا الأسد” من الجامعة العربية، لتقطع الأمل على السعودية التي أرادت توحيد الصف العربي ضد الأسد؛ من أجل الضغط بالتدخل العسكري لحل الأزمة، وهو ما فشل بتهديد روسيا ومساعي عُمان.
ولعل ما أزعج الإمارات أيضًا من سلطنة عُمان، استيراد مسقط عتادًا عسكريًّا من تركيا؛ ضمن إطار اتفاقية تم توقيعها عام 2015 بين الجانبين، وتتضمن تزويد قوات السلطنة العُمانية بـ 172 عربة مصفحة من هذا النوع، حتى عام 2020؛ لتكون مسقط ثاني دولة تتسلّم عتادًا تركيًّا بالخليج العربي بعد قطر.