دخلت تركيا مرحلة جديدة مع انتقالها بشكل كامل – بعد انتخابات 24 من يونيو/حزيران الماضي – للنظام الرئاسي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أصبح البعض يطلق عليه لقب مؤسس الجمهورية الثانية باعتباره مؤسس النظام الرئاسي، حيث يقصد في هذا السياق بالجمهورية الأولى الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال عام 1923.
ولعل البعض يرى أن هذه ليست جمهورية جديدة بل نقطة تحول في تاريخ تركيا، كنقاط من قبيل نجاح حزب العدالة والتنمية عام 2002 وتحول تركيا عام 1950 من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية ومحاولة انقلاب 15 من يوليو/تموز 2016 الفاشلة.
وللوهلة الأولى قد يُتوهم أن التغيير هو في آلية الحكم واتخاذ القرار عبر مؤسسة الرئاسة ونقلها من البرلمان، ولكن التغيير يهدف إلى تحول كبير وبأولويات في قطاعات معينة، وكما يقول البرفيسور برهان الدين ضوران في صحيفة “صباح” بأن هذا التحول لا بد أن يكون له أولويات، منها إحداث التحول الاقتصادي والثقافي والتعليمي والزراعي والغذائي والحيواني وتقوية الإدارات المحلية والبلديات.
سيدير أردوغان تركيا من خلال مساعد واحد و16 وزيرًا بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الأخرى
ويقول نوح البيرق الذي عدّد في مقاله بصحيفة “ستار” أوجه النضال التي خاضها حزب العدالة والتنمية في الصراع مع الوصاية العسكرية وتقوية الديمقراطية ومواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، إن مصطلح تركيا الجديدة قد ذكر مرات عديدة قبل هذا الوقت، لكن المعنى الحقيقي لتركيا الجديدة يبدأ من الآن على حد قوله، وعلى كل حال فإن النضال سوف يستمر على المستوى الداخلي والخارجي، وحتى مع انتصار تحالف الجمهور على بقية أحزاب المعارضة فإن المعارضة غير المقتنعة بالنظام الرئاسي ستواصل فرض الضغوط، وقد عبر حزبا المعارضة (حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية) عن هذا الرفض بعدم الوقوف في أثناء استقبال أردوغان عند دخوله البرلمان، كما غاب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو عن المجلس في هذا اليوم أيضًا.
وكما ذكرنا فإن الأولويات المذكورة أعلاه ترتبط بشكل أكبر بطبيعة التشكيلة الوزارية، وقد أعلن الرئيس أردوغان تشكيلته الوزارية حيث سيدير أردوغان تركيا من خلال مساعد واحد و16 وزيرًا بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الأخرى، وفيما يلي نستعرض أسماء التشكيلة الوزارية:
جاء على رأس التشكيلة الجديدة فؤاد أوكتاي نائبًا للرئيس، فيما حافظ على منصبه كل من مولود تشاوش أوغلو وزيرًا للخارجية وسليمان صويلو وزيرًا للداخلية وعبد الحميد غل وزيرًا للعدل، بينما اختار أردوغان براءت ألبيرق وزيرًا للخزانة والمالية بعد أن شغل منصب وزير الطاقة والموارد الطبيعية في الحكومة السابقة، وخلوصي أقار وزيرًا للدفاع بعد أن كان يشغل منصب رئيس الأركان في القوات المسلحة التركية.
كما تضمنت التشكيلة الوزارية كلًا من زهرا زمرد سلجوق وزيرة للعمل والأسرة ومراد كوروم وزيرًا للبيئة والتطوير العمراني وفاتح دونماز وزيرًا للطاقة والموارد الطبيعية ومحمد قصاب أوغلو وزيرًا للرياضة والشباب، وضمت الحكومة الجديدة أيضًا محمد أرسوي وزيرًا للثقافة والسياحة وضياء سلجوق وزيرًا للتربية وفخر الدين كوجا وزيرًا للصحة وجاهد طوران وزيرًا للنقل والبنى التحتية وروهصار بكجان وزيرة للتجارة وبكر باك دميرلي وزيرًا للزراعة والغابات ومصطفى فارانك وزيرًا للصناعة والتكنولوجيا.
الوزارات تشغلها شخصيات مهنية أكثر منها سياسية توصف بالتكنوقراط ويأتون من خلفيات إدارية وأكاديمية ومهنية، وعلى رأس هؤلاء مساعد الرئيس فؤاد أوكتاي الذي كان المدير العام لإدارة الطوارئ والكوارث “أفاد”
ومن الواضح بشكل مباشر أن 3 وزراء احتفظوا بوزارتهم وهي الوزارات السيادية (الخارجية والداخلية والعدل)، فيما بقي بيرات البيرق وزيرًا لكن من وزارة الطاقة إلى وزارة الخزانة والمالية، ليكون صهر أردوغان ووزير الطاقة السابق المسؤول عن إدارة الاقتصاد، أما خلوصي أكار فهو أول عسكري يصبح وزيرًا للدفاع منذ عدة عقود، ويبدو أن وجوده كشخص مطلع على العمل العسكري من الميدان وابن المؤسسة العسكرية سيكون مفيدًا بعد أن أظهر الكثير من المؤشرات على إخلاصه للقيادة وولائه للديمقراطية، أحد هذه المؤشرات موقفه في 15 من يوليو/تموز، ومع ذلك ما زال هناك من يساوره الشك في أي شخص بالمؤسسة العسكرية بسبب تاريخها.
ولعل الملاحظة الأخرى أن بقية الوزارات تشغلها شخصيات مهنية أكثر منها سياسية توصف بالتكنوقراط ويأتون من خلفيات إدارية وأكاديمية ومهنية، وعلى رأس هؤلاء مساعد الرئيس فؤاد أوكتاي الذي كان المدير العام لإدارة الطوارئ والكوارث “أفاد” المسؤولة عن استقبال وتنظيم حياة اللاجئين، كما يعد أوكتاي خبيرًا في الطيران وصناعة السيارات، وطوال فترة وجوده في الولايات المتحدة عمل في صناعة السيارات مع شركات مثل “فورد” و”جنرال موتورز” و”كرايسلر”، كما عمل على تطوير المنتجات والمشاريع في هذه الشركات، وعمل محاضرًا في جامعات الولايات المتحدة وتركيا، وقدم خدمات استشارية للعديد من شركات القطاع العام والخاص.
ولعل ما نضيفه هنا كمعلومة وربما كانت من وجهة نظر هذا التحليل السبب في تعيين فؤاد أوكتاي مساعدًا للرئيس، أن الرجل عمل في المرحلة الماضية – التي كانت مقدمة لتطبيق النظام الرئاسي – في التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة في عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون، وفيما يبدو أن الرجل أظهر قدرات جيدة في إدارة هذه الأعمال، ومن الواضح أيضًا أنه سيكون له بصمة في النظام الجديد خاصة أنه كان يعمل في الفترة الماضية على رأس فريق للإجابة عن أسئلة بنيوية قد تواجه تركيا في الـ200 سنة القادمة.
أردوغان يريد أن تدار الدولة بشكل عملي على أيدي متخصصين قدر الإمكان، كما أنه يريد في الوزارات الحساسة أشخاصًا مقربين منه لديهم خبرة وسجلات نجاح ويحظون بثقته ويعرفون طريقته الخاصة في الاقتصاد والسياسة والأمن
وفي هذا السياق سأل الكثيرون عن حصة الحليف وهو حزب الحركة القومية في الوزارات، حيث أن القائمة خلت من وزراء قادمين مباشرة من الحركة القومية، ولكن بعض الوزراء يشار إلى أن لديهم خلفية قومية، ومع ذلك فإن هذا مرتبط بالتفاهمات التي تم عليها التحالف التي يبدو أن الحركة القومية لم يكن يطالب فيها بالحصول على وزراء في الحكومة حينها، ولكن ربما يكون للحركة القومية مطالب في مناصب رفيعة أخرى في الوزارات، ومن جهة أخرى فإن وجود هذا العدد من الوزراء المتخصصين والتكنوقراط وليس السياسيين ربما كان له انعكاس على هذا الأمر.
وقد أشير إلى عدد من الأسماء قبل إعلان التشكيلة الوزارية مثل إبراهيم كالن في وزارة الخارجية الذي يبدو أن الرئيس رجح في هذه الفترة أن يبقى في موقعه كناطق باسم الرئاسة، ولكن مما لا شك فيه أن كالن شخصية تحظى بالاحترام وسيكون له موقع أكبر في مستقبل تركيا، أما وزير الخارجية الحاليّ جاويش أوغلو فقد أظهر أداءً جيدًا وتحملًا للملفات الكبيرة في عملية إدارة الدبلوماسية الكثيفة لتركيا في السنوات الأخيرة بكل هدوء ودبلوماسية.
من الواضح أن أردوغان يريد أن تدار الدولة بشكل عملي على أيدي متخصصين قدر الإمكان، كما أنه يريد في الوزارات الحساسة أشخاصًا مقربين منه لديهم خبرة وسجلات نجاح ويحظون بثقته ويعرفون طريقته خاصة في الاقتصاد والسياسة والأمن، ولكن ينبغي أن نشير أن هناك مؤسسات أخرى سيكون لها دور في هذا النظام خارج التشكيلة الوزارية، وستكون مرتبطة بالرئيس وستتبين تبعياتها ومرجعياتها وكيفية إدارتها في الأيام القادمة.