ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الحالي، كل شيء هادئ على الجبهة الغربية لليمن. خلال شهر حزيران/ يونيو، أعلنت القوات الموالية للحكومة إطلاق عملية النسر الذهبي، التي استهدفت مدينة الحديدة الاستراتيجية، التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون منذ سنة 2015. وبدعم من القوات الإماراتية والطائرات والسفن الحربية السعودية والإماراتية، سرعان ما أحرز الجيش تقدمًا سريعًا في المنطقة الساحلية. ولكن بعد مرور أسبوع واحد فقط، عجزت القوات عن التقدم، وتحولت الحديدة إلى جبهة قتال أخرى، من الواضح أنه من غير الممكن حل النزاع فيها.
في هذا السياق، صرّح وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في إحدى التغريدات التي نشرها على موقع تويتر، في غرة يوليو/ تموز، أنه تم إيقاف الهجوم بصفة مؤقتة لفسح المجال للتفاوض على شروط الاستسلام. في الأثناء، يعتقد كل من المقاتلين على الأرض والمحللين أن هناك أسبابًا أخرى تقف وراء حالة الجمود.
1- الحوثيون مستعدون بشكل جيد
وفقاً لمقاتل مؤيد للحكومة، الذي تحدث إلى موقع ميدل إيست آي البريطاني شريطة عدم الكشف عن هويته، تتمثل إحدى المشكلات في عدد الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون على أطراف المدينة. وأضاف المصدر ذاته أن القتال توقف في المطار، أي في أول ساحة قتال ضمن الصراع، التي كانت هدفا أساسيا للقوات الحكومية، مشيرا إلى أنه لم تصلهم بعد ذلك أي تعليمات أخرى للتقدم، لأن الحوثيين قد تحصنوا بالفعل، واستعدوا للمعركة جيدا.
يشعر القادة المؤيدون للحكومة بالتردد حيال مسألة التقدم أكثر، نظرا لأن القيام بذلك قد يكلفهم عددا كبيرا من الأرواح
وتابع المصدر ذاته، أن “الحوثيين زرعوا الألغام الأرضية بكثافة ونشروا القناصة في كل مكان. وقد وصلت تعزيزات كبيرة للحوثيين في الحديدة، بما في ذلك عدد من المقاتلين الأشداء”. ومن الواضح أن قرقاش يتفق مع هذا الموقف. وأورد هذا المقاتل قائلا: “يمكننا استئناف الهجوم على الحديد، لكن ستكون هناك خسائر فادحة، وهذا يتطلب تفكيرا عميقا من قبل القيادة قبل أن نمضي قدما. علاوة على ذلك، لا يبالي الحوثيون بأرواح المدنيين التي يمكن أن تسقط في هذه المعركة، لكننا نهتم لذلك”.
من جانب آخر، يشعر القادة المؤيدون للحكومة بالتردد حيال مسألة التقدم أكثر، نظرا لأن القيام بذلك قد يكلفهم عددا كبيرا من الأرواح، وذلك على حد تعبير مقاتل مؤيد للحكومة. وقد أكد هذا المصدر وصول المزيد من المقاتلين والأسلحة لتعزيز القوات الموالية للحكومة في معركة الحديدة، حيث تشير هذه الخطوة إلى أن القيادات لديها خطة جديدة على وشك تنفيذها.
2- الدافع الدبلوماسي
صرح عزت مصطفى، أحد أبناء مدينة الحديدة، الذي فر من المدينة خلال سنة 2015 عندما سيطر عليها الحوثيون، وأسس بعد ذلك مركز الفنار لأبحاث السياسة، الذي يتخذ من عدن مقرا له، أنه “على الرغم من حالة الجمود، تطورت المعركة من أجل الحديدة بشكل أسرع من العديد من المعارك الأخرى في خضم الحرب”. وخلال حوار أجراه مع موقع ميدل إيست آي، أفاد عزت مصطفى أن “القوات الموالية لهادي تقدمت أكثر من 170 كيلومترا انطلاقا من مدينة المخاء نحو مدينة الحديدة واستعادت المطار وثلاث شوارع استراتيجية في المدينة”.
خلال شهر نيسان/ أبريل 2018، احتج مؤيدو الحوثيين على مقتل الزعيم السياسي صالح علي الصماد في الحديدة، الذي لاقى مصرعه خلال غارة جوية بقيادة سعودية.
أكد عزت مصطفى أن التقدم الذي أحرزته القوات الموالية للحكومة يعد الأكثر نجاحًا حتى اللحظة الراهنة، حيث استطاعت هذه القوات السيطرة على عدة مدن صغيرة تقع بين المخاء ومدينة الحديدة. قد يتفق عزت مع قرقاش على أن توقف القوات عن التقدم كان طبيعيًا، نظرًا لأن “القوات الموالية للحكومة أرادت منح فرصة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، للوصول إلى حل سلمي حول الحديدة”.
لم تحقق عدة حملات سابقة الأهداف التي ترنو إليها، بما في ذلك عملية فك حصار مدينة تعز، والهجمات على مديرية نهم ومأرب وحجة وأماكن أخرى
في شأن ذي صلة، أوضح مصطفى أن “المقاتلين الموالين للحكومة يستعدون بحذر لخوض معركة حاسمة بسبب الخنادق والألغام الأرضية الثقيلة التي زرعتها ميليشيات الحوثي في المناطق السكنية. لقد كانت فرصة للقوات أن تعيد ترتيب صفوفها وأن تتسلح بتكتيكات جديدة لتحرير المدينة ومينائها في غضون أيام قليلة، مع وضع الجانب الإنساني في الاعتبار”. ووفقا للأمم المتحدة، يعيش أكثر من 600 ألف شخص في الحديدة والمناطق المحيطة بها. كما تقدر أن ما لا يقل عن 35 ألف عائلة قد فروا خلال الشهرين الماضيين.
3- إنشاء جيش جديد
لا يعد الهجوم على الحديدة الهجوم الأول الذي يشهد عقبات وحالة من الجمود في حرب اليمن التي دامت ثلاث سنوات. فلم تحقق عدة حملات سابقة الأهداف التي ترنو إليها، بما في ذلك عملية فك حصار مدينة تعز، والهجمات على مديرية نهم ومأرب وحجة وأماكن أخرى. وقد وصلت جميعها إلى طريق مسدود. ووفقا لعزت مصطفى، يعود توقف هذه الحملات العسكرية إلى محاولات الحكومة لإنشاء جيش جديد.
أشار عزت مصطفى إلى أنه “حين استولت ميليشيات الحوثي التي تدعمها ايران على العاصمة صنعاء ( خلال شهر أيلول/سبتمبر 2014)، سيطروا على جميع وحدات الجيش وأسلحتهم. لذلك، اضطرت الحكومة لإنشاء جيش جديد على مدى السنوات الثلاث الماضية”. وتابع المصدر ذاته أن “الجيش الجديد، المدعوم من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، أصبح أقوى من ذي قبل، حيث بات يمتلك أسلحة أفضل كما يتبع نهجا أكثر تطوراً للقتال”.
من جهة أخرى، أكد مصطفى أن “هناك تباين في ميزان القوى بين القوات على أرض المعركة، حيث تتنامى كل يوم قوة القوات الموالية للحكومة في حين تتراجع قوة ميليشيات الحوثي. وعلى الرغم من الترسانة العسكرية التي يمتلكها الحوثيون والتعزيزات التي وصلتهم من إيران، إلا أن ميليشيا الحوثي باتت تعاني من وهن واضح في صفوفها”. ومن جهته، سلط قرقاش الضوء على حالة الضعف التي تشهدها ميليشيا الحوثي، على الرغم من أن المدينة والميناء لا يزالان تحت سيطرة الحوثيين.
أوضح عزت مصطفى أن القوات الموالية للحكومة تقدمت على عدة جبهات في محافظة صعدة، التي تعد معقل الحوثيين. وعلى الرغم من استمرار المعارك في ضواحي المحافظة، بما في ذلك المناطق التي تقع على مقربة من البقيع، إلا أنه لم يتم تحقيق أي تقدم من قبل القوات الموالية للحكومة على مدار سنتين.
4- الاستخفاف بقدرات الحوثيين
لا يؤيد بعض الخبراء تحليلات المناصرين والمؤيدين للحكومة. ويخشى الأكاديميون والمحللون اليمنيون المستقلون من التحدث عن الحرب، خوفا من أن يصبحوا مستهدفين من إحدى الجبهتين أو كلاهما. ولذلك، يفضلون التزام الصمت لإنقاذ أرواحهم. وفي سياق متصل، أجرى أستاذ السياسة في الجامعة اليمنية، أيمن، وهو اسم مستعار، حوارا مع موقع ميدل إيست آي شريطة عدم الكشف عن هويته.
يبدو الحوثيون مصممين على عدم الاستسلام وتسليم المدينة التي يسيطرون عليها منذ ثلاث سنوات، على الرغم من أن العديد من المعطيات العسكرية ضدهم
كان أيمن حذراً بشأن تقدم الجيش الموالي للحكومة. وصرح أيمن أنه الرغم من أن الجيش الموالي للحكومة كان في مرحلة التعلم والتطور، إلا أن ذلك لم يكن سبباً كافياً لإيقاف القتال، نظراً للدعم الذي قدمه التحالف الذي تقوده السعودية. وأردف أيمن أن “السبب الحقيقي الذي يقف وراء توقف القتال يتمثل في أن القوات الموالية لهادي تواجه قوات حوثية تماثلها قوة على أرض المعركة. وبالتالي، لن يكون من السهل الاستيلاء على مدينة الحديدة كما يدعون في وسائل الإعلام”.
وأضاف المصدر ذاته أن “هناك توازن في القوى على الأرض، ولهذا السبب لم تتمكن القوات الموالية لهادي، المدعومة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، من استعادة العديد من المدن في جميع أنحاء البلاد. فمنذ شهر آذار/مارس 2015، تحدث التحالف الذي تقوده السعودية بشأن كيفية تحرير اليمن في غضون أيام قليلة. وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن هناك نهاية في الأفق”.
أكد أيمن أن “قوات التحالف لا تريد أن تعترف بأن الحوثيين لديهم قوات متكافئة على الأرض، بل إنهم أقوى على الميدان، لكن التحالف الذي تقوده السعودية يستخدم الضربات الجوية والسفن الحربية لوقف تقدم الحوثيين ودعم المقاتلين المؤيدين لهادي”. وقد نفى أيمن فكرة أن الحكومة قد توقفت ببساطة للسماح للأمم المتحدة بالتوصل إلى اتفاق سلام. وأوضح المصدر ذاته أن “مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن لم يتوصل إلى حل سلمي، كما اتهمه المسؤولون الموالون لهادي بالتحيز لصالح الحوثيي. في حال استطاعت القوات الموالية لهادي استعادة الحديدة، فإنها لن تنتظر حتى يصل مبعوث الأمم المتحدة إلى حل سلمي”.
5- الحوثيون صامدون
من جهتهم، يبدو الحوثيون مصممين على عدم الاستسلام وتسليم المدينة التي يسيطرون عليها منذ ثلاث سنوات، على الرغم من أن العديد من المعطيات العسكرية ضدهم. في هذا الإطار، قال القائد الميداني التابع للحوثيين في محافظة تعز، أبو صقر الحكيمي، الذي قاتل في الحديدة في يونيو / حزيران، إن “المعتدي (التحالف الذي تقوده السعودية) يبحث عن النصر من خلال وسائل الإعلام لكننا نعمل على تحقيقه على الأرض، وفي المعارك التي نخوضها داخل اليمن وعلى الحدود مع السعودية”. وأرجع الحكيمي توقف القتال في الحديدة إلى عدم قدرة القوات الموالية لهادي على التقدم، نظرا للخسائر الفادحة التي تكبدتها في صفوف المقاتلين وعلى مستوى العتاد.
في سياق متصل، أفاد الحكيمي، أن “أنصار الله (الحوثيون) وسكان الحديدة والمحافظات الأخرى واجهو المعتدي والمرتزقة بالحديدة. وقد نهبنا أنواعاً مختلفة من الأسلحة من يدي المرتزقة”. والجدير بالذكر أن أبو صقر الحكيمي كان متأكدا من أن المعركة لن تنتهي بسرعة، على غرار ما يحدث في أي مكان آخر في اليمن. وأردف الحكيمي، أن “أنصار الله (الحوثيون) يرغبون دائماً في قتال المعتدين (التحالف السعودي) والمرتزقة في أي مكان بالبلاد، وإنه لشرف لجميع اليمنيين أن يدافعوا عن أراضيهم”.
المصدر: ميدل إيست آي