يعيش وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي أصعب أوقاته هذه الأيام، بعد أن وقع قرابة 200 مثقف في المسرح والأدب والسينما عريضة تنتقد السياسة التي يعتمدها بغلق الأفواه المعارضة والعمل على تعطيل النشاط الثقافي واستئثار المقربين من الوزير بمشاريع قطاعه، فكيف سيتعامل ميهوبي مع هذا الوضع خاصة أن مقصلة أي تعديل وزاري قد تعصف برأسه؟ حيث تعالت بالجزائر في الأيام الأخيرة الأصوات الغاضبة من إجراءات الرقابة والمنع التي تنتهجها وزارة الثقافة، زادت من ركود مشهد ثقافي يوصف أصلًا بأنه شبه غائب.
أزمة
يقول موقعو بيان “الانتفاضة” ضد سياسة الوزير عز الدين ميهوبي أن خطوتهم جاءت بسبب “الوضع المتأزم الذي يشهده قطاع الثقافة في بلادنا، وحالة الركود الرهيبة التي دخل فيها منذ 3 سنوات على الأقل وأدت إلى تعطيله، مما جعله يفقد دوره في التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويتحول إلى عبء ثقيل على الخزينة العمومية، تقام ضده الاحتجاجات الشعبية حتى تلغى فعالياته كما حدث مؤخرًا في عدة ولايات، وذلك شيء خطير”.
تسببت هذه السياسة – حسب المحتجين – في أن أصبحت الجزائر شبه غائبة عن المحافل الإقليمية والدولية في مجالات السينما والفنون التشكيلية والمسرح والكتاب
وفي الصيف الحاليّ ولأول مرة في الجزائر خرجت في عدة ولايات احتجاجات تطالب بإلغاء المهرجانات الفنية، بحجة توجيه ملايين الحفلات الغنائية لمشاريع تنموية وعدم صرفها على المهرجانات التي لا تعد أولوية حسب المحتجين، لكن البعض رأى في ذلك نوعًا من الاحتجاج ضد السياسة الثقافية المعتمدة من الوزير عز الدين ميهوبي، بالنظر إلى أن هذه المهرجانات لم تعرف رفضًا من قبل وكانت تنظم سنويًا بشكل عادي.
وعزا موقعو البيان تدهور قطاع الثقافة إلى “فشل إستراتيجية الدولة – من خلال وزارة الثقافة – في تسيير القطاع،والتي اعتمدت على الهيمنة المطلقة على الفعل الثقافي، مما أدى إلى استفحال عدة آفات نخرت جسد الثقافة، من بينها الرقابة والمعاملة بالمحاباة ونهب المال العام”.
وتسببت هذه السياسة – حسب المحتجين – في أن أصبحت الجزائر شبه غائبة عن المحافل الإقليمية والدولية في مجالات السينما والفنون التشكيلية والمسرح والكتاب، وازداد الأمر خطورة بعد تدخل وزارة الثقافة (وهيئات أخرى) في عدة مرات لتوقيف نشاطات ثقافية مستقلة، وذلك ما يتنافى مع المادة 44 للدستور التي تنص على أن “حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطنين” والمادة 45 “الحق في الثقافة مضمون للمواطن” بالإضافة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، أهمها اتفاقية اليونسكو لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي”.
خطر
ودعا المنتفضون ضد ميهوبي إلى وضع حد للمشهد الثقافي الراكد لأن الوضعية الحاليّة لا يمكن أن تتواصل لأن القضية تتعلق بالثقافة الجزائرية كإسمنت للتواصل الاجتماعي والتي هي اليوم في خطر.
يعيب مراقبون على الوزير الشاعر سماحه بـ”احتكار الفعل الثقافي من طرف شلة معينة، تستأثر بتنظيم الأنشطة الأدبية والفنية، وتحتكر المشاريع التي هي من حق الجميع دون استثناء”
وجاء في البيان “عدد الإخفاقات والانتكاسات في عهد وزير الثقافة الحاليّ أصبحت لا تعد ولا تحصى، منها ما يصنف في خانة الفضائح، دون أن يحرك هذا الوضع المتردي ساكنًا، بقدر ما أدى إلى بروز عصبة تستغل نفوذها، وتمارس استبدادها وتبديدها للمال العام دون حسيب ولا رقيب”.
وطالب أصحاب البيان وزارة الثقافة بـ”فتح باب الحوار المغلق منذ سنوات وبشكل عاجل، ووضع سياسة ثقافية واضحة بالتشاور مع الفاعلين الثقافيين والمثقفين، يكون القطاع الثقافي المستقل فيها أساسيًا، ومراجعة النصوص التشريعية والقانونية التي تكبح حرية العمل الثقافي والتعبير الفني، على رأسها قانون السينما وقانون الكتاب، ووضع معايير شفافة تتعلق بتعيين لجان الدعم والمشاريع الممولة ونشر كل المعلومات المتعلقة بذلك على الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة”.
فساد
ويعيب مراقبون على الوزير الشاعر سماحه بـ”احتكار الفعل الثقافي من طرف شلة معينة، تستأثر بتنظيم الأنشطة الأدبية والفنية وتحتكر المشاريع التي هي من حق الجميع دون استثناء”.
وحسب المعترضين على نهج وزير الثقافة في العمل، فقد تفشت الممارسات البيروقراطية التي تؤدي إلى الإقصاء والتهميش وتصفية الحسابات التي يقف وراءها مسؤولو القطاع (مديرو المؤسسات الثقافية والفنية ومديرو المسارح ومديرو الثقافة الولائيين ومديرو دور الثقافة)”، كما يتم “إسناد المسؤوليات في القطاع القائم على الجهوية والولاءات الإيديولوجية والحزبية الضيقة”.
شهدت بعض التظاهرات الثقافية في الجزائر هذا العام مهازل أنقصت من صداها وسط الجمهور والإعلام
وينتمي وزير الثقافة إلى حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحيى المرشح بقوة لخوض رئاسيات 2019 في حال لم يترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
وحسب موقعي البيان، فقد ساهمت سياسة ميهوبي في انتشار الفساد على جميع الأصعدة، مما خلق “أثرياء جدد” باسم الثقافة، وهو ما يستوجب المحاكمة أمام القضاء.
وشهدت بعض التظاهرات الثقافية في الجزائر هذا العام مهازل أنقصت من صداها وسط الجمهور والإعلام، منها مهرجان وهران للفيلم العربي الذي يتولى محافظته الشاعر إبراهيم صديقي المنتمي هو الآخر للحزب الذي ينتمي له وزير الثقافة.
ويعيب مراقبون على وزارة الثقافة عدم وضع حد لاستئثار منتجين معينين بالفوز بصفقات قطاع الثقافة من أفلام وتظاهرات كبرى دون منح فرص لأطراف أخرى حتى إن تمت العمالية على أساس المناقصات، لكن البعض يقول إنه حتى منح رخص النشاط لا يتم إلا عبر علاقات خاصة سواء بنافذين في قطاع الثقافة أم الوزارات المرتبطة بها كوزارة الاتصال.
رفض للرأي الآخر
ما يزيد من تعقيد قطاع الثقافة في الآونة الأخيرة هو توالي أخبار المنع والرقابة على كل ما هو ثقافي دون تدخل الوزير عز الدين ميهوبي الذي كان الكثير من المثقفين يأملون فيه خيرًا عند توليه الوزارة، باعتباره من أهل الأدب والثقافة وكثيرًا ما تغنى بحرية الرأي والإبداع.
بين انفراد الوزارة بصنع المشهد الثقافي في الجزائر، وانتقاد البعض للسياسة المنتهجة من طرف السلطة، يظل قطاع الثقافة ومن ينتمون إليه يعيشون في صمت وتهميش حتى إشعار آخر
واستغرب كثيرون صمت ميهوبي بشأن مطالبة وزارة المجاهدين مخرج فيلم العربي بن مهيدي (أحد قادة الثورة الجزائرية) إخضاع فيلمه لتعديلات تتمثل في إضافات جديدة وحذف بعض المشاهد التي لا تراها تتطابق والرواية الرسمية التي تعمل على تسويقها بشأن بعض القضايا التاريخية.
ولم يتوقف هذا المنع عند الفيلم، فقد طالت مقصلة الرقيب أيضًا فيلم “شظايا حلم” الذي مُنع هو الآخر من العرض في فعاليات الأيام الدولية للسينما ببجاية، لكن البعض يعتقدون أن هذا المنع طبيعي ويمكن أن يقع في عدة دول، خاصة أن بعض الإنتاجات الثقافية تحوم حولها الشكوك والإيديولوجيا لا سيما الممولة من دول أجنبية التي لا تراعي خصوصيات المجتمع الجزائري.
وبين انفراد الوزارة بصنع المشهد الثقافي في الجزائر، وانتقاد البعض للسياسة المنتهجة من طرف السلطة، يظل قطاع الثقافة ومن ينتمون إليه يعيشون في صمت وتهميش حتى إشعار آخر.