“هي من أسوأ الكوارث التي سببها الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبح ملايين الأبرياء على إثرها إما لاجئين أو نازحين”، هكذا وصف مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الأزمة السورية التي تسببت بمقتل حوالي نصف مليون مدني ونزوح 11 مليون مواطن، لكن بالرغم من فظاعة المعارك التي دارت لمدة سبع سنوات على الأراضي السورية، إلا أن التحركات السياسية الحالية تشير إلى أن الهجوم المرتقب على محافظة إدلب سيكون الأكثر دموية على الإطلاق في تاريخ الأزمة.
تعتمد هذه التكهنات على عدة حقائق، وأهمها أن إدلب تضم مخزونًا كبيرًا من الأسلحة، كما أنها تجمع بين 20 مجموعة مسلحة تتصارع بعضها ليس فقط ضد الأسد وإنما فيما بينها أيضًا، ما يزيد من فرص احتدام المواجهات العسكرية فيها، وبالتالي تكبد كم هائل من الخسائر المادية والبشرية، مع العلم أنه يوجد فيها قرابة الثلاثة ملايين شخص، من بينهم آلاف الناجين والنازحين من المحافظات السورية الأخرى. ولكن، هل سيقاتل نظام الأسد هذه الفصائل وحده؟ وماذا عن الدور التركي في المعركة المحتملة؟
هل سيقاتل تنظيم “ب كا كا” الكردي في إدلب؟
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أمس الخميس تقريرًا تحت عنوان: “نهاية قاتمة في سوريا تلوح في الأفق” وفيها ينتقد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، التقارير التي تشير إلى تلقي تنظيم “وحدات حماية الشعب الكردي” أو “ي ب ك” الذراع السوري لـ”بي كا كا” الإرهابي مساعدات وأسلحة يتم شراؤها من ضرائب المواطنين الأمريكيين، مؤكدًا على وجود تحالف بين التنظيم والأسد لمساعدته في إعادة السيطرة على إدلب، بموجب اتفاق توصلا إليه في شهر يوليو الماضي.
أجرى وفد من تنظيم “ي ب ك” محادثات مع النظام السوري، من أجل الاتفاق على إشراك التنظيم في الجيش السوري، ما قد يؤدي إلى تدخل عسكري من الجانب التركي لحماية حدود واقتصاد البلاد.
كما يقول جاويش أوغلو إن التحالف بين الأسد الوحدات الكردية ازداد حميمية منذ المفاوضات التي أجرتها قوات الـ”ي ب ك” بقيادة التنظيم الإرهابي، مع نظام الأسد للحصول لها على مكان في سوريا التي من المقرر إعادة تعميرها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن ولا سيما أن واشنطن تدعم هذه التنظيمات بالجانب إلى حلفاء الأسد الذين يخططون للهجوم الدموي المروع.
وهذا ما أشارت إليه، سابقًا، صحيفة “الوطن” السورية المقربة من النظام والتي قالت إن وفدًا من “وحدات حماية الشعب الكردي” أجرى محادثات مع ممثلي النظام السوري في العاصمة دمشق، من أجل الاتفاق على إشراك “ي ب ك” في الجيش السوري، ما قد ينتج عنه تدخل عسكري من الجانب التركي لحماية حدودها واقتصادها.
هل تتدخل تركيا عسكريًا في معركة إدلب لمواجهة التنظيمات الكردية؟
بالرغم من موقف تركيا من المعركة التي وصفتها بـ”الكارثة الإنسانية” إلا أنها هددت سابقًا بمشاركتها في القتال في قضية منبج، حينما قال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي “نحن مصممون فيما يتعلق بمسألة منبج، على انسحاب تنظيم “ب ي د” التابع لحزب العمل الكردستاني، فإما أن ينسحب أو ينسحب، ولا خيار آخر لذلك”، ومن المرجح أن يتكرر هذا الموقف في معركة إدلب بحسب مراقبين.
أما فيما يخص الجانب الاقتصادي، فإن العائلات السورية بدأت بالهروب إلى الحدود لحماية أنفسها من الاشتباكات والغارات المحتملة، خاصةً حين انتشرت مقاطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي تصور الأسلحة والعربات والصواريخ التي ينقلها أنصار الأسد من محافظتي حمص ودرعا إلى إدلب، وبحسب الخبراء، فإن هذه المعدات قادرة على تدمير مدن سكنية كاملة.
أغلقت أنقرة حدودها حتى تمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها، فوفقًا للأمم المتحدة من المحتمل أن يلجئ ما لا يقل عن مليون سوري آخر إلى الحدود مع تركيا وهو الأمر الذي تتجنبه أنقرة بشكل قاطع، بسبب أزمتها الاقتصادية الأخيرة
لكن أنقرة أغلقت حدودها حتى تمنع تدفق اللاجئين إلى أراضيها، فوفقًا للأمم المتحدة من المحتمل أن يلجئ ما لا يقل عن مليون سوري آخر إلى الحدود مع تركيا وهو الأمر الذي تتجنبه أنقرة بشكل قاطع، بسبب أزمتها الاقتصادية الأخيرة، فقد خسرت الليرة التركية حوالي 40% من قيمتها مقابل الدولار خلال الأشهر الماضية، ولتفادي هذه الأزمة أغلقت تركيا حدودها مع سوريا لكن هذا القرار “سيكون أكثر كارثية من أي شيء آخر شهدناه حتى الآن في النزاع السوري” وذلك بحسب منى يعقوبيان، الخبيرة في الشؤون السورية في معهد السلام بالولايات المتحدة الأمريكية.
إلى ذلك، يتبادل الجانبان التركي والأمريكي الانتقادات المختلفة حول تنظيم “ب ي د” و”ي ب ك” التي تراهما تركيا على أنهما تنظيمات تابعة لحزب العمل الكردستاني الإرهابي، إلا أن واشنطن تدعمهما بالسلاح بذريعة مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن السلاح يستخدم أحياناً في شن هجمات ضد تركيا.
انتقد هذه السياسة، الخبير الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، ميشيل دوران، الذي قال أن تعاون بلاده مع هذه التنظيمات يساعدها على التوسع في الأراضي السورية، مؤكدًا على استحالة حل الخلافات السياسية بين واشنطن وأنقرة دون أن تقتنع الأولى بأن هذه الفصائل هي امتداد لحزب “بي كا كا” الذي تحاول الثانية القضاء عليه بكل ما أتيت من قوة.
ومن جدير بالذكر أن واشنطن بدأت بدعم التنظيم الإرهابي منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واستمر في عهد ترامب، بالرغم من كونها أحد أهم الأسباب التي أدت إلى زعزعة ثقة تركيا بأمريكا.