ترجمة وتحرير: نون بوست
في العادة، لا يُعتبر قرار مؤسسي شركة ناشئة مغادرتها، بعد أن يتم الاستحواذ عليها، خبرا جللا. ولكن إقدام كل من كيفن سيستروم ومايك كريغر على ترك إنستغرام يُعتبر أمرا مهما للغاية، ليس لأنه لم يكن متوقعا البتة، ولكن أيضا لأن استقالتهما تعتبر ضربة مدوية بالنسبة للشركة الأم، فيسبوك. وقد وضعت الخطوة التي اتخذها كل من سيستروم وكريغر مستقبل إنستغرام على المحك، خاصة وأن التطبيق بات يحتل مكانة مهمة للغاية في صلب الأعمال التجارية لفيسبوك، بشكل عام.
تأتي استقالة كريغر وسيستروم، التي أعقبت استقالة عدد كبير من المدراء التنفيذيين الآخرين في الشركة، في وقت يبدو فيه بشكل واضح أن المدير التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، بات يستطيع الاعتماد على عدد كبير من الأصوات القوية الداعمة له، عوضا عن البعض فقط، للتثبت من مدى قدرته على تسيير الشركة وتحقيق مآربه في صلبها.
على الأغلب، ليس من قبيل الصدفة أن المؤشرات الأولية كانت تحيل إلى أن كلا من سيستروم وكريغر سيغادران إنستغرام. وذلك يعزى، بالتحديد، لاختلاف وجهة نظرهما مع زوكربيرغ بشأن مستقبل إنستغرام. حتى وقت قريب، كان سيستروم قادرا، إلى حد كبير، على إدارة إنستغرام بمفرده، وذلك وفقا للعديد من التقارير التي تطرقت إلى هذا الأمر. وعلى الرغم من أن تطبيق إنستغرام استفاد بشكل كبير من الموارد المتاحة من قبل فيسبوك، فيما يتعلق بالمهارات الفنية والعلمية فضلا عن البنية التحتية، إلا أن مؤسسيه نجحا في التمسك برؤيتهما الخاصة فيما يتعلق بإدارته، وتجاهل مقترحات الشركة الأم الخاصة ببعض الخدمات.
ظاهريا، قام المؤسسين المشاركين لإنستغرام بتحقيق مكاسب استثنائية خلال إدارتهما للموقع على امتداد ست سنوات، منذ استحواذ فيسبوك على إنستغرام
عمدت شركة فيسبوك مؤخرا إلى تغيير طبيعة علاقتها بخدمة تبادل الصور، إنستغرام. فقد بات زوكربيرغ شخصيا يولي أهمية متزايدة لسبل إدارة إنستغرام، وذلك وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال. وفي ظل عملية تغيير جوهرية لسياسة إدارة الشركة، خلال هذا السنة، تم الحد من نفوذ سيستروم داخل إنستغرام وصلاحياته على اعتباره مديرا تنفيذيا، حسب ما ذكرته الصحيفة الأمريكية. ووفقا للمصدر ذاته، عمدت شركة فيسبوك، في الأثناء، إلى التقليص بشكل حاد، من حجم الترويج لإنتسغرام في صلب شبكتها الاجتماعية الرئيسية. وقد أوردت العديد من التقارير أن كلا من سيستروم وكريغر قد أبديا استياءهما إزاء فقدان موقع إنستغرام لاستقلاليته، فضلا عن عن تلاشي قدرتهما على السيطرة على توجهاته.
كان تطبيق إنستغرام يبلي بلاء حسنا في ظل قيادة سيستروم وكريغر
ظاهريا، قام المؤسسين المشاركين لإنستغرام بتحقيق مكاسب استثنائية خلال إدارتهما للموقع على امتداد ست سنوات، منذ استحواذ فيسبوك على إنستغرام. وقد نما عدد المستخدمين النشطين للموقع من 30 مليون مستخدم إلى مليار مستخدم، خلال تلك الفترة. وفي الوقت الذي تحول فيه تطبيق إنستغرام إلى جزء من فيسبوك، كان، في الواقع، لا يحقق أي مرابيح. في، المقابل، من المتوقع أن يحقق التطبيق، هذه السنة، دخلا يقدر بنحو 8 مليون دولار، وذلك مقابل مبيعات الإعلانات، وفقا لما أكدته شركة “إي ماركيتر”.
في ظل قيادة المؤسسين المشاركين كريغر وسيستروم، نمى عدد المستخدمين لإنستغرام من 30 مليون مستخدم، في الوقت الذي استحوذت فيه فيسبوك على الشركة، إلى مليار مستخدم في الوقت الراهن.
في ظل تطوره، تحول تطبيق إنستغرام، بشكل متنام، إلى جزء محوري من الأعمال التجارية الخاصة بفيسبوك بشكل عام. خلال هذه السنة، ستحقق خدمة تبادل الصور، حجم مداخيل قدر بنحو 17 بالمائة من مجمل مبيعات الإعلانات الخاصة بالشركة الأم، خلافا للسنة الماضية، حيث قدرت المداخيل بنسبة 9 بالمائة فقط. يأتي نمو مبيعات إنستغرام وارتفاع عدد المستخدمين في الوقت الذي يشهد فيه نمو إيرادات موقع فيسبوك، تباطؤا كبيرا. ويتزامن ذلك أيضا مع بداية دخول عدد مستخدمي فيسبوك في الدول المتقدمة في حالة ركود، في حين أن عدد الزيارات والوقت الذي يقضيه المستخدمون على هذا التطبيق، آخذ في التراجع بشكل ملحوظ.
في حقيقة الأمر، بات إنستغرام يمثل الأمل المشرق لمستقبل أفضل بالنسبة لشركة فيسبوك. فقد عمد عدد كبير من المستخدمين الشباب إلى إحداث حساباتهم الخاصة ضمن هذه الخدمة وقضاء الكثير من الوقت على المنصة، بدلا من موقع فيسبوك. وفي الوقت الذي تم فيه زعزعة صورة وسمعة موقع فيسبوك بسبب سلسلة من الفضائح، على غرار الفشل الذريع المتعلق بتسريبات كامبريدج أناليتيكا، تمكن تطبيق إنستغرام من الحفاظ على صورته الإيجابية لدى عموم المستخدمين.
تخاطر فيسبوك بتلاشي هذا النجاح في ظل استقالة سيستروم وكريغ. ويعود ذلك بالأساس إلى أن المستخدمين يتعاملون من منطلق أن موقع إنستغرام مستقل ومختلف عن فيسبوك. وبالتالي، في حال قررت شركة فيسبوك تشويه ذلك المنظور من خلال إعادة تشكيل أسس هذه الخدمة حتى تكون شبيهة أو أكثر اندماجا في صلب موقع فيسبوك، من المرجح أن يبادر المستخدمون بالاستغناء عن موقع إنستغرام أيضا.
من الواضح أن زوكربيرغ في حاجة إلى أصوات مختلفة في صلب فريقه
لا يمثل ما ذكر آنفا الخطر الوحيد الذي يواجه شركة فيسبوك على خلفية استقالة مؤسسي إنستغرام، فعلى الأرجح أن التحدي الأكبر يتمثل في عملية قيادة وإدارة التطبيق. وبفضل هيكل توزيع الأسهم الذي يعطيه قدرا كبيرا من القوة فيما يتعلق بالتصويت على المسائل التجارية، يبدو أن زوكربيرغ يدير فيسبوك من دون أن يخضع لأي مراقبة أو مراجعة من قبل مجلس إدارة الشركة. نتيجة لذلك، تعد مهام كبار المدراء المحيطين به حساسة للغاية، مما يجعلهم يلعبون دورا رئيسيا في مساعدته على تشكيل توجهات الشركة والتأثير في مسار عملها.
في الوقت الذي كان فيه زوكربيرغ يستطيع الاستفادة من وجهة نظر بعض المديرين التنفيذيين داخل الشركة، الذين يستطيعون تقديم وجهة نظر مختلفة بشأن كيفية تنمية وتطوير إدارة الشبكة الاجتماعية، خسر عددا من المسؤولين في مناصب بارزة
من الواضح أن زوكربيرغ بحاجة إلى بعض المساعدة، فقد مرت الشركة بسلسلة من الأزمات على مدار السنتين الماضيتين، انطلاقا من حملة الإعلانات الكاذبة المرتبطة بروسيا خلال الانتخابات الرئاسية في سنة 2016، مرورا بقضية اضطهاد المدنيين من أقلية الروهينغيا في ميانمار، وصولا إلى عملية التسوية الضخمة التي أقدمت عليها شركة فيسبوك مع شركة كامبريدج أناليتيكا، فيما يتعلق ببيانات المستخدمين . إلى حد كبير، تعتبر هذه المشاكل وليدة قرارات وخطوات الشركة في حد ذاتها، حيث تُعتبر نتاج ثقافة تشجع على النمو على حساب أي شيء آخر، بغض النظر عن ماهيته سواء كان خصوصية المستخدمين أو السبب في أضرار اجتماعية.
في الوقت الذي كان فيه زوكربيرغ يستطيع الاستفادة من وجهة نظر بعض المديرين التنفيذيين داخل الشركة، الذين يستطيعون تقديم وجهة نظر مختلفة بشأن كيفية تنمية وتطوير إدارة الشبكة الاجتماعية، خسر عددا من المسؤولين في مناصب بارزة. وقد كان هؤلاء المسؤولين يتمتعون بقدرات تسمح لهم بتقديم نظرة ورؤية مختلفة وثرية، كان زوكربيرغ في أمس الحاجة إليها.
تم تداول حقيقة أن المؤسس المشارك لتطبيق واتس آب، جان كوم، الذي استقال من فيسبوك في وقت سابق من هذه السنة، كان مستاء إزاء مساعي الشركة لإضفاء صبغة تجارية على تطبيق المحادثة.
خلال السنة الماضية، عمد كل من جان كوم وبريان أكتون المؤسسين المشاركين لتطبيق واتس آب، الذين روجا لأهمية الخصوصية في صلب تطبيق المحادثة وانتقدا مساعي شركة فيسبوك لإضفاء صبغة تجارية عليه، قد استقالا بدورهما من الشركة. وخلال الشهر الماضي، بادر مدير الأمن في فيسبوك، أليكس ستاموس، الذي حذر من أن الولايات المتحدة غير مستعدة من الناحية الأمنية لخوض سباق الانتخابات هذه السنة، بتقديم استقالته. والآن، غادر كل من سيستروم وكريغر أسوار الشركة أيضا.
في الأثناء، يضم الإطار الإداري المحيط بزوكربيرغ بالأساس مديرين يعملون في الشركة، وبالأساس ضمن موقع فيسبوك، منذ سنوات، في حين أن عددا كبيرا منهم قد انضم إلى الشركة منذ بداياتها. وبالتالي، لا يعد هؤلاء الأفراد، على وجه التحديد، الأشخاص المناسبين الذين قد يتمكنون من تقديم وجهة نظر مختلفة ومغايرة للأسلوب الذي اعتادت الشركة العمل به.
في حال تداعت شركة إنستغرام في أعقاب استقالة كل من سيستروم وكريغر، سيكون ذلك سيئا للغاية بالنسبة لمستخدمي التطبيق وشركة فيسبوك ولمالكي الأسهم في الشركة. في المقابل، في حال ساهمت استقالة كل من سيستروم وكريغر من تعزيز عزلة المدير التنفيذي للشركة، والشركة في حد ذاتها ونأيها بذاتها عن وجهات النظر الخارجية والمختلفة والمعاكسة لما هو سائد، سيكون ذلك كارثيا لبقية الناس عموما. ويعزى ذلك إلى حجم القوة التي تتمتع بها هذه الشركة، فضلا عن بحجم الضرر على المستوى الاجتماعي الذي تسببت به وقد تتسبب به في المستقبل.
المصدر: بيزنس إنسايدر