رغم أن استهداف “إسرائيل” لمخازن وشحنات عسكرية تابعة لإيران و”حزب الله” داخل الأراضي السورية ليس جديدًا، حيث انتهجت تل أبيب منذ سنوات “استراتيجية صامتة” تهدف إلى منع تعزيز النفوذ الإيراني العسكري في سوريا وقطع خطوط الإمداد للحزب، إلا أن اللافت هو تبني جيش الاحتلال عمليات القصف الأخيرة وتحديد مواقع الأهداف التي جرى قصفها.
هذا التبني لم يكن معهودًا في عمليات “إسرائيل” سابقًا وخاصة الضربات التي استهدفت فيها كبار القادة والمسؤولين الإيرانيين مثل استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان من العام الجاري، والذي أدى إلى مقتل 7 مستشارين بينهم القيادي البارز في الحرس الثوري العميد محمد رضا زاهدي.
رسائل ردع
الأسبوع الماضي تبنت “إسرائيل” استهداف مقر لاستخبارات “حزب الله” في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق، حيث قال جيش الاحتلال في بيان له: “في عملية جوية وبتوجيه استخباري من هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية هاجمت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو أهدافًا إرهابية لركن الاستخبارات التابع لحزب الله، داخل سوريا”.
#عاجل 🔴طائرات حربية هاجمت في #دمشق مستهدفة بنى تحتية ومصالح تابعة لركن الاستخبارات التابع لحزب الله 🔴 يخاطر حزب الله بدعم من النظام السوري بسلامة المواطنين السوريين من خلال زرعه مقرات قيادة وقوات داخل مناطق مدنية داخل الدولة السورية.
🔸في عملية جوية وبتوجيه استخباري من هيئة… pic.twitter.com/ShFbFgVdRB
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 4, 2024
وفي اليوم التالي تبنت “إسرائيل” مجددًا استهداف مواقع عسكرية تابعة لـ”حزب الله” في مدينة القصير السورية بريف حمص والقريبة من الحدود السورية اللبنانية.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، في بيان نشره عبر منصة “إكس”، إنه تم استهداف مستودعات أسلحة تستخدمها وحدة التسلح التابعة لـ”حزب الله” في سوريا.
#عاجل جيش الدفاع يهاجم مستودعات أسلحة تستخدمها وحدة التسلح التابعة لحزب الله في سوريا
🔸أغارت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو وبتوجيه من هيئة الاستخبارات على مستودعات أسلحة تستخدمها وحدة التسلح التابعة لحزب الله الإرهابي في منطقة القصير في سوريا.
🔸وحدة التسلح التابعة لحزب الله… pic.twitter.com/Wk9y7erc4f
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 5, 2024
وتأتي هذه العمليات ضمن استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى محاصرة النفوذ الإيراني وأذرعه في المنطقة، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني، الذي يُعتبر الركيزة الأساسية للمشروع الإيراني في الشرق الأوسط.
تبني الاحتلال الإسرائيلي للعمليات العسكرية داخل سوريا يحمل – بحسب المراقبين – رسائل متعددة على المستويين الداخلي والخارجي، في سياق تصعيد إسرائيلي أوسع يشمل الجبهة اللبنانية بعد حرب الإبادة في غزة، حيث تسعى لتوجيه رسائل ردع قوية إلى ما يسمى “محور المقاومة”، مع إشارة واضحة إلى أنها لن تكتفي فقط بالحد من التمدد الإيراني، بل تعمل على إنهاء هذا النفوذ وقطع خطوط الدعم والتسليح، بما يؤكد عزمها على تقويض أذرع طهران العسكرية.
وتأتي هذه الرسائل بعد تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة على عزمه تغيير الواقع الاستراتيجي للشرق الأوسط بشكل يجعله أكثر أمنًا واستقرارًا لـ”إسرائيل” في مواجهة التهديدات المتعددة، سواء من حركات المقاومة الفلسطينية، أو من “حزب الله” وإيران، حسب تعبيره.
وفي هذا السياق يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن هناك رسائل ردع واضحة لمحور المقاومة أرادت “إسرائيل” إيصالها من خلال تبني استهداف مواقع تابعة لـ”حزب الله” في سوريا، مفادها أن “إسرائيل” تخوض حربًا شاملة على جميع الجبهات، وأنها ستصل إلى كل الأذرع الإيرانية حتى لو كانت داخل الدول التي تمتلك إيران نفوذًا قويًا فيها.
ويوضح الباحث منصور في حديثه لموقع “نون بوست” أن الرسالة الثانية مفادها أن بنك الأهداف الإسرائيلي بالنسبة لـ”حزب الله” لم ينته بعد، رغم تصفية قيادات الصف الأول والثاني من الحزب عن طريق عمليات “البيجر واللاسلكي” واغتيال حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين وعدد من قيادات الصف الأول فيما بعد.
وأشار منصور إلى أن “إسرائيل” تريد أن تقول من خلال هذا التبني أنها قادرة على الوصول إلى أي هدف تريده في أي دولة، وأن معركتها ما زالت مستمرة.
قطع أوكسجين “حزب الله”
خلال زيارته الأخيرة للحدود الشمالية مع لبنان، الأحد الماضي، شدد نتنياهو على عدة أهداف منها بحسب قوله: “إعادة سكاننا في الشمال بأمان إلى منازلهم، هو أولًا وقبل كل شيء إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني. وثانيًا، ضرب أي محاولة يقوم بها لإعادة التسلُّح، وثالثًا الردّ بحزم على أي إجراء ضدنا“.
إلا أن نتنياهو ربط تحقيق كل هذه الأهداف بـ”قطع خط أنابيب الأكسجين التابع لـ”حزب الله” من إيران عبر سوريا”، على حد قوله.
من جانب آخر أدى الانتشار الواسع للحزب على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، ومراكمته لخبرات قتالية على طول سنوات الثورة إلى امتلاكه القدرة على ترميم نفسه على الساحة السورية، ما يدفع كثير من المراقبين للقول إنه لا بد لـ”إسرائيل” من تحطيم قدرات “حزب الله” في سوريا وقطع خطوط إمداده المرتبطة بالعراق وإيران، إذا كانت تنوي فعلًا القضاء على قدراته العسكرية.
من جانبه يرى الخبير العسكري والاستراتيجي عبد الله الأسعد أن تبني الضربات هدف إعلان بداية الحرب على الحزب في سوريا بعد أن ألحقت به أضرارًا كبيرة في لبنان على مستوى القيادة والعناصر والعتاد والتحصينات.
ويشير الأسعد في حديثه لموقع “نون بوست” إلى أن “إسرائيل” باتت تدرك أن استمرار تدفق خطوط الدعم والإمداد القادمة من إيران إلى “حزب الله” عبر العراق وسوريا يعني استمرارية المعركة، لذا باتت تعلن عن استهداف مواقع للحزب في سوريا، التي تعتبر موقعًا استراتيجيًا و”جيوبيولتيكيا” لإيران و”حزب الله” كونها تتوسط الخط الواصل من إيران فالعراق إلى لبنان، ما يؤمن استمرار معركة الحزب ضد “إسرائيل”.
وأضاف الأسعد أن “إسرائيل” أرسلت عدة رسائل لبشار الأسد عن طريق وزير الخارجية الأردني ثم الوزير الإماراتي من أجل عدم السماح لـ”حزب الله” والمليشيات التابعة لإيران باستخدام أراضيه.
وفي هذا السياق كشف كاتب العمود الشهير في صحيفة واشنطن بوست، دافيد اغناتيوس، أن “إسرائيل” وإدارة بايدن بصدد التعاون مع بشار الأسد لكفّ إيران عن الاستمرار في استخدام سوريا خطًّا لتسليح وإمداد “حزب الله“.
وأضاف الكاتب نقلًا عن مسؤولين أمريكيين تحدّثوا شرط عدم الكشف عن هويّتهم أن “إدارة بايدن تبدو مستعدة” في حال لَجَمَ الأسد خطوط إمداد حزب الله الإيرانية التي تمر عبر سوريا “لمقابلة الخطوات الإيجابيّة بخطوات إيجابية مماثلة”.
“عبور الحدود” ..استراتيجية جديدة
وإلى جانب تبني عملياتها العسكرية داخل سوريا، عمدت “إسرائيل” خلال الأسابيع الماضية إلى اتباع استراتيجية جديدة تتمثل بـ”عبور الحدود” وتنفيذ عمليات برية على الأراضي السورية.
ومن هذه العمليات التي تبناها الجيش الإسرائيلي إلقاء القبض على شخص، وحسب زعمه فإن الشخص عميل لإيران وجمع معلومات مخابراتية عن القوات الإسرائيلية في المنطقة الحدودية، وأضاف أيضًا أن الشخص يدعى علي سليمان العاصي، وهو مواطن سوري من منطقة درعا جنوب البلاد.
وفي بيان له كشف الجيش الإسرائيلي: أنه “خلال عملية استخبارية خاصة على الأراضي السورية جرت في الأشهر الأخيرة، اعتقل جنود عضوًا في شبكة إرهابية إيرانية في سوريا” دون تحديد تاريخ أو مكان اعتقاله.
وسبق هذه العملية تنفيذ الطيران الإسرائيلي لعملية إنزال جوي في منطقة مصياف في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي استهدفت مركزًا للبحوث العلمية بمنطقة “حير عباس” وهو متخصص في تطوير صواريخ متوسطة المدى يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني.
وإلى جانب تدمير شامل للمواقع المستهدفة – سواء كانت تابعة للنظام أو “حزب الله” -، فقد أدى الهجوم إلى مقتل 27 شخصًا بينهم 24 سوريًا، منهم 5 من العاملين مع “حزب الله”، بالإضافة إلى 7 جثث كانت متفحمة بالقرب من الموقع.
هذه الاستراتيجية الجديدة لـ”إسرائيل” اعتبرها الخبير العسكري والاستراتيجي عبد الله الأسعد ردة فعل على إصرار إيران واستمرارها في دعم “حزب الله” والمليشيات التابعة لها في سوريا، خاصة في ظل وجود العديد من خطوط الإمداد والدعم الممتدة من القائم في العراق إلى الباغوز والتنف في سوريا وغيرها من المنافذ غير الشرعية التي تمر عبرها الأسلحة ومعدات تصنيع الصواريخ القادمة من إيران.
من جانبه يرى الباحث بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن هذه العمليات قد تعتمد عليها “إسرائيل” مستقبلًا، والتي يدعمها التفوق الأمني والمخابراتي كما في عملية “مصياف”.
ويشير منصور إلى أن من أهم أسباب تبني “إسرائيل” لهكذا عمليات هو توجيه رسائل إلى الداخل الإسرائيلي تتضمن إبراز قوة الردع الإسرائيلية، وأن الجيش قادر على شن عمليات على الجبهات كافة.
من ناحيتها اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن العملية الخاصة الأخيرة التي نفذتها “إسرائيل” في منطقة مصياف وسط سوريا كانت بمثابة “الطلقة الأولى” لحملتها الجديدة ضد حزب الله اللبناني، والقائمة حتى الآن.
ختامًا، يبقى التصعيد الإسرائيلي ضد النفوذ الإيراني في سوريا جزءًا من استراتيجية أوسع لتحجيم دور “حزب الله” وإيران في المنطقة، ومع تصاعد هذه العمليات العسكرية والتغيرات الإقليمية المتسارعة، يبقى المستقبل مفتوحًا على سيناريوهات غير محسومة، بانتظار استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديد برئاسة دونالد ترامب في المنطقة وخاصة الملف السوري.