قبل نحو شهر من الآن، أعلن عشرات من نواب البرلمان التونسي والوزراء تشكيل حزب جديد يحمل اسم “تحيا تونس”، من المتوقع أن يتزعمه رئيس الوزراء الحاليّ يوسف الشاهد، ويهدف إلى منافسة الإسلاميين المعتدلين في البلاد خلال انتخابات نهاية العام الحاليّ.
حزب سياسي يرى فيه يوسف الشاهد مطيته لتحقيق طموحه الشخصي والتمكن من حكم البلاد دون أن ينازعه في ذلك أحد، حتى إنه سخر كل إمكانات الدولة التونسية ومؤسساتها العمومية، فضلاً عن موظفيها لخدمة هذا المشروع الوليد.
المس بحيادية مؤسسات الدولة
الخميس الماضي، أعلن المنسق العام لحركة تحيا تونس سليم العزابي، أنه تم اختيار شوقي قداس كشخصية وطنية مستقلة لرئاسة لجنة إعداد مؤتمر ”تحيا تونس”، دون الانتماء للحزب، ويشغل قداس منصب رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية منذ شهر مايو/أيار 2015.
وأنشئت هذه الهيئة العمومية، في يوليو/تموز 2004 وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وميزانيتها ملحقة بميزانية وزارة العدل، ومن مهامها منح التراخيص وتلقي التصاريح للقيام بمعالجة المعطيات الشخصية أو سحبها، فضلاً عن تحديد الضمانات الضرورية والتدابير الملائمة لحماية المعطيات الشخصية، والنفاذ إلى المعطيات موضوع المعالجة قصد التثبت منها وجمع الإرشادات الضرورية لممارسة مهامها.
يعمل رئيس الحكومة على استغلال سبر الآراء من أجل التسويق لصورته داخليًا قبل موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة، فضلاً عن استغلالها خارجيًا لتلقي الدعم الدولي في مغامرته القادمة
على إثر هذا الإعلان، سارعت رابطة الهيئات العمومية المستقلة، في بيان لها، إلى إعلان تعليق عضوية الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، وعزت الرابطة قرارها “لتعارض هذا التكليف مع مبادئ الحياد والاستقلالية، والنأي عن التوظيف السياسي الذي يعتبر إطارًا مرجعيًا يجب أن تلتزم به جميع الهيئات العمومية المستقلة”.
بدورها، أدانت الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد” تكليف رئيس هيئة المعطيات الشخصية شوقي قداس للإعداد للمؤتمر الانتخابي لحزب “تحيا تونس”، وأشارت في بيان لها، إلى أن هذا القرار يعد “مسًا بمبدأ استقلالية الهيئة وضربًا لها واستغلالاً لأجهزة الدولة لفائدة حزب”، مطالبة قداس بتقديم استقالته.
من جهته، دعا الحزب الجمهوري، رئيس الهيئة لتقديم استقالته وتعيين ما وصفه بـ”شخصية أخرى تتمتع بالاستقلالية، وتحافظ على مكانة الهيئة وتحميها من كل تداخل مع مهام أو أدوار حزبية، تتعارض ودورها الأساسي”.
ونددت حركة الشعب، بهذا الأمر، وأكدت في بيان لها أن قرار تعيين شوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية مشرفًا على مؤتمر الحزب يجسد الخلط بين الدولة والأحزاب، محملة رئيس الحكومة يوسف الشاهد مسؤولية هذا التمشي الذي يعمل على السيطرة على كل المؤسسات المستقلة.
وسبق لحركة النهضة منذ أيام، أن نشرت بيانًا، أعربت خلاله عن رفضها المطلق لكل توظيف حزبي لمؤسسات الدولة ولمواردها لصالح أي طرف حزبي، معتبرة أنه يمثل تهديدَا للاستقرار ولبناء الثقة ولكل مسعى توافقي.
كما وجد هذا التعيين تنديدًا كبيرًا من التونسيين في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من الناشطين عن استنكارهم لكيفية استغلال الشاهد وجماعته لمؤسسات الدولة للتسويق لحزبهم الجديد دون مراعاة القانون وحيادية المؤسسات العامة.
استغلال المال العام
استغلال يوسف الشاهد، لمؤسسات الدولة ومواردها المالية لخدمة حزبه الفتي، لم تتوقف هنا، ففي آخر زيارة له إلى فرنسا قبل أقل من أسبوعين، أخذ معه فضلاً عن الوزراء والمستشارين المرافقين، العديد من الشخصيات التي لا تضطلع بأي مهمة في الدولة، على غرار مدير مؤسسة سيغما كونساي لسبر الآراء حسن الزرقوني.
مرافقة الزرقوني للشاهد في هذه الزيارة الرسمية التي استغرقت 4 أيام، رافقتها حملة استنكار كبيرة من التونسيين، فإلى جانب كونه لا يحمل أي صفة رسمية، فإنه معروف عن الزرقوني استغلاله مؤسسة سبر الآراء التي يملكها لخدمة مصالحه والتقرب من الشخصيات السياسية ومن رجال الدولة.
استغل يوسف الشاهد ذلك، وقرب الزرقوني إليه، لحاجته إليه في المواعيد الانتخابية القادمة التي يستعد لخوضها هو وحزبه الجديد، وكبادرة حسن نية من الزرقوني المتعطش للنفوذ، صعد الشاهد في عمليات سبر الآراء الأخيرة، ليحتل المرتبة الأولى ضمن الشخصيات المرشحة لرئاسة البلاد، وهو الذي لم يقدم أي إضافة إلى تونس منذ توليه رئاسة الحكومة قبل نحو 3 سنوات من الآن.
استمد الشاهد قوته من منصبه الحكومي لتأسيس كتلة الائتلاف الوطني بالبرلمان، وقد استمد نفس القوة لتأسيس حزبه الجديد الذي يطمح أن يستحوذ من خلاله على السلطة
يعمل رئيس حكومة على استغلال سبر الآراء من أجل إغراء الناس والتسويق لصورته داخليًا قبل موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المرتقبة، فضلاً عن استغلالها خارجيًا لتلقي الدعم الدولي في مغامرته القادمة.
في هذه الزيارة أيضًا، ظهر استغلال الشاهد لموارد الدولة جليًا من خلال اصطحابه للمنسق العام لحزبه السياسي، سليم العزابي، الذي أقام العديد من اللقاءات مع الجالية التونسية هناك، باسم الدولة التونسية وهو الذي لا يحمل أي صفة رسمية، في تضارب تام بين الحزب والدولة.
ومن المنتظر أن يترشح الشاهد إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستشهدها تونس في الشهر الأخير لهذه السنة، انتخابات رئاسية مصيرية، كلما اقترب موعدها ارتفع منسوب الأزمة السياسية في البلاد أكثر، فكل طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
أجهزة الدولة في الخدمة
بفضل مؤسسات الدولة، استطاع رئيس الوزراء التونسي الشاب يوسف الشاهد، منذ توليه منصبه في قصر القصبة في شهر أغسطس/آب 2016، أن يقوي مكانه بعد أن كان سياسيًا مغمورًا، حتى إنه استطاع استمالة الكتلة الأساسية لنواب حزب نداء تونس، ووراثة الحلف القائم مع “النهضة”، ما أفقد الرئيس السبسي كل أوراقه السلطوية.
في الفترة التي ترأس فيها الشاهد الحكومة التونسية، خاصة الأخيرة منها، التي تميزت بانسداد قنوات الحوار بينه وبين نداء تونس، تمكن رئيس الحكومة من كسب ود العديد من الشخصيات الوطنية ورجال الأعمال المهمين في البلاد.
وتمكن الشاهد، بفضل رئاسته للحكومة ومسكه زمام الحكم ودواليب الدولة في تونس، من جلب رجال أعمال كثر إلى صفه لمعاضدته في مجهوداته المستقبلية، بعد أن أغراهم بصفقات ومشاريع كبرى، على حساب رجال أعمال آخرين بقوا في صف السبسي الأب والابن وجماعتهم.
لم يقف الشاهد، عند كسب ود بعض رجال الأعمال فقط، بل إنه استعمل أجهزة الدولة أيضًا، لاستبعاد رجال الأعمال المناوئين له، والزج بهم في السجون بتهم تتعلق أغلبها بالفساد الذي يدعي رئيس الحكومة محاربته لإنقاذ تونس من براثنه.
ويعمل الشاهد على استغلال وسائل الدولة، من مؤسسات حكومية ووزراء ومحافظين ومعتمدين وعمد، لخدمة الحملة الانتخابية السابقة لأوانها لحزبه الجديد، الذي ولد من رحم حركة نداء تونس لمؤسسها الباجي قائد السبسي.
تقول بعض قيادات نداء تونس، إن عملية استغلال مؤسسات الدولة من الشاهد تتجلى فعليًا بالاستحواذ على حزب النداء، مستغلاً منصبه والملفات التي تحت يديه، فهو يبتز العديد من الشخصيات ويغري أخرى بالسلطة والجاه حتى تنضم إلى حزبه الجديد، وكان حافظ قائد السبسي قد اتهم في أحد الاجتماعات الحزبية الداخلية رئيس الحكومة بتوظيف أجهزة الحكم ومستشاريه وبعض وسائل الإعلام المحلية لتشويه حزب نداء تونس لخدمة غايات وأجندات انتخابية سابقة لأوانها وغير مشروعة.
ويرى العديد من التونسيين أن يوسف الشاهد استمد قوته من منصبه الحكومي لتأسيس كتلة الائتلاف الوطني بالبرلمان وهي كتلة داعمة لشخصه وحكومته، وقد استمد نفس القوة لتأسيس حزبه الجديد الذي يطمح أن يستحوذ من خلاله على السلطة، وهو ما يؤكد وجود تضارب مصالح في تأسيس حزب “تحيا تونس”، الأمر الذي جعل طيفًا واسعًا يُقر بأن هذا الحزب هو “حزب الحكومة”.
يدين تونسيون استعمال رئيس الحكومة صلاحياته للنفخ في مشروعه الجديد والانتقام من الخصوم السياسيين وتصفية الحسابات، عوض استعمالها في بناء البلاد والرقي بها، كون ذلك يقوض سلطة الدولة وسمعتها لدى غالبية الشعب، وهو ما يعتبر خطرًا على الانتقال الديمقراطي الذي تشهده تونس منذ يناير/كانون الثاني 2011.