يقول أرسطو: “لا يجب الخلط بين المدينة العظيمة والمدينة العامرة بالسكان”، قد تكون هذه المقولة كافية لننعت بها منطقة “أنزا” الموجودة قرب مدينة أكادير جنوب المغرب، التي طالها التهميش على الرغم من وجودها بمنطقة عظيمة وعامرة بسكان شيمهم العطاء والنضال.
“الجندي المجهول” وتسمية “أنزا”
ذٌكرت “أنزا” أو “سهل أنزا” تاريخيًا في وثيقة لجندي مجهول كان يعمل بإحدى الكتائب البرتغالية أيام استعمارهم للمنطقة، وتعد أقدم وثيقة وردت فيها معطيات عن هذه المنطقة، و”أنزا” تعني باللغة البرتغالية “السهل الممتد” على ساحل البحر، يصلح لاتخاذه مرسى، وهي بمعنى كلمة “Anse” باللغة الفرنسية التي بدورها إذا ترجمت للغة الإسبانية أعطتنا معنى “الخليج” “Bahía”، حسب توضيح أحد الباحثين في تاريخ “منطقة أنزا”.
أما أصل تسمية كلمة “أنزا” عند سكان سوس الأمازيغ فيرجع إلى كلمة “Arc” بالفرنسية التي يؤول معناها إلى “القوس”، لنجد فعلاً أن “أنزا” سهل ممتد يتموقع بين جبل “تادارت” وجبل “أكادير أوفلا” على شكل قوس تتضح معالمه من أعلى الجبلين، لتبقى كل التفسيرات متقاربة وتنصب معانيها كلها في السياق نفسه.
وتسمية أنزا موجودة في منطقتين وحيدتين في العالم، الأولى في المغرب والثانية بكاليفورنيا، ويطلق عليها اسم “بحيرة أنزا” تكريمًا لمستكشفها البرتغالي خوان باتيستا دي أنزا سنة 1938.
بحيرة أنزا
ديناصورات أنزا.. الأولى على الصعيد الإفريقي
قال مصطفى حبش العضو المؤسس بجمعية التوجيه والبحث العلمي “AMORS” في تواصل له مع “نون بوست”: “لا تعلمون مدى سعادتنا بهذا الاكتشاف العلمي الجيولوجي المبهر الذي يعد الأول والأقدم إفريقيًا والرابع عالميًا”.
وأضاف حبش أن الموقع الجيولوجي تم اكتشافه سنة 2012 بعد تعرض المنطقة لمد بحري، كان عبارة عن موجات تسونامي صغيرة لكن ذات تأثير قوي أزاح الكثبان الرملية الكثيفة، ليكشف لنا بعد عملية جزر عددًا مهمًا من آثار أقدام الديناصورات الواقعة تحت أمواج البحر، وتعود هذه الآثار إلى أكثر من 86 مليون سنة.
يوجد في المنطقة نوعان من آثار أقدام الديناصورات: الأولى تدعى “الثيربودات” وهي مركبة من كلمتين يونانيتين “ثيرو” وتعني الحيوان المفترس، و”بودو” بمعنى رجل، وتعرف هذه الديناصورات بمشيها على رجلين ولديها ذنب طويل، وأذرع قصيرة وفك ضخم الحجم، وتعد الديناصورات الوحيدة التي استطاعت البقاء حتى العصر الطباشيري العلوي.
التيروصورات أو “Pterosaurs” بالإنجليزية
أما الصنف الثاني فهو التيروصورات أو “Pterosaurs” بالإنجليزية، وهي ديناصورات طائرة تتغذى على الأسماك واللافقاريات البحرية وبعض الأصناف من الحيوانات الأرضية أيضًا، ولها أرجل الطيور.
وقد تم اكتشاف أول أحفورة “تيروصور” عام 1784 من طرف العالم الإيطالي “كوسيموي كوليني” المبينة في الصورة الثلاثية الأبعاد، كما تتوافر المنطقة الجيولوجية السياحية “أنزا” على أكثر من 70 أثرًا لأقدام الديناصورات، كل واحدة بحجم مختلف وأغلبها ثلاثية الأصابع كما هو مبين في الصورة أسفل.
وقد نسقت الجمعية المغربية للتوجيه والبحث العلمي بأنزا مع المتحف الجامعي للنيازك الموجود بجامعة ابن زهر بأكادير، بعقد لقاءات علمية تواصلية تجمع بين علم النيازك وعلم الديناصورات، كما دعت مؤخرًا إلى ربط نظريات علمية بين وجود النيازك واختفاء الديناصورات بهدف تبسيط المفاهيم الجيولوجية وتقريبها إلى المتلقي بشكل صحيح ودقيق.
وقد أوضح مصطفى حبش في هذا الجانب إلى أن النهوض بالسياحة العلمية سيساعد على التخفيف من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، كما سيخلق متنفسًا فكريًا وثقافيًا في أوساط الشباب الشغوف بالمعرفة.
أنزا وآمال رفع التهميش
تضم منطقة أنزا حاليًّا الميناء القديم والجديد، وقريبًا من المينائين يوجد معمل إسمنت كان أكبر معمل للإسمنت في الجنوب، الذي مولت منه الشركات بناء مدينة أكادير بعد زلزال 1960، كما كان مصدرًا مهمًا لإنتاج وتوزيع الإسمنت لجميع مدن الصحراء المغربية وبعض البلدان الإفريقية منذ القدم.
وتتوافر أنزا على العديد من مصانع إنتاج وتصدير السمك المعلب، ورغم كون المنطقة صناعية بامتياز فإنها لم تستفد من عجلة التنمية، كما قال مصطفى وهو فاعل جمعوي ومترافع عن القضايا البيئية والاجتماعية بمنطقة أنزا: “جل الطرق الموجودة بين المعامل وفي مختلف الممرات بالمنطقة تعود إلى عهد الاستعمار، وازدادت تدهورًا في السنوات الأخيرة نظرًا لأن المسؤولين لم يعيروها الاهتمام الكافي لتصبح بدورها جوهرة تاريخية إلى جانب مدينة أكادير”.
كما أضاف المتحدث نفسه أن التقدم الصناعي الذي تشهده أنزا لم ينعكس عليها محليًا ولا جهويًا ولا وطنيًا، متسائلاً كيف يعقل لمنطقة مثل هذه، تحوي العديد من المميزات السياحية والتجارية والتاريخية أن تبقى على حال من التهميش والإقصاء، ونقص في إشراك هيئات المجتمع المدني في مختلف القضايا المحلية ذات الأولوية في التنمية المستدامة.