ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأت ردود الفعل العنيفة المتضاربة بعد عرض فيلم “الجوكر” من بطولة خواكين فينيكس وإخراج تود فيليبس، المشهور بسلسلة “هانغوفر”. وقد فتح هذا الفيلم الباب أمام المراجعات المتضاربة وآراء الصحافة السلبية.
بعد أن لقي ترحيبًا حارًا كقطعة فنية في العرض الأول له في مهرجان البندقية السينمائي (حيث حظي بالإشادة وبحفاوة بالغة استغرقت وقوف الجمهور لثماني دقائق)، تعرّض الفيلم منذ ذلك الحين لوابل من التعليقات المثيرة للقلق بشأن احتمال أن يحرض على إطلاق النار الجماعي والعنف المدني. منذ صدوره الرسمي، بدأ المدّ يتحول مرة أخرى لصالح الفيلم، ما يشير إلى أن الرأي العام قادر بصفة أكبر على تمييز الفرق بين المواكبة الاجتماعية والتحريض على العنف أكثر مما يعتقد بعض النقاد.
يأخذ الفيلم الشخصية الشريرة البارزة في كتب القصص الهزلية من سلسلة “باتمان”، ويتتبع تطوّر آرثر فليك من كوميدي فاشل إلى وحش شيطاني يدعى “الجوكر”. وبصرف النظر عن جذوره، يهتم الفيلم بصفة أكبر بكيفية ظهور الشر في العالم الحقيقي أكثر من اهتمامه بالكتب الهزلية الشريرة، كما يقدم تصويرا مقنعا لفشل مثال معين عن الرجولة الأمريكية البيضاء.
مشهد يصور العناية بوالدته.
يقدم هذا النموذج، الذي شهدناه في تقاليد هوليوود من كلينت إيستوود إلى سيلفستر ستالون، صورة للرجل الأمريكي الناجح باعتباره رجوليا وعنيفا ومستقلا ماديا. ويمثّل هؤلاء الرجال عملاء العنف الذي يخدم المجتمع، بالإضافة إلى أنهم شخصيات تحمي القيم الأمريكية من التهديدات المتصورة من الخارج باستخدام القوة المفرطة.
بعد مشاهدة الفيلم، أعتقد أن الجدل الدائر يتمحور حول نفاق معين حول تصوير العنف، حيث أننا معجبون بعنفنا المصقول والأنيق ولا نريد أن نفكر في دورنا في خلق الأفراد الذين يرتكبونه. وبشكل مثير للدهشة، هذا ما يركز عليه فيلم “الجوكر”.
عنف الذكور
يأخذ النصف الأول من فيلم “الجوكر” المشاهدين في رحلة عبر العديد من الطرق التي تجعل فليك بعيدا عن المثالية الذكورية الأمريكية؛ حيث يتعرّض للضرب من طرف عصابة، ثم يعاني من مرض عقلي غير محدد يتناول على إثره عقارات طبية، ويستعين بمستشار، إلى جانب المضايقات التي يتعرض لها من طرف زملائه. كما صور الفيلم شخصية فليك على أنها ذات أبعاد أنثوية، ذلك أنه يعيش مع أمه ويعتني بها، ونحن مدعوون للنظر إليه على أنه شخصية غريبة الأطوار مثل نورمان بيتس. يشاهده الجمهور وهو يرقص أيضا، حيث يظهر جسمه الهزيل نصف العاري بينما يدور ويتلوى أمام الكاميرا.
يعكس الفيلم ما يدعوه عالم الاجتماع مايكل كيمل “بالاستحقاق المهضوم” للرجل الأمريكي الأبيض، حيث يؤدّي الإخفاق في الحصول على الوضع الاجتماعي والحاجيات التي تعتقد أنك تستحقها (المال، الوظيفة، الملكية، الجنس والعائلة)، إلى الغضب والعنف ضد الجماعات التي تلوموها مثل النساء، الأشخاص الملونين، والأقليات الجنسية.
تدعونا أفلام مثل فيلم “الجوكر”، وما سبقها مثل نادي القتال الذي يعتبر أيقونة من قبل الجماعات المتفوقة البيضاء في الولايات المتحدة، إلى التساؤل عن الخط الفاصل بين الواقع والخيال
نتيجة لذلك، ليس من المفاجئ أن يشعر البعض بالقلق من تقارب فليك الوثيق بالعازبين رغما عنهم أو ما يعرف بـ “الإنسيلز” (الغزوبية غير الطوعية). وداخل شخصية الجوكر، يمكن أن يجد العازبون رغما عنهم في فليك “القديس الراعي” الذي يجسّد العديد من سماتهم المفترضة على غرار العزلة، الغضب، البطالة، والفشل في جذب النساء.
تدعونا أفلام مثل فيلم “الجوكر”، وما سبقها مثل نادي القتال الذي يعتبر أيقونة من قبل الجماعات المتفوقة البيضاء في الولايات المتحدة، إلى التساؤل عن الخط الفاصل بين الواقع والخيال. فهل تعكس هذه الأفلام الأوضاع الاجتماعية أم أنها تساعد في النهاية في إنشائها؟
التعاطف مع الشيطان
يستند النقاش القائم حول إمكانية تشجيع فيلم “الجوكر” المشاهدين على تقليد العنف، إلى “التعاطف” أو “الشفقة” التي يظهرها الفيلم تجاه آرثر فليك. وتقول النظرية إن الشباب العنيفين والمنعزلين سيرون فليك ويحاولون الاقتداء بأفعاله. لكن في الحقيقة، لا يتم تشجيع الجمهور على التعاطف مع فليك، حيث أن تقنيات الأفلام التي تشجع الجمهور على التفاعل مع الشخصية، مثل اللقطات التي تظهر وجهة نظر أو اللقطات المأخوذة عن قرب، نادرا ما تحدث في فيلم “الجوكر”. بدلا من ذلك، نرى فليك من خلال مجموعة من الأسطح المشوهة مثل النوافذ والمرايا وشاشات التلفزيون.
الابتسامة
يمثل باف وبراوني، الشخصيتين الرئيسيتين في فيلم “نادي القتال”، قادة حركة. في المقابل، يثير جسم فليك الاشمئزاز، إذ يصعب مشاهدة شكله الهزيل حين يتلوى بينما تغطي جسمه كدمات سوداء، ويقطر المخاط من أنفه، إلى جانب مكياج المهرج الخشن. من جهة أخرى، تجعلك ضحكته، بدافع الفضول في بالبداية، تتقلب في مقعدك بحلول نهاية الفيلم. من المؤكد أننا نشفق على وضعه في بعض الأوقات، وقد نشعر بإلزامية إدانة الظروف الاجتماعية التي تسببت في عزلته، لكننا في الحقيقة نريد الابتعاد عن هذا الرجل، وليس أن نصبح مثله.
هذا يثبت فشل الاقتراح الذي يدعي أن الفيلم يحرض الأشخاص العازبين رغما عنهم على العنف. يبدو أن النقاد قد نسوا أن الطريقة التي ننظر بها “نحن”، أي المجتمع ككل، للأشخاص مثل الأشخاص العازبين رغما عنهم وغيرهم من المتطرفين، تختلف عن الطريقة التي يرون بها أنفسهم. كما تفيد المحادثات على موقع فورشان (موقع ويب يستضيف منتدى للنقاش يخص الأشخاص العُزاب رغماً عنهم) بأن مقارنة هؤلاء الأشخاص مع شخصية الجوكر كشفت نظرة المجتمع الأوسع إليهم، الذي يراهم كوحوش.
الأبطال والأشرار
لا يعتبر الأشخاص الذين يرتكبون أعمال عنف باسم أيديولوجية معينة أنفسهم على أنهم رجال وحيدون، يعانون من الاكتئاب، غير جذابين، وضعيفين جسديًا مثل فليك – بل ينضمون إلى هذه الحركات لترك مثل هذه العيوب وراءهم. في الحقيقة، إنهم يتخيلون أنفسهم على هيئة راعي البقر، المبيد، رامبو، أو القناص الأمريكي، أي الأبطال الذين يقاتلون قوى “الشر”.
في هذا السياق، توصف بعض الردود على فيلم “الجوكر” بالنفاق، إذ أنه فيلم يحتوي في آخر المطاف على عدد أقل بكثير من مشاهد العنف والموت مقارنة بأي فيلم من إخراج تارانتينو. إن الجوكر ليس نوعا من الهجاء، ولا يعتبر العنف الذي فيه “رائعا”، ذلك أن شهادتنا على الأصول الكئيبة والباردة لهذه الحركة تلقي بظلالها على كل شيء.
وجه كئيب
تعيق قصة فليك عملية التمييز السهلة بين “الخير” و”الشر”، التي تمثل الدعامة السردية الأساسية لأفلام هوليوود انطلاقا من أفلام الويسترن إلى أفلام مارفل. من جهة أخرى، تتمثل المشكلة في روايات الأبطال والأشرار في عدم تواجد مسؤولية مطلوبة من جانب المشاهد أو الشخصيات الأخرى، حيث يقدم البعض على أنهم يولدون سيئين ويستحقون ما يحصلون عليه.
إن فليك شخص شرير وقبيح وساخر، وينطبق الأمر ذاته على العالم الذي يعيش فيه. ففي الواقع، يتشابه هذا العالم الذي تمارَس فيه عدم المساواة والقسوة على أكثر الفئات ضعفا في المجتمع مع عالمنا. ربما نُدين فيلم “الجوكر” لأن الارتقاء بصورة كاريكاتورية حاقدة وأنانية ونرجسية لرجل ومنحه السلطة قد تبدو بشكل مؤلم ومخزي قريبة من الحقيقة.
المصدر: ذا كونفرسيشن