قديمًا، كانت الفضة، أو المعدن الأبيض كما تُسمى أحيانًا، واحدة من أهم عناصر التجارة العالمية التي كانت ترتكز في نشاطاتها على السكر والتبغ والذهب والعبيد، إذ ساهمت الفضة في اكتشاف طرق تجارية جديدة، ورفع اقتصاديات العالم القديم إلى مستويات مبهرة من القوة والانتعاش، مثلما حدث في مصر وبعض دول غرب إفريقيا، إضافة إلى دول شرق آسيا مثل الصين واليابان التي أنقذتها الفضة من العزلة الاقتصادية وساعدتها على الاندماج في النظام العالمي.
في كتاب “قصة الفضة: كيف شكل المعدن الأبيض أمريكا والعالم الحديث”، يوضح ويليام سيلبر، أستاذ المالية والاقتصاد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك الأمريكية، تأثير الفضة وقيمتها على تاريخ الحضارات القديمة، مشيرًا إلى اعتماد هذه الدول عليها كشكل من أشكال العملة ووسيلة رئيسية للتبادل التجاري، ولكن رغم هيمنتها لعقود على التجارة العالمية، انتهى دورها في القرن التاسع عشر، وباتت تلعب دورًا ثانويًا في الأسواق. وبدلًا منها، اقتحم الذهب هذا الوسط وأصبح جزءًا أساسيًا من المحفظة الاستثمارية والأحاديث الاقتصادية.
ولكن حاليًا، يلاحظ المحللون عودة شعبية المعدن الأبيض إلى الأسواق مع تزايد الاستثمارات فيها، فما الأسباب؟ ومتى يعد الاستثمار في الفضة خطوة جيدة؟
المزايا الاقتصادية للمعادن الثمينة
في البداية، يجدر الذكر بأن أبرز الدول المنتجة للفضة في العالم هي المكسيك والصين وبيرو وروسيا وأستراليا وبوليفيا وشيلي وبولندا وأمريكا وكندا، وعادةً ما تستعمل الغالبية منها في جميع المجالات الصناعية والسلع الاستهلاكية الإلكترونية، مثل صناعة الجواهر والأواني الفضية وبعض العملات المعدنية المتداولة وأدوات الاتصالات الكهربائية والإلكترونيات والأجهزة الطبية. كما تستخدم الفضة في بعض الأحيان في الطاقة النووية، ولعل كثرة المجالات التي تتطلب وجودها في صناعتها، تجعلها أكثر المعادن شيوعًا بعد الذهب.
ولكن لتحديد ما إذا كانت الفضة استثمارًا جيدًا أم لا، علينا أولاً أن نتساءل: ما الذي يجعل المعادن الثمينة “ثمينة”؟، والجواب أنها محدودة ونادرة. وهناك 3 أنواع رئيسية منها، تحظى باهتمام عالمي وشأن اقتصادي كبير، وهي: البلاتين والذهب والفضة.
ينظر إلى المعادن كأصول ثمينة، يمكن الاعتماد عليها في وقت الأزمات الاقتصادية، ولذلك يعتبر تضمين نسبة منها في محفظة المستثمر، خطوة جيدة من أجل تقليل المخاطر والتقلبات التي تجري في الأسواق
وكغيرها من المنتجات والخدمات، تتأثر قيمة هذه المعادن النفيسة بعدة عوامل، ومنها عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي، أو تذبذب حركة الأسهم. ففي هذه الأوقات، تعد المعادن الملاذ الأكثر أمانًا، فإذا نظرنا إلى الوراء عبر التاريخ، يمكننا أن نرى أن العملات الورقية فشلت في الحفاظ على قيمتها في بلدان مختلفة ولعدة مرات، في حين تمكنت المعادن الثمينة من الحفاظ على قيمتها الاقتصادية كوسائل للدفع وسداد الديون.
وبالتالي ينظر إليها الناس كأصل ثمين ملموس، يمكن الاعتماد عليه في وقت الانهيارات والأزمات الاقتصادية، ولذلك يعتبر تضمين نسبة منها في محفظة المستثمر، خطوة جيدة من أجل تقليل المخاطر والتقلبات التي تجري في الأسواق، وخاصةً أنها تتغلب على حالة عدم اليقين التي يتصف بها الوضع الاقتصادي.
لماذا تعد الفضة خيارًا استثماريًا مريحًا؟
في الوقت الحاضر، تعتبر الفضة واحدة من أكثر المعادن الثمينة تداولًا في الأسواق وتعد بديلًا مثاليًا للمستثمرين ذوي الدخل الثابت، بحيث توفر لهم استثماراتهم عائدًا مقبولًا بشكل مستمر، كما يساعدهم سعرها المنخفض نسبيًا بالمقارنة مع المعادن الثمينة الأخرى في شرائها و بيعها بسهولة أكبر من غيرها أيضًا. عدا عن أنها تتمتع بميزة مكافحة التضخم، ومرونتها وثباتها في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية.
تبعًا لما يجري حاليًا من خلافات تجارية بين الصين وأمريكا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يرى المحللون أن الفضة سوف تتألق في الأعوام المقبلة، بسبب مخاوف المستثمرين من عدم استقرار أسواق الأسهم العالمية.
فلقد أثبتت أنها ملاذ آمن للمستثمرين في أوقات عدم اليقين السياسي أو الاقتصادي، على الرغم من تعرض أسعارها لبعض الضغوط في السنوات الأخيرة، إلا أنها تبقى دائمًا ثمينة بصرف النظر عما قد يخبرك به سعرها في السوق. يؤكد ذلك الخبير الاقتصادي سيبلر الذي أفاد أن “خلال الكوارث، مثل التضخم الكبير الذي حدث في فترة السبعينيات، والركود العظيم عام 2008، تم شراء كميات كبيرة من الذهب والفضة، ولكن استجابة الفضة كانت أكثر سرعة وقوة”. مشيرًا إلى تضاعف قيمتها 4 أضعاف عندما كان كل شيء ينهار.
وتبعًا لما يجري حاليًا من خلافات تجارية بين الصين وأمريكا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتفاع حدة التوتر التجاري بين طوكيو وسيئول وتوتر العلاقات في منطقة الخليج، يرى المحللون أن الفضة سوف تتألق في الأعوام المقبلة، بسبب مخاوف المستثمرين من عدم استقرار أسواق التجارة والأسهم العالمية.
يضاف إلى ذلك، ما أشار إليه التقرير الصادر من مؤسسة الفضة، مجموعة صناعية في واشنطن، بأن الطلب الصناعى على الفضة بلغ 60% من إجمالي الطلب السنوي، ومن المتوقع أن يرتفع طلب منتجات التكنولوجيا الخضراء على الفضة إلى 1.5 مليون أوقية بحلول عام 2030. واستنادًا إلى بيانات العام الماضي، فلقد ارتفع الطلب على الفضة إلى أعلى مستوى خلال 3 سنوات بـ4% مقارنة بعام 2017، وأيضا انخفض إنتاج المناجم في 2018 بنحو 2% إلى 855 مليون أوقية.
كيف تستثمر في الفضة؟
هناك عدة طرق يمكنك من خلالها الاستثمار في الفضة، يمكنك شراء العملات المعدنية أو السبائك الفضية، أوالاستثمار في الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs)، أو التداول في الأسهم التي لها مصلحة خاصة في صناعة الفضة مثل شركة تعدين الفضة، فلقد نوهنا سابقًا إلى تعدد استعمالاتها في جميع المجالات الصناعية والسلع الاستهلاكية الإلكترونية تقريبًا، ما يشير إلى قدرتها على اجتذاب الطلب لفترة طويلة، خصوصًا أن حاجة السوق على المنتجات الإلكترونية في تزايد مستمر، ويعني ذلك أن الطلب على الفضة سوف يزداد وترتفع معه قيمتها السوقية.
وكغيرها من الأصول، فإن الاستثمار في الفضة لا يمكن أن يعطي أي ضمان للنجاح المالي. ومع ذلك، فهو خيار مستقر للاستثمار طويل الأجل وبعيد عن المجازفات، عدا عن كونه تدبير حكيم في أوقات الشكوك الاقتصادية، ولذلك بحسب توصيات بعض الاقتصاديين، فمن المستحسن دائمًا إبقاء ما قيمته 10% من هذا المعدن من إجمالي محفظة الاستثمار.