بعد سبات عاشه العراقيون إثر انقطاع الإنترنت، تستعيد الخدمة عافيتها ببطء شديد وبإمكانات رديئة وبشكل جزئي، مع حجب مواقع التواصل الاجتماعي، عاد الإنترنت في العراق، لكن شركات الهاتف النقال لم تزود المواطنين بخدمة الـG3 حتى الآن لدواعٍ أمنية.
على الرغم من قصر مدة قطع الإنترنت إثر التظاهرات التي شهدتها البلاد مؤخرًا، فإنها أسفرت عن خسائرة كبيرة وتعطيل العديد من المشاريع الخاصة نتيجة توقف الإجراءات الإدارية الإلكترونية، وتوقفت كذلك بعض التطبيقات التي تعتمد على خدمة الإنترنت مثل تطبيق كريم وتطبيق طلباتي الخاص بوجبات الطعام، بالإضافة إلى توقف كامل لخدمات الدفع الإلكتروني التي تقدمها المصارف.
مليار دولار في مهبّ الريح!
العراق البلد الذي اعتاد هدر مليارات الدولارات لأتفه الأسباب، لم يكن غريبًا عليه وقوع خسائر جسيمة تكبّدتها الشركات والبنوك وقطاع الأعمال عمومًا جراء قطع خدمة الإنترنت تقدّر بين 40 و50 مليون دولار يوميًا، وتقدر الخسائر الإجمالية خلال الأيام الخمس الأولى فقط من الاحتجاجات التي اتقدت شرارتها في 1 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، بأكثر من مليار دولار، هذه الخسائر مؤهلة للزيادة حال استمرار قطع الإنترنت خلال الأيام المقبلة.
تشير منظمة “نيتبلوكس” غير الحكومية المتخصصة بالأمن السيبراني إلى أن القيود المفروضة منذ 12 يومًا على شبكة الجيل الثالث للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وإنستغرام) كلفت نحو عشرة ملايين دولار يوميًا.
قطع الإنترنت.. يحجب نور الحقيقة
“العفوية” كانت السمة الأبرز للاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي تم الحشد لها على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم “نازل ﺁخذ حقي”، ليخرج إثر ذلك آلاف العراقيين في تظاهرات مطالبة بإسقاط الحكومة وإجراء إصلاحات اقتصادية ومحاربة جدية للفساد، بعد عام كامل من تشكيل الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي.
وفي أول ﺇجراء لمجابهة هذه الاحتجاجات والمطالب، قُطع الإنترنت وحُجبت مواقع التواصل الاجتماعي للتستر على عملية منظمة لقمعها أفضت إلى سقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى.
الشركات الأجنبية.. لا ضمانات
ربما تكون تلبية مطالب المتظاهرين أقل عبئًا بآلاف المرات مما سببه سلوك الحكومة مع المحتجين بكل مفاصله، وقد يُعدّ قطع الإنترنت في نظر السلطات العراقية نجاحًا في تخفيف حدة التظاهرات، لكنها لم تحسب حساب الرسالة السلبية التي يمكن أن تصل للشركات الأجنبية العاملة في البلاد بأن الدور الحكومي غير ضامن لها وغير قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة، وهذا بالنتيجة يدفع تلك الشركات إلى البحث عن بيئات استثمارية آمنة بعيدًا عن العراق.
عضو غرفة تجارة بغداد محمد الزبيدي قال، إن “خطوات مثل قطع الإنترنت تخيف الشركات الأجنبية، وتُفسَّر بأن من يديرون البلد لا يقدّرون أهميته في عالم اليوم، وبالتالي هذا لا يشجّع المستثمرين ليضخوا أموالهم بمشاريع جديدة في العراق”.
الحكومة تفتح على نفسها أبواب المطالبات إثر عدم حسابها تبعات تعاملها مع الاحتجاجات، إذ يطالب أصحاب المشاريع الخاصة في العراق بتعويض حكومي سريع، نظرًا إلى ما سببه من أضرار لهم، إذ تبدو أغلب الصفحات والمتاجر الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت خاوية، ولم ينشر أي إعلان منذ أكثر من أسبوعين على صفحاتها، وتؤكد تقارير محلية أن القطاع الخاص الأكثر تضررًا، خصوصًا شركات السياحة والهاتف المحمول والتحويل المالي والاستيراد والبنوك وسوق الأسهم، وكذلك المتجار الإلكترونية.
المتخصص في تطوير القطاع الخاص مجاهد الويسي أكد “توقف أكثر من 5 آلاف شخص من سائقي “كريم” وتطبيقات نقل أخرى عن العمل، وأكثر من 400 سائق دراجة في تطبيقات توصيل الطعام “طلباتي” و”توتور” و”عالسريع” لا يزالون يعجزون عن توفير خدماتهم بسبب عدم وجود الإنترنت على الهواتف المحمولة في العاصمة بغداد”.
شبح قطع الإنترنت يلاحق المشاريع الناشئة
هذا العالم الواسع بأسره الذي يحركه الأثير، بات لا يصلح للحياة من دون الإنترنت، فكان حقًّا إن وُصفت بأنها روح الحياة، فقطع الشبكة في العراق أتى على الأخضر واليابس، ولا مبالغة إن قلنا إن ذلك كبّل المتظاهرين وغيرهم، وشلّ كل أطراف الحياة في هذا البلد الذي ينزف من كل صوب، ومن مفاصل الحياة في العراق المشاريع الصغيرة الناشئة التي تعتمد في إنتاجها على شبكة الإنترنت، وفي هذا الجانب يشير الويسي في حديثه لـ”نون بوست” إلى توقف عمل أكثر من خمسة آلاف شخص يعتمدون على التجارة الإلكترونية في مجالات الصناعة وتجارة المنتجات الغذائية والهدايا والإكسسوارات، فضلًا عن بيع وتجارة الملابس والمواد المختلفة عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام.
تعتمد كثير من الفتيات والنساء في العراق على التجارة الإلكترونية لإعالة عوائلهن بسبب عدم تمكنهن من العمل خارج المنزل، خصوصًا في بلد محافظ كالعراق
“هذه المشاريع أسسها شباب ونساء أرامل يعتمدون كليًا على خدمة التوصيل للمنازل كمصدر أساسي أو ثانوي لعيشهم”، الحديث للويسي الذي قدر قيمة التجارة الإلكترونية من خلال السوشيال ميديا ومواقع التجارة الإلكترونية في العراق بنحو 60 مليون دولار شهريًا، حيث تعتمد كثير من الفتيات والنساء في العراق على التجارة الإلكترونية لإعالة عوائلهن بسبب عدم تمكنهن من العمل خارج المنزل، وخصوصًا في بلد محافظ كالعراق.
الحالات الإنسانية والصحية ليست بمعزل!
لم يكن القطاع الخاص وحده المتضرر جراء القرار الحكومي بقطع الإنترنت، إذ انسحب ذلك على القطاع الصحي والإنساني أيضًا، فضلًا عن الخسائر المالية في كل قطاع، حيث عجزت شركات الطيران عن حجز تذاكر السفر والطيران حتى للحالات المرضية الحرجة، وطال الحظر بشكل كبير أيضًا مكاتب السياحة والسفر التي توقفت حجوزاتها بشكل شبه تام، ووصلت خسائرها إلى نحو “15 ألف دولار يوميًا”، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
تقول موظفة رفضت كشفت اسمها لفرانس برس: “لم نتمكن من حجز أي رحلات، كان بديلنا الوحيد العمل عبر الهاتف مع شركات في أربيل (كبرى مدن إقليم كردستان العراق الذي لم يطله الحجب لارتباطه بالشبكة من خلال نظام مختلف)”.
السلطات العراقية تجاهلت التحذيرات الدولية من قطع خدمة الإنترنت، خصوصًا بعد أن تعالت ووصل صداها إلى المحافل الأممية، إذ أكدت المتحدثة الرسمية باسم مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مارتا هورتادو في بيان سابق قالت فيه: “نشعر بالقلق من حجب خدمة الإنترنت في معظم المحافظات العراقية”، ورجحت المنظمة الدولية أن قطع الخدمة يتسبب في انتهاك حرية التعبير وتقييد الحق في تلقي المعلومات ونقلها، ويؤدي أيضًا إلى تصعيد التوتر، وهو ما حدث بالفعل، حيث أظهرت الصور بعد عودة الإنترنت جزئيًا عمليات قتل نفذت ضد المتظاهرين مع سبق الإصرار والترصد.