هل أصابتك يومًا حماسة معلقٍ رياضي في اللحظات الأخيرة من مباراة مصيرية، وانفعاله المحموم حين يقول: “تسديدة في الوقت القاتل”؟، أم هل ساقتك الحياة يومًا أمام لحظة أدركت فيها أن “مجيئك المتأخر، خيرٌ من غيابك الدائم”؟، إذا كُنت قد جربت أحد التفاعلين السابقين (النفسي أو الاجتماعي) المرتبطين بالوقت كحجر زاوية أساسي للتفاعل، فستدرك تمامًا ما الذي يعنيه الوقت بالنسبة لكيانٍ قائمٍ على السباق المحموم مع وقتٍ يُهدرُ مبتعدًا عنه، وتكمن أكبر مخاوفه في بوصلة إقليمية أو دولية لا تُشير له شمالًا أو جنوبًا.
من هذا الخوف الذي صبغ الذهنية الإسرائيلية منذ يومها الأول على أرض فلسطين، وتسلل إلى جميع مفاصلها، منذرًا بأفول – يراه أصحابها مبكرًا -، ومن هواجس النأي، الغربي والليبرالي عن الكيان، بمستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشعبية، جاءت الصحيفة الإلكترونية الإسرائيلية “تايمز أوف إسرائيل”، سليلة الوقت القاتل، وقاطعة الغياب الدائم، والحبل السُري الجديد بين “إسرائيل” وعالمٍ غربي متقلب، تتجدد معه “إسرائيل” حُبًا وقسرًا، أملًا في الإبقاء على صلة الوصل به.
من هُنا وهُناك، تأتي هذه المادة، استكمالًا لملف يتتبع تاريخ الإعلام الإسرائيلي، أو ما يعرف بشبكة الصحافة الصهيونية، صحفها ومراكزها الإعلامية، نشأة كلٍ منها وتحدياتها وفعلها العسكري بغطاءٍ إعلامي، اتجاهاتها ودورها في العبث فينا وفي عقولنا على مدى عقود من اتفاقيات السلام فالثورات فالحروب والتحالفات، التي كشفت اتكاءً هشًا على حروفها.
هذه المرة يسُلط الملف الضوء على “تايمز أوف إسرائيل”، أحدث صحيفة إسرائيلية بنمطٍ إلكتروني، خرجت في الوقت بدل الضائع من بين كومة الصحف والجرائد الإسرائيلية التي تتنافس على قارئ واحد، لتستهدف قارئًا أخر، بنفس الرواية، بغير لغة، وبالكثير من التنميق والعبث في الاتجاهات، حتى أصبحت في ذاتها اتجاهًا، أخطبوطيًا، يتكفل بمحاربة أعداء روايتها في الإقليم والغرب والعالم، بلغتهم وبسيفها وسطوتها، حتى الهيمنة الإعلامية الكاملة على ميدان الكلمة والرواية.
السر: ابدأ من حيث انتهى الآخرون
في عام 1983، وقبل بضعة سنوات من الانتفاضة الفلسطينية الأولى، هاجر ديفيد هوروفيتز المولود في لندن، إلى “إسرائيل” ضمن موجات الهجرة المتلاحقة حينها، والتي عرّفت هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى داخل فلسطين باعتبارها صعودًا وارتقاءً “علياه” للروح الصهيونية وللحلم الصهيوني بتأسيس وطن يجمع كل يهود العالم.
خلال فترة وجيزة من هجرته، ونتيجة حصوله المباشر على الجنسية الإسرائيلية استطاع هوروفيتز أن يؤدي خدمته العسكرية في فيلق التعليم والشباب في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأن يكون مسؤولًا عن تثقف المجندين في الجيش، وتنمية “قيم الوطنية” والانتماء لديهم، وخاصة أولئك المهاجرين الجدد من غير الناطقين باللغة العبرية.
ثم انطلق في العمل كمحررٍ ومراسل في صحيفة “جيروزاليم بوست”، مستخدمًا علاقاته في الإعلام البريطاني للترويج للرواية الإسرائيلية، حتى عام 1987، حين اندلعت انتفاضة الحجارة التي وضعت هوروفيتز أمام استحقاق التفكير في الأفق السياسي لـ “إسرائيل”.

حينها عاش هوروفيتز أولى محطات تحوله، حيث تولد لديه اعتقاد بأن الاحتجاجات الشعبية التي يقودها الفلسطينيون تؤكد أن القوة العسكرية الإسرائيلية ليست كافية لحسم الصراع، وأن تسوية سياسية قد تنجح في إيقاف “العنف والمقاومة الفلسطينية”، خاصة وأن العالم فسر ما يجري باعتباره صراعًا داخليًا مع مكونٍ يُطالب بحقوقه، وليس صراعًا مع عدو خارجي يستحق هذا الكم من الردع العسكري – وفقًا لهوروفيتز -.
نتيجة لهذه الأفكار، قرر هوروفيتز أن “جيروزاليم بوست” بخطابها اليميني المتطرف، ليست المنصة المناسبة لأفكاره، فانتقل عام 1990 للعمل في صحيفة نصف شهرية، هي “جيروزاليم ريبورت”، التي كانت حديثة النشأة حينها، وتطرح خطابًا أكثر اعتدالًا ويسارية من مظلتها الأم “جيروزاليم بوست”.
خلال تلك الفترة التي امتدت حتى 2004، انطلق هوروفيتز في دعم أي تحركٍ سياسي يجمع بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية، وحفلت كتاباته بتقديس المساعي المتواصلة لإيجاد حل طويل الأمد يتضمن التفاوض مع الفلسطينيين، وبدأ يُهاجم ما أسماه “المواقف المتصلبة” في السياسة الإسرائيلية التي ترى الحلول في القوة فقط.
شهدت تلك الفترة أيضًا إسهامات أدبية ومعرفية لهوروفيتز تُعزز اتجاهه الفكري، من بينها كتابته وتحريره السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين عام 1996، مع عددٍ من محرري “جيروزاليم بوست”، وهو الكتاب الذي حمل عنوان: “سلام صديقي: حياة وإرث اسحق رابين”، وفاز عنه بجائزة الكتاب اليهودي الوطني في الولايات المتحدة.
وهو ما انعكس زخمًا على صعوده الصحفي، وأهله لمنصب رئيس تحرير “جيروزاليم ريبورت” منذ العام 1998، وأتاح له نشر رؤاه الشخصية عن “إسرائيل” في كتابٍ آخر نشره عام 2000، وحمل عنوان: “أقرب إلى الله: الإثارة والذعر في الحياة بإسرائيل”.
لم يطل المقام برومانسية هوروفيتز ورؤيته المثالية لحل “الصراع” كثيرًا، فمع اندلاع انتفاضة الأقصى التي أطلقت حممًا من الغضب الفلسطيني في مواجهة المحتل، وراكمت أثرًا لا يمكن مقارنته بالانتفاضة الأولى، لا سيما مع تراجع المقاومة الشعبية مقابل دخول العمل المسلح كخطٍ أساسي.
عاد هوروفيتز إلى خطه الأول، صهيونيًا يمينيًا متطرفًا، يلقي بالاتهامات على الفلسطينيين بأنهم المسبب بالعُنف، ويرى أن القيادة الفلسطينية قد طعنت “حكومته” في الظهر، حين روجت دائمًا لواقعٍ مغاير عن المجتمع الفلسطيني ورغبته في السلام.
الأفكار المتلاطمة في عقلية هوروفيتز ، كان لها أن تنتظم في خطابٍ أكثر تشددًا من “جيروزاليم ريبورت”، فعاد إلى حظيرته الأولى “جيروزاليم بوست” عام 2004، ليطلق حممه حول الحاجة إلى المزيد من التشدد في السياسة الإسرائيلية، والكثير من العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، والأولويات التي يجب أن يكون الأمن الإسرائيلي والسيطرة المطلقة على رأسها، حتى لو عن طريق الجدار الفاصل أو اجتياح المدن الفلسطينية.
في العام نفسه، أطلق كتابه الثالث: “حياة ساكنة مع القنابل: إسرائيل في عصر الإرهاب”، وهو الكتاب الذي يمثل خلاصة الفكر الذي وصل له هوروفيتز فيما يخص العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث يؤكد وجود إرهابٍ ما، لكنه يصبغه بنوعٍ واحد هو تفجير الحافلات المفخخة وانعدام الأمن لدى المجتمع الإسرائيلي، الذي “يتحدى” حين يعيش حياة طبيعية وسط الخوف، ويحتسي القهوة رغم ظلال القنابل المحيطة به!
ورغم أن هوروفيتز في كتابه يُلقي باللوم الواضح على القيادة الفلسطينية، وتحديدًا على ياسر عرفات، باعتباره أهدر فرصة حقيقية للسلام في كامب ديفيد وفقًا لقوله، إلا أنه يضع جزءًا من اللوم على الصحافة العالمية التي -بالنسبة له- أطلقت أحكامًا مسبقةً على الفلسطينيين “باعتبارهم صُناع سلام” بدلًا من التقارير المنصفة، كما جرّمت “إسرائيل” بدلًا من فهمها.
حُمى اللوم التي أصابت هوروفيتز دفعته من الأعوام 2004-2011 لقيادة “جيروزاليم بوست” كمحرر رئيسي لتكون واحدة من أكثر الأبواق الإسرائيلية تطرفًا، وقدمته كمتحدث باسم “إسرائيل” في لقاءات تلفزيونية ومقابلات صحفية ومؤتمرات دولية، باعتباره ليبراليًا معتدلًا، يؤمن بـ “إسرائيل ديمقراطية” مضطرة للتعامل بصرامة مع فلسطينيين أهدروا فرصة السلام الضائع، وعبثوا بأمنها المقدس.
الأضواء الدولية والعلاقات المتينة إعلاميًا ودبلوماسيًا، لم تدفع هوروفيتز إلى خارج السلك الصحفي، بقدر ما دفعته لإدراك وجود فجوة بين “إسرائيل” والمجتمع الدولي، وحالة من “سوء الفهم” لأمنها ومبرراتها، ما حفزه لإطلاق منصة جديدة على شكل صحيفة إلكترونية عام 2012، تتجاوز ما أصاب “جيروزاليم بوست” من الوهن، وتخرج من ميدان منافسة ابتلعته “إسرائيل هيوم”، وتجمع بين ليبرالية “هآرتس” وتطرف “معاريف”، وتنطق بلغة ملساء قادرة على جذب الناطقين بغير العبرية إلى ساحة العبرية وأهلها.
تقاطع ذلك مع ذروة ربيع عربي وجدت “إسرائيل” نفسها فيه محاصرةً كأيامها الأولى، خاصة بعد حربها على قطاع غزة عام 2009، والتي أنهتها مرغمةً بضغطٍ مصري، بينما فُتحت أسماع الميادين الدولية، سياسيًا واقتصاديًا وشعبيًا، لمطالبات حركة المقاطعة وتصاعد سعيها للتضييق على الاحتلال.
من العوامل الأخرى التي دفعت هوروفيتز للدفع نحو إطلاق “تايمز أوف إسرائيل”، هو تشتت الخطاب الإسرائيلي، وعدم وجود قاعدة واضحة له في الإعلام الغربي تنطلق من مصالحه، فحتى “بي بي سي” و”نيويورك تايمز” و”الجارديان” أفردت مساحات لنقد السياسات الإسرائيلية وأعمالها العسكرية، بينما أفسحت الجزيرة مجالًا أوسع “للعداء الإعلامي” الإقليمي للرواية الإسرائيلية.
باختصار، فهم ديفيد هوروفيتز مع كل هذه العوامل، أن معركة “إسرائيل” المقبلة لن تكون عسكرية فقط، بل إعلامية أيضًا (يُطلق عليها ساحة المعركة الثانية)، وأن عليها أن تكون مستعدة جدًا لها، فجمع مُنتهى ما وصل له الآخرون وبدأ منه، بإطلاقه موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري، الناطق باللغة الإنجليزية، كخطوة أولى في معركة “الرواية والسردية” في الميدان العالمي.
خطوة بخطوة نحو السردية المهيمنة
في عام 2015، وقف رئيس الجامعة العبرية في القدس البروفيسور مناحيم بن ساسون في حفل الذكرى التسعين لتأسيسها، مشيدًا بخريجيها المؤثرين لصالح “إسرائيل” ودورهم في تعزيز قوتها ومكانتها داخليًا وخارجيًا، من بين هؤلاء كان دوريت بينيش، في ميدان السلطة القضائية، ويوفال شتاينيتز في ميدان السلطة التشريعية، وديفيد هوروفيتز، الأكثر تأثيرًا على واقع “إسرائيل” في مجال الإعلام.
حينها كان موقع صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قد تدحرج للتو نحو بداية عامه الثالث، لكن تأثيره الكبير أطاح بأي إعلامٍ إسرائيلي -ناطق بالإنجليزية- وتركه في المقدمة. المقدمة ذاتها التي ظهرت بصمتها في تناقل مواده على صفحات “التايمز” و”انديبندنت” و”البوست”، وعلى استضافة كُتابه ومراسليه على قنوات “سي إن إن” و”بي بي سي” و”سكاي” و”فوكس نيوز” وغيرها، وعلى تصدر هوروفيتز جولات الإحاطة للوفود البرلمانية الزائرة لـ”إسرائيل”.
لم يأت ذلك من فراغ، فإطلاق الموقع الإلكتروني للصحيفة الذي تم بجهدٍ إعلامي من هوروفيتز، وبدعم مادي غير محدود من الثري الأمريكي سيث كلارمان، ترافق مع إضافات جديدة لم يشهدها الإعلام الإسرائيلي ولا دبلوماسيته من قبل.
من ناحية، نجحت الصحيفة الإلكترونية في المزج بين المحتوى المدفوع والمجاني، إذ أتاحت منصة تدوين مفتوحة يشارك فيها أكثر من 9 آلاف مدوّن حاليًا، يُخضعون مسبقًا لمعايير رقابية تتوافق مع السياسات الإسرائيلية قبل السماح بالنشر.
في المقابل، فرضت رسومًا على التصفح وخدمات القراءة، دون أن ينعكس ذلك سلبًا على حجم الوصول أو شعبيتها، والمفارقة أن هذا النمو تزامن مع تراجع شعبية الصحف الإسرائيلية المطبوعة، التي تأثرت سلبًا بانتشار المحتوى المجاني على رأسه “إسرائيل هيوم”.
بل حققت الصحيفة الإلكترونية نموًا لافتًا في عدد قرّائها خلال أول عامين من انطلاقتها، إذ بلغ عدد مستخدميها 2 مليون، ثم ارتفع إلى 3.5 مليون في عام 2017. وبحلول عام 2021، تجاوزت مقروئيتها 9 ملايين مستخدم، مسجلةً أكثر من 35 مليون زيارة لصفحاتها شهريًا.
كما استطاعت الصحيفة جذب العديد من الكُتاب والمراسلين من النسخة الإنجليزية من صحيفة “هآرتس”، مثل جوشوا دافيدوفيتش ورافائيل أهرين، ومراسل الشؤون العربية السابق آفي يسسخاروف، الذي أصبح محُللً لشؤون الشرق الأوسط، كما سحب إلى زاويته كُتابًا ومحررين من صحيفته الأولى “جيروزاليم بوست”، مثل أماندا بورشيل دان، التي أصبحت حاليًا نائبة رئيس تحرير “تايمز أوف إسرائيل”، ومسؤولة عن البودكاست الأسبوعي لموقع الصحيفة.
تزامن ذلك مع هدفٍ أساسي التزمت به الصحيفة منذ البداية، وعبر عنه هوروفيتز في مقاله التأسيسي الأول شمل “تقديم تقارير دقيقة وجذابة عن “إسرائيل”، وسد الفجوة في التغطية الإعلامية الخاصة بها في الإعلام الناطق بالإنجليزية، ومواجهة النقد العالمي والتحيز الإعلامي، و إيصال الرواية الإسرائيلية لأوسع جمهور أكاديمي وسياسي ودبلوماسي حول العالم، من خلال الاستثمار في الإعلام الرقمي الصاعد، والحاجة إلى التقارير العاجلة والتدوينات والمقالات التحليلية، وتقديمها بأسلوب هادئ وتحليلي وعقلاني ومحايد – لصالح “إسرائيل” – يبتعد عن الإثارة ويُركز على التأثير بعيد المدى.
أما الإضافة الثانية، والتي وضعت “تايمز أوف إسرائيل” على سُدة الدبلوماسية الإسرائيلية فهو إطلاقها نسخًا متعددة اللغات، مخترقة البيان والكلمة، فكانت النسخة العربية، مع محررتها سهى خليفة – إعلامية فلسطينية عربية -، والفرنسية مع محررتها ستيفاني بيتان، والفارسية مع محررها آفي دافيداي، وبينما خرجت النسختين العربية والفرنسية إلى الضوء بداية 2014، تأخرت النسخة الفارسية حتى السابع من أكتوبر 2015.
هذه الإضافة لم تكن إلا بداية اختراق حقيقي على الساحة الإقليمية لصالح السردية الإسرائيلية، فالمواد التي يتم نشرها في النسخ العربية والفرنسية والفارسية مترجمة في معظمها عن اللغة العبرية، وتُخاطب كل منها حاجة “إسرائيل” من الآخر.
في النسخة العربية تتقارب “إسرائيل” من العرب وخليجه، وفي النسخة الإيرانية تضع أرضية مشتركة جامعة مع معارضين إيرانيين، وفي النسخة الفرنسية تنسج أحلامًا لمهاجرين فرنسيين إلى “إسرائيل”، وحتى منصة التدوين التي أطلقتها الصحيفة أتاحت حيزًا هامًا لأبواق شعبية ومجتمعية للظهور في الخطاب الإسرائيلي، لا لتبرير وجهة نظر الآخر، وإنما لتأكيد الانصياع للرواية العبرية وهيمنتها.
بمثل هذه العناصر، غدت “تايمز أوف إسرائيل” تلقائيًا مشروعًا إعلاميًا سياسيًا صهيونيًا ناعمًا، ولد استجابة لحاجة “إسرائيل” إلى رواية رقمية باللغة الإنجليزية، وأصبح في خضم فعاليته جزءًا من دبلوماسيتها الإعلامية، يُروج للمجتمع السياسي الإعلامي الصهيوني العالمي، ويُركز على مفهوم “الصراع والتعايش” بدلًا من “الاحتلال وتقرير المصير”.
كما يتقاطع مع رواية وزارة خارجيتها ومكتب الشؤون الاستراتيجية، وذلك من خلال ثلاثة محاور؛ الأول تصوير “إسرائيل” كدولة ديمقراطية مهددة بالإرهاب، ومواجهة حملات المقاطعة والأصوات المناوئة للرواية الإسرائيلية، وتحسين صورة وعلاقات “إسرائيل” الأكاديمية والجامعية والإعلامية في الغرب.
أما المحور الثاني، فهو ارتباط “تايمز أوف إسرائيل” باللوبي اليهودي (العالمي)، وذلك من خلال تسليطه الضوء على الأنشطة اليهودية العابرة للحدود، وترسيخ مفهوم المجتمع اليهودي أولًا، والدولة القومية اليهودية ثانيًا، ومعاداة السامية ثالثًا.
في حين يتمثل المحور الثالث في استلاب الرأي العام الغربي، بفروعه الثلاث: الأمريكي والبريطاني والفرنسي، من خلال العمل مع منظمات يهودية عالمية، مثل: AIPAC، CAMERA، ADL StandWithUs.
بهذه المحاور الثلاث، تمكنت “تايمز أوف إسرائيل” من تقديم “إسرائيل” كدولة متحضرة، عقلانية ومهنية، تضع الأمن على سُلم أولوياتها وتتصرف بناءً عليه، ما يجعلها “ضحية سوء الفهم الغربي”، ترغب بشدة في حل الدولتين، لكنها لم تجد الشريك الفلسطيني المناسب لصنع السلام بعد، وتود العيش بسلام لكن الفلسطينيين لا يتركون لها خيارًا سوى العنف، وهو الخيار الذي تمارسه بقفازات حريرية حفاظًا على مكانتها الدولية “المرموقة”، وخفضًا للكُلفة!
من التبرير إلى التدجين
سياسة “تايمز أوف إسرائيل” وقدرتها الدبلوماسية على اللعب في أوتار المجتمعات الإقليمية والغربية، أهلتها لأن تكون المنصة الإعلامية الأكثر انفتاحًا على التطبيع، والأقدر على الترويج لها وتدجين الأقلام العربية لصالحه، فسعت منذ إنشاء نسختها العربية للتواصل مع أكاديميين وصحفيين عرب يعيشون في الغرب، ويتبنون مواقف متماهية مع “إسرائيل”.
كما تفوقت على غيرها من المنصات الإعلامية الإسرائيلية، بدمجها للأقلام العربية الفلسطينية بين أقلام كُتابها، تحقيقًا لوجهة نظرها الليبرالية، وتأكيدًا على وجود أصوات عربية فلسطينية تطرح ما اعتبرته “الرأي المتوازن ووجهة النظر المعاكسة” للخط العام، وانسحب ذلك على مقابلات وتصريحات لدبلوماسيين عرب خاصة بها.
من بينهم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريح له بتاريخ سبتمبر/أيلول 2023، أكد فيه على حل الدولتين، ومساعد وزير الخارجية الإماراتي عمر سيف غباش، الذي قدم هو الآخر تصريحًا له إبان موجة السلام الإبراهيمي، قال فيه: “اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل سيخدم القضية الفلسطينية بشكل أفضل من استمرار المقاطعة”.
كما حرصت الصحيفة على استغلال أي ثغرة لتكريس فكرة الاختراق الإسرائيلي للعالم العربي، ففي عام 2015، وأثناء تغطيتها للقاء علني جرى في الولايات المتحدة بين مسؤولين إسرائيليين وشخصيات سعودية، من بينهم أنور عشقي، المستشار الحكومي السعودي السابق، قدّمت “تايمز أوف إسرائيل” الحدث بوصفه “فتحًا” في قلب الجزيرة العربية.
ولم تكتف الصحيفة بعرض وقائع اللقاء، بل تعاملت مع تصريحات عشقي كأنها جزء من مقابلة حصرية، في محاولة لإضفاء طابع رسمي وتدريجي على ما وصفته بانفتاح سعودي متصاعد تجاه “إسرائيل”، في سياق ترويجها لموجة تطبيع إقليمي قيد التشكّل.
وحتى في غياب الوصول إلى دبلوماسيين من الصف الأول، لم تتردّد “تايمز أوف إسرائيل” في نشر تصريحات حصرية منسوبة إلى دبلوماسيين عرب “مجهولين”، من دول مثل مصر وقطر والأردن، مستخدمة إياها للضغط على السياسات الخارجية العربية، ودفعها إلى الزاوية الحرجة أمام الرأي العام.
وفي أعقاب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نقلت الصحيفة تصريحات نُسبت إلى دبلوماسيين أردنيين — فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم — أبدوا فيها “صدمتهم الكبيرة من هجوم حماس”، في محاولة لتأطير الموقف الرسمي العربي ضمن خطاب التنديد أو التحفّظ، وتفكيك ما تبقى من سردية الدعم الشعبي للمقاومة الفلسطينية.
كما نقلت مقابلة – عبر الهاتف – مع ضابط في الجيش السوري الحُر، في ديسمبر/كانون الأول 2024، أسهب في الحديث فيها عن مستقبل سوريا، وعن استعداد النظام الجديد لإقامة علاقات سلام مع “إسرائيل”، بشرط دعمه في مواجهة النفوذ الإيراني.
وحرصت على تتبع أي أصوات عربية تُشكك في أهمية مقاطعة “إسرائيل”، وأخرجت إلى الضوء شخصيات مغمورة، أطلقت عليها توصيفات أكاديمية ومهنية، للدفع بموادها إلى وعي القارئ، منها مقابلتها مع حسين أبو بكر منصور، الذي عرفته بصفته “محلل مصري أمريكي”، تحول من معادٍ لليهود إلى مدافع عن العلاقات العربية الإسرائيلية ورافض لما أسمته الصحيفة بـ “التطرف”، الذي وجد منصور الحل لمواجهته في تحالفٍ إقليمي مع “إسرائيل”.
في السياق نفسه، هُناك شادي مارتيني، رجل الأعمال السوري متشعب العلاقات، والرئيس التنفيذي لمنظمة تحالف الأديان، وهي منظمة تهتم بالأقليات والمكونات الدينية والعلمانية للشعب السوري (منظمة أمريكية بواجهة سورية هي مارتيني فقط)، الذي صرح في عدة مقابلات له عن “فوائد التعاون مع إسرائيل”، آخرها في مقابلة مع الصحيفة في سبتمبر/أيلول 2024، خلال مؤتمر في باكو.
وإحداها منتصف العام 2022، حين كشفت الصحيفة أن منظمة “تحالف الأديان”، ابتاعت أجهزة لإنتاج مياه الشرب من رطوبة الهواء وطاقة الرياح، من شركة (Water Gen) الإسرائيلية، لتركيبها في المدارس والمستشفيات والمنشآت الطبية السورية، في المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الحليفة للولايات المتحدة، وحينها صرح مارتيني لـ:تايمز أوف إسرائيل” بأن المشروع: “ناجح ومكسب سياسي يقرّب بين سوريا وإسرائيل من الناحية الدبلوماسية”.
من بين العرب المدجنين، هناك روان عثمان، وهي ابنة لأبٍ سوري وأم لبنانية، عاشت في السعودية وقطر قبل أن تنتقل للدراسة في فرنسا، ومن ثم إلى ألمانيا التي حصلت على جنسيتها، وتُعرّف نفسها بأنها “صهيونية عربية”، حيث تُفرد لها “تايمز أوف إسرائيل” مساحات معتبرة من التغطية والتدوين، وتسلط الضوء على مشاركتها وناشطين عرب وخليجيين في فعاليات تطبيعية، كما تم انتدابها للتحدث في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فاستثمرت خطابها في مهاجمة مصر وسوريا وقطر لدعمها حماس في هجومها!
تتقاطع عثمان في دورها بشكل واضح مع الدعاية الإسرائيلية (الهسبراه)، من خلال زيارتها للكيان بتاريخ ديسمبر/كانون الأول 2024، وخروجها في تسجيلات مصورة تجمعها بالناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، ونائبته إيلا واوية المعروفة باسم “كابتن إيلا”، إضافة إلى لقاءات لها مع صفحة “إسرائيل بالعربية”، تحدثت فيها عن الكراهية العربية لليهود والإسرائيليين، ومرورًا بكتابها “الإسرائيليون أعداء أم أصدقاء”، ثم انتهاءً بمقالاتها على “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط”.
من روان عثمان، إلى شبكة كاملة من الناشطين متنوعي الجنسيات (الإمارات، المغرب، البحرين، مصر، باكستان، الولايات المتحدة)، الذين يجتمعون تحت مظلة “إماراتية إسرائيلية” مشتركة، تُعرف بمبادرة “شراكة”، لتبييض التطبيع، ومنحه المزيد من الدفء، منهم محمد كعيبة العربي الفلسطيني، وفاطمة الحربي مديرة شؤون الخليج في مبادرة شراكة، ويوسف الأزهري مدير شراكة في المغرب، وجميعهم يحظون برعاية إعلامية من “تايمز أوف إسرائيل”.
أما صلة الوصل لهذه الرعاية الإعلامية، فقد كان إلحنان ميلر، الصحفي الإسرائيلي، المختص بالشؤون العربية والإسلامية، والمشارك الفاعل في مبادرات “التجسير الودي” بين الإسرائيليين والعرب، الذي انطلق في تطبيق تخصصه الأكاديمي “ماجستير في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية” من خلال الفعاليات التي نظمتها “شراكة” وبتغطية صحفية من قلمه تحت بند “تغيير الروايات المتبادلة بين العرب والإسرائيليين”.
والذي أصبح لاحقًا ظاهرة صحفية إسرائيلية، تحت مسمى “صحفي مستقل” تستضيفه القنوات التلفزيونية العربية مثل الجزيرة و”بي بي سي” العربية و”سكاي نيوز” العربية، وتُفتح له أبواب البيوت الفلسطينية لإجراء مقابلات مع أفرادها، مثل مقابلاته مع أفراد عائلة مروان القواسمة وعامر أبو عيشة، منفذي عملية خطف الخليل 2014، وأفراد عائلة عز الدين المصري “استشهادي مطعم سبارو 2001”.
وصولية ميلر لم تتوقف هُنا، بل إن الدفعة التي منحته إياها الصحيفة، أهلته للعمل في قسم الشؤون الخارجية في صحيفة “التايمز” اللندنية، ومن ثم التشبيك مع صحيفة الثقافة اليهودية “تابلت” التي انتدبته عام 2018 لإجراء مقابلة مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حُسام بدران في تركيا، والتي كشف من خلالها عن موقف حركته من إعادة إعمار غزة وتبادل الأسرى الإسرائيليين لديها.
بعدها بعامٍ واحد، أتم ميلر دراسته في برنامج الحاخام الأرثودكسي، وتم تعيينه حاخامًا، ليتحول جزئيًا من الميدان الصحفي إلى ميدان “التطبيع الديني”، حيث أطلق عدة مبادرات دينية لتجسير الود مع العرب، منها مبادرة “أهل الكتاب التعليمية” التي يقوم من خلالها بالدعوة إلى حوار وانفتاح بين الأديان المختلفة، حيث حصد الفيديو الأول فيها، الذي يقارن بين قوانين الطعام الحلال والكوشير، أربعة ملايين مشاهدة.
نقطة البداية في مبادرة ميلر، كانت ذات الزاوية التي انطلق منها هوروفيتز في تأسيسه لـ “تايمز أوف إسرائيل”، وهي؛ شعوره بأن الجهود الدبلوماسية التقليدية “لإسرائيل” قد وصلت إلى طريقٍ مسدود، وأن الوقت قد حان للتفكير خارج الصندوق. نقطة ميلر كانت تمر عبر عمل المدنيين اليهود على إنتاج فيديوهات تتضمن محتوى ثقافيًا يهوديًا باللغة العربية.
لاحقًا أصبحت المبادرة مشتركة مع الناشطة الاجتماعية العربية الفلسطينية ثناء جوابرة، وهي إحدى كُتاب المدونات في الصحيفة الإلكترونية، وتُسلَط الأضواء على مواقفها الرافضة لعمليات المقاومة الفلسطينية، حيث وصفت المقاومين بأنهم “قتلة متعطشين للدماء”.
كما تحظى المبادرة التعليمية بدعمٍ من “كايسيد” مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار، ويُعد ميلر حاليًا أحد الزملاء في المركز، وكانت الصحف الإسرائيلية قد سلطت الضوء على مبادرته التي خصصت لها “تايمز أوف إسرائيل” زاوية خاصة في المدونات، بينما تتبعت كل من “هآرتس” و”جيروزاليم بوست” و”تابلت” تأثيرها، وارتباطاتها بالدراما الخليجية، مثل مسلسل “أم هارون”.
بعد السابع من أكتوبر، عاد ميلر مجددًا إلى ميدانه الإعلامي، ونتيجة قدرته على التحدث بالعربية وعلاقاته المتشابكة مع فضاءات عربية وإسلامية تطبيعية، فقد أصبح واجهة إعلامية إسرائيلية ناطقة بالعربية، حيث يذكر أنه وخلال الأيام الأولى من طوفان الأقصى، كان يُجري مقابلات مع وسائل إعلام عربية بمعدل 4-6 مقابلات يوميًا.
في الثامن عشر من إبريل/نيسان 2025، نشرت “جيروزاليم بوست” تقريرًا عن دور ميلر في تبيض صورة “إسرائيل” في الفضاءات الناطقة بالعربية، أطلقت عليه اسم “صوت إسرائيل من القدس“، وفيه يكشف ميلر إحدى أدواته في اختراق الجمهور العربي، مطلقًا عليه “التنافر المعرفي”، وذلك حين ينتقد سياسة حكومته على الهواء مباشرة بينما لا يمكن لأي مشاهد عربي انتقاد حكومته علانية من منزله”.
يعبر ميلر عن نتائج ذلك بالقول: “افعل ولا تتحدث، بإمكانك الظهور على التلفاز والحديث عن أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أو يمكنك ببساطة أن تُظهر أنك تجلس في استوديو في القدس وتنتقد حكومتك دون خوف من العواقب”.
بالنسبة لـ”تايمز أوف إسرائيل”.. من نحن؟
في تغطيات الصحيفة الإلكترونية الناطقة بأربع لغات، لا يظهر الفلسطيني سوى بوصفه “مثيرًا للشغب”، كأنما هو خارجٌ عن سياق العدالة والحقوق والإنسانية، فتسقط عنه صفات الضحية، ويُختزل حضوره في مشاهد الفوضى، وهنا تتشابه “تايمز أوف إسرائيل” مع جميع الصحف الإسرائيلية، حيث لا إبادة ولا تهجير، إنما هو قتالٌ وقليلٌ من العنف وكثيرٌ من السياسات الأمنية.
بين النصوص وفي العناوين والحواشي يختفي حل الدولتين، لا يرتبط ذلك بالسابع من أكتوبر بل يرتبط بأمن “إسرائيل” الذي لا يكتمل بوجود الآخر، ونتيجة لذلك فلا يحق للدول الغربية ولا المجتمع الدولي فرض حلولٍ أو حدود على دولة ديمقراطية تُمارس سيادتها التاريخية، حتى لو كانت على أرضٍ محتلة، ولا يُطلق على ذلك ضم أو استيطان، فسيادتها قائمة وما عدا ذلك تفاصيل هامشية.
في التصميم هي صحيفة يسارية، تتنافس في الصياغة مع كُبرى الصحف الإلكترونية الغربية، وتمثل وجهًا إسرائيليًا متخمًا بأدوات التجميل، من قبيل “الحرية والديمقراطية ولجان التحقيق والقليل من حُمرة الأسى” الذي لا بُد منه لاكتمال المظهر الليبرالي.
من خلال انفتاحها على الأبواق العربية المطبعة، هي مُغرقة في حب الآخر والسلام الدافئ معه، أما في المتن قعي يمينية متطرفة، تشترط على الفلسطينيين تقديم تنازلات “حقيقية” عن كل شيء – فلا دولة ولا عودة للاجئ ولا سيادة ولا اقتصاد ولا حرية -، قبل الإقرار بأيٍ من حقوقهم، وكل الحقوق بالنسبة لها تُختصر في “التعايش” المكبوت تحت رحمة سلطتها، لا العيش في ظلال الحرية وحق تقرير المصير.
أما العرب، فبعضهم في عيونها، معتدلون، منفتحون، مقبلون على الدولة الديمقراطية التي لا ولن تشبههم، وجميعهم جاهلون دون استثناء، ويقول ميلر عن ذلك: “إذا وجّهتُ لهم خطابًا إعلاميًا، فلن ينفعهم. ليس لديهم الخلفية الثقافية أو التاريخية الكافية لاستيعابه”.
بالمحصلة، يمثل هوروفيتز حُلم “تايمز أوف إسرائيل”، أما ميلر فهو وجهها الحضاري المخادع، ناطق بالعربية منذ الثالثة عشر من عمره، معروفٌ في الخليج أكثر مما هو بين بني قومه، لديه مساحة كافية من الوقت والموارد للاستماع للعرب الذين يسألونه عن قبعته السوداء “الكيباه” وعن طقوس الزواج اليهودية، وليس لديه ثقب إبرة للإقرار بحق الفلسطينيين في أرضهم أو بمسؤولية جماعته عن استلابها منهم.
أما المعضلة الكبرى، بالنسبة له، فتكمن في أن العالم — أو العرب تحديدًا — لا يفهمون “الشعب اليهودي” ولا يدركون “أسباب قدوم اليهود إلى إسرائيل”، ولأن هذه الفجوة تزعجه، سرعان ما يظهر عربيٌ ما، مستعدٌ لتلميع صورته دون مقابل… سوى كلمات إطراء تُقال له على الهامش، كأنها عربون اعتذار عن الجهل المُفترض.
وهكذا، يتكثف المشهد كله في وصف واحد مزدحم، يختصر الحكاية من سؤال: “مَن نحن؟” إلى حسمٍ قاطعٍ بـ”مَن هم”.
ملاحظات عابرة للنص:
- إن بحث الفلسطينيين والعرب عن أنفسهم في الإعلام الإسرائيلي لا علاقة له بالواقع، فلا وجود للعرب والفلسطينيين بالوعي ولا الإدراك الإسرائيلي إلا كأدوات أو عقبات، وفي كلتاهما فوجودهما أضعف من أن تتم الإشارة إليه بوصفه “وجودًا”.
- هناك دائمًا سيناريو مسبق، خطط جاهزة في رفٍ ما تنتظر اللحظة المناسبة لتخرج إلى حيز التنفيذ، في الإعلام “جيروزاليم بوست وتايمز أوف إسرائيل”، في الأمن “خطط التهجير والتطهير”، في الاستيطان “الضم والمصادرة وشق الطرق”، حتى قبل النكبة كانت خُطط الدولة حاضرة.. وأمام كمّ المعلوم وغير المعلوم من الخطط تظهر سينميائية السابع من أكتوبر، بوصفه خارقًا للخطط مستبقًا للنصوص، مسرّعًا لانفجار التاريخ نحو خلاصٍ ما.
- التنقل من جلد الأفعى إلى ريش النعام لن يحول الصهاينة إلى حمائم، فقي الزاوية دائمًا صهيونية كامنة، لكنها بحاجة إلى المنعطف المناسب لتعلن فيه عن نفسها، والأمثلة كثير، ويا ليت بعض قومي يعلمون.