ترجمة وتحرير: نون بوست
“الموت للعرب”.. بهذه العبارة هتف جمع من الصهاينة الذين تظاهروا في مدينة نيويورك وارتكبوا أعمال عنف دعماً للوزير الإسرائيلي الفاشي إيتمار بن غفير.
أثارت زيارة بن غفير للولايات المتحدة اهتمامًا إعلاميًا واسعًا خلال الأسابيع الماضية. لم يكن ذلك مفاجئا، إذ أمضى أكثر من عام في دعم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة بكل حماس، بصفته عضوًا في الكنيست ووزيرًا في حكومة بنيامين نتنياهو.
إيتمار بن غفير، الذي سبق أن أدانته محكمة إسرائيلية بتهمة التحريض على العنصرية ودعم تنظيم إرهابي، يُعدّ شخصية مثيرة للجدل بامتياز. كما هو متوقّع، قوبلت زيارته بتحرّكات نظمها نشطاء في الولايات المتحدة، سعوا إلى مواجهته في كل المحطات التي توقف فيها، واحتجّوا على وجوده في مدنهم ومؤسساتهم.
لكن لم تكن كلّ التحركات مناهضة للوزير الإسرائيلي، فقد خرجت أيضًا حشود صهيونية لدعمه. في زيارته الأخيرة لحي كراون هايتس في بروكلين، واجه نشطاء مناهضون للصهيونية والفاشية مجموعة صهيونية متطرّفة قُدّر عددها بنحو 100 شخص، اعتدوا جسديًا على امرأتين على الأقل دفاعا عن بن غفير وعن المشروع الاستيطاني الصهيوني بشكل عام.
كانت إحداهن ترفع علم فلسطين حين انتزعه منها أحد المتظاهرين، ثم ظهرت في مقاطع فيديو وهي تنزف من رأسها. أما المرأة الثانية، وهي من سكان الحي ولم تكن تشارك في المظاهرة، فقد طاردها الصهاينة الذين هتفوا “الموت للعرب”، وهددوها بالاغتصاب قبل أن ينهالوا عليها بالضرب، في حين حاول شرطي واحد من شرطة نيويورك حمايتها وإبعادها عنهم.
بالنسبة للكثيرين، كانت هذه المشاهد صادمة. فقد اجتمع عدد من الفاشيين في مكان عام واعتدوا على شخص في منطقته، في حلقة جديدة من مسلسل العنف المتصاعد خلال الأشهر الأخيرة. غير أن هذا النوع من العنف الفاشي الاستعماري القائم على التفوّق العرقي ليس جديدًا؛ بل له جذور ممتدة في التاريخ الأمريكي.
الحشود المتمسكة بالعنف العنصري تُعد جزءًا أصيلًا من تاريخ المشروع الاستعماري الأمريكي ذاته. فمن أعمال الشغب العرقية إلى عصابات الإعدام خارج القانون، أدت حملات القتل والترهيب المنظمة عبر التاريخ إلى دمار واسع النطاق طال مجتمعات السود والملوّنين. يذكّر طابع الإبادة الهستيري الذي اتّسمت به الحشود الصهيونية التي شهدناها في مدينة نيويورك، وما ارتكبته – ولا تزال ترتكبه – من عنف عن سابق إصرار، بتلك الفظائع التاريخية نفسها.
تتشابه تكتيكات جماعة “كو كلوكس كلان” العنصرية المتطرفة ودعاة تفوّق العرق الأبيض في الولايات المتحدة، بشكل يبعث على القلق مع النهج الذي يتبعه الصهاينة اليوم: حملات ترهيب وترويع تهدف إلى ترسيخ هيمنة استعمارية وعنصرية على شعوب مهمّشة.
ولا تقتصر هذه الحملات على العنف الميداني، بل تمتد لتشمل جهودًا ممنهجة لإسكات الأصوات المتضامنة مع الضحايا، من خلال حملات تشويه متعمدة وضغوط مهنية، مدعومة بمؤسسات متواطئة أو متقاعسة، وبغطاء حكومي علني. وقد شملت هذه الممارسات في الأشهر الأخيرة استهداف نشطاء مؤيدين لفلسطين على يد جهات رسمية، كما حدث في حالات محمود خليل وروميسة أوزتورك وغيرهم.
وبالنسبة لكثير من المتضامنين مع القضية الفلسطينية، من المستحيل تجاهل التشابه بين هذه الحشود الغوغائية في نيويورك وتلك التي تنشط منذ سنوات في فلسطين المحتلة، وخصوصًا في الضفة الغربية.
لطالما كانت الحشود الاستيطانية أداة أساسية في المشروع الاستعماري الصهيوني، حيث تعمل كواجهة “غير رسمية” تمنح السلطات إمكانية التنصل من المسؤولية، بينما تواصل تحقيق أهدافها الاستعمارية.
هذه المجموعات، كما في مجازر بلدة حوارة، ارتكبت أعمال حرق وتدمير طالت منازل ومحلات فلسطينية، واعتدت على السكان، وقتلت بعضهم.
ولا يمكن فصل العنف الذي شهدته نيويورك عن العنف الذي يعانيه الفلسطينيون منذ عقود؛ فهما وجهان لعنف استعماري واحد، تم تصديره إلى الخارج.
ليس غريبا أن يجد الغوغاء من المستوطنين في الضفة الغربية من يشبههم في شوارع نيويورك، فالجميع يخدم الهدف ذاته، بخطاب وأدوات متطابقة. كلا الطرفين يرفع شعار “الموت للعرب”، ويستهدف كل من يُعتقد أن وجوده يُهدّد استمرار المشروع الاستيطاني الذي يبذلون كل جهدهم في الدفاع عنه. بناءً عليه، لا يمكن فصل العنف في نيويورك عن ذلك الذي يعصف بفلسطين منذ عقود؛ إذ لا يعدو كونه امتدادًا مباشرًا للعنف الاستعماري، وقد تم تصديره إلى خارج حدود فلسطين.
يزداد هذا الترابط وضوحًا حين ندرك أن آلاف المواطنين الأمريكيين يخدمون حاليًا في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب مئات الآلاف من الأمريكيين المقيمين في فلسطين المحتلة. هؤلاء يتلقّون تدريبات ضمن منظومة استعمارية فاشية، وإن لم يبقوا هناك، فإنهم يعودون إلى الولايات المتحدة ليندمجوا من جديد في نسيج اجتماعي يحتضنهم، وينقلون معهم آثار ذلك العنف إلى الداخل الأمريكي.
يعود هؤلاء وقد اكتسبوا خبرات وتدريبات يمكن توظيفها مباشرة ضد الفلسطينيين ومن يقف معهم، بل حتى المارّة الأبرياء. ومن المؤكد أنهم سينقلون ما تعلّموه إلى كل من يشاركهم التوجّه. هذه الحقيقة تجعل من هذه الحشود مصدر خطر متزايد، إذ يُرجّح أن تصبح أكثر تنظيمًا وكفاءة في تنفيذ أعمال العنف مع مرور الوقت. ويُخشى أن يزداد تماديهم مع تقاعس الدولة في اتخاذ إجراءات حازمة، ما يشير إلى أن ما نشهده اليوم قد لا يكون سوى تمهيد لما هو أعظم وأخطر.
ولا نحتاج للرجوع بعيدًا في كتب التاريخ لنُدرك حجم الأذى الذي يمكن أن يُسببه الفاشيون من أصحاب الخبرات العسكرية، حين يكرّسون أنفسهم للدفاع عن الدولة ضد من يعتبرونهم أعداء.
فالمقاتلون القدامى في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي يذكّروننا إلى حد كبير بمجموعات “الفريكوربس” الألمانية، وهي مليشيات شبه عسكرية أنشأها جنود سابقون بعد الحرب العالمية الأولى، تحوّلت إبان الثورة الألمانية إلى حشود مسلّحة ومنظمة استهدفت الشيوعيين وكل من اعتُبر تهديدًا للنظام القائم. وقد شكّلت هذه الميليشيات لاحقًا النواة البشرية للحزب النازي، وأسهمت في عمليات اغتيال وحشية طالت كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ وغيرهما كثير.
وما نشهده اليوم من الغوغاء الصهاينة يكتسب بُعدًا أوضح حين يُوضع في سياق التاريخ الأوسع للحركات الفاشية، التي لطالما اعتمدت على الحشود المنظمة لبثّ الرعب وتصفية المعارضين.
ويجب أن يشكّل وجود هذه الحشود إنذارًا لكل من ينظّم ويعمل ميدانيًا، لما قد ينتظره مستقبلا. كما ينبغي أن يؤخذ هذا التهديد بعين الاعتبار عند صياغة استراتيجياتنا وتكتيكاتنا. فهؤلاء الفاشيون لا يعرفون الرحمة، ولن يترددوا في استخدام العنف إذا كان ذلك يخدم أهدافهم. علينا أن نُدرك هذه الحقيقة ونتهيأ جيدًا لما قد يحمله الغد.
المصدر: موندويس