في أواخر أبريل/نيسان الماضي، أي قبل أيام قليلة، نقل موقع “مدى مصر” المستقل عن مسؤولين مصريين قولهم إن السعودية عرضت على الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة، واللتان تنازلت عنهما مصر بموجب اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة مع المملكة في 2016.
وأشارت المصادر -بحسب الموقع- أن الهدف من إقامة تلك القاعدة هو تأمين قناة السويس ومنع دخول أي سفن “مشبوهة” قد تستخدم لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى قطاع غزة أو الأراضي اللبنانية، خاصة من إيران، ورجح المسؤولان المصريان أن يكون المقترح السعودي بشأن تلك القاعدة، على جدول أعمال زيارة ترامب المرتقبة إلى السعودية في منتصف مايو/أيار الجاري.
التقرير أثار الكثير من الجدل فيما التزم الجانبان المصري والسعودي الصمت، دون أي رد فعل رسمي بشأن ما أثير في هذا الشأن، لتعيد شبكة “بي بي سي” البريطانية نشر تقرير آخر في الثاني من الشهر الحالي، استندت فيه إلى ما جاء في الموقع المصري، مستعينة بآراء خبيرين، أحدهما عسكري مصري مقرب من السلطة وهو اللواء سمير فرج، والثاني سياسي سعودي، وهو أحمد الشهري، رئيس منتدى الخبرة السعودي، وكلاهما نفى كل ما أثير حول إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في الجزيرتين، مؤكدين أن الهدف من نشر تلك الأخبار هو الإيقاع بين القاهرة والرياض، على حد زعمهما.
وبعيدًا عن صحة ما أثير من عدمه، إلا أن ملف الجزيرتين لا زال يشكل نقطة حساسة في العلاقات المصرية السعودية، كانت لها أثرها على منسوب وحجم تلك العلاقات في الآونة الأخيرة، ورغم التنازل المصري عنهما رسميًا قبل 9 سنوات تقريبًا إلا أن المملكة لم تتسلمهما بشكل رسمي، ليظلا تحت السيادة والإدارة المصرية حتى كتابة هذه السطور، ليبقى السؤال: متى يُحسم الجدل بشأن هذا الملف؟
سياق مهم.. محاولة لقراءة المشهد
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يوم 29 أبريل/نيسان الماضي، تقريرًا كشفت فيه عن الكثير من التطورات التي شهدتها العلاقات المصرية الأمريكية خلال الأيام الماضية، والتي كانت سببًا في توتير الأجواء بين البلدين رغم التفاهم والتنسيق الكبير بينهما في أكثر من ملف إقليمي ودولي.
التقرير أشار إلى اتصال هاتفي أجراءه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، طلب خلاله بشكل ودي مشاركة مصر في العملية العسكرية المكثفة التي قامت بها الولايات المتحدة ضد الحوثيين في اليمن منتصف مارس/آذار الماضي، خاصة بعد الضغوط التي تعرضت لها إدارة ترامب بسبب كلفة تلك الحرب والخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة جراء إسقاط الحوثيين للعديد من الطائرات المسيرة باهظة التكلفة إم كيو 9، بجانب التسبب في خسارة طائرتين من مقاتلتين إف 18، بخلاف تكلفة مالية تجاوزت المليار دولار.
وبحسب الصحيفة رفض السيسي طلب ترامب، وأخبره بأن التوصل إلى تهدئة ووقف إطلاق النار في غزة قد يكون الحل الدبلوماسي الأنجع لإنهاء استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر، خاصة وأن الحركة أعلنت أكثر من مرة أن نشاطها مرتبط باستمرار الحرب في القطاع، وفي حال توقفها سيتوقف نشاطها.
غير أنه من الواضح أن هذا الرد لم يحظ بقبول الرئيس الأمريكي الذي بدأ في إطلاق تصريحاته العنترية التصعيدية على منصة “تروث سوشيال” والتي على رأسها طلبه بالمرور المجاني للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية، من قناتي بنما والسويس.
تلك التصريحات التي فسرها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جيمس هيويت بالإشارة إلى ضرورة تحمل مصر جزءًا من الكلفة المادية والعسكرية للحملة الأمريكية في اليمن والتي تصب في صالح العديد من الدول منها القاهرة، وبالتالي لابد من تقاسم الأعباء.
وبعد يوم واحد فقط من تقرير “وول ستريت جورنال” جاء التقرير الذي نشره موقع “مدى مصر” الذي تحدث عن تسريبات جروب التواصل بين مسؤولين أمريكيين على تطبيق “سيجنال” بشأن الحرب في اليمن، والتي كان من بينها أن واشنطن ستطلب من القاهرة وأوروبا مقابل نتيجة حملتها على الحوثيين، كونهم من المستفيدين منها.
وبعد تصاعد لغة الانتقادات للخسائر الأمريكية في اليمن، اضطر ترامب إلى تعويض جزء من تلك الخسائر عن طريق شركاءه في المنطقة، أبرزهم الدول المتضررة من نشاط الحوثي وتهديد الملاحة في البحر الأحمر، الخليج ومصر والدول الأوروبية، ومن هنا جاءت المطالب بالحصول على مقابل من تلك الدول وتحملها جزءًا من الأعباء.
إلا أن الأمر لم يقف عند حاجز توريط مصر في تلك الحملة أو على الأقل تحملها بعضًا من كلفتها المادية، بل انتقل المسار نحو منعطف آخر، حيث السعي لترسيخ التواجد العسكري الأمريكي الداعم في البحر الأحمر، من خلال تحركين اثنين:
الأول: إقامة وجود عسكري أمريكي في البحر الأحمر شمال قاعدة ليمونييه الأمريكية في جيبوتي.
الثاني: إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في جزيرتي تيران وصنافير.
وبهاتين القاعدتين تتحكم الولايات المتحدة بشكل مطلق في حركة الملاحة في تلك المنطقة اللوجستية من العالم، واضعة يدها وبالقوة العسكرية على ممرات مضيق هرمز وباب المندب والخليج العربي وقناة السويس، ما يعني تحكمها في أكثر من ثلث حركة التجارة العالمية المارة عبر هذه الممرات التي تربط بين الشرق والغرب.
لماذا تيران وصنافير؟
رغم مساحتهما الجغرافية الصغيرة، إذ تبلغ مساحة صنافير 33 كم2، حين تبلغ مساحة جزيرة تيران، 80 كم2، إلا أن موقعهما الاستراتيجي منحهما قيمة لوجستية غاية في الأهمية، ما يجعلهما نقطة تحكم لدخول خليج العقبة، ومينائي العقبة في الأردن، وإيلات في “إسرائيل”.
بجانب تحكمهما في مضيق تيران الاستراتيجي، فإن الجزيرتان تطلان على منطقة شرم الشيخ في السواحل الشرقية لسيناء، ورأس حميد في السواحل الغربية لتبوك في السعودية، ما يسمح لهما بالتحكم في حركة الملاحة الدولية من خليج العقبة، حيث تقعان عند مصب الخليج، الأمر الذي يمكنهما من غلق الملاحة في اتجاه خليج العقبة.
ويعد مضيق تيران، الذي تتحكم فيه جزيرة تيران، نقطة العبور الوحيدة للسفن من وإلى خليج العقبة، فهو الممر المائي الوحيد الذى يمكن للسفن الإسرائيلية الإبحار عبره من ميناء إيلات إلى العالم، ما يعني أنه يمثل المتنفس الأبرز لتل أبيب عالميًا، وفي حال غلقه سيتم خنق الاحتلال بصورة كبيرة، ولذا مُنح وضعية استثنائية في الاتفاقيات الدولية تُلزم الجميع بأن يكون بعيدًا عن أي خلافات سياسية بين الدول المطلة عليه.
عسكريًا.. تعد الجزيرتان، جزء من “المنطقة ج” التي تضمنتها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والقاضية بعدم وجود أي قوات عسكرية فيها سوى الشرطة المدنية، بجانب القوات الدولية لحفظ السلام، وتهيمن مصر ملاحيًا على تلك المنطقة وقد سبق لـ”إسرائيل” أن تقدمت في عام 2003 بطلب رسمي إلى السلطات المصرية لتفكيك الأجهزة التي وضعتها مصر لمراقبة الملاحة، لكنه قوبل بالرفض.
وجزيرة تيران هي الأقرب -مقارنة بصنافير- إلى الساحل المصري، إذ تقع على بُعد ستة كيلومترات عن منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، وتعد المنطقة الواقعة بين شرم الشيخ وجزيرة تيران، المضيق الوحيد الصالح للإبحار في منطقة خليج العقبة، ولا يمكن للسفن الإبحار بين تيران وصنافير لعدم صلاحية عمق المياه للمرور.
وكانت الجزيرتان من بين القواعد العسكرية الاستراتيجية لمصر في فترة العدوان الثلاثي عام 1956، وتتمركز بها القوات المصرية، غير أن القوات الإسرائيلية استولت عليها بعد حرب يونيو/تموز 1967، لكنها أعادتهما إلى مصر بعد توقيع البلدين اتفاقية سلام في عام 1979، لتبقى منذ ذلك الحين تحت السيادة والسيطرة المصرية، على أن يلتزم الجانب المصري بضمان حرية الملاحة في الممر البحري الضيق الذي يفصل بين جزيرة تيران والساحل المصري في سيناء.
الضغوط تتصاعد على القاهرة
وفق ما نقل “مدى مصر” عن دبلوماسي أوروبي يعمل في المنطقة، أوائل أبريل/نيسان الماضي، فإن ترامب كان يريد انخراطًا عسكريًا وماليًا أكبر من مصر في معركته ضد الحوثيين. ووفقًا له، فإن أي دعم لوجيستي يمكن أن يقدمه الجانب المصري للهجمات الأمريكية في اليمن ليس كافيًا لواشنطن.
أما “وول ستريت جورنال” فتقول إن ترامب يسعى سرًا وعلنًا إلى “دفع مصر لتعويض الولايات المتحدة عن جهودها في الدفاع عن ممرات الشحن المتجهة إلى قناة السويس، الأمر الذي يضع البلاد المتعثرة في موقف سياسي صعب”، فيما نقلت عن مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية والخبير في السياسة والأمن المصريين مايكل وحيد حنا قوله “إن ترامب يُطلق تصريحاتٍ مُطلقة حول قضايا حرجة لمصر دون أي عملية سياسية فعّالة أو مشاورات مع الحكومة المصرية، وبعد ذلك، تُترك مصر لتُفكّر في معناها، وتضع خطةً للدفاع عن مصالحها، وتفعل ذلك بطريقة لا تُغضب الرئيس الأمريكي”
ومع الرفض المصري للمشاركة العسكرية في اليمن، بجانب رفضها كذلك تقديم الدعم المالي لتلك العملية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد منذ سنوات، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية السفارة المصرية في واشنطن أنها ستعيد النظر فيما ستطلبه من القاهرة في المقابل، وفق ما ذكر مصدران.
#بي_بي_سي_ترندينغ: غضب مصري بعد طلب ترامب من السيسي عبور السفن الأمريكية عبر قناة السويس مجانا …ما القصة؟https://t.co/JTfrPOEBYj pic.twitter.com/JcQimMeoUe
— BBC News عربي (@BBCArabic) April 30, 2025
غير أنه لم يُذكر بشكل تفصيلي ما المقصود بما ستطلبه واشنطن من القاهرة في المقابل، وإن فُسر ذلك وفق قراءات متباينة، من بينها الطلب من القاهرة بالسماح بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس “مجانًا”، وبعد رفضه أيضًا وفق ما ذكرت وسائل إعلام أمريكية، لجأت الإدارة الأمريكية إلى سياسة العصا والجزرة، وتصعيد ضغوطها ضد القاهرة عبر ورقة القاعدة العسكرية في تيران وصنافير، إيمانًا بحساسية هذا التحرك بالنسبة للأمن القومي المصري، فضلًا عن تداعياته السياسية والاقتصادية الكارثية.
وفي ذات السياق لا يمكن قراءة الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على القاهرة بمعزل عن الموقف المصري من مقترح التهجير القسري لسكان غزة، وهو المقترح الذي طرحه الرئيس الأمريكي يناير/كانون الثاني الماضي وقوبل برفض مصري أردني.
الأمر الذي أثار حفيظة الأمريكان الذي من الواضح إصرارهم على قبول القاهرة لهذا المخطط بأي ثمن، مستخدمين في ذلك العديد من أوراق الضغط المتاحة، تارة بتجميد جزء من المعونة والمساعدات، وتارة أخرى بالتلويح بورقة قناة السويس، وثالثة بالقاعدة العسكرية في تيران وصنافير.
جدل لم يُحسم
منذ تنازل مصر عن الجزيرتين ونقل تبعيتهما للسعودية ضمن اتفاق ترسيم الحدود الموقع بين البلدين في أبريل/نيسان 2016 وحالة من الجدل لم تفارق الشارع المصري بين مؤيد لهذا القرار بزعم حق المملكة التاريخي فيهما ورافض له شكلًا ومضمونًا معتبرًا انهما جزء من التراب المصري لا يمكن التنازل عنه بقرار سياسي تحت أي ظرف.
وبعد أشهر قليلة من إبرام الاتفاقية جاء قرار المحكمة الإدارية العليا ببطلانها، والتأكيد على أن الجزيرتين يقعان ضمن الإقليم المصري، وخاضعتان للسيادة المصرية الكاملة، لكنه القرار الذي لم يعجب الحكومة المصرية التي ردت عليه بدعوى رفعتها أمام محكمة الأمور المستعجلة التي حكمت بسريان الاتفاقية.
وبعدما بات الأمر سجالًا، حكمًا من الإدارية العليا بالبطلان في مواجهة حكم الأمور المستعجلة بقانونية الاتفاقية، اضطرت الحكومة للمحكمة الدستورية العليا لتحديد أي من المحكمتين لها الولاية القضائية للفصل في هذا الخلاف، لتبقى القضية حديث الشارع المصري.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016، أحالت الحكومة الاتفاقية إلى البرلمان لمناقشتها وإقرارها، باعتبار أنها جزء من اختصاصات السيادة يتولى البرلمان البت فيها، وفي المقابل اعتبر منتقدو الاتفاقية تلك الخطوة محاولة للالتفاف على حكم القضاء.
وبعد أكثر من 6 أشهر من السجالات الإعلامية والقانونية والسياسية وافق مجلس النواب المصري في جلسته العامة التي عقدها في يوليو/تموز 2017 على اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وأقرّ بشكل رسمي، وبإصرار غير مفهوم من الكثير من النواب، سيادة الرياض على الجزيرتين.
فيما خرج وزير الخارجية المصري حينها، سامح شكري، ليؤكد أن الاتفاقية وُقعت بعد 11 جولة من التفاوض وأنها مستوفاة لكافة الشروط القانونية والتاريخية، في الوقت الذي ذهب فيه أحد النواب -مصطفى بكري- إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث ألف كتابًا خصيصًا للتأكيد على سعودية الجزيرتين.
لماذا لم تسلم مصر الجزيرتين؟
تأخر مصر في تسليم الجزيرتين رغم مرور 9 سنوات على توقيع الاتفاقية مسألة أثارت الكثير من التساؤلات، حيث أرجعت تقارير أمريكية وإسرائيلية هذا التباطؤ إلى أسباب أمنية دفعت القاهرة لتأجيل خطوة التسليم حتى تقيم المشهد الإقليمي في ضوء التطورات المتلاحقة خلال السنوات الأخيرة.
ويعلم الجانب المصري جيدًا أن تسليم الجزيرتين بشكل رسمي ونقل السيادة عليهما للجانب السعودي، من الممكن أن يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للبلاد، هذا التهديد الذي يتعاظم مع ما يثار بين الحين والآخر حول تنسيق سعودي إسرائيلي لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في تلك المنطقة، وأخيرًا الحديث عن بناء قاعدة عسكرية أمريكية تضع الأمن والمصالح المصرية في مرمى التهديد المباشر.
وتسبب هذا التلكؤ المصري في التسليم، وما نجم عنه من تعطيل للخطط والمشروعات السعودية الإسرائيلية الأمريكية في تلك المنطقة، والمرتبطة بشكل أساسي بالجزيرتين، في إثارة غضب واشنطن والرياض معًا، حيث لجأت الأولى إلى بتجميد 10% من المساعدات السنوية المقدمة لمصر، البالغة 1.3 مليار دولار، كورقة ضغط مكشوفة.
أما على الجانب السعودي فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي عُقد في يناير/كانون الثاني 2023، صرّح وزير المالية السعودية، محمد الجدعان، بتصريح أثار الكثير من الجدل، حين قال إن سياسة المملكة تجاه الدعم المالي لمصر قد تغيرت، وذلك بالانتقال من المنح والمساعدات المباشرة إلى الاعتماد على آليات تضمن فرض إصلاحات اقتصادية حقيقية بالتعاون مع المؤسسات الدولية.
هذا التصريح الذي وإن كان فضفاضًا ومبُهمًا، لكنه قُرأ في سياق الضغوط التي تمارسها الرياض على القاهرة بسبب قضية تيران وصنافير، وتباطؤ الجانب المصري في تسليم الجزيرتين، حيث تربط المملكة بين خطوة التسليم والمساعدات الاقتصادية التي تقدمها للدولة المصرية.
وتشير التقارير إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد ناقش مع الجانب المصري، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة التي أجراها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الشروع في إعداد خطاب تسليم الجزيرتين للأمم المتحدة، كخطوة نهائية للتنازل رسميًا عنهما للمملكة، وقد جرى التوافق بهذا الشأن.
📷 ما حقيقة تسليم #تيران و#صنافير سرًا؟ 📷
بقلم د. #أيمن_نور
📷 اليوم الثاني من مايو 2025، وعلى ضفاف #البحر_الأحمر، تتجدد فصول الحكاية المعقّدة حول جزيرتي #تيران_وصنافير، عقب تصريح #سعودي يؤكد السيادة الكاملة للمملكة على الجزيرتين، وتمام وضع قوات سعودية عليهما وفقًا لتصريحات… pic.twitter.com/MbPRozbQ0Y— Ayman Nour (@AymanNour) May 2, 2025
وبحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام فإن القاهرة قد أرسلت إلى كل من الرياض وتل أبيب نسخة أولية من خطاب التسليم، قبيل تسليمه وإيداعه لدى الأمم المتحدة، غير أن الصياغة المصرية للخطاب -خاصة تلك المرتبطة بالإجراءات المترتبة على نقل السيادة بشكل رسمي للسعودية- لم تلق القبول من قبل الجانبين السعودي والإسرائيلي، حيث أبدى الجانبان اعتراضهما.
وتركزت الاعتراضات السعودية الإسرائيلية -وفق ما نشر- حول عبارتين متعلقتين بالترتيبات الأمنية والصلاحيات المصرية بشأن مضيق تيران، والمنطقة المطلة عليه من الجانب المصري، الخاضعة للترتيبات المتفق عليها ضمن المنطقة “ج” في الملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية الموقعة في عام 1979، وهو ما أدى إلى تأجيل الخطوة النهائية لتسليم الجزيرتين.
وتدخل الرياض في سباق مع الزمن لأجل تسلم تيران وصنافير بشكل رسمي ونهائي من الجانب المصري، خشية حدوث أي تغيرات طارئة تنسف الاتفاقية من جذورها، إذ أن مثل تلك الاتفاقيات الخاصة بنزاعات الحدود الدولية تصنف كقضايا سيادة، وتكون في الغالب مرتبطة ببقاء واستمرار النظام الحاكم، ما يعني أنه في حال حدوث أي تغيرات سياسية جذرية في مصر قد تُطرح تلك القضية للتداول والنقاش مرة أخرى، وربما تلغى، وهذا ما تعيه المملكة جيدًا، لذا تكثف من جهودها لإتمام عملية التسليم في أسرع وقت.
أما على الجانب المصري فيبدو أنه قد تيقن متأخرًا لخطورة التنازل عن الجزيرتين، والتورط في التفريط في تلك المنطقة اللوجستية نظير حفنة رخيصة من المساعدات، وهو ما كشفته التحديات الأخيرة خاصة بعد الحرب على غزة والتي أعادت تشكيل خارطة التوازنات في المنطقة، ما قد يجبر القاهرة لإعادة النظر في تصورها للأمن القومي الإقليمي خاصة بعد المساعي الأمريكية الإسرائيلية بشأن السيطرة على الممرات المائية والملاحية اللوجستية من جانب، والتماهي السعودي الواضح مع الرغبات الأمريكية في هذا الشأن من جانب آخر.
أخيرًا.. يبقى ملف تيران وصنافير أحد أبرز الملفات التي ستعيد وبشكل جذري رسم السياسات الإقليمية في المنطقة، بما فيها الترتيبات الأمنية والملاحية في البحر الأحمر، ما يضع القاهرة في مأزق حقيقي، إذ باتت مطالبة بالحصول على ضمانات قوية لتجنيبها المخاطر المحتملة من جراء خطوة التسليم التي تعي جيدًا أنها ستُربك كافة الحسابات وتضع الأمن القومي والمصالح الاقتصادية المصرية في مرمى التهديد.. فكيف تتعامل الدولة المصرية مع هذا الفخ؟