فعَّلَ ما يسمى بـ”المجلس العسكري في السويداء”، وهو مجموعة مسلحة تنشط في المحافظة الواقعة جنوبي سوريا، لواء حرس الحدود ومقرات عسكرية وأمنية داخل مركز المحافظة بدعوى حفظ أمن منطقة الحدود السورية – الأردنية من جهة، وحماية الحدود الإدارية للمحافظة، استجابةً لما أسمها بـ “التحديات أمنية راهنة وحفاظًا على أمن واستقرار المنطقة”.
وجاء في بيان نشر على صفحة المكتب الإعلامي للمجلس العسكري، في 26 أبريل/نيسان الماضي، في منصة “فيسبوك”، “انطلاقًا من إيماننا العميق بدورنا الوطني والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا تجاه حماية الوطن وأبناءه، وفي ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقتنا من تحشدات إرهابية في الجهة الشرقية من محافظة السويداء والانفلات الأمني.. نعلن تفعيل لواء حرس الحدود، وعدد من المقرات، بالتنسيق بين أمير الجبل، حسن يحيى الأطرش، وقائد المجلس العسكري، طارق الشوفي”.
خطوة المجلس العسكري في تفعيل مقار عسكرية وأمنية في محافظة السويداء وريفها سبقت تطورات وتصعيد متواتر شهدته منطقتي جرمانا وصحنايا في محافظة ريف دمشق بين 28 و30 أبريل/نيسان الماضي، وامتد – بطبيعة الحال – إلى محافظة السويداء بعد دخول المنطقتين السابقتين في اتفاقيات تهدئة مع السلطات السورية.
قائد المجلس، العقيد طارق الشوفي، اعتبر أن تفعيل ألوية الحدود ومقار عسكرية وأمنية جاءت بسبب المخاوف من عودة نشاط خلايا تنظيم “داعش” من البادية الشرقية، حسب تصريح لصحيفة الشرق الأوسط، خاصةً بعدما حصل المجلس على معلومات تفيد بأن عناصر يتبعون لـ”داعش” يقومون بتدريبات عسكرية وسط محاولات لاقتحام ريف المحافظة الشرقي.
أبرز الضباط الذين يعملون في قيادة المجلس بالإضافة لقائده العقيد طارق الشوفي، العميد جهاد غوطاني، من مرتبات الفرقة الرابعة وساهم في قصف ريف إدلب، إضافةً إلى العميد سامر الشعراني، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دير الزور وريف دمشق
ورغم أن خطوة المجلس العسكري في السويداء وصفت محليًّا بالفردية، بسبب عدم حصولها على دعم من قوى عسكرية من أبناء الجبل، إلا أنها تثير شكوكًا عديدة حول خليفات الإجراء وتزامنه مع تطورات شهدتها المحافظة ومنطقتي جرمانا وصحنايا، خاصةُ أن المجلس يعمل خارج نطاق مؤسسات الدولة السورية، ولا يعترف بها كسلطة مركزية ويطالب بإدارة لا مركزية منذ تأسيسه، إضافةً إلى وجود معلومات تؤكد تورط فصائل منضوية في صفوفه تدعم انفصال السويداء بالتنسيق مع “إسرائيل”.
من الوطنية إلى الانفصال
أُعلن عن تأسس المجلس العسكري في السويداء يوم 24 فبراير/شباط الماضي، أي أنه تنظيم حديث للغاية، ويضم مجموعات عسكرية مكونة من ضباط وعناصر كانوا يعملون في صفوف النظام البائد، ومنشقين ومتقاعدين. ويصف نفسه، بأنه “مشروع وطني” انطلق من قاعدة تنظيم التعاون بين القوى المسلحة والمجتمع المحلي في السويداء.
ولعل أبرز الضباط الذين يعملون في قيادة المجلس العسكري، العميد جهاد غوطاني، من مرتبات لواء المدفعية في الفرقة الرابعة في جيش الأسد البائد ساهم في قصف ريف إدلب، إضافةً إلى العميد سامر الشعراني، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دير الزور وريف دمشق، حيث كان مسؤول وحدة الصواريخ في منطقة القطيفة بريف دمشق، واستمر في صفوف قوات النظام حتى سقوطه ليظهر مجددًا كأحد أبرز الوجوه التي تقود المجلس العسكري.
بينما تنضوي في المجلس العسكري مجموعات عسكرية مسلحة، أبرزها قوات نبي شعيب، وبيرق سليمان بن داوود، وقوات شيخ الجنوب، إلى جانب مجموعات عسكرية محلية في قرى وبلدات الغارية، الجنينة، العمرة، حبران، العانات، بكا، في الريف الجنوبي الشرقي من السويداء.
وكان أُعلن عن تأسيس المجلس لأول مرة بشكل مؤقت عقب سقوط نظام الأسد مباشرة، في ديسمبر/كانون الأول 2024، معلنًا العمل تحت مظلة الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري.
آنذاك، اعتبرت غرفة العمليات المشتركة في السويداء (شاركت في الزحف من الجنوب إلى دمشق تزامنًا مع زحف معركة ردع العدوان من الشمال)، أن ما قام به الشوفي، عمل تخريبي يهدف إلى شق الصف ويمس السلم الأهلي في المحافظة، محذرةً من التعامل مع المجلس العسكري المؤقت كونه لا يملك الشرعية الرسمية والتفويض الأهلي.
ومع إعلان التأسيس والترويج للمجلس العسكري في شباط/فبراير الماضي جددت غرفة العمليات المشتركة (تضم كبرى الفصائل في محافظة السويداء بينها حركة رجال الكرامة، ولواء الجبل، وتجمع أحرار الجبل) تحذيرها خلال بيان، أن المجلس العسكري غير شرعي والبيان لا يمثل إلا أصحابه ويحملونهم المسؤولية كاملة عن أي مضاعفات تحدث إثر هذا الاجتماع.
أما على صعيد تمثيل مشيخة الطائفة الدرزية، رفض الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، في تصريحات مصورة منح المجلس العسكري أية تفويض بأي شكل من الأشكال، لكنه في المقابل، أصرَّ على عدم وصف كوادر المجلس بـ “الانفصاليين”، رغم احتواء كوادر الفصيل على عناصر من نظام الأسد البائد، وتبني المجلس نظام الحكم اللامركزي وعدم الاعتراف بالحكومة السورية في دمشق، حسب ما ورد في بيان التأسيس الذي نشر في 24 فبراير/شباط الماضي.
لكن في 13 مارس/أذار الماضي، التقت قيادة المجلس العسكري في السويداء، الهجري، وأعلنت تبنيها القرارات التي تصدر عنه بخصوص محافظة السويداء، وفي 8 من أبريل/نيسان الماضي جددت قيادة المجلس زيارتها لمضافة الهجري الذي يرفض الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة ويصفها بـ “الإرهابية”، في حين، تظهر بيانات المجلس وقادته وفصائله ولاءً صريحًا لـ “الهجري” وتطابقًا تامًا مع مواقفه لا سيما خلال اللقاءات والبيانات الرسمية.
وطالما أن “الهجري”، لم يتبرأ من مواقف فصائل المجلس رغم تبنيها دعوات صريحة للتحالف مع “إسرائيل”، فإن ذلك -ربما- يعكس توافق “الهجري” مع الفصائل، حيث كشفت منصة إيكاد في تحقيق موسع دور إحدى الفصائل المنضوية في المجلس العسكري وتطلق على نفسها اسم “بيرق سليمان بن داوود” في الدعوة الإعلامية لانفصال السويداء عن سوريا والتنسيق المحتمل مع “إسرائيل”، وتدخل عسكري مباشر في أحداث جرمانا وصحنايا.
وينشط فصيل بيرق سليمان بن داوود في منطقة الرحى في الريف الجنوبي الشرقي من محافظة السويداء، وتأسس في يناير/كانون الثاني 2025 بقيادة ماجد سعد أبو راس، الذي ينحدر من منطقة الرحى، وبالتالي فإن تأسيس الفصيل جاء بعد سقوط نظام الأسد، ولم يكن اسمه متداولًا، قبل 8 من ديسمبر/كانون الأول 2024.
يروج أبو راس فكرة “جيش داوود” و “أرض الباشان”، وهما مصطلحان دينيان يستخدمان في تبرير انضمام السويداء إلى “إسرائيل”، معتبرًا، أن التحالف مع “إسرائيل” واجب عقائدي، حيث نشر قادته صورًا لعلم الاحتلال وتوعدوا بالانتقام ممن حرقه بعد رفعه في السويداء، بينما وصف في منشوراته رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بـ “زعيم الشرق الأوسط”، حسب ما كشف تحقيق “إيكاد”.
وشارك فصيل بيرق سليمان بن داوود في محاولة الهجوم المسلح على دمشق عقب أحداث جرمانا وصحنايا، حسب منشورات رصدها التحقيق وثقت إصابة قائد “البيرق” أبو راس في العملية، ما كشف عن البعد الميداني العسكري للفصيل الذي يتجاوز الدعاية الإعلامية إلى التنفيذ المسلح، من خلال المشاركة في الهجمات المسلحة ضد مؤسسات الدولة السورية.
تهديد أمني دائم في السويداء
نشر المجلس العسكري مقار عسكرية وأمنية تزامنًا مع أحداث منطقتي جرمانا وصحنايا في محافظة ريف دمشق، ما يرسم ملامح علاقة مترابطة في فرض سيطرة مباشرة على محافظة السويداء، عبر ضبط الحدود الإدارية، والحدود السورية الأردنية، وبالتالي، منع مؤسسات الدولة من دخول المحافظة، مما يحقق تطلعات فصائل المجلس الانفصالية الداعية إلى التنسيق مع “إسرائيل”، دون وجود موقف واضح من مشيخة العقل والرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز.
المتحدث الرسمي باسم حركة رجال الكرامة، باسم أبو فخر، قلل من أهمية خطوة المجلس العسكري في تفعيل لواء الحدود والمقرات الأمنية والعسكرية، معتبرًا، أنها مجرد فقاعات إعلامية، لأن إعلام المجلس أكبر من إمكانياته الحقيقية، لافتًا إلى أن كلمة لواء حرس حدود أكبر بكثير من حجم ما يسمى بـ “المجلس العسكري في السويداء”.
وأكد، أن خطوة المجلس فردية، ولا يوجد أدنى تنسيق مع حركة رجال الكرامة، لأن المجلس يعمل لصالح أجندات خارجية انفصالية، مشيرًا، إلى أن تقاعس الحكومة في دمشق عن وضع حد للتعديات والتجييش تجعل أمثال هؤلاء (أفراد المجلس) أصحاب شرعية كونهم يدافعون عن أبناء طائفتهم.
وقال خلال حديث مع “نون بوست”: “إن الحل لضبط أمن محافظة السويداء يكمن في تفعيل مؤسسات الدولة، وتوصلنا لتفاهمات مع وزارتي الدفاع والداخلية، منذ أكثر من شهرين، لتشكيل جهاز أمن عام وألوية عسكرية في المحافظة من الفصائل الثورية ومن يرغب بالانضمام إليهما”.
وأضاف، أن أفراد أجهزة الأمن والألوية العسكرية التابعين لوزراتي الداخلية والدفاع يمثلون الحكومة السورية ودورهم يكمن في حماية الحدود وبسط الاستقرار الأمني، إلا أن تأخر استجابة الحكومة دفع الفصائل إلى حماية القرى الحدودية ومراقبتها والتعامل مع المستجدات الأمنية.
وأوضح، أنه يوجد قلق من اختراق أمني من جهة الحدود إضافة إلى المنطقة الشرقية، بعد أحداث التجييش الطائفي التي حصلت مؤخرًا بين مكونات المجتمع السوري، مستنكرًا غياب دور الحكومة في اتخاذ خطوات جريئة لوقف حالة التجييش الطائفي بما يخدم المصالح الخارجية، ويجر البلاد إلى مستنقع الحرب الطائفية.
وفي يناير/كانون الثاني، عقد ممثلون عن فصائل محافظة السويداء جنوبي سوريا خلال زيارة إلى وزارتي الداخلية والدفاع السوريتين في العاصمة دمشق، تفاهمات تهدف إلى تفعيل دور الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية في المحافظة، إلا أنها تعطلت لأسباب مجهولة، مما ساهم في استمرار حالة الفوضى الأمنية في السويداء.
لكن بعد أحداث منطقتي جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، وامتدادها إلى محافظة السويداء، توصلت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، ومشيخة العقل والفصائل العسكرية الكبرى في المحافظة إلى اتفاق يقضي في عدم دخول قوات الأمن العام إلى محافظة السويداء، وتفعيل الضابطة العدلية والشرطة من أبناء محافظة السويداء، دون أن يشمل الاتفاق مسألة تسليم سلاح الفصائل.
ويسهم استمرار وجود السلاح خارج مؤسسات الدولة في استمرار الفوضى الأمنية، ما يجعل المحافظة أمام مراحل تصعيد متجددة بسبب التغاضي غير المبرر من الرئاسة الروحية ومشيخة العقل من جهة، والدولة السورية من جهة أخرى عن وجود عناصر وضباط النظام البائد في صفوف المجلس العسكري الذي تتهم فصائله بالعمل لصالح أجندات خارجية انفصالية، وبالتالي ستسعى جاهدة إلى إفشال الاتفاق بأي وسيلة ممكنة.
توجيه رسائل لدمشق والأردن
توجه خطوة تفعيل المجلس العسكري في السويداء للواء حرس الحدود، رسائل مباشرة لدمشق وعمان، وتضعه في تماس معهما بعدما أحبط الجيش الأردني محاولتي تهريب للمواد المخدرة قادمة عبر منطقة الحدود السورية – الأردنية، خلال الأسبوع الماضي.
وفي 17 أبريل/ نيسان الماضي، اتفق وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، مع وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد الشيباني، على تعزيز علاقات التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية بما فيها مكافحة تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية – الأردنية.
ويرى الباحث عمار فرهود، أن إعلان المجلس العسكري في السويداء في تفعيل قوة عسكرية هدفها حماية الحدود، وإرسال رسالة واضحة للجانب الأردني بأنه غير منخرط في عمليات تهريب المخدرات والسلاح، ومستعد للتعاون مع الأردن لتأمين الحدود ومنع عمليات التهريب من سوريا نحو الأراضي الأردنية.
ويعتقد الباحث، أن الأردن لن يتخذ إجراءات ضد المجلس العسكري لأنه شأن سوري سوري لكن في حال انخراط التشكيل في عمل يمس السيادة الأردنية سلبًا أو إيجابًا فعليه سيتخذ الأردن موقفا معينًا تجاهه.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن الرسالة للحكومة السورية الجديدة، أن المجلس العسكري غير معترف بسلطتها، لأن إعلان تشكيل قوة عسكرية متخصصة بحماية الحدود يعتبر أحد الأعمال السيادية للمؤسسة العسكرية الحكومية، والبيان واضح بأن المجلس لا ينتمي لهذه المؤسسة ولا يريد التعاون معها في الملفات السيادية وبالتالي فالخلاف بينه وبين الحكومة ليس خلافًا سياسيًا بسيطًا وإنما خلاف استراتيجي على كل تفاصيل الدولة والحكم”.
وأضاف، أنه في ظل الظروف الراهنة لا أعتقد أن الحكومة في دمشق ستذهب باتجاه الصدام معه في هذه النقطة ولكن ستعمل على تأكيد شرعيتها من خلال السياق الخارجي والداخلي بحيث تضع التشكيل هذا أمام استحقاق سياسي جماهيري يرى فيه تشكيل عسكري خارج إطار الدولة والقانون ولكن هذا الاجراء لا يمكن الجزم بقدرة الإدارة على النجاح فيه.
بينما يرى الباحث، عرابي عبد الحي عرابي، أن خطوة المجلس العسكري في تفعيل لواء الحدود غير متوافق عليها ضمن فصائل السويداء ذاتها، ويحاول المجلس اتخاذ الخطوة ليقوم بحق امتلاك الحدود في مواجهة الفصائل أخرى تحاول استخدامها، بما يمكنه في التقرب من الأردن، وإسرائيل بغية تحقيق الدعم.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إنه من غير الوارد أن تتعامل الأردن مع المجلس العسكري، لكن ربما تكون هذه الخطوة سببًا بأن تضغط الأردن على الفصائل الدرزية للابتعاد عن الحدود، لأنها لم تستطيع ضبط تهريب المخدرات والسلاح حتى أثناء حكم النظام البائد”.
وأضاف، أن قرار تفعيل لواء حرس الحدود قد يزيد من تعقيد الأمور على الحدود السورية الأردنية مع الحكومة السورية والمجلس العسكري، لكن في الوقت ذاته تتعامل الحكومة السورية مع الموضوع بشكل شامل، لأن مسألة حل فصائل السويداء وما يليه من تحركات تعبر ملفًا مترابطًا ويخص شؤون المحافظة كاملةً ولا يمكن حل فصيل دون إيجاد حل شامل.
ختامًا.. واجهت محافظة السويداء بعض الهزات نتيجة تأخر تفعيل مؤسسات الدولة السورية الجديدة، رغم دعم كبرى الفصائل لبسط سيطرة الدولة على المحافظة، ما أتاح الفرصة أمام ظهور مجموعة مسلحة تحاول استغلال الفرصة لفرض أجنداتها أو كسب بعض الامتيازات.. لكن الترتيبات الجديدة بين دمشق وأعيان السويداء سيدمر هذه