ما أن تُذكر الإمارات في جملة اقتصادية مفيدة إلا ويتحسس المصريون جيوبهم، وربما أمنهم، إذ اقترن حضورها – رغم العلاقات القوية التي تجمعها بالنظام المصري- بالريبة والشك فيما تكنه من نوايا غير مٌعلنة، لا تسيئ فقط للأجيال الحالية لكنها تجرد الدولة المصرية من ثقلها الإقليمي وتستنزف مواردها وتسلب منها ثرواتها، واحدة تلو الأخرى.
ويستند هذا القلق على قائمة مطولة من التجارب التي عبثت فيها أبو ظبي بالأمن القومي المصري، وغردت منفردة بعيدة عن أي مقاربات تمس الأمن والسيادة المصرية، تارة في اليمن، وثانية في إثيوبيا، وثالثة في السودان، ورابعة في القرن الأفريقي، وخامسة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما لايزال القوس مفتوحًا.
صبيحة الأحد 4 مايو/أيار الجاري، استيقظ المصريون على إعلان الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن توقيع اتفاقية مع مجموعة “موانئ أبوظبي الدولية” لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد”، من أجل استقطاب الاستثمارات في مجالات معينة، والاستفادة من قرب المنطقة الصناعية من ميناء شرق بورسعيد.
الحكومة توقع اتفاقية مع هيئة موانئ أبو ظبي لتطوير منطقة شرق بورسعيد عند مدخل قناة السويس مقابل حق انتفاع لمدة 50 عاما قابلة للتجديد pic.twitter.com/ZpxFnauzhm
— شبكة رصد (@RassdNewsN) May 5, 2025
الاتفاقية وإن لم يتم الكشف عن كافة تفاصيلها إلا أن المعلن منها جاء صادمًا للشارع المصري، إذ تمنح الشركة الإماراتية حق الانتفاع من تطوير تلك المنطقة اللوجستية على قناة السويس لمدة 50 عامًا، قابلة للتجديد، مقابل حصول الهيئة على 15% من إيرادات المشروع، وهو ما أثار قلق المصريين الذين عبروا عن تخوفاتهم ورفضهم لتلك الصفقة على منصات التواصل الاجتماعي.
وتثير شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية (تدير ما يقرب من 78 ميناءً بحريًا في نحو 40 دولة) التابعة لصندوق أبو ظبي السيادي، بنشاطها المتصاعد في السوق المصري، الكثير من الجدل، بسبب مساعيها التي لا تتوقف للسيطرة على الموانئ المصرية وتفريغ الدولة المصرية من مواردها اللوجستية.. فماذا يريد الإماراتيون؟ ومما يتخوف المصريون؟
انتفاع 50 عامًا و15% من الأرباح.. تفاصيل الاتفاقية
من المقرر أن يُقام المشروع المزعوم على ثلث مساحة المنطقة الصناعية لشرق بورسعيد، التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والمقدرة بنحو 20 كيلو مترًا، حسبما كشف رئيس المنطقة الصناعية وليد جمال الدين، الذي أوضح أن العقد عبارة عن حق انتفاع لمدة 50 عامًا، مشيرًا إلى أن “مجموعة موانئ أبو ظبي ستعمل كمطور صناعي على تجهيز البنية التحتية للمنطقة، من أجل استقطاب الاستثمارات في مجالات معينة، والاستفادة من قرب المنطقة الصناعية من ميناء شرق بورسعيد”.
وأضاف جمال الدين خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “كلمة أخيرة”، المذاع عبر فضائية “ON”، مساء الأحد 4 مايو/أيار الجاري، أن الجانب الإماراتي سيدفع كامل التكلفة الخاصة بالبنية الداخلية للمنطقة، قائلًا إن “الرقم المطلوب لترفيق المنطقة يتراوح ما بين مليار إلى 2 مليار دولار”.
كما أن كافة الالتزامات التعاقدية الخاصة بالمستثمرين ستكون على عاتق شركة موانئ أبو ظبي، التي ستتولى إقامة المرافق، كما أن الاستثمارات ستستفيد من الحوافز الضريبية المباشرة وغير المباشرة والاتفاقيات الدولية، لتلبية احتياجات السوق المحلي، بحسب رئيس المنطقة الصناعية الذي أشار إلى أن مصر وفق هذا العقد ستحصل على نسبة 15% من إيراد الشركة الإماراتية، متوقعًا أن تجذب المنطقة استثمارات بالمليارات، مؤكدًا أن هناك اهتمامًا من الجانب الإماراتي ببعض الأرصفة في ميناء شرق بورسعيد، الأمر الذي يحقق نوعًا من التكامل والتناغم والاستفادة بشكل مباشر.
أبو ظبي والموانئ المصرية.. علاقة مثيرة للجدل
تمتد العلاقة المثيرة للجدل بين الإمارات والموانئ المصرية لأكثر من 17 عامًا، فمن بين 16 ميناء مدنيًا تمتلكهم مصر هناك حضور إماراتي نافذ وبقوة في 7 منهم على الأقل، عبر مجموعة “موانئ أبو ظبي الدولية” وشركة “موانئ دبي”، أي أن قرابة 44% من الموانئ المصرية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى البحر الأحمر شرقًا مُخترقة إماراتيًا، بجانب المناطق اللوجستية الأخرى التي لا تقل أهمية عن الموانئ البحرية.
ميناء السخنة.. أول تلك الموانئ هو ميناء السخنة المطل على الساحل الغربي لخليج السويس بالبحر الأحمر، وهو أحد البوابات الهامة التي تربط مصر بالخليج وبلدان أسيا، وهو لا يقل أهمية عن ميناء “جبل علي” الإماراتي من حيث الأهمية اللوجستية نظرًا لموقعه الاستراتيجي الهام، وتديره موانئ دبي منذ عام 2008 وفق اتفاق أبرم في ذلك العام.
ميناء أبو قير.. في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وقعت الحكومة المصرية مع شركة “اعتماد القابضة” الإماراتية التابعة لجهاز أبو ظبى للاستثمار، عقد شراكة بشأن المشاركة في تدشين “مدينة أبو قير الجديدة” (شمال) المطلة على ميناء أبوقير بالإسكندرية، باستثمارات تتجاوز 12 مليار جنيه، وهو ما يعادل 807 ملايين دولار.
ويشرف على المشروع بعض الشركات والهيئات، تحت قيادة شركة “اعتماد القابضة” الإماراتية، الممول الرئيسي للمشروع، مع بعض المؤسسات الأخرى، بعضها يمثل القطاع العام المصري كوزارة الإسكان والمرافق العمرانية، والآخر القطاع الخاص ويمثله 4 شركات، ثم 3 شركات أجنبية أخرى متخصصة في أعمال الحفر والردم والتشييد، وهي: شركة “هيل إنترناشونال” وشركة “WATG” الأمريكية وشركة “Van Oord” الهولندية.
ميناء سفاجا.. في مارس/أذار 2023 نجحت موانئ أبو ظبي في الحصول على اتفاقية امتياز لتطوير ميناء سفاجا الواقع على البحر الأحمر لمدة 30 سنة، وتضمن الاتفاق وقتها التزام مصر بتحويل أرباح المجموعة للخارج بالدولار حتى لا تتأثر المجموعة بتغييرات سعر الصرف في مصر.
مينائي العريش وغرب بورسعيد.. في عام 2023 وقعت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقيتين مع موانئ أبو ظبي لإنشاء محطتين لمناولة الأسمنت في ميناء العريش وميناء غرب بورسعيد، تمتدان لمدة 15 سنة، وذلك باستثمارات تصل إلى مليار جنيه (حوالي 33 مليون دولار أمريكي وفق سعر الصرف حينها).
ميناء شرم الشيخ.. في يونيو/حزيران 2024 أعلن رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وجود مفاوضات بشأن استثمارات إماراتية في ميناء الأدبية الواقع على خليج السويس، وفي ذلك الوقت أبرمت الهيئة 3 اتفاقيات مبدئية لتطوير 3 محطات بحرية في ميناء العين السخنة، واتنين مع الهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر لتطوير محطة للسفن السياحية في ميناء الغردقة، ومحطة في ميناء شرم الشيخ.
ميناء الإسكندرية.. في يناير/ كانون الثاني الماضي، وقعت موانئ أبو ظبي ووزارة النقل المصرية مذكرة تفاهم أولية حول إنشاء منطقة لوجستية في ميناء الإسكندرية.
هذا بخلاف ما يثار حول احتمالية إنشاء ميناء ضمن مشروع رأس الحكمة في البحر المتوسط، والذي يستحوذ عليه صندوق أبو ظبي السيادي، بحسب الصفقة التاريخية التي بلغت 35 مليار دولار والمُبرمة في فبراير/شباط 2024.
الاستحواذ الإماراتي لم يقتصر على الموانئ وفقط، بل ذهب إلى خدمات النقل والحاويات، حيث استحوذت موانئ أبو ظبي في سبتمبر/أيلول 2022 على حصة أغلبية في الشركة التابعة الدولية لنقل البضائع بما يشمل شركتي ترانسمار وترانسكارجو، والمسؤولين عن تشغيل خط حاويات يعمل في مناطق الشرق الأوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والساحل الشرقي للقارة الأفريقية.
بذلك تستحوذ الإمارات على 5 موانئ رئيسية على البحر الأحمر (السخنة والغردقة وسفاجا وشرم الشيخ والعريش) وثلاثة على البحر الأحمر (أبو قير والإسكندرية وأخر محتمل في رأس الحكمة)، هذا بخلاف مساعيها للسيطرة على قناة السويس عبر الهيمنة على المناطق اللوجستية في بورسعيد.
لماذا الإمارات.. ألم تكن تجربة “السخنة” كافية؟
الإصرار على منح الإمارات على وجه التحديد كل هذا النفوذ داخل الموانئ المصرية مسألة مثيرة للجدل لدى قطاع كبير من المراقبين والمتابعين، خاصة وأن التجربة الإماراتية في هذا المجال والممتدة لأكثر من 17 عامًا لم يُكتب لها النجاح، والسوابق ليست على المستوى المطلوب ولا تصب مطلقًا في صالح التحفيز والتشجيع على استمرار تلك العلاقة المثيرة للريبة.
وللوقوف على حقيقة هذا الأمر يرجع المصريون بالذاكرة إلى عام 2008 حيث الدخول الأول للشركات الإماراتية مجال الموانئ المصرية، عندما استحوذت هيئة موانئ دبي على 90% تقريبًا من شركة تطوير ميناء السخنة، التي تشغل الحوض الأول والثاني للميناء، مقابل 670 مليون دولار أمريكي حينها.
بحسب العقد المبرم كان على الشركة الإماراتية إنشاء رصيف بحري بطول 1300 متر، لاستيعاب 1.2 مليون حاوية سنويًا بحلول عام 2009، وهو مالم يتحقق بالمرة، وظل الأمر على تلك الشاكلة حتى عام 2021 أي بعد 12 عامًا تقريبًا من المهلة المحددة لإنشاء الرصيف وفق الاتفاق.
الغريب أنه ورغم عدم وفاء الشركة الإماراتية بالتزاماتها، وقعت معها الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقد شراكة جديد في 2017، لإنشاء شركة تستهدف تنمية وتطوير مساحة 95 كيلو متر مربع بمنطقة العين السخنة، تشمل منطقة صناعية وسكنية، وتطوير ميناء السخنة بمساحة 22 كيلو متر مربع.
حتى مع إبرام تلك الشراكة لم تلتزم الإمارات بها نصًا، ليتأخر تدشين تلك الشركة الجديدة لمدة 5 سنوات، حيث لم تخرج للنور سوى في أغسطس/أب 2022 مع توقيع “موانئ دبي” عقدًا أخر لتطوير منطقة خدمات لوجستية بـ”السخنة” بتكلفة 80 مليون دولار، وكان يفترض بداية المرحلة الأولى من هذا المشروع نهاية 2023، لكنه وحتى فبراير/شباط العام الحالي لم يُنفذ سوى 65% فقط من أعمال المشروع.
ورغم التأخير والتلكؤ والتعطيل الذي أبدته موانئ دبي في تعاطيها مع مشروع تطوير ميناء العين السخنة، الذي يعده البعض شريانا هامًا للاقتصاد المصري، وأحد الثروات التي من الممكن أن تضع الدولة المصرية على خارطة الاقتصاد الملاحي البحري، إلا أن ذلك لم يلفت نظر السلطة المصرية التي لم تجد أي مشكلة على الإطلاق في منح الشركات الإمارات المزيد من الاتفاقيات وعقود الشراكة الخاصة بالموانئ البحرية والمناطق اللوجستية، في إصرار عده البعض مٌريبًا وغير مفهوم.
عقود مٌريبة
القراءة الأولية لكافة العقود والاتفاقيات التي أبرمتها الشركات الإماراتية مع الجانب المصري في قطاع الموانئ والمناطق اللوجستية تعمق حالة القلق وتُزيد منسوب الريبة لدى القراء، نخبة كانوا أو مواطنين عاديين، خاصة من خلال مسارين اثنين:
الأول: إطالة مدة العقد.. فالاتفاق الأخير الموقع مع مجموعة “موانئ أبوظبي الدولية” لتطوير منطقة “كيزاد شرق بورسعيد” يمنح الجانب الإماراتي حق انتفاع لمدى 50 عامًا، وهي المدة ذاتها تقريبًا التي تضمنها عقد “العين السخنة” الموقع عام 2008 والذي منح “موانئ دبي” حق الإدارة والتشغيل حتى عام 2049.
الوضع ذاته مع عقد امتياز وتطوير تشغيل ميناء سفاجا، والذي منح مجموعة “موانئ أبو ظبي” حق الإدارة لمدة 30 عامًا، قابلة للتجديد، أما العقد المبرم مع ذات المجموعة لإنشاء محطتين في ميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت السائب، فتبلغ مدته 15 عامًا.
الثاني: التركيز على الاستحواذ.. في معظم العقود الاستثمارية تكون المشاركة هي عصب الاتفاق، أما على المستوى الإماراتي فالوضع مختلف، حيث ينصب الاهتمام على الاستحواذ، وهو أمر يثير الكثير من المخاوف، خاصة في مجال حيوي واستراتيجي مثل الموانئ والمناطق اللوجستية.
ففي عام 2018 أسست هيئة قناة السويس، مع تحالف عالمي تقوده شركة الجرافات البحرية الإماراتية، شركة التكريك المصرية – الإماراتية للتكريك والأعمال البحرية، حيث أصرت الشركة الإماراتية أن يكون لها حصة استحواذ في تلك الشركة التي يفترض أنها مصرية ونشاطها بأكمله فوق أراض مصرية خالة، حيث استحوذت على 49% من حصة الشركة التي تعمل على تكريك بحيرتي المنزلة والبردويل، وميناء جرجوب بمحافظة مطروح.
كما استحوذت الإمارات على 32% من حصة شركة الإسكندرية لتداول الحاويات مقابل 186 مليون دولار أمريكي، في أبريل/نيسان 2022، وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام استحوذت “موانئ أبوظبي” على 70% من شركتي ترانسمار وترانسكارجو المصريتين، المتخصصتين في أعمال الشحن والتفريغ ونقل الحاويات، مقابل 140 مليون دولار أمريكي.
خبراء يشيرون إلى أن الإصرار على الاستحواذ بدلًا من المشاركة والتصنيع مسألة تتعارض بشكل كبير مع الفكر الاستثماري الذي يجب أن يركز على المشاريع أكثر من الاستحواذ والامتلاك وحصد نصيب الأسد في الكثير من الشركات والمؤسسات، وهي إحدى النقاط التي عززت من مخاوف المصريين إزاء التحركات الإماراتية في هذا القطاع تحديدًا.
مما يتخوف المصريون؟
تتركز مخاوف المصريين من النفوذ الإماراتي في قطاع الموانئ في محورين أساسيين:
الأول: المخاوف الأمنية، إذ أن منح دولة واحدة كل هذا الكم من النفوذ والحضور في قطاع محوري واستراتيجي مثل الموانئ فيه تهديد مباشر وواضح للأمن القومي للدولة، خاصة وإن كانت هناك علامات استفهام عدة حول نشاط تلك الدولة وتحركاتها الإقليمية التي تعبث فيها –بقصد أو دون قصد بالأمن القومي المصري.
فالإمارات التي تهيمن على الموانئ المصرية هي ذاتها الدولة الشريك الأساسي في سد النهضة، الذي يهدد الأمن المائي المصري، والحليف الأبرز لقوات الدعم السريع في السودان الذي يهدد خاصرة مصر الجنوبية، وأحد أبرز الداعمين لتوسيع النفوذ الإسرائيلي إقليميًا بما يشكل خطورة على الأمن العربي وفي المقدمة منه المصري، هذا بخلاف تحركاتها المثيرة في اليمن وليبيا وفي البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وهناك حالة مثيرة للجدل يتم استدعاءها بين الحين والأخر لمن يقلل من خطورة هذا النفوذ الإماراتي في مجال الموانئ، تلك التي أثيرت في الولايات المتحدة عام 2006 حين حاولت شركة “موانئ دبي” الاستحواذ على 6 موانئ أمريكية، بأرقام فلكية وقتها، حينها كانت هناك حماسة من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، لكن الكونجرس تصدى لهذا الأمر، وصوّت بـ 62 صوتًا رفضًا لتلك الصفقة مقابل صوتين فقط كانا من المؤيدين.
إن كان هذا التخوف انتاب دولة بحجم وثقل الولايات المتحدة قبل 19 عامًا، فكيف يكون الحال الآن مع دولة كمصر، مُحاطة بأمواج متلاطمة من التحديات الاقتصادية والسياسية، هذا بخلاف التحديات الأمنية التي تفرضها المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة، حيث التوتر في البحر الأحمر وحالة التجييش العسكري الأمريكي والحرب الاقتصادية مع الصين والاتخاذ من الشرق الأوسط ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.
الثاني: المخاوف الاقتصادية.. يرى البعض أنه من غير المنطقي أن تمنح مصر مُنافسها الأول في مجال الموانئ البحرية في العالم إدارة موانئها الخاصة، فكيف تُمنح الإمارات الساعية لتعزيز وترسيخ ميناء جبل علي وتحويله إلى الميناء الأكبر والأول عالميًا، إدارة ميناء العين السخنة والمنطقة اللوجستية في قناة السويس، وهو الميناء الذي يمكنه سحب البساط من تحت الميناء الإماراتي إذا ما أُحسن استغلاله وتوظيفه.
وتشير خبراء الملاحة البحرية إلى أن مشروع منطقة قناة السويس كان من المفترض أن ينافس ميناء جبل علي في الإمارات، وأن سيطرة أبو ظبي عليه يعني وأدها لهذا المشروع وحماية مينائها من أي منافسة إقليمية محتملة، لافتين إلى أن المشروع حين طُرح بداية الأمر كان الهدف منه منافسة الموانئ الإقليمية، وعلى هذا الأساس تم وضع الخطط الإنشائية الخاصة بالمنطقة المحورية واللوجستية لتقديم الخدمات الملاحية العاجلة للسفن العابرة لقناة السويس.
وفي حال تنفيذ تلك المشروعات وفق ما هو مخطط لها فإن ذلك يعني عمليًا كتابة شهادة وفاة ميناء جبل علي الإماراتي، وسحب البساط من كافة الموانئ الإقليمية في ظل الإمكانيات التي تتمتع بها منطقة قناة السويس والتي يمكنها تقديم كافة الخدمات الملاحية للسفن، من تموين وقود وصيانة وأمور أخرى، وعليه فإن منح هذه المشروعات لشركة إماراتية تخطط للهيمنة على موانئ العالم، “موانئ دبي العالمية” هو بمثابة تسليم الحلم المصري للإماراتيين بشكل رسمي.
ختامًا.. لم يكن قطاع الموانئ وحده الذي تهيمن عليه الإمارات، فقد وضعت يدها على مختلف القطاعات المصرية على رأسها قطاع الصحة والتعليم والمواصلات والتكنولوجيا والتعدين والطاقة، وهي التحركات التي تثير قلق الكثير من المصريين الذين يرون أن مثل تلك التحركات المشبوهة تهدد استقلالية القرار المصري وسيادته الوطنية نظير حفنة دولارات لا تساوي مثقال ذرة من الثروات والأوراق التي تتخلى عنها الدولة المصرية لصالح الدولة النفطية الصغيرة ذات الأجندة التوسعية المُريبة التي لا تراعي أي مقاربات عروبية أو أخوية.