تعيش محافظة السويداء جنوبي سوريا منذ سقوط نظام الأسد البائد، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، توترات أمنية متواصلة وسط حالة استقطاب متعددة الأوجه والخلفيات نظرًا إلى تعدد المرجعيات الدينية والصبغة العشائرية والفصائلية، إضافةً إلى ظهور نزعات داخلية تخدم مآرب خارجية، ما تسبب في تأخر دخول المحافظة تحت سيطرة السلطات السورية الجديدة بشكل مباشر مقارنة مع المحافظات الأخرى.
ولّد المشهد المعقد في السويداء صدام، غير مباشر، بين فصائل مسلحة محلية ومرجعيات دينية من جهة، ومؤسسات الحكومة السورية الجديدة من جهة أخرى، مع تعالي أصوات داخلية تطالب في حصول المحافظة على خصوصية إدارية وامتيازات بغية ردع مخاوفهم من السلطة السورية خاصة من الذين يعتبرونها سلطة ذات لون واحد لا تمثل كافة أطياف الشعب السوري.
في غضون ذلك، استغل غياب مؤسسات السلطات السورية في فرض سيادتها على المحافظة خلال الشهور التي أعقبت سقوط نظام الأسد من أطراف عديدة منها داخلية التي ترى أن الحالة التي تعيشها السويداء فرصة مهمة يمكن استغلالها لتحقيق غايات شخصية لصالح أفراد من المحافظة، وخارجية تجدها فرصة تخدم مصالحها الإقليمية للعبث في وحدة الأراضي السورية وفرض واقع سيطرة جديد.
نحاول في التقرير التالي تفكيك المشهد المعقد في محافظة السويداء وأثر موقعها الجيوسياسي والديموغرافي ودور المرجعيات الدينية في الحياة السياسية والاجتماعية إضافةً إلى تأثيرها على الفصائل المسلحة المحلية، وموقفها من السلطات السورية الجديدة..
مكونات محافظة السويداء
تقع محافظة السويداء جنوب سوريا، وتقدر مساحتها 6 آلاف و550 كيلومترًا مربعًا، وتمتاز بتضاريس جبلية، حيث يشكل جبل العرب جزءًا مهمًا من جغرافيتها، وتحدها من الشمال محافظة ريف دمشق، ومن الغرب محافظة درعا، بينما من الشرق البادية السورية ومنطقة الصفا، في حين تشترك بحدودها الجنوبية مع المملكة الأردنية الهاشمية.
وتشكل زراعة الأشجار المثمرة (العنب، التفاح، الزيتون) من أبرز المحاصيل الزراعية التي يعمل بها أبناء المحافظة نظرًا للطبيعة الجبلية، كما يعمل جزء منهم في المشاريع الصغيرة والمتوسطة والوظائف الحكومية والأعمال الحرة، ويضطر شبابها قبل اندلاع الثورة السورية للسفر نحو دول الخليج بهدف العمل، وخلال سنوات الثورة اضطروا أيضًا للهجرة نتيجة الملاحقة الأمنية والتضييق الذي مارسه النظام البائد.
تعتبر السويداء المحافظة الثالثة عشر من حيث عدد السكان، البالغ عددهم قرابة 476 ألف نسمة، يشكل الموحدون الدروز حوالي 90 % منهم، بينما المسيحيون نحو 7%، والسنة 3%، اعتبارًا من عام 2010، حسب دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
بينما تتكون المحافظة من 130 تجمعًا سكنيًا (مدينة، بلدة، بلدية، قرية، مزرعة)، حيث يعد مركز المحافظة (السويداء) أكبر تجمع سكاني يقدر بـ 73 ألفًا و641 نسمة، وتليها مدينة شهبا التي يصل عدد سكانها إلى 13 ألفًا و660 نسمة، ومدينة صلخد بتعداد قدره 9 آلاف 155 نسمة، وبلدة قنوات بتعداد 8 آلاف و324 نسمة، وبلدة الكفر بتعداد قدره 7 آلاف و458 نسمة.
ويتركز التوزع السكاني في السفوح الغربية لجبل العرب، حيث المدن والبلدات التي تقطنها طائفة الموحدين الدروز التي ترجع جذورها التاريخية إلى القبائل العربية، بني تنوخ، وبني تغلب والغساسنة، استقروا في جبل العرب بعدما قدموا من اليمن والجزيرة العربية.
ولعل أبرز العائلات المعروفة من طائفة الموحدين الدروز في السويداء، جربوع، الأطرش، الحلبي، عزام، عامر، حمزة، الهجري، الحناوي، أبو عساف، رضوان، شرف الدين، أبو لطيف، قطيش، أبو صالح، مسعود، هنيدي.
بينما تعيش عشائر من الطائفة السنية، تضم عائلات من عشائر: السردية، السنابلة، الشرافات، المساعيد، العظامات، الجوابرة، الحواسن، الغانم، الحسن، الربيدات، حيث يسكنون قرى وبلدات الأصفر وأشيهب والساقية والقصر ورجم الدولة وخربة صعد وشنوان وعليّا، شمال شرق السويداء، وعائلات من بلدتي عريقة وشهبا شمال السويداء، وبلدة عرى جنوب السويداء، فضلًا عن سكنهم في أحياء الحروبي والبرغشة والزيتونة والمقوس ضمن مركز المحافظة.
في ديسمبر/كانون الأول 2024 عقدت العشائر في بلدة القصر الواقعة في الريف الشمالي الشرقي من محافظة السويداء، اجتماعًا موسعًا أسست خلاله مجلسًا للتنسيق بين العشائر والجهات الفاعلة لإعادة إعمار القرى المتضررة التي شهدت موجة تهجير قسري جراء هجمات تنظيم “داعش” الذي سيطر على الريف الشمالي الشرقي.
كما تنتشر عشائر بدو في الريف الجنوبي الشرقي من محافظة السويداء، يعملون في تربية الماشية والزراعة، ولعل أبرزها عشائر البقارة العنزي المحاميد والقطيفان، ورغم الروابط الاجتماعية بين العشائر والدروز إلا أن نظام الأسد استغلها خلال سنوات الثورة السورية لتعزيز سلطته وإدخال العشائر في حرب مع الطائفة الدرزية مستغلًا نشاط تنظيم “داعش” في قرى العشائر، ما تسبب في تهجير أبناء العشائر إلى ريف درعا والأراضي الأردنية قبل عودة جزء منهم إلى قراهم عبر طرق التهريب.
المرجعيات الدينية في السويداء
تلعب المرجعيات الدينية في السويداء دورًا محوريًا في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي لدى أبناء المحافظة لأنها تعكس احساسهم بالهوية والانتماء للطائفة وبالتالي فإن دور المرجعيات الدينية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها ترسم ملامح العلاقات السياسية والاجتماعية لطائفة الموحدين الدروز مع السلطات الرسمية.
ولطالما سعت الأنظمة السياسية المتعاقبة في سوريا إلى الاستفادة من دور المرجعيات الروحية لتقويض أي محاولة لتشكيل قوة موازية تهدد هيمنتها في المحافظة، إذ سعى نظام الأسد إلى استمالة الطائفة الدرزية كأقلية منذ انطلاقة الثورة السورية، بهدف تعزيز علاقتها بمشيخة عقل الطائفة، التي تضم ثلاثة شيوخ بارزين، هم: الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، ويوسف جربوع، وحمود الحناوي.
وتعتبر الرئاسة الروحية، ومشيخة العقل، من الجهات المسؤولة عن إدارة شؤون الطائفة الدرزية بما يشمل المناسبات الدينية والإشراف على الأوقاف والتواصل مع الجهات الحكومية لضمان حقوق الطائفة وحل النزاعات جراء التوترات السياسية والاجتماعية التي تحصل بين مكونات المجتمع، ومشايخ العقل الثلاثة هم:
حكمت الهجري

يعتبر حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، ولد في 1965 في فنزويلا، حيث مكان عمل والده، لكن لاحقًا عاد إلى سوريا وأكمل تعليمه الإعدادي والثانوي، ودرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وتخرج منها في 1990.
بعد وفاة شقيقه أحمد الهجري في عام 2012 جراء حادث سير، تولى حكمت الهجري منصب الرئاسة الروحية، باعتباره منصب تتوارثه العائلة منذ القرن التاسع عشر، ويبرز دور المنصب في توجيه المجتمع، والإرشاد الديني، إضافةً إلى الفصل في القضايا الشرعية، وحماية التقاليد، وتكريس وحدة الصف بين أبناء المجتمع الدرزي.
وكان الهجري يظهر ولاءً لنظام الأسد البائد، لكن بعد عام 2020 وجه انتقادات ضد سياسات حكومة النظام، كما تعرض لإهانة من قبل رئيس فرع المخابرات العسكرية في عام 2021 ما أدى إلى احتجاجات غاضبة في السويداء لتدخل المحافظة في موجة استياء عامة من سلطات النظام نتيجة موقف الهجري المتحفظة.
يوسف جربوع
يشغل يوسف جربوع المولود في محافظة السويداء عام 1967 منصب شيخ عقل الطائفة الدرزية منذ عام 2012، خلفًا لابن عمه الراحل حسين جربوع الذي تولى المشيخة عام 1965 خلفًا لوالده الشيخ أحمد جربوع.
منصب “شيخ عقل” هو الزعيم الديني الأول، ويعتبر منصب ديني رفيع يحتفظ صاحبه بأسرار الطائفة، ويُتوارث من جيل إلى جيل بشكل تقليدي، ويعد جربوع من أسرة تولت منصب مشيخة العقل لأكثر من 3 قرون على التوالي.
وتبنى جربوع، موقفًا داعمًا لنظام الأسد، ورفض المشاركة في أي حراك معارض خلال سنوات الثورة السورية، ودافع عن التحالف مع روسيا وإيران معتبرًا انه كان ضروريًا لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الدولة.
مواقفه الداعمة لنظام الأسد مكنته من الحصول على دعم من مؤسسات النظام حيث نشط في الإشراف على المشاريع التنموية والخيرية في المحافظة التي كانت تقدمها الأمانة السورية التابعة لأسماء الأخرس، زوجة الرئيس الهارب بشار الأسد.
حمود الحناوي
ولد حمود الحناوي عام 1943، في قرية سهوة البلاطة في محافظة السويداء، وترعرع وسط بيئة دينية، حيث تتلمذ على يد كبار رجال طائفة الموحدين الدروز، فاكتسب تعاليم الطائفة ومبادئها منذ نعومة أظافره.
وأتم تعليمه في دار الحكمة الثانوية في السويداء وتخرج عام 1963، وعمل معلمًا في محافظة دير الزور لأكثر من 14 عامًا، ثم انتقل إلى العمل في مدارس قريتي الكفر وسهوة البلاطة، لكن عندما التحق في الخدمة الالزامية درس اللغة العربية وتخرج منها عام 1975.
وسافر الحناوي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للعمل مدرسًا للغة العربية، مثله مثل باقي السوريين الذين كانوا يضطرون للسفر بحثًا عن عمل، كما مارس العمل الصحفي في صحيفتي البيان والخليج، قبل أن عودته إلى سوريا ليتولى مشيخة العقل خلفًا لأبيه بعد وفاته.
وأثناء الثورة السورية، ظل الشيخ الحناوي من الشخصيات التي حافظت على مواقفها الحيادية، كما عرفه عنه دعم السلم الأهلي، والحوار الوطني، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على النسيج الاجتماعي السوري مع احترام حقوق جميع الأقليات.
انقسام الرئاسة الروحية
بعد عام 2012 شهدت الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز انقسامات واضحة، بسبب تنافس حاد بين الهجري وجربوع حول قيادة الطائفة الدرزية، وهو ما أدى لاحقًا إلى وجود هيئتين، واحدة برئاسة الشيخ حكمت الهجري في دار قنوات، والثانية بقيادة الشيخين، حمود الحناوي ويوسف جربوع، في منطقة عين الزمان.
وترك انقسام مشيخة العقل أثرًا سلبيًا على الطائفة الدرزية في العلاقات الاجتماعية والسياسية، وظهر تيارين، تقليدي بقيادة يوسف جربوع وحمود الحناوي، وتيار إصلاحي بقيادة حكمت الهجري، واتخذ مواقف أكثر تحفظ من سلطة نظام الأسد.
تسببت الخلافات في تفاوت المواقف السياسية في المجتمع الدرزي وسط تراجع تأثير الدور الرئاسة الروحية ما دفع البعض إلى البحث عن قيادة جديدة، لكن بعد سقوط نظام الأسد، ظهرت مطالبات ومساعي من وجهاء السويداء إلى تشكيل مجلس موحد للطائفة في سياق إعادة ترتيب البيت الداخلي.
رغم تلك الدعوات إلا أن أثر الانقسام بدى واضحًا في تحديد مسار العلاقة مع السلطات السورية الجديدة الساعية إلى فرض سيادتها على كافة الأراضي السورية منعًا لأي محاولات تجر البلاد نحو التقسيم في ظل التصريحات الإسرائيلية المتواصلة للتدخل في الشؤون السورية تحت ذريعة حماية الأقليات.
ويعتبر الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، أن السلطة السورية الجديدة تحمل طابعًا سلفيًا يثير قلق الأقليات، بما فيها الدروز، ويدعو الهجري إلى التريث حتى تتضح الصورة السياسية وترسى على أسس دستورية شاملة تتضمن المواطنة والديمقراطية، لكن مع تصاعد الاستقطاب، رفض الهجري الدستور الجديد، ووصف السلطات السورية في تصريحاته بـ “الإرهابية”.
بينما يتخذ مشيخة العقل في مقر عين الزمان في السويداء، حمود الحناوي ويوسف جربوع، موقفًا مختلفًا، ويريان أنه يجب الانخراط في مشروع الدولة السورية بشكل فوري، شريطة أن تتوفر بعض الضمانات الأساسية التي تتضمن العدالة والمساوات في سوريا وحماية الأقليات، وعدم دخول قوى الأمن العام من خارج المحافظة إلى السويداء وإنما تكون من أبنائها.
لم تقتصر “مشيخة العقل” في مقر عين الزمان على تحديد موقفها من السلطات في دمشق، وإنما ردت على تصريحات “إسرائيل” حول دعوتها لحماية الدروز، حيث قال الحناوي في تصريحات لـ “قناة العربية“: “نحن وطنيون ولن نساوم على القضية الوطنية”، ما يعكس رفض مشيخة العقل لتدخل إسرائيل مستغلةً الأحداث الطائفية، بينما يبدي الهجري في قنوات موقفًا محايدًا تجاه تصريحات إسرائيل، ويعتبرها لعبة وتوافقات دولية ويجب أن ينصب تركيز الجهود على معالجة الوضع الداخلي لتحقيق استقرار سوريا.
أسهمت مواقف المرجعيات الدينية في السويداء بشكل مباشر في تطوّر الأحداث التي شهدتها منطقتا جرمانا وصحنايا بريف دمشق، قبل أن تمتد إلى داخل المحافظة، نظرًا لما تملكه هذه المرجعيات من نفوذ واسع على الفصائل المحلية والمجتمع الدرزي عمومًا. وقد برز التباين بين موقف مشيخة العقل، ممثلة بالشيخين الحناوي والجربوع، التي دعت إلى تدخل الدولة السورية لضبط الأمن، وبين الشيخ حكمت الهجري الذي طالب بتدخّل دولي.
الفصائل المسلحة في السويداء
تتنوع الفصائل المحلية المسلحة في السويداء فمنها تشكل قبل سقوط نظام الأسد، وبعضها تشكل بعده، لكن تلك الفصائل تختلف في المواقف والعلاقات والارتباطات بالمرجعيات الدينية، ومواقفها من السلطات السورية الجديدة في دمشق.
قبل الشروع في الحديث عن الفصائل المسلحة في السويداء، لا بد أن نلقي نظرة عن بداية الحراك المسلح في المحافظة الذي بدأ مع اتخاذ أبناء الجبل موقفًا يتمثل في رفض الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش نظام الأسد بعد عام 2012، ما استدعى تشكيل حركات أهلية تحمي أبنائها من الملاحقة المتعلقة بالرأي السياسي، وملاحقة المطلوبين للخدمة العسكرية والدفاع عن المحافظة من أي هجمات.
فصائل قديمة النشأة
تراجع سلطة نظام الأسد في السويداء بعد سحب معظم القوات إلى المحافظات السورية الثائرة، دفع أبناء المحافظة في مقدمتهم الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس، إلى تأسيس مجموعة بيرق في المنطقة الغربية، بينما أسس عامر فرج مجموعة خيال، بالإضافة إلى مجموعة لونا التي تحولت تبعيتها إلى الجهات الأمنية.
في عام 2014 بدأت تتبلور ملامح الفصائل المسلحة في السويداء، وانقسمت إلى ثلاث فئات، بحسب تقرير سابق لموقع “نون بوست”، نشر ضمن ملف “بني معروف“، منها فصائل حيادية إيجابية، وفصائل مؤيدة لنظام الأسد بشكل مباشر، وفصائل معارضة.
كانت حركة رجال الكرامة، أولى التشكيلات المسلحة المحايدة، حيث تأسست بقيادة الشيخ وحيد البلعوس في 9 أبريل/نيسان 2014، لكن اغتياله في سبتمبر/أيلول 2015 جراء استهداف موكبه تسلم قيادة الحركة شقيقه، رأفت البلعوس، لفترة قصيرة، قبل أن تصبح قيادة الحركة تحت الشيخ يحيى الحجار، التي تعتبر من كبرى الفصائل في السويداء ولا تزال قائمة حتى الوقت الحالي.
بينما نشطت فصائل مؤيدة لسلطة نظام الأسد مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، بهدف تقويض الحراك السلمي، حيث أطلقت المخابرات العسكرية سراح أصحاب السوابق الجنائية، وسلمتهم أسلحة خفيفة وكلفتهم بقمع التظاهرات، ولعل من أبرز التشكيلات التي ظهرت فصيل “حماة الديار” بقيادة نزيه جربوع، قبل أن يتراجع دور فصيله في عام 2016.
كما ظهرت عصابات محلية مسلحة تتبع بشكل مباشر للأمن العسكري التابع لنظام الأسد البائد وتحصل على تمويل غير مباشر منه، ويملك عناصرها بطاقات أمنية وسيارات حكومية، وكان عملها يهدف إلى تقويض الاستقرار والتضييق على أبناء المحافظة، ولعل أبرزها، عصابة عريقة وعصابة شهبا وعصابة السويداء وعصابة صلخد وعصابة قنوات، لكن على مستوى التشكيلات الفصائلية برز اسم “قوات الفجر” التي كان يتزعمها راجي فلحوط قبل أن تفككها فصائل السويداء في عام 2021.
بينما تسببت الانشقاقات التي شهدتها حركة رجال الكرامة إلى ظهور تشكيلات معارضة لنظام الأسد، ومنها قوات شيخ الكرامة التي تأسست في عام 2018 بقيادة وسام العيد الذي اغتيل في عام 2019، ويتزعمها في الوقت الحالي رأفت بالي، أبو عرب، ويصل عددها قرابة 300 مقاتل.
أما فصيل لواء الجبل الذي تأسس في عام 2015، بقيادة مرهج الجرماني الذي اغتيل برصاصة في رأسه خلال نومه في 17 يوليو/تموز 2024، وخلفه في القيادة شكيب عزام، فقد يبلغ عدده قرابة 5 آلاف مقاتل، حسب موقع “الجزيرة نت”.
وفي عام 2022 نشط تجمع أحرار جبل العرب، كتجمع معارض يتزعمه الشيخ سليمان عبد الباقي، ويعد إحدى الفصائل المقربة من حركة رجال الكرامة، كما ينتشر في السويداء فصيل “مضافة الكرامة” المكون من 50 مقاتلًا، بقيادة النجل الأكبر للشيخ وحيد البلعوس، ليث البلعوس، ويعمل في بلدته المزرعة.
بينما تنشط بشكل محدود كتيبة سلطان الأطرش، بقيادة والد الشهيد الملازم أول المنشق خلدون زين الدين، يعتبرها البعض امتدادًا للكتيبة التي أسسها الملازم لحماية المدنيين من بطش نظام الأسد، إلا أن الكتيبة انحلت في عام 2014 بعد خروج معظم عناصرها نحو الأردن.
فصائل حديثة النشأة
بعد سقوط نظام الأسد، ظهرت فصائل محلية جديدة في المحافظة، ولعل أبرزها قوات العليا، تتخذ من مدينة صلخد مركزًا لها، بقيادة أمجد بالي أبو عطالله، الذي قتل مؤخرًا أثناء مشاركته في هجوم نحو دمشق على خلفية أحداث صحنايا وجرمانا.
كما نشأ تجمع جديد باسم تجمع سرايا الجبل بقيادة وائل أبو قنصول، وفصيل “جيش الموحدين” بقيادة أسامة الصفدي، و”قوى مكافحة الإرهاب” التابعة لحزب اللواء السوري، و”درع التوحيد” بقيادة طارق المغوش، ويتولى مسؤولية حماية الشيخ حكمت الهجري في مركز بلدته قنوات، كما تأسس لواء درع الدور، في قرية الدور الواقعة في ريف السويداء الغربي.
في المقابل، يعد المجلس العسكري في السويداء الذي تأسس في 24 فبراير/شباط الماضي، بقيادة العقيد طارق الشوفي، أكثر التشكيلات الحديثة المثيرة للجدل في السويداء، بسبب تحول الفصيل إلى ملاذ أمن لضباط النظام البائد من غير المنشقين، والمتهمين في ارتكاب جرائم حرب ضد السوريين.
ومنهم العميد جهاد غوطاني، من مرتبات لواء المدفعية في الفرقة الرابعة في جيش الأسد البائد ساهم في قصف ريف إدلب، إضافةً إلى العميد سامر الشعراني، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دير الزور وريف دمشق، حيث كان مسؤول وحدة الصواريخ في منطقة القطيفة بريف دمشق، واستمر في صفوف قوات النظام حتى سقوطه ليظهر مجددًا كأحد أبرز الوجوه التي تقود المجلس العسكري.
كما يضم العميد الطيار، عماد سلمان مزهر، من محافظة السويداء، تعرض للإصابة جراء إسقاط طائرته في دير الزور عام 2014، لكنه عاد إلى العمل بعد تعافيه في القوات الجوية التابعة لنظام الأسد، بالإضافة إلى العقيد الطيار مازن سعيد بلّان، الذي ينحدر من قرية ملح في ريف السويداء، لكنه نشأ في حي التضامن الدمشقي، وعمل ضمن مرتبات اللواء 64 في جيش نظام الأسد، وشارك في طلعات جوية لقصف المناطق المحررة من النظام.
ويضم المجلس الرائد، يحيى ميّا، الذي ينحدر من محافظة طرطوس، متهم بارتكاب جرائم حرب والعمل في تجارة المخدرات والتعامل مع ميلشيات إيران، ونقل من إدارة معبر نصيب إلى فرع الأمن السياسي في إزرع في درعا، إضافةً إلى اللواء الركن عادل جاد الله قيصر، الذي ينحدر من قرية قنوات في ريف السويداء، شغل منصب قيادة مطار السين حتى عام 2019، كما قاد الفرقة 22 شعيرات.
على الصعيد المحلي تنضوي في المجلس العسكري مجموعات عسكرية مسلحة محلية، أبرزها قوات نبي شعيب، وبيرق سليمان بن داوود، وقوات شيخ الجنوب، إلى جانب مجموعات عسكرية محلية في قرى وبلدات الغارية، الجنينة، العمرة، حبران، العانات، بكا، في الريف الجنوبي الشرقي من السويداء.
وكشفت منصة إيكاد في تحقيق موسع دور إحدى الفصائل المنضوية في المجلس العسكري وتطلق على نفسها اسم “بيرق سليمان بن داوود” في الدعوة الإعلامية لانفصال السويداء عن سوريا والتنسيق المحتمل مع “إسرائيل”، وتدخل عسكري مباشر في أحداث جرمانا وصحنايا.
وينشط فصيل بيرق سليمان بن داوود في منطقة الرحى في الريف الجنوبي الشرقي من محافظة السويداء، وتأسس في يناير/كانون الثاني 2025 بقيادة ماجد سعد أبو راس، الذي ينحدر من منطقة الرحى، وبالتالي فإن تأسيس الفصيل جاء بعد سقوط نظام الأسد، ولم يكن اسمه متداولًا، قبل 8 من ديسمبر/كانون الأول 2024.
يروج أبو راس فكرة “جيش داوود” و “أرض الباشان”، وهما مصطلحان دينيان يستخدمان في تبرير انضمام السويداء إلى “إسرائيل”، معتبرًا، أن التحالف مع “إسرائيل” واجب عقائدي، حيث نشر قادته صورًا لعلم الاحتلال وتوعدوا بالانتقام ممن حرقه بعد رفعه في السويداء، بينما وصف في منشوراته رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بـ “زعيم الشرق الأوسط”، حسب ما كشف تحقيق “إيكاد”.
موقف الفصائل من السلطات السورية
تقسم الفصائل المحلية في السويداء سواءً المؤسسة قبل سقوط النظام أو بعده، إلى قسمين، الأول مقرب من رؤية مشيخة العقل في دار عين الزمان حيث تتميز بعلاقة جيدة مع السلطات السورية وفق شروط ومحددات غير انفصالية، لكنها لا تحمل عداءً للرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري.
وتضم الفصائل المرحبة بسلطة دمشق، حركة رجال الكرامة، وتجمع أحرار الجبل، ومضافة الكرامة، وكتيبة سلطان الأطرش، ولواء الجبل، حيث توافق مواقفها من شيخي العقل الحناوي، وجربوع، بالإضافة إلى تبنيها موقف الباشا عاطف هنيدي، والأمير حسن الأطرش.
ويعتبر هنيدي شخصية بارزة في السويداء وينتمي إلى آل هنيدي في قرية المجدل في ريف السويداء، وتولى مقاليد الزعامة بعد والده فضل الله هنيدي، الملقب بأبي منصور، الذي نشط ضد الاحتلال الفرنسي، أما الأمير حسن الأطرش، أبو يحيى، الذي ينتمي إلى عائلة الأطرش التاريخية التي ترتبط جذورها بقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش.
وتظهر الفصائل المحلية مواقف إيجابية من السلطات السورية الجديدة، إذ لا تمانع التواصل معها، بشرط عدم دخول عناصرها، في حين، ترحب بالدعم اللوجستي، بما في ذلك الرواتب والآليات، لكنها تشترط أن يكون الاعتماد بالكامل على كوادر محلية في الضابطة العدلية والأمن العام، وتؤكد أن دورها يقتصر على حفظ أمن الجبل، والتصريحات الإسرائيلية بخصوص حماية الدروز لا تعنيها، وبالتالي تمثل موقف مشيخة العقل.
أما الفصائل التي تبنت مواقف الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، وتظهر عداءً ضد السلطات السورية في دمشق تضم كلًا من المجلس العسكري في السويداء، وقوات شيخ الكرامة، وقوات العليا، ودرع التوحيد، ولواء درع الدور، وتجمع سرايا الجبل، وجيش الموحدين، وقوى مكافحة الإرهاب.
وترفض الفصائل التنسيق مع دمشق، وتعتبرها سلطة ذات فكر متطرف لا تعترف بشرعيتها، وطالبت بنظام حكم فيدرالي كحل سياسي سوري، بينما لم توضح تلك الفصائل موقفها إزاء التصريحات الإسرائيلية المتعلقة في دعم الدروز، سواءً بالتأييد أو الرفض، كما هو حال موقف الهجري.
وظهرت دعوات الانفصال بشكل مباشر من قبل المجلس العسكري في السويداء، الذي تبنى دعوات صريحة للتحالف مع إسرائيل، ربما يعكس توافق “الهجري” مع الفصائل، خاصة بعد بياناته المضادة التي أصدرها ضد السلطات السورية التي اتهمها بالسلطة الإرهابية، معربًا عن استعداده للقتال، وطالب في تدخل المجتمع الدولي، مع الأحداث التي شهدتها منطقتي جرمانا وصحنايا.
ترويج انفصالي بأبعاد طائفية
شهدت جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق تصعيدًا أمنيًا مفاجئًا، أعاد إلى الواجهة هشاشة الوضع الداخلي السوري أمام أي استفزاز طائفي أو أمني، بعدما تحوّلت شرارة صوتية إلى مواجهات وسجال محتدم على الأرض، وسرعان ما دخلت أطراف خارجية على الخط، في محاولة لاستثمار التوتر وتوسيع هوامش النفوذ الإقليمي.
المواقف المتفاوتة بين الفصائل المحلية والمرجعيات الدينية في السويداء لعبت دورًا بارزًا في تهيئة الظروف لاستغلال الشحن الطائفي بغية تحقيق ذرائع انفصالية، حيث استغلت شخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي تلك الهوامش لشحن الشارع في السويداء وترويج فكرة الانفصال والتقرب من إسرائيل، مستغلةً وسائلًا سياسية واجتماعية واقتصادية.
كشف تحقيق موسع أعدته شبكة إيكاد، في أواخر أبريل/نيسان الماضي، أن إعلان التوظيف الإسرائيلي لم يكن سوى جزء من حملة تقودها شبكة منظمة تروّج لانفصال السويداء تحاول تغيير الواقع السياسي بالجنوب السوري، حيث كشف التحقيق عن شبكة مكونة من صفحات سورية وشخصيات إسرائيلية تنسيقًا واضحًا بينهما لدفع الرواية الانفصالية.
واعتمدت الحملة على استغلال اقتصادي للأوضاع في السويداء وتضخيم إعلامي وتحركات سياسية، وبالتالي فإن تلك الحسابات لم تكن عشوائية، بل شبكة متماسكة تتحرك بأهداف محددة وتعمل على إعادة صياغة هوية الجنوب السوري تحت غطاء الانفصال.
#تحقيقات🧵| بدأ الأمر بإعلان عابر.. لكنه قاد إلى شبكة منظمة من سوريين وإسرائليين تتحرك بين السياسة والإعلام، مستغلة الأوضاع الاقتصادية الهشة لدفع الجنوب السوري نحو واقع جديد.
🔻تحركات مكثفة لشخصيات درزية محلية وجهات خارجية، تشكّلت في الظل لدعم انفصال السويداء والتدخل الإسرائيلي.… pic.twitter.com/Oa9B0MClyv
— EekadFacts | إيكاد (@EekadFacts) April 30, 2025
بينما كشف الجزء الثاني من التحقيق أن الشبكة لم يقتصر دورها على الترويج والدعاية الإعلامية للانفصال، وإنما امتد إلى أبعاد عسكرية ميدانية، حيث شارك فصيل بيرق سليمان بن داوود في محاولة الهجوم المسلح على دمشق عقب أحداث جرمانا وصحنايا، حسب منشورات رصدها فريق التحقيق، أثبتت إصابة قائد البيرق، ماجد أبو راس جراء الاشتباكات.
لكن بعد التهدئة وتوافق مواقف الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، ومشيخة العقل والفصائل العسكرية الكبرى في المحافظة، توصلوا إلى اتفاق مع السلطات السورية، يقضي في عدم دخول قوات الأمن العام إلى محافظة السويداء، وتفعيل الضابطة العدلية والشرطة من أبناء محافظة السويداء، دون أن يشمل الاتفاق مسألة تسليم سلاح الفصائل.
ختامًا.. التعقيدات الفصائلية والمرجعيات الدينية مواقفها المتبدلة في محافظة السويداء، غير المبررة، كانت سببًا رئيسيًا في نشوء حالة الاستقطاب الطائفي الذي ولد حالة احتقان شعبي بين المكونات السورية، لذلك يعد توافقها ضمن مواقف موحدة، وتسليم سلاح الفصائل وتسليم الملفات الأمنية والعسكرية لمؤسسات الدولة السورية، يسهم بشكل كبير في استعادة استقرار المحافظة.