ترجمة وتحرير: نون بوست
تُعرف مدينة نابولي الساحلية في إيطاليا بأنها مدينة المقاومة والتمرد عبر تاريخها الحافل. ففي كتابهما الهيدرا ذات الرؤوس المتعددة: التاريخ الخفي للأطلسي الثوري، خصص المؤرخان بيتر لاينبو وماركوس ريديكر فصلًا لانتفاضة سنة 1647 التي قادها بائع السمك توماسو أنييلو، المعروف باسم ماسانييلو.
وخلال ثورة ماسانييلو، انتفض شعب نابولي وانتزع السلطة من حكامه الإسبان وأسس جمهورية حرة وديمقراطية. وقد ألهمت هذه الثورة المؤقتة انتفاضات وتمردات في أنحاء مختلفة من العالم مع انتشار أخبارها عبر طرق الملاحة. ويتميز شعب نابولي بالنزعة الفوضوية والعفوية، وبشخصية تنسجم مع الجمال الدرامي للمناظر الطبيعية الساحلية البركانية، التي يعتبرها كل من زارها من أجمل الأماكن على وجه الأرض.
وتعتبر نابولي مدينة تنبض بروح المقاومة عندما يتعلق الأمر بفلسطين أيضًا. فقد تداخلت فكرة التضامن مع فلسطين والتعبير عنه في نسيج المدينة على مدار عقود، قبل وقت طويل من التصعيد المروّع للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني الذي نشهده منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وبفضل الجهود المخلصة التي تبذلها الجالية الفلسطينية المحلية والمجتمع المدني، أقامت نابولي برنامج توأمة مستدام مع مدينة نابلس الفلسطينية، حيث تشترك المدينتان في اسم مستمد من العهد الروماني القديم. وخلال الأشهر الماضية، شهدت المدينة عددًا لا يحصى من التظاهرات والمعارض الفنية وعروض الأفلام والندوات والعروض المسرحية والحفلات الموسيقية، وفعاليات وتعبيرات تضامن من جميع الأنواع، كان من أبرزها الحفل الموسيقي الكبير “الحياة من أجل غزة”، الذي كُتب عنه في صفحات كاونتر بانش.
ويجسّد شعب نابولي روح التضامن الإنساني والديمقراطية المباشرة من القاعدة إلى القمة، مما يجعلها مكانًا طبيعيًا لصرخة موحدة ضد الأيديولوجية الصهيونية القائمة على العنصرية والاستعمارية والقومية والتفوق. وليس مستغربًا على من يعرف نابولي أن يجد مطعم تافرنا دي سانتا كيارا، وهو مطعم يتبنى مفهوم “الأطعمة البطيئة”، يدعم حركة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل بسبب نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية الذي تمارسه، ويعتبر نفسه مكانًا آمنًا من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وخطابه المليء بالكراهية. ومع ذلك، ربما فاجأت حقيقة نابولي بعض المحرضين الصهاينة والسياح الإسرائيليين. وفيما يلي كلمات نيفيس موندا، صاحبة المطعم:
“في يوم السبت 3 مايو/ أيار، تعرضنا لحادثة ترهيب من قبل إحدى الزبائن التي، بعد تناولها الغداء في مطعمنا، بدأت تتحدث بصوت مرتفع، ملمّحة بوضوح إلى تأييدها لجرائم الحكومة الإسرائيلية الدولية ضد الشعب الفلسطيني. وفي تلك اللحظة، وبوصفنا مواطنين أصحاب ضمير، أوضحنا أننا ندين الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين باعتبارها جريمة ضد الإنسانية.
وعلى الفور، بدأت السائحة تتهمنا بمعاداة السامية، وبأننا ندعم الشعب الفلسطيني الذي وصفته، حسب تعبيرها، بأنهم إرهابيون، ومن ثم اتهمتنا بدعم الإرهاب وبدأت تصرخ مرارًا وتكرارًا بأننا مؤيدون للإرهاب.
وفي هذه الأثناء، بدأت السائحة بتصويرنا وتصوير موظفينا وزبائن آخرين دون موافقة الأشخاص الذين تم تصويرهم، بما في ذلك قُصَّر من عائلة أحد الزبائن، ثم نشرت الفيديو على شبكة الإنترنت، وهو ما يُعتبر جريمة، وشهّرت بنا متهمة إيانا بدعم الإرهاب ومعاداة السامية، وهي جريمة أخرى، مما أطلق العنان لحملة كراهية أسفرت حتى الآن عن رسائل مجهولة تتضمن تهديدات بـ: 1) أعمال انتقامية، 2) وتدمير المقر، 3) واعتداءات جسدية على المالكة والعاملين، 4) والتهديد باغتصاب المالكة، وكلها أفعال إجرامية.
مسؤوليتنا الوحيدة هي أننا اتخذنا موقفًا في إطار حملة “مساحات خالية من الفصل العنصري الإسرائيلي”، وضد الإبادة الجماعية المستمرة بحق الفلسطينيين.
ونظرًا لحملة الكراهية التي تم إطلاقها على وسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات التي تلقيناها، والتي تهدف أيضًا إلى تقويض سلامتنا الشخصية بالإضافة إلى سير عملنا، سنقوم بتقديم شكوى رسمية.
قام محامونا أيضًا بتقديم بلاغ بشأن جميع حملات التشهير على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحافة التي تتهمنا “زُورًا” بطرد أي شخص من مؤسستنا، كما يتضح من نفس الفيديو الذي نشره الزوجان.
في مطعمنا، الذي طالما رحب بجميع الجنسيات والأديان والأعراق، لا يمكننا ولن نسمح بأي شكل من أشكال العنصرية، سواء كانت مستوحاة من معاداة السامية، أو الإسلاموفوبيا، أو، كما في هذه الحالة، العنصرية ضد الفلسطينيين.
ويبدو أن الزوجين من السياح الإسرائيليين الصهاينة على علاقة جيدة في نابولي، وقاما على الفور بالاتصال بقيادة المجتمع اليهودي المحلي الذي أطلق بدوره حملة تشهير في وسائل الإعلام المحلية وتواصل مع أعضاء الحكومة المحلية. والتقى مستشار السياحة المحلي لمدينة نابولي مع السياح الإسرائيليين لتناول القهوة وقدم لهما اعتذاره نيابة عن الإدارة المحلية.
وفي هذه الأثناء، انتشر الفيديو الذي يظهر بوضوح العدوان الذي ارتكبه هؤلاء الصهاينة ضد نيفيس وموظفي المطعم بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم نشره على نطاق واسع في الإعلام المحلي والدولي في صحيفتي جيروزاليم بوست وتايمز أوف إسرائيل. ثم تبين أن هؤلاء السياح الصهاينة أنفسهم كانوا قد اعتدوا لفظيًا على تظاهرة تضامنية مع فلسطين نظمتها حركة “نساء بالأسود” الدولية في مدينة باري الساحلية جنوب إيطاليا قبل قدومهم إلى نابولي. والآن، تم كشف الزوجين، جيلواه وراؤول موسى، كمحرضين متسلسلين.
وتعمل آلة الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) بشكل نشط حول العالم من خلال المنظمات اليهودية المحلية ومن خلال السفارات والقنصليات الإسرائيلية لتشويه أي انتقاد لإسرائيل أو الصهيونية عن طريق تحريفه وتشويه ووصمه بمعاداة السامية. وتعتبر هذه الهاسبارا هي الطريقة الصهيونية لتطبيع سياسات الإبادة الجماعية للدولة الصهيونية وطبيعة الأيديولوجية الصهيونية العنصرية.
لقد تم الإبلاغ والتوثيق على نطاق واسع أن إسرائيل خصصت ميزانية تزيد عن 157 مليون دولار سنويًا لنشر الهاسبارا والدعاية الصهيونية في جميع أنحاء العالم وتقوم بذلك مع طاقم مدفوع الأجر يضم الآلاف مهمتهم الوحيدة هي تطبيع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومواصلة تنفيذ المشروع الصهيوني المتمثل في إنشاء “إسرائيل الكبرى” التي وعدهم بها الله، ويسميها هؤلاء المتعصبون الدينيون يهودا والسامرة. وحتى الآن، كانت هذه الحملة تعمل بشكل جيد جدًا لصالح إسرائيل، حيث نرى الحكومات الغربية تتجاهل القانون الدولي بينما تواصل إسرائيل تجويع أكثر من 2 مليون شخص في غزة وتتابع حملتها للتطهير العرقي في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وتتوسع أكثر في لبنان وسوريا.
ولكن في نابولي، الناس لا يقبلون بذلك! ففي مساء يوم الثلاثاء 6 مايو/ أيار، أي بعد يوم واحد فقط من انتشار هذه القصة، تم تنظيم مظاهرة حاشدة أمام بلدية نابولي حضرها الآلاف من الناس، مطالبين بالتضامن مع أصحاب المطعم وبموقف واضح من الحكومة المحلية يدين جرائم إسرائيل ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. وتم إطلاق حملة في المدينة تؤكد بشكل قاطع وقوي أن الصهاينة غير مرحب بهم في نابولي وأن شعب نابولي يتضامن مع شعب فلسطين. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، 9 من أصل 10 تعليقات من بين آلاف التعليقات من الأشخاص أظهرت تدفقًا هائلًا من الدعم لمطعم تافيرنا دي سانتا كيارا وإنهاء الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وقد التقى مسؤولو الإدارة المحلية ورئيس البلدية والمستشار السياحي بممثلين عن الجالية الفلسطينية وصاحب المطعم في السابع من مايو/ أيار. وقد أصدرت الإدارة لاحقًا بيانًا أعربت فيه عن تضامنها مع مطعم تافيرنا دي سانتا كيارا وعبّرت عن قلقها لما يحدث للسكان المدنيين في غزة، لكن هذا البيان لم يرضِ أو يلبي توقعات المجتمع المحلي. وكما قال عمر سليمان، أحد مؤسسي الجالية الفلسطينية: “إنهم يتحدثون عن الإبادة الجماعية في غزة وكأنها كارثة طبيعية دون حتى ذكر اسم إسرائيل ودون إدانة للجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق شعبنا”.
وفي الوقت نفسه، فإن رسالة شعب نابولي واضحة وصدى صوتها يتردد في جميع أنحاء إيطاليا والعالم. فبعد أن أعلنت جزر المالديف أنها لن تسمح لحاملي جوازات السفر الإسرائيلية بدخول بلدهم بعد الآن في إظهار قوي للتضامن والدفاع عن العدالة وإعلاء القانون الدولي، بدأت بالفعل حملة شعبية لتوضيح أن الصهاينة غير مرحب بهم في نابولي. وقد تم الآن طباعة أكثر من 5000 ملصق بجزء صغير من العائدات التي تم جمعها في الحملة الأخيرة التي أطلق عليها عنوان “100 بالمائة من أجل غزة” والتي جمعت أكثر من 100,000 يورو في 100 ساعة لصالح المنظمات غير الحكومية التي تعمل على الأرض وتحت القنابل وفي حقول الأنقاض.
وشملت هذه الحملة الوطنية أكثر من اثني عشر فعالية في جميع أنحاء منطقة نابولي الحضرية. ونحن في نابولي نؤمن إيمانًا راسخًا وحازمًا بأن الوقت قد حان لفضح الأيديولوجية الصهيونية الوحشية والتي تدعم الإبادة الجماعية، وجعل الصهاينة غير مرحب بهم في كل مكان يتواجدون فيه في العالم ولوقف هذه الإبادة الجماعية بأي طريقة ممكنة. إن نابولي تقف “100 بالمائة مع غزة .. وإن الصهاينة غير مرحب بهم”.
المصدر: كاونتر بانش