يستهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أولى جولاته الخارجية في ولايته الثانية، بزيارة منطقة الخليج العربي، والتي من المقرر أن تنطلق الثلاثاء، الثالث عشر من مايو/أيار الجاري وتستمر حتى الجمعة، السادس عشر من نفس الشهر، وتشمل السعودية والإمارات وقطر، وسط حالة ترقب لما يمكن أن تٌسفر عنه تلك الجولة.
وتأتي تلك الزيارة المرتقبة في ظل توترات جيوسياسية حرجة تشهدها الخارطة الدولية، والشرق أوسطية على وجه التحديد، حيث الحرب في غزة والتصعيد الهندي الباكستاني والمشهد المرتبك في لبنان وسوريا، والتعقيدات الخاصة بالمفاوضات الروسية الأوكرانية، وانطلاق جولات الحوار الأمريكي الإيراني، والتطورات على الساحة اليمنية وتداعياتها على الملاحة في البحر الأحمر، والمخاوف المتصاعدة من حرب الرسوم الجمركية التي أشعلها الرئيس الأمريكي، وهو ما منحها مزيدًا من الزخم مقارنة بجولاته السابقة للمنطقة في ولايته الأولى.
وفي ضوء العقلية التجارية التي تهيمن على الرئيس الأمريكي الذي يعتبره البعض “سمسار محترف”، وفي ظل تلك الأجواء الملتهبة من المتوقع أن تكون طاولة المناقشات وجدول الأعمال دسم للغاية بالعديد من الملفات الإقليمية والدولية المتوقع طرحها ومناقشتها، متأرجحة بين ما هو اقتصادي وسياسي وأمني.
البيت الأبيض : مواعيد زيارة الرئيس ترامب للشرق الأوسط ستكون في الفترة من 13 إلى 16 مايو، وستكون للسعودية ثم قطر والإمارات. pic.twitter.com/OYBtHi3JMC
— 🇺🇸محمد|MFU (@mfu46) April 22, 2025
الاقتصاد على رأس الأولويات
يتصدر ملف الاقتصاد قائمة الملفات المُدرجة على جدول أعمال تلك الجولة التي يحاول من خلالها ترامب العودة بعشرات الصفقات التي تٌنعش اقتصاد بلاده بتريليونات الدولارات، وهو ما كان ألمح له بشكل مباشر وعلني قبل ذلك، فالرجل يتعامل بمنطق رجل الأعمال الذي لا يشبع من إبرام الصفقات والمشروعات والحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب
في يناير/ كانون الثاني الماضي، طلب ترامب من الجانب السعودية استثمارات بقيمة تريليون دولار وذلك بعدما كشف ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، محمد بن سلمان، عن رغبة بلاده في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربعة المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للزيادة في حالة توافر فرص إضافية.
وفي مارس/أذار الماضي أعلن البيت الأبيض أن الإمارات قد التزمت بإطار استثماري مدته 10 سنوات بقيمة 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة، وذلك بعد لقاء مسؤولين إماراتيين كبار بالرئيس الأمريكي، فيما يتوقع أن تحذو قطر المسار ذاته، في ظل مساعي المغازلة للإدارة الأمريكية الجديدة والبحث عن فرص استثمارية تعمق العلاقات الأمريكية الخليجية.
ومن المتوقع أن تشهد المملكة انعقاد منتدى الاستثمار تزامنا مع زيارة ترامب، والذي يشارك فيه عدد من ممثلي الشركات الأميركية الكبرى، أبرزهم الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، لاري فينك، والرئيس التنفيذي لشركة بالانتير، أليكس كارب، إلى جانب الرؤساء التنفيذيين لشركات سيتي غروب، وآي بي إم، وكوالكوم، وألفابت، وفرانكلين تمبلتون، وغيرها. كما سيحضر ديفيد ساكس، الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في البيت الأبيض، وتشير التقديرات إلى احتمالية إبرام عشرات الصفقات الأمريكية الخليجية في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة والألمنيوم.
وفي سياق إنعاش الخزائن الأمريكية بالمال الخليجي، يتوقع أن يناقش ترامب خلال تلك الجولة عقد صفقات شراء للأسلحة الأميركية مع الدول الخليجية، خاصة السعودية، فوفق ما نقلته وكالة “رويترز” يعتزم الرئيس الأمريكي عرض صفقة أسلحة على المملكة بقيمة تتجاوز تتعدى 100 مليار دولار، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من إقرار وزارة الخارجية الأميركية إمكانية بيع صواريخ جو-جو من طراز إيه.آي.إم-120سي-8 المتطورة متوسطة المدى للسعودية بالإضافة إلى وسائل الدعم ذات الصلة مقابل 3.5 مليار دولار، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع “البنتاغون”.
الطاقة.. المعضلة المستمرة
لطالما كانت الطاقة أحد أهم الملفات التي تضبط العلاقات الأمريكية الخليجية، خاصة بعد الأزمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة جراء ارتفاع أسعار الوقود أو العبث بخارطة إنتاجه، وهو الملف الذي تجيد بلدان الخليج توظيفه بشكل احترافي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية.
ولم ينس ترامب ولا الشارع الأمريكي ما تعرضت له الولايات المتحدة جراء أزمة الطاقة خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، ما دفعه للرضوخ والتخلي عن مواقفه المتشددة إزاء السلطات السعودية والذهاب إليهم مدفوعًا بأمنيات تخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج، وهو ما لم يفعله الخليجيون مما أثر بشكل كبير عن العلاقات الخليجية الأمريكية من جانب وعلى الاقتصاد الأمريكي من جانب أخر.
ومن المحتمل أن يمارس الرئيس الأمريكي ضغوطه على دول أوبك بقيادة السعودية لضخ المزيد من النفط من أجل خفض الأسعار على المستهلك الأمريكي، هذا في الوقت الذي نقلت فيه وكالة “رويترز” عن مصادر عدم استعداد الرياض لدعم سوق النفط بتخفيضات جديدة في الإنتاج، وأنها تستطيع تحمل تراجع الأسعار لفترة طويلة، وكانت مجموعة أوبك+ المصدرة للنفط، قد قررت في أوائل هذا الشهر، زيادة الإمدادات بمقدار 411 ألف برميل يومياً في يونيو/ حزيران.
ملف غزة والقضية الفلسطينية
سيكون الملف الفلسطيني ضمن الملفات الأكثر حضورًا على طاولة النقاش الأمريكي الخليجي خلال تلك الجولة، حيث بدأت إدارة ترامب في التحرك بشكل منفرد من أجل التوصل إلى حل لتلك الأزمة ووقف الحرب الممتدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك بعد التداعيات السلبية على صورة الولايات المتحدة جراء الانصياع لرؤية رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو الذي يتحرك في هذا الملف لصالح حسابات خاصة.
وتشير الكثير من التكهنات إلى احتمالية أن يفجر ترامب مفاجأة من العيار الثقيل بالإعلان عن قيام دولة فلسطينية، وهي الأنباء غير المؤكدة والتي ربما تكون مستبعدة في ظل المؤشرات التي تشهدها الساحة مؤخرًا، حيث الدعم الأمريكي المطلق للكيان المحتل في حرب الإبادة التي يشنها ضد غزة لأكثر من 17 شهرًا.
وقبيل انطلاق الجولة خرجت الكثير من التصريحات من البيت الأبيض وبعض التسريبات الإعلامية عن خطة أمريكية لإدخال المساعدات لقطاع غزة، في خلخلة لافتة لهذه المسألة المجمدة منذ أسابيع، حتى في ظل التحفظ من قبل البعض على آلية الدخول ومدى انصياعها للرؤية الإسرائيلية بشأن الحيلولة دون وصول تلك المساعدات لفصائل المقاومة والتدخل بشكل مباشر في توزيعها.
وتتناثر بعض التقارير الإعلامية حول احتمالية مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن، في الاجتماعات التي من المتوقع أن يعقدها ولي العهد السعودي مع الرئيس الأمريكي، من أجل مشاركة سبل الخروج من هذا المأزق والبحث عن حل لإنهاء الحرب يضمن عدم مشاركة حماس وأن يكون للسلطة دورًا في إدارة القطاع.
ووفق ما ذكر مقربون من ترامب فإنه مشغول وبشكل كبير بمسألة حصوله على جائزة نوبل للسلام هذا العام، معتبرًا أن جهوده في حال إنهاء الحرب في غزة قد تكون السبيل لتحقيق هذا الحلم، لكن دون تفاصيل حول كيفية الإنهاء وما المقابل ومدى التزامه بالمقاربة الإسرائيلية بشأن هذا الأمر.
سوريا ولبنان
سوريا الجديدة التي تحررت لتوها من براثن نظام ديكتاتوري جثم على صدور أبنائها أكثر من خمسة عقود، محملة بأحلام الحرية والاستقلالية والعدالة، من المتوقع ان تكون هي الأخرى حاضرة وبقوة على طاولة النقاش، رغم التحديات والعراقيل والتحفظات التي تواجه الإدارة الجديدة.
فمن المتوقع أن تبحث الدول الخليجية مع الرئيس الأمريكي مسألة رفع العقوبات الأمريكية التي كانت قد فٌرضت إبان عهد الأسد البائد، وتعزيز جهود الدعم الذي تحتاجه عمليات إعادة الإعمار بعد الحرب التي استمرت لنحو 14 عاماً، خاصة مع ما تعانيه من وضع اقتصادي صعب حاصة في ظل هذه العقوبات.
هذا بخلاف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في الداخل السوري والتي يٌرجح أن تكون ضمن قائمة مطالب ستتقدم بها الدول الخليجية خلال تلك الجولة، خاصة بعد التصريحات الصدامية والمتشددة من الجانب الإسرائيلي والتي تٌشعل الأجواء وتزيد التوتر الحدودي وتضع الأمن والسلم الإقليمين على المحك، وهو ما يمكن سحبه كذلك على الساحة اللبنانية التي ربما تكون حاضرة ضمن جهود التهدئة الإقليمية.
الملف النووي الإيراني
نجحت إدارة ترامب في خرق الجمود في الملف النووي الإيراني بشكل غير متوقع، حيث شاركت في جولات تفاوضية استثنائية غير مباشرة، ما بين مسقط وروما، كان لها أثرها الواضح في تهدئة حدة التوتر بين البلدين والحديث عن أجواء إيجابية تخيم على المشهد التفاوضي رغم التحديات والعراقيل التي حالت دون التوصل إلى حلحلة سريعة في هذا الملف.
ورغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والتلويح بين الحين والأخر باللجوء إلى الخيار العسكري حال فشلت المفاوضات، إلا أن كلا الطرفين يحرص على التزام خطوطه الحمراء خاصة بعد المرونة الأقرب للخضوع التي أبدتها طهران بعد الضربات التي تلقتها مؤخرًا والخسائر التي منيت بها وأذرعها في المنطقة وما نجم عنها من تراجع واضح في النفوذ التقليدي.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قد استبق زيارة ترامب، بجولة للسعودية وقطر، السبت 10 مايو/أيار الجاري، في محاولة لإيصال رسائل الطمأنة بشأن الانخراط في المشهد الإقليمي والدولي، بجانب مغازلة الرياض والدوحة بممارسة نفوذهما لتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن خلال زيارة الرئيس الأمريكي.
وعليه يتوقع أن يستحوذ هذا الملف على مرتبة متقدمة من جدول أعمال الزيارة في ظل مساعي ترامب البحث عن انتصار دبلوماسي يُجمل به صورته التي تعرضت لتشوهات عدة في ظل فشله في تحقيق أي من الوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، ما انعكس على أداءه العام وشعبيته لدى الشارع الأمريكي.
وعلى مسافة ليست بالبعيدة من الملف الإيراني، يتوقع أن يحظى الملف الحوثي باهتمام مواز، في ظل مساعي واشنطن تأمين الملاحة في البحر الأحمر، بعد الخسائر التي تعرضت لها بسبب هذا التصعيد الذي قامت به حركة الحوثيين إسنادًا لجبهة غزة ودعما للمقاومة، وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت مؤخرا عن اتفاق ثنائي –بمعزل عن الحكومة الإسرائيلية- مع الحوثيين يتضمن عدم التعرض للسفن الأمريكية في البحر الأحمر مقابل وقف العمليات العسكرية الأمريكية ضد اليمن.
الحرب الأوكرانية
الملف الأوكراني ومساعي إنهاء الحرب المشتعلة بين كييف وموسكو المندلعة منذ فبراير/شباط 2022 من المرجح أن يكون مطروحا على طاولة النقاش خلال زيارة ترامب، خاصة في ظل المفاوضات التي تجريها واشنطن مع كلا البلدين بشكل منفرد، من أجل محاولة التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتشير التوقعات إلى احتمالية أن يحث الرئيس الأمريكي قادة دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات، على تعزيز دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، وتوظيف ما لديهم من نفوذ اقتصادي وعلاقات جيدة تربطهم مع البلدين، من أجل إنهاء الحرب وتقريب وجهات النظر بينهما تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق يٌنهي القتال.
وكانت الرياض قد استضافت قبل أيام مفاوضات سابقة بين البلدين، اتسمت بالإيجابية، فيما دعا ترامب الخميس 8 مايو/أيار الجاري إلى وقف إطلاق نار غير مشروط بين كييف وموسكو تستمر لمدة 30 يوماً، وهو ما وافق عليه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تصريح رسمي له، فيما لم يبد الجانب الروسي أي رد بشأنه.
من المبكر تقييم تلك الجولة التي ليس من المعروف حتى كتابة تلك السطور ما إذا كانت ستشمل إسرائيل أم لا، في ظل تآكل الثقة بين ترامب ونتنياهو، إلا أن المؤكد أن الرئيس الأمريكي يضع نصب عينيه في المقام الأول العودة محملا بعشرات الصفقات التي تٌنعش اقتصاد بلاده من جانب، والبحث عن انتصارات سياسية ودبلوماسية يجمل بها صورته وربما يضع بها أولى أقدامه على أعتاب حلم نوبل الذي يراوده منذ ولايته الأولى.