ترجمة وتحرير: نون بوست
يتطلع دونالد ترامب إلى إنجاز مكسب كبير في السياسة الخارجية، إذ يتأهب للقيام بجولته في الشرق الأوسط هذا الأسبوع. بالفعل، بإمكانه أن يضمن مكسبًا – وينقذ الكثير من الأرواح – من خلال مطالبة إسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق نار دائم مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة.
قد يفضل تجنب الموضوع، ولكن لا يوجد زعيم آخر بيده القدرة على إجبار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إنهاء هذه الحرب. أما فيما لو قام السيد ترامب، بدلًا من ذلك، بدعم المقترحات الإسرائيلية الحالية، فإنه سوف يضع ختم الولايات المتحدة على ما يبدو أنها خطة للتدمير الشامل.
لقد قتلت هجمات إسرائيل حتى الآن ما يربو على 52 ألف شخص في غزة، بحسب إفادة السلطات الصحية المحلية – الأغلبية العظمى منهم من المدنيين، وكثيرون منهم من الأطفال. دمرت تمامًا المخابز والمستشفيات والمدارس، وحيل بين المساعدات والدخول إلى غزة لما يقرب من شهرين. والآن تواجه غزة المجاعة.
في الأسبوع الماضي، صرح المسؤولون الإسرائيليون بإنه إذا لم يتم التوصل إلى صفقة لتحرير الرهائن الذين أسروا في الفظائع التي ارتكبتها حماس يوم السابع من أكتوبر 2023، فإن قواتهم سوف تمسح غزة تمامًا وتجبر الفلسطينيين على التجمع في “منطقة إنسانية” واحدة أو تلجئهم إلى الهرب إلى الخارج. وقال وزير المالية الإسرائيلي، بيزاليل سموتريتش، إن غزة سوف “تدمر عن بكرة أبيها” ولسوف يدرك الفلسطينيون الذين تملكهم اليأس تمامًا أنه لا يوجد أمل. بل قال إن تحرير الرهائن “ليس هو الشيء الأهم.”
قال جوزيف بوريل، المسؤول السابق للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: “يندر أن تسمع زعيم دولة يتحدث بكل وضوح عن تنفيذ خطة ينطبق عليها التعريف القانوني للإبادة الجماعية.” وكانت محكمة العدل الدولية قد حكمت في يناير (كانون الثاني) الماضي بأنه ثمة “خطر معقول” بوقوع إبادة جماعية، بينما خلصت كل من منظمة العفو الدولية ولجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة، وعدد من كبار العلماء، بما في ذلك داخل إسرائيل نفسها، إلى أن الإبادة الجماعية واقعة بالفعل.
كثيرون داخل إسرائيل، بما في ذلك أناس ناقدون للحكومة، أسخطتهم تلك التهمة. تعرّف معاهدة الأمم المتحدة حول الإبادة الجماعية تلك الجريمة بأنها أعمال ترتكب “بنية القيام، كليًا أو جزئيًا، بتدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية.” وتشتمل هذه الأعمال على القتل وفرض أوضاع مهددة للحياة.
ولهذا فإن الحديث العلني والصريح عن التدمير التام لغزة، والسعي لإخلاء سكانها منها كهدف بدلًا من أن يكون ذلك أحد تداعيات الحرب، وتدمير وسائل الحفاظ على الحياة، لا يبدو أنه مجرد عمل وحشي وإنما مشروع إبادة عن عمد. وكانت كل من مصر والأردن قد رفضتا استقبال اللاجئين، وقالتا إنهما لو قبلتا بذلك فسوف تكونان متواطئتين في ارتكاب جرائم حرب.
تؤكد الأدلة القانونية، بشكل لا لبس فيه، وقوع عملية إبادة جماعية. كانت واشنطن خلال العقد المنصرم قد أعلنت وقوع إبادة جماعية أربع مرات – في العراق وسوريا، وفي ماينمار، وفي زينجانغ في الصين، وفي السودان – دون انتظار أن يصدر حكم عن القضاة في ذلك.
يتحرك القانون الدولي ببطء، والموقعون على المعاهدة، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا، مطلوب منهم ليس فقط معاقبة من يرتكب الإبادة الجماعية بل والتدخل لمنعها. أما محكمة الرأي العام فقد أصدرت حكمها. كثيرًا ما يزعم أنصار إسرائيل إنه يتم إخضاعها لمعيار غير منصف. ولكن إسرائيل تتمتع بالحماية الدولية ليس فقط بسبب تاريخ المحرقة، وإنما أيضًا لأنها دولة ديمقراطية ولأنها حليف غربي. كما أنها تمكّن من القيام بأفعالها بفضل ما تحصل عليه من مساعدة عسكرية هائلة وغطاء سياسي كبير من الولايات المتحدة.
والآن، ها هي تخطط لغزة بدون فلسطينيين. وماذا يمكن اعتبار ذلك إن لم يكن إبادة جماعية؟ فمتى تتصرف الولايات المتحدة وحلفاؤها لوقف هذا الرعب، إن لم يكن الآن؟
إن الذي جرأ الحكومة الإسرائيلية على المضي فيما ترتكبه هو عدم مبالاة السيد ترامب بأرواح الفلسطينيين واهتمامه بنقلهم إلى مكان آخر من أجل تحويل غزة إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”. ومع ذلك لم يزل بإمكانه استخدام القوة التي لا يملكها سواه لوقف الإبادة. إن هذه هي فرصته لصناعة التاريخ في الشرق الأوسط، ولغايات سوية.
المصدر: الغارديان