ترجمة وتحرير: نون بوست
أقرّ بعض المسؤولين العسكريين الإسرائيليين بشكل غير علني أن الفلسطينيين في غزة يواجهون مجاعة واسعة النطاق ما لم تُستأنف عمليات إدخال المساعدات خلال أسابيع، وذلك وفقًا لثلاثة مسؤولين عسكريين مطّلعين على الأوضاع في القطاع.
على مدى أشهر، أكدت “إسرائيل” أن الحصار المفروض على الغذاء والوقود في غزة لا يشكّل تهديدًا كبيرًا على حياة المدنيين في القطاع، وذلك رغم تحذيرات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى من أن المجاعة تلوح في الأفق.
لكن ضباط في الجيش الإسرائيلي ممن يراقبون الأوضاع الإنسانية في غزة حذّروا قادتهم في الأيام الأخيرة من أنه إذا يتم رفع الحصار سريعًا، فمن المرجح أن تنفد المواد الغذائية في العديد من مناطق القطاع بما يكفي لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية اليومية، وذلك وفقًا لمسؤولين في وزارة الدفاع، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم نظرًا لحساسية المعلومات.
ولأن الأمر يستغرق وقتًا لتوسيع نطاق إيصال المساعدات الإنسانية، قال الضباط إن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات فورية لضمان دخول المساعدات بسرعة كافية لمنع حدوث مجاعة.
يأتي هذا الاعتراف المتزايد داخل بعض أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بوجود أزمة مجاعة في غزة في الوقت الذي تعهدت فيه إسرائيل بتوسيع نطاق الحرب لتدمير حماس وإعادة بقية الرهائن، وهما هدفان لم يتحققا حتى الآن رغم مرور أكثر من 19 شهرًا على اندلاع الحرب.
ويوم الثلاثاء، أبدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موقفًا متصلبًا، معلنًا أن الجيش سيستأنف القتال في الأيام القادمة “بكامل قوته لإنهاء المهمة” و”القضاء على حماس”.
جاء تصريح نتنياهو في اليوم ذاته الذي شهد وصول الرئيس ترامب إلى السعودية، ضمن أول رحلة خارجية كبيرة له منذ إعادة انتخابه. ولا يعتزم ترامب زيارة إسرائيل، مما يسلط الضوء على اتساع الفجوة بين الزعيمين اللذين يتصاعد خلافهما بشأن بعض القضايا الأمنية الأكثر أهمية التي تواجه إسرائيل.
وكشف تحليل المسؤولين العسكريين عن وجود فجوة بين موقف إسرائيل العلني بشأن وقف تدفق المساعدات والنقاشات الداخلية. يُظهر ذلك أن بعض الأطراف في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد توصلت إلى نفس الاستنتاجات التي توصلت إليها كبرى المنظمات الإنسانية، وقد حذرت هذه الأطراف منذ شهور من المخاطر التي يشكلها الحصار.
ويسلط التحليل أيضًا الضوء على مدى خطورة الوضع الإنساني في غزة، فقد أغلقت معظم المخابز أبوابها، وأُغلقت مطابخ الجمعيات الخيرية، وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يوزع المساعدات وينسق الشحنات، إن مخزونه من المواد الغذائية قد نفد.

يوم الاثنين، حذرت مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وهي مبادرة مدعومة من الأمم المتحدة تراقب سوء التغذية، من أن المجاعة أصبحت وشيكة في غزة. وقالت المبادرة في تقرير موجز إن استمرار إسرائيل في التصعيد العسكري المخطط له في غزة، يعني أن “الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة لن يتمكنوا من الحصول على الغذاء والماء والمأوى والدواء“.
ورفض الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع التعليق على توقعات الضباط الإسرائيليين بشأن الوضع الغذائي في غزة. وقال أورين مارمورشتاين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، إنه لا يستطيع الإفصاح عن تفاصيل المناقشات الداخلية، لكنه أكد أن الوزارة على اتصال بـ”جميع الوكالات المعنية بشكل يومي مستمر” وتتابع الوضع في غزة عن كثب.
وتعد القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات إلى غزة واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الحرب. فقد قطعت إسرائيل الإمدادات عن غزة في مارس/ آذار، قبل وقت قصير من خرق الهدنة مع حركة حماس التي لا تزال موجودة بقوة في غزة رغم خسارة الآلاف من المقاتلين وفقدان السيطرة على عدة مناطق خلال الحرب.
وقالت إسرائيل إن الهدف من الحصار هو الحد من قدرة الحركة المسلحة على الوصول إلى الغذاء والوقود المخصص للمدنيين والاستفادة منه. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى إنه من المرجح أن تنهار حماس خلال العملية الجارية حاليا أو على الأقل تطلق سراح المزيد من الرهائن الذين أسرتهم خلال هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ونوقش الحصار في اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء، دعت إليه بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى. وأكد توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، أن إسرائيل تفرض “عمدًا ودون خجل” ظروفًا غير إنسانية على المدنيين في غزة والضفة الغربية.
وسأل فليتشر: “ما الدليل الإضافي الذي تحتاجونه الآن؟ هل ستتصرفون – بشكل حاسم – لمنع الإبادة الجماعية وضمان احترام القانون الدولي الإنساني؟ أم ستقولون بدلاً من ذلك لقد فعلنا كل ما بوسعنا”؟ ودعا جميع أعضاء المجلس الخمسة عشر، باستثناء الولايات المتحدة، التي دعمت إسرائيل بقوة منذ بدء الحرب، إلى السماح بدخول المساعدات إلى غزة فورا.
ادعت الحكومة الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا أن الحصار لم يتسبب في “نقص” الدعم للمدنيين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الكثير من المساعدات دخلت القطاع خلال فترة الهدنة المحدودة.
لكن سرعان ما حذرت منظمات الإغاثة من أن المدنيين سيكونون أول الضحايا، مضيفة أن القيود المفروضة غير قانونية بموجب القانون الدولي. تزايدت هذه التحذيرات في الوقت الذي يقول فيه المدنيون إنهم يأكلون وجبة واحدة فقط في اليوم مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وقالالفلسطينيون الذين قابلتهم صحيفة “نيويورك تايمز” إن تكلفة الدقيق ارتفعت 60 ضعفًا منذ أواخر فبراير/ شباط، مما أدى إلى زيادة في عمليات النهب.
وقال خليل الحلبي، الموظف الأممي المتقاعد (71 عاما) من مدينة غزة: “كل ما تناولته اليوم كان بعض الفول من علبة منتهية الصلاحية”. وأضاف أنه يعاني من دوار وضعف شديدين لدرجة أنه أصبح غير قادر على المشي، مشيرًا إلى أن وزنه قد انخفض إلى حوالي 59 كيلوغراما بعد أن كان حوالي 95 كيلوغراما قبل الحرب.
وقال الحلبي إن ابنته التي أنجبت مؤخرًا، لم تتمكن من إرضاع طفلها لأنها لم تكن تتناول ما يكفي من الطعام، مضيفًا أنه لا يوجد حليب أطفال في غزة.
وقد توصل الضباط المتخصصون في وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الوكالة الحكومية الإسرائيلية التي تشرف على الأوضاع في غزة والضفة الغربية، إلى نفس الاستنتاجات التي توصلت إليها وكالات الإغاثة العالمية. ويقوم الضباط بتقييم الوضع الإنساني في غزة بشكل مستمر من خلال التحدث مع الفلسطينيين هناك، ومراجعة التقارير الواردة من المنظمات الإنسانية بشأن مخزونات مستودعاتها، وتحليل حجم ومحتويات شاحنات المساعدات التي دخلت غزة قبل الحصار.
أطلع الضباط كبار القادة العسكريين على تدهور الوضع، محذرين من أن العديد من سكان القطاع باتوا على بعد أسابيع قليلة من المجاعة. قدّم جنرال إسرائيلي إحاطة للحكومة حول الوضع الإنساني في غزة الأسبوع الماضي، قائلًا إن الإمدادات في القطاع ستنفد خلال أسابيع قليلة، وفقًا لمسؤول عسكري إسرائيلي ومسؤول حكومي رفيع. وكانت القناة 13 الإسرائيلية هي أول من كشف عن هذه الإحاطة الموجهة لمجلس الوزراء الإسرائيلي.
ووفقًا لثلاثة مسؤولين عسكريين، اعترفت القيادة العسكرية بخطورة الوضع، وأصبحت تبحث عن طرق لاستئناف إدخال المساعدات مع تجنب وصولها لحماس.
وقالت إدارة الرئيس ترامب الأسبوع الماضي إنها تعمل مع إسرائيل على مثل هذه الخطة. وأوضح المسؤولون الإسرائيليون ومنظمات الإغاثة أن الخطة ستتضمن توزيع الطعام من خلال منظمات خاصة في عدد محدود من المواقع في غزة، على أن يخدم كل موقع مئات الآلاف من المدنيين. سيتمركز الجيش الإسرائيلي على أطراف المواقع، بينما ستتولى شركات الأمن الخاصة القيام بدوريات داخلها.
وقد رفضت وكالات الإغاثة هذه الخطة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي قال إنه لن يشارك في هذه المبادرة لأنها ستعرض المدنيين لمخاطر أكبر، مضيفًا أن الاقتراح سيجبر الفئات الأكثر ضعفا على السير مسافات طويلة للوصول إلى مراكز التوزيع القليلة، مما يزيد من صعوبة إيصال الغذاء إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه. وأوضحت الأمم المتحدة أن النظام الحالي يضم 400 نقطة توزيع، مؤكدة أن النظام الجديد “يقلل بشكل كبير من هذا النطاق التشغيلي.”
وحذرت الأمم المتحدة أيضًا من أن الخطة ستجبر المدنيين على المرور بانتظام عبر النقاط العسكرية الإسرائيلية، مما يعرضهم لخطر الاعتقال والاستجواب بشكل أكبر، مضيفة أن المبادرة ستسرع من نزوح المدنيين من شمال غزة؛ حيث من المتوقع أن تقع مراكز التوزيع في أماكن بعيدة جنوبي القطاع.
وأكد مسؤولون إسرائيليون أن الخطة، إذا ما تم تفعيلها، ستساعد الجيش على اعتراض مقاتلي حماس وعلى نقل المدنيين من شمال غزة إلى جنوبها، لكنهم ادعوا أن الهدف ليس زيادة متاعب المدنيين بل فصلهم عن المقاتلين.
ويقول الخبراء في قوانين النزاعات الدولية إنه من غير القانوني أن تحدّ دولة ما من دخول المساعدات إذا كانت تعلم أن ذلك سيتسبب في حدوث مجاعة.
وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاقيات والقانون والنزاعات المسلحة في جامعة أكسفورد: “إن فرض حصار عسكري مع العلم أنه سيتسبب في تجويع السكان المدنيين يُعد انتهاكًا للقانون الدولي”.
وأضافت ديل: “عندما يصرح صناع القرار الإسرائيليون بأن الهدف هو الحصول على تنازلات سياسية وعسكرية، فإن ذلك يشكل بوضوح جريمة حرب”.
المصدر: نيويورك تايمز