قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، إن فصائل من “الجيش الوطني السوري” حاربت حكومة الأسد بدعم من تركيا تواصل احتجاز المدنيين، وإساءة معاملتهم، وابتزازهم في شمال سوريا.

يجري العمل على دمج هؤلاء المقاتلين في القوات المسلحة السورية وتعيين قادتهم في مناصب حكومية وعسكرية رئيسية رغم ضلوعهم سابقا في انتهاكات جسيمة. ينبغي للحكومة الانتقالية السورية العمل على إنهاء الانتهاكات المستمرة والتحقيق فيها، واستبعاد من يُعرف أن لديه سجل من الانتهاكات من قوات الأمن السورية.

قال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “أنهى سقوط حكومة الأسد المنتهِكة عقودا من الفظائع التي ارتكبتها تلك الحكومة، لكن تواصل فصائل الجيش الوطني السوري احتجاز السكان وابتزازهم وتعذيبهم بدون عقاب”.

من بين القادة الضالعين في انتهاكات سابقة والذين يشغلون الآن مناصب مؤثرة في الجيش السوري الجديد، محمد الجاسم (أبو عمشة)، قائد “الفرقة 62”؛ وسيف بولاد (سيف أبو بكر)، قائد “الفرقة 76”؛ وفهيم عيسى، مساعد وزير الدفاع للشؤون الشمالية؛ ومؤخرا، أحمد الحايس (أبو حاتم شقرا)، قائد “الفرقة 86” في المنطقة الشرقية.

وثّق تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط 2024 فظائع الجيش الوطني السوري بين عامي 2018 و2023. استهدفت هذه الأفعال بشكل أساسي الأكراد والمرتبطين بـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها تركيا جزءا من “حزب العمال الكردستاني”، الذي أعلنت حلّه في 12 مايو/أيار.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع مدنيَيْن كرديَّيْن احتجزتهما فصائل موالية لتركيا، وثلاثة أشخاص احتُجز أقاربهم أو جيرانهم في فترة سقوط حكومة الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024. كما تحدث الباحثون مع باحث حقوقي سوري يرصد الانتهاكات في المنطقة، وصحفي، وعامل إغاثة في شمال حلب.

في 1 ديسمبر/كانون الأول 2024، شن الجيش الوطني السوري هجومه الخاص، متشجعا بالعمليات العسكرية لـ “هيئة تحرير الشام”، التحالف الإسلامي الذي يقود الآن الحكومة الانتقالية. ركز الجيش الوطني السوري على الاستيلاء على أراضي شمال حلب، بما في ذلك الشهباء، وهي منطقة كانت إلى حد كبير ملجأ للأكراد النازحين خلال سيطرة تركيا على عفرين في عام 2018.

في 3 ديسمبر/كانون الأول، داهمت قوات الجيش الوطني السوري منزل إحدى سكان الشهباء وزوجها وأطفالها الثلاثة. واعتقلوا زوجها، وهو عامل بناء عمره 42 عاما، بدون أي تفسير. بعد 40 يوما، كما قالت، وجده أحد أقاربها في مستشفى بعفرين:

“نزعوا أظافر يديه وقدميه وأسنانه بالقوة، وكانت ثمة آثار حروق على قدميه… أخبرني أن قوات المخابرات التركية والشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري عذبوه في سجن معراتة وأجبروه على الاعتراف بأنه كان يبني أنفاقا لـ قسد. ثم أخذوه إلى المستشفى وتركوه هناك. بعد أيام قليلة من عودته إلى المنزل، أصيب بجلطة ولم يعد قادرا على الكلام.”

وصف سكان قرية في عفرين عمليات الابتزاز المستمرة التي تمارسها “فرقة السلطان سليمان شاه” التابعة لمحمد الجاسم، والتي قالوا إنها تفرض ضرائب على مزارعي الزيتون وغرامات على العائلات العائدة تتراوح بين ألفَيْ و5 آلاف دولار أمريكي. بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ويناير/كانون الثاني 2025، احتجز المقاتلون تسعة من السكان، متهمين إياهم بالتهرب من دفع الضرائب، وطالبوا كلا منهم بما يصل إلى 3,800 دولار أمريكي لإطلاق سراحهم.

في 10 يناير/كانون الثاني، قال امرأة إن أربعة مسلحين ملثمين اقتحموا منزلها، واقتادوها إلى مقرهم، وطالبوها بفدية قدرها 850 دولار تحت التهديد بالعنف. أُطلق سراحها بعد أن وعدت بأن تدفع، لكنها فرت من المنطقة. في اليوم التالي، أخبرها الجيران أن المسلحين عادوا إلى منزلها ثلاث مرات، وهددوا ضيوفا في جنازة عائلية، وضربوا ابنة أختها، واحتجزوا زوج ابنة أختها، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن دفعت الأسرة 450 دولار. لا تزال تخشى العودة، واصفة الأمر بـ”كابوس لا ينتهي”.

عاد رجل عمره 61 عاما إلى قريته في عفرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد ثماني سنوات من مغادرته. في 2 ديسمبر/كانون الأول، اختطفه مسلحون من “فرقة الحمزات” التابعة لسيف بولاد، وضربوه بالعصي والسياط، وصادروا هاتفه وأمواله. اتهموه بالارتباط بـ قسد، ثم نقلوه لاحقا إلى مدينة عفرين، وضربوه في الطريق. احتُجز يومين حتى دفع ابن عمه 1,500 دولار لإطلاق سراحه.

قال إنه بعد أسبوع، سعى للحصول على وثيقة تصريح أمني من الشرطة العسكرية للجيش الوطني السوري لتقليل خطر اعتقاله مجددا، ولكن احتُجز بدل ذلك واستُجوب على يد عناصر المخابرات والشرطة العسكرية التركية لمدة ستة أيام، واضطر إلى دفع 1,500 دولار أمريكي لإطلاق سراحه.

قال رجل عمره 37 عاما من النيربية في شرق محافظة حلب إن فصيل السلطان سليمان شاه التابع للجيش الوطني السوري سيطر على القرية في ديسمبر/كانون الأول 2024. في 14 يناير/كانون الثاني 2025، وصل مسلحون في أربع شاحنات “بيك آب”، وأطلقوا النار في الهواء، وضربوا القرويين، بمن فيهم المسنون، وسرقوا ممتلكاتهم. قال إنهم اعتقلوا سبعة شبان بحجة البحث عن أسلحة. وكان ما يزال اثنان محتجزَيْن حتى أوائل مايو/أيار.

وثّق تقرير حديث صادر عن المنظمة الحقوقية “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” 41 حالة اعتقال من قبل فصائل الجيش الوطني السوري والشرطة العسكرية التابعة لها في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط. وقعت 10 منها بعد دخول قوات “الأمن العام” التي شكلتها الحكومة السورية المؤقتة حديثا مدن شمال حلب في 6 فبراير/شباط عقب اتفاق مفترض لأخذ السيطرة من الجيش الوطني السوري.

ورغم إزالة معظم نقاط تفتيش الجيش الوطني السوري، قالت مصادر في عفرين وأماكن أخرى إن الفصائل لا تزال تعمل انطلاقا من قواعدها السابقة. قال الباحث في سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قصي جوخدار إن الاعتقالات انخفضت في مارس/آذار، لكن ما يزال المئات محتجزين في سجون يديرها الجيش الوطني السوري وتشرف عليها تركيا.

في 15 فبراير/شباط، زار الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع عفرين، متعهدا ببسط سلطة الحكومة على شمال سوريا واستعادة حقوق السكان. في 10 مارس/آذار، وُقّع اتفاقٌ رئيسي بين الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، يركز على الاندماج في الجيش السوري، وهي خطوة تشمل أهدافها عودة النازحين من مناطق مثل عفرين.

تتحمل السلطات السورية مسؤولية الانتهاكات التي ترتكبها القوات المندمجة في الجيش، وكذلك مسؤولية منع الانتهاكات وضمان المساءلة. كما تتحمل تركيا، التي ما تزال تشرف على فصائل الجيش الوطني السوري السابق ومدها بالأسلحة والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي، مسؤولية الانتهاكات وجرائم الحرب المحتملة التي ترتكبها هذه الفصائل.

ينبغي للحكومة الانتقالية السورية توحيد جيشها بشكل عاجل تحت قيادة خاضعة للمحاسبة بإشراف مدني، وضمان الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ينبغي لها اتخاذ خطوات لمنع المزيد من الانتهاكات ضد الأكراد وغيرهم من السكان في شمال سوريا، وضمان إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفا، والتحقيق في الانتهاكات السابقة بإجراءات قانونية عادلة. ينبغي لتركيا وقف دعم القادة المنتهِكين والفصائل المنتهِكة وتعويض الضحايا.

ينبغي للحكومة الانتقالية تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية وكريمة للنازحين، ومنح مراقبين مستقلين حق الوصول غير المقيد إلى جميع مراكز الاحتجاز، بما في ذلك تلك التي تديرها فصائل الجيش الوطني السوري السابق والقوات التركية.

ينبغي للدول الأخرى تقديم المساعدة الفنية والمالية لضمان حماية قوات الأمن الجديدة للمدنيين ومراعاة سيادة القانون، بما في ذلك دعم قضاء مستقل لضمان الاحتجاز القانوني والمعاملة القانونية بحق المعتقلين.

قال كوغل: “بينما تدمج الحكومة الانتقالية السورية فصائل الجيش الوطني السوري والجماعات المسلحة الأخرى في صفوفها، ينبغي لها استبعاد المسؤولين عن الانتهاكات في الجيش الوطني السوري ومحاسبتهم. إذا لم تفعل ذلك، فلن يتمكن الشعب السوري من الثقة بقواته المسلحة وسيكون عرضة لمزيد من الانتهاكات”.

المصدر: هيومن رايتس واتش