ترجمة وتحرير: نون بوست
يمتلئ الإنترنت اليوم بأفكار حول التحول الجذري الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي في العمل، فكل التنبؤات الممكنة كانت متوقعة: سيستحوذ الذكاء الاصطناعي على جميع وظائفنا، أو ربما على الوظائف التي تتطلب مهارات محدودة فقط، أو ربما على الوظائف الإبداعية. لحظة، ربما سيؤثر على كل من بنى حياته المهنية بالكتابة على الحاسوب. (يا للعجب!)
الحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي أثر بالفعل على طريقة أداء الملايين من الناس لوظائفهم، فقد تحدث ثمانية موظفين أمريكيين مع “بلومبرغ بيزنس ويك” حول كيفية تغير حياتهم العملية نتيجةً لهذه التكنولوجيا. وهناك ممرضة فُرض عليها الذكاء الاصطناعي بطرق تخشى أن تُعرّض المرضى للخطر؛ وسائق أوبر يتشارك الشوارع مع سيارات “وايمو” التي لا تحتاج إلى سائقين على الإطلاق؛ ومعلم يتعلم كيف يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يختصر ساعات من أسابيع عمله المُرهقة.
إذًا، كيف تسير ثورة الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة هي أن الأمر يعتمد كثيرًا على من تسأله.
سامانثا لاكني،صاحبة صالون، الإسكندرية، فرجينيا
لا أتذكر عدد المرات التي جاءني فيها الزبائن خلال الأشهر الستة أو الثمانية الماضية وعرضوا عليّ صورًا لأشياء يتطلعون إليها، ويجب عليّ أن أشرح لهم أنها صور مُعدّة بالذكاء الاصطناعي. ستشاهد صورًا على الإنترنت يبدو فيها الشعر طويلًا وكثيفًا وغزيرًا للغاية، ولكن إذا دققت النظر، ستلاحظ أن قلة قليلة من الناس يمتلكون هذا الطول وهذه الكثافة والملمس. أو قد يكون اللون جميلًا، ولكن كلما طال النظر إليه، يبدو غريبًا للغاية – داكنًا جدًا في مناطق معينة وفاتحًا جدًا في مناطق أخرى – أشعر بالقلق من تأثير كل هذا على معايير الجمال التي نلتزم بها.
على الصعيد التجاري، كان الذكاء الاصطناعي مفيدًا للغاية؛ فقد استخدمتُه لمساعدتي في تحسين دليل الموظفين الخاص بي، أو لمساعدتي عندما كان المحامي الخاص بي مشغولًا؛ حيث كان يراجع نسخة من عقد إيجار قبل أن يتمكن من الرد علي، وكان رائعًا في تلخيص المستندات أو تحديد تكلفة طلاء ديكور داخلي في مكان ما عبر تحديد رمزه البريدي.
وتستخدمه العديد من الصالونات لإعداد الشروح التوضيحية، ولكن يمكن معرفة المحتوى الذي كتبه “شات جي بي تي” من خلال تنسيقه وطريقة عرضه، يبدو الأمر كما لو أن فانا وايت تخبرك بما هو موجود على لوحة عجلة الحظ – إنه أشبه بمذيعي برامج الألعاب -. كأنه يقول: “الموضة الرائجة الآن! هيا تألقي بشعر أشقر في الصيف”.
لقد توقفت عن استخدامه، وأحيانًا أترك خطأً مطبعيًا صغيرًا أو اثنين في تعليقاتي على وسائل التواصل الاجتماعي لأثبت أنني شخص حقيقي.
كيري ويلسون، ممرضة، مستشفى ميشن هيلث، آشفيل، نورث كارولينا
يستخدم مستشفانا برنامج تصميم الرعاية الصحية للعديد من الأشياء المختلفة، بما في ذلك تخطيط موعد خروج المريض من المستشفى؛ حيث تدخل عليه مدة الإقامة أو تشخيص المريض، وتقول الخوارزمية بشكل أساسي: “حسنًا، هذا ما يجب علينا فعله لإخراجه من هنا بحلول هذا اليوم”.
لا يركز البرنامج على المريض، بل يركز على الكفاءة والإنتاجية. إنه أمر ينذر مُقلق من وجهة نظر الممرضة، لأننا لا نريد أن ننظر إلى مرضانا كأرقام وأجساد في السرير، بل نريد أن نتأكد من أننا نقوم بالفعل بالأشياء التي من شأنها تحسين صحتهم وجعلهم أفضل، وليس فقط إخراجهم من المستشفى.
رافقتنا مؤخرًا مساعدة رئيس التمريض خلال جولاتنا على المرضى، وكان هناك مريض تجاوز مدة الإقامة وكان وضعه معقداً للغاية، كان الفريق الطبي يحاول تحديد ما إذا كان هذا المريض سيحتاج إلى علاج غسيل الكلى.
عندما قرأت مسؤولة التمريض التقرير الذي أنتجته الخوارزمية، كل ما رأته هو أن غسيل الكلى هو عائق أمام خروج هذا الشخص من المستشفى. وقال: “يمكننا ببساطة تحويله للعيادات الخارجية”. فقالت جميع الممرضات: “لا، لا يمكنك فعل ذلك“، واستمرت هي في الضغط حتى أجابها طبيب الكلى في النهاية بالرفض.
ليس الأمر أننا لا نقدر التقدم التكنولوجي، ولكننا نريد أن نستفيد من هذه البرامج لمساعدة مرضانا وتعزيز الرعاية التي نقدمها، ولا نريدها أن تكون عائقًا آخر أمام تقديم رعاية صحية جيدة.
سيرجيو ليل، فنان تعليق صوتي ومحرر الصوت، سان أنطونيو
عملتُ لمدة عشر أعوام في التلفزيون والإذاعة، وقمتُ ببعض أعمال التعليق الصوتي، وكنت أتكسب من هذا العمل. لكن الذكاء الاصطناعي منتشرٌ على نطاق واسع، ويؤثر على جوانبَ كبيرةً وصغيرةً في صناعة التعليق الصوتي، حتى أن نتفليكس تُفكّر الآن في استخدام أصوات الذكاء الاصطناعي في الدبلجة.
والحقيقة أن العاملين في المجال الإبداعي سيعانون. لا أنكر أن للذكاء الاصطناعي استخداماته، ولكنه كبديل يؤدي إلى خفض قيمة المنتج، كما أنه يأتي بنتائج عكسية في معظم الحالات التي تتطلب اهتمامًا وتواصلًا عن قرب.
حتى الآن، لم يؤثر عليّ الأمر شخصيًا بشكل كبير. يجب الآن تدقيق الكثير من الأشياء من قِبل القسم القانوني لوكيل أعمالي للتأكد من أن العقود تنص على عدم استخدام أصواتنا للذكاء الاصطناعي من قِبل العملاء. إذا لم تنص العقود على ذلك أو لم تضمنه، فعلينا إجراء تجربة الأداء على مسؤوليتنا الخاصة. لحسن الحظ، إذا كنت تعمل مع وكالة جيدة، فستدعمك، ولكن هناك الكثير من الوكالات التي لا تفعل ذلك.
للأسف، سيقضي الأمر بكل تأكيد على بعض الوظائف، لكن هذه الصناعة تغيرت كثيراً بالفعل؛ حيث يمكنك أن تكون معلقًا صوتيًا رائعًا ليس بفضل جودة صوتك، بل بفضل العاطفة التي تضفيها على العمل.
ويل بيج، مدرس، مدرسة توماس ستار كينغ، لوس أنجلوس
أدرّس الرياضيات والدراسات الاجتماعية، ولديّ عدد كبير من متعلمي اللغة الإنجليزية، من البلدان الناطقة بالإسبانية ومن أوروبا الشرقية. لقد غيّر الذكاء الاصطناعي طريقة تواصلي مع طلابي. بالنسبة لمحتوى الدراسات الاجتماعية، فإن كتابي معدّ للطلاب في مستوى الصف السادس، لكن لدي بعض الطلاب الذين يقرؤون في مستوى الصف الأول.
يمكنني باستخدام الذكاء الاصطناعي، تطبيق عملية تسوية النصوص [وهي عملية مواءمة المواد المكتوبة لتناسب مستوى قراءة الطالب]، وهو أحد أكثر الأنشطة المفضلة لدي. إذا تحدثنا عن إنجازات سكان بلاد ما بين النهرين وشريعة حمورابي، يمكنني إفهام ماهية الشريعة، سواء كانوا يقرؤون في مستوى الصف الأول أو الصف الثامن.
هذه وظيفة مرهقة، لو حصلت على الذكاء الاصطناعي في وقت مبكر من حياتي المهنية، أعتقد أنني كنت سأصبح معلمًا أكثر كفاءة بشكل أسرع. أشعر أن أكثر ما فعله لي هو توفير الوقت؛ فقد انتقلت من العمل لما يقرب من 80 ساعة، وربما حتى 90 ساعة في بعض الأسابيع، إلى ما يقرب من 55 ساعة. لا أشكّ كثيرًا في قدرتي على الاستمرار في القيام بذلك لبقية حياتي العملية. أنا الآن في الثامنة والأربعين من عمري، وكنت على الأرجح سأترك التدريس في منتصف أو أواخر الخمسينات من عمري لولا الذكاء الاصطناعي. لا أفهم كيف كنت سأتمكن من الحفاظ على الطاقة اللازمة للقيام بهذه الوظيفة.
آشلي كايزر، عالمة، شركة ليلا للعلوم، كامبريدج، ماساتشوستس
ركزتُ في معظم أعمالي على علوم المواد، وتحديدًا على البوليمرات أو البلاستيك. عندما انضممتُ إلى شركة ليلا للعلوم، قالوا إنهم يريدون استخدام الذكاء الاصطناعي لإحداث نقلة نوعية في المنهج العلمي. وقد أثار هذا اهتمامي حقًا.
يستطيع الذكاء الاصطناعي استيعاب ومعالجة كميات هائلة من البيانات، مما يسمح لنا بأخذ النتائج والتفكير فيها ثم التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه التجربة التالية، هذا يفوق بكثير ما أستطيع فعله بعقلي. فبينما أدير العملية، أكون في المختبر، وأوجه الإستراتيجية التي تعمل من خلالها، لكن الذكاء الاصطناعي هو ما يسمح لنا بإجراء التجارب بسرعة وكميات هائلة.
عندما تستخدم المنهج العلمي، يكون لديك فكرة أو فرضية، ثم تذهب إلى المختبر وتختبرها، ثم تحصل على نتيجة الاختبار، وتحلل تلك البيانات. ثم تأخذ الأفكار التي اكتسبتها هناك، وتضع فرضية جديدة. وتكرر هذه العملية. ولكن مع الأتمتة، يمكننا إجراء الكثير من هذه التجارب على التوالي والحصول على رؤى أسرع بكثير.
عندما يقوم العالم بتجربة ما، يكون متحمسًا دائمًا لرؤية النتائج – وأعتقد أن الكثير من العلماء يوافقونني الرأي – يريد أن يرى ما هي نتيجة تلك الفرضية التي قام بها، وينتظر حتى تنتهي المعدات من التشغيل، ثم تظهر النتائج على الشاشة، وهناك تحدث لحظة من الإثارة. ربما تظهر البيانات أن الإجابة لم تكن كما توقع، وتشعر بالإحباط. أو ربما تكون جيدة، فيقول: “أوه، لقد نجح الأمر بشكل أفضل مما كنا نظن!”؛ وتمر بلحظة اكتشاف، والذكاء الاصطناعي يتيح الكثير من ذلك.
راشيل أنتيل، مؤرخة أفلام وثائقية، ومؤسِسة مشاركة في تحالف منتجي الأرشيف، بيركلي، كاليفورنيا
في الفترة التي بدأ فيها “شات جي بي تي تي” بالظهور على الإنترنت، بدأت أنا وزميلي في رؤية صور اصطناعية، لكنها واقعية للغاية، تُضاف إلى الأفلام الوثائقية التي كنا نعمل عليها.
كنا نعمل على أحد الأفلام، وكانت إحدى شخصيات الفيلم امرأة شابة، وطُلب منا العثور على صورة لها من أوائل القرن العشرين، كنا على يقين تام من أنها غير موجودة، وعندما شاهدنا نسخة أولية من الفيلم، وجدنا صورة لها، فسألنا: “أين وجدتم هذه الصورة؟”. فأجابونا: “لم نجدها، بل نحن من صنعناها”.
في ذلك الوقت، لم نكن نعرف حتى أن هذا الأمر ممكن، فتساءلنا: “هل ستخبرون الجمهور؟ ما هي خطة الشفافية؟”. فقالوا: “لسنا مضطرين لذلك”. لم يكن الأمر كذلك في نهاية المطاف، ولكن هذا ما كنا نعتقده. لقد فوجئنا للغاية، وأثار الأمر الكثير من المخاوف بالنسبة لنا وبالنسبة للفيلم، ولكن التخوف الأكبر كان يتعلق بكيفية احتفاظ الفيلم الوثائقي بقيمته كمصدر ثقافي موثوق به.
كان رد فعلنا الأول أن الذكاء الاصطناعي لا مكان له في الأفلام الوثائقية. ولكن كلما تعمقنا أكثر في هذه المسألة، أدركنا أن الذكاء الاصطناعي موجود ليبقى، لذلك شرعنا في تطوير معايير لاستخدامه. أعتقد أن منتجي الأرشيف سيتعين عليهم التكيف؛ حيث سيكون التحقق من الوسائط جزءًا مهمًا من عملنا، وهو أمر لم نضطر إلى القيام به من قبل، وإلا فلن يكون واضحًا للعين البشرية ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، لا يمكنني تمييز الفرق بالفعل.
توم لي، مطور تطبيقات الهاتف المحمول، واشنطن، العاصمة
وضعت شركتي بعض السياسات التي تحد من استخدام الذكاء الاصطناعي في البرمجة، لكنني جربته خارج العمل لأتعرف بشكل أفضل على ما يمكن أن يفعله في مجال البرمجة. لقد استخدمته في المجالات التي أتقنها، وقد كان عاملًا مساعدًا بشكل مذهل. لقد حاولت أيضًا استخدامه في المجالات التي أمتلك فيها خبرة أقل، في تلك الحالات، أفسد الأمور وعقّدها حتى اضطررت إلى البدء من الصفر.
أعتقد أننا نستهين بكمّ معرفتنا التي ترشح وتؤطر مخرجات نموذج اللغة الكبير دون أن نلاحظ ذلك، فمن السهل تجاهل الأشياء السيئة في مجال نفهمه، وطلب شيء يسير على المسار الصحيح يؤدي بشكل عام إلى نتائج أفضل بكثير. نحن نقلل من شأن مساهمتنا في جعل هذه الأشياء تبدو مثيرة للإعجاب.
كارلوس مونتانو، سائق أوبر وليفت، فريمونت، كاليفورنيا
أعمل سائقًا منذ ما يقرب من ثماني أعوام، ولقد أحببتُ المرونة التي كنت أعمل بها، بالإضافة إلى الوظائف الأخرى التي أقوم بها. فأنا أنقل الأطفال إلى المدرسة، وأقوم بتوصيل الطلبات لأحد المطاعم.
قبل أسبوعين، رأيتُ بعض سيارات “وايمو” ذاتية القيادة في ماونتن فيو. قلتُ: هل أنتم جادون؟ هل تعلمون ما يعنيه ذلك؟ فرص عمل ورحلات أقل. هذا يعني منافسة أكبر، وزيادة عدد السائقين مع قلة عدد الرحلات، مما يعني تزايد المنافسة على رحلات بثلاثة دولارات. هذا ما أخشاه، ولقد سمعتُ أيضًا أن أوبر قد دخلت في شراكة مع وايمو، وأنهم يحاولون دخول عصر القيادة الذاتية. أتحدث مع العديد من خبراء التكنولوجيا من سيسكو وتيسلا وجوجل وآبل. أسأل عن “وايمو”: “ما رأيكم؟ كم من الوقت سيستغرق الأمر؟”. كانوا سابقًا يقولون من خمس إلى سبع أعوام. لكن سيارات “وايمو” موجودة بالفعل في سان فرانسيسكو، وتستقبل 200,000 رحلة أسبوعيًا.
إن مسألة “وايمو” هذه تجعلني أفكر في الخطة البديلة، مثل الحصول على رخصة قيادة تجارية والقيام برحلات بمفردي، والمزيد من الرحلات لكبار الشخصيات وأنواع مختلفة من الخدمات، أحب ما أقوم به، ولكن يجب أن أكون مستعدًا لما هو قادم.
المصدر: بلومبيرغ