منذ انهيار التهدئة الإنسانية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت المقاومة الفلسطينية تغييرًا جوهريًّا في مقاربتها تجاه أي اتفاق تهدئة، مؤكدة أن أية تسوية قادمة يجب أن تتضمن الإنهاء الكامل للحرب على قطاع غزة.
ورغم التعرجات التي مر بها المسار، والتي شملت إدخال “حماس” مجموعة مطالب سياسية وإنسانية، بقي الهدف المعلَن ثابتًا: منع عودة العدوان مجددًا، عبر صيغة مرنة تكتيكيًّا، لكنها صارمة من حيث المضمون، تستهدف وقف الإبادة المتواصلة واستنزاف الدم والمقدرات الفلسطينية، قادت في نهاية المطاف إلى اتفاق تهدئة مرحلي في يناير/كانون الثاني 2025.
غير أن حكومة الاحتلال انقلبت على الاتفاق، واستأنفت حربها بوجه أكثر شراسة، مستبدِلة التهدئةَ بـ”مقترح ويتكوف” الذي رُوِّج له بوصفه أرضيةً وحيدةً لأي تفاهم ممكن، وواصلت عدوانها بآليات ميدانية جديدة، شملت حصارًا خانقًا على القطاع، استُخدم فيه سلاح التجويع استخدامًا ممنهجًا.
في المقابل، تمسكت المقاومة برفض أية مقترحات لا تشمل إنهاءً كليًّا للحرب، وأعلنت موقفًا حاسمًا ضد الحلول الجزئية أو الترتيبات المؤقتة، ما أعاد المشهد التفاوضي إلى حالة استعصاء معقَّد.
عاد المشهد ليتخلله بعض “المرونة” عقب إطلاق سراح الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر، لكن حتى اللحظة ما تزال الأطراف عاجزة عن التوصل إلى اتفاق جديد، في ظل التناقض الجذري بين مقاربات الحل المطروحة.
الاستعصاء التفاوضي: الجدار الكبير
لم تكن أسابيع التهدئة سلسة، إذ لم يلتزم الاحتلال بتفاصيل الاتفاق، وسعى إلى التنصل من التزامات أساسية، خصوصًا تلك المرتبطة بالبروتوكول الإنساني، مثل إدخال مستلزمات الإغاثة والمنازل المتنقلة والخيام، وتعطيل وصول الآليات اللازمة لبدء ترميم البنية التحتية، والمماطلة المتعمدة في السماح بعودة النازحين إلى مناطقهم في شمال غزة.
في المقابل، واجهت المقاومةُ هذا السلوك الإسرائيلي المتلاعب بمزيج من الحزم والمرونة، فسعت إلى فرض تنفيذ البنود الجوهرية، وفي مقدمتها عودة النازحين، بوصفها اختراقًا حقيقيًّا يُفشِل هدفًا استراتيجيًّا للاحتلال تمثَّل منذ بدء العدوان بتحويل شمالي القطاع إلى منطقة عازلة خالية من السكان.
وأما المرونة فكانت موجَّهة نحو الحفاظ على حالة الهدوء، رغم الخروقات الإسرائيلية المستمرة، انطلاقًا من اقتناع بأن استمرارية التهدئة وتفعيل قنوات التواصل مع الوسطاء قد يُسهمان في إجبار الاحتلال على تنفيذ ما اتُّفِق عليه.
لكن هذا المسار بدأ بالتآكل مع تنصل الاحتلال من الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، خصوصًا مناقشة الانسحاب من محور فيلادلفيا، الذي يُعد ملفًّا جوهريًّا، وما زاد تعقيدَ المشهد الموقفُ الأمريكي، ممثلًا بتصريحات الرئيس دونالد ترامب المتكررة، التي ربط فيها التهدئة بإطلاق سراح جميع الأسرى، مهدِّدًا بـ”فتح أبواب الجحيم” إن لم يتحقق ذلك، ما أوضح أن انهيار التهدئة لم يكن سوى مسألة وقت، انتهت فعليًّا مع تسليم آخر أسير على قيد الحياة ضمن المرحلة الأولى.
في بيان لها عبر موقعها الإلكتروني.. “هيومن رايتس ووتش” تحذّر من خطة إسرائيلية لتدمير ما تبقّى من #غزة، ووصفتها بتصعيد بغيض لجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية، إليك التفاصيل pic.twitter.com/2qCyjN0eYA
— نون بوست (@NoonPost) May 16, 2025
وجاء مقترح ويتكوف ليُشكِّل الانقلاب الرسمي على اتفاق التهدئة، فجوهره يتمثل بمحاولة انتزاع ورقة الأسرى من يد المقاومة دون منحها مكاسب ميدانية أو سياسية في المقابل، ولا حتى استكمال تنفيذ اتفاق التهدئة المنهار.
سعت “حماس” إلى المناورة ضمن ما توفر من هامش، عبر تفعيل قناة الاتصال مع المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، لكن المناورة اصطدمت بتعنت ويتكوف –المكلف بملف التفاوض حول غزة– وإصراره على مقترحه أساسًا وحيدًا لأي تسوية، في ظل ما بدا أنه ضوء أخضر أمريكي لاستئناف العدوان.
وهكذا، وُضعت المفاوضات ضمن محدِّدات قاسية، لتتحول إلى جدار يحد من قدرة المقاومة على المناورة، في ظل واقع إقليمي بارد، وتراجع مستمر في أوراق القوة، مقابل اندفاعة هجومية إسرائيلية مدعومة أمريكيًّا، تُضيِّق هوامشَ الخيارات أمام غزة.
جولة ترامب الخليجية وملف عيدان ألكسندر
تزامن التحضير لجولة ترامب إلى دول الخليج، مع تحركات دبلوماسية نشطة لإحداث اختراق جديد في ملف المفاوضات، وسط رهان أمريكي على إمكانية إعلانه التوصل إلى تهدئة جديدة في غزة، كجزء من رزمة “الإنجازات السياسية” التي يسعى إلى تسويقها في جولته الخارجية الأولى سياسيًّا منذ عودته إلى البيت الأبيض.
في هذا السياق، استعاد الحراك التفاوضي بعضًا من حيويته، وعادت الوفود إلى تبادل المسوَّدات والمطالب، مع تركيز المرحلة الأولى من المفاوضات على قناة الاتصال التي نشط فيها المبعوثون الأمريكيون، وهدفت بدرجة أساسية إلى تأمين إطلاق سراح الجندي في جيش الاحتلال، عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأمريكية.
ترافق التحرك مع مؤشرات متزايدة على وجود خلافات بين إدارة ترامب ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لم تصل إلى حد التناقض الاستراتيجي، لكنها عكست اختلافًا جوهريًّا في ترتيب الأولويات، فبينما ترفع إدارة ترامب شعار “أمريكا أولًا”، وتبحث عن إنجاز سياسي يُعزِّزها، يتمسك نتنياهو بتسخير أي تحرك أمريكي لخدمة أهدافه السياسية الداخلية، ولحماية تماسك ائتلافه وطموحاته الاستراتيجية.
فتح التباينُ في المقاربات–نظريًّا– نافذةً يمكن عبرها مضاعفة الضغط الأمريكي على حكومة الاحتلال، لدفعها نحو إبداء مرونة أكبر، خصوصًا بشأن المطلب الجوهري للمقاومة الفلسطينية: الوقف الشامل للحرب، الذي لطالما رفض نتنياهو حتى مجرد طرحه للنقاش.
ترامب يصرّح برغبته في تهجير 1.9 مليون فلسطيني من #غزة، في دعوة علنية لنقلهم قسرًا وبالتعاون مع “الأثرياء” في الشرق الأوسط. pic.twitter.com/9xJLifocj4
— نون بوست (@NoonPost) May 17, 2025
استجابةً لهذا المسار، أقدمت “حماس” على إطلاق سراح ألكسندر كـ”بادرة حسن نية” استجابةً لإصرار المبعوثين الأمريكيين، على أمل أن تشكل الخطوة أرضيةً تُنقل عبرها المفاوضات إلى مراحل أكثر جدية، تسهم في وقف العدوان، وتمنع تنفيذ التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشأن العملية العسكرية واسعة النطاق، والتي تعلن “إسرائيل” أنها تهدف عبرها إلى حسم المعركة في قطاع غزة.
ورغم الزخم الكبير في الاتصالات والحراك، لم تؤتِ البادرة ثمارها، ولم تثمر عن أي تقدم جوهري في مسار التهدئة، فعادت المفاوضات إلى طريق مسدود رغم استمرار وجود الوفود الإسرائيلية في الدوحة. واصطدمت جميع المسارات مجددًا بتعنت إسرائيلي راسخ يقوم على مبدأ انتزاع الأسرى الأحياء دون تقديم تنازلات جوهرية، بل حتى دون القبول بمناقشة مطلب إنهاء الحرب.
في المقابل، ورغم أن المقاومة أبدت مرونةً كبيرةً في تفاصيل التفاوض، لم يكن مطلبها الرئيسي –الإنهاء الشامل للحرب–مطروحًا للتفاوض أصلًا، بل شكَّل الأساس الذي تُبنى عليه كل مرونة ممكنة، باعتبار أن أي انفتاح تفاوضي يجب أن يكون مشروطًا بالوقف الكامل للعدوان.
شروط إسرائيلية وتماهٍ أمريكي
رغم تمسُّك الخطاب الإسرائيلي الرسمي برفض مطلق لأي نقاش حول “إيقاف الحرب”، وإصرار نتنياهو على قاعدة “استمرارية الحرب حتى تحقيق كامل الأهداف”، والدفع بالضغط العسكري للبحث المستمر عن “النصر المُطلق“، بدأت ملامح الشروط الإسرائيلية لما بعد الحرب تتبلور تدريجيًّا، لا سيما في تصريحات قادة الاحتلال ومواقفهم السياسية والإعلامية.
وبعد أن كان الخطاب العام يتمحور حول “الاستسلام الكامل” للمقاومة، وخصوصًا “حماس”، انتقل الاحتلال إلى طرح مطالب أكثر تفصيلًا، بعضها سبق نقاشه في كواليس التفاوض، والآخر طُرح للمرة الأولى بصراحة وعلنًا.
على خلفية المحادثات الجارية في العاصمة القطرية للتوصل إلى اتفاق تهدئة جديد، جاء التعبير الأوضح عن هذه الشروط في التصريح الأخير الصادر عن مكتب نتنياهو متضمنًا ثلاثة مطالب رئيسية يُراد لها أن تكون أرضيةً لأي نقاش بشأن مستقبل الحرب: إطلاق سراح جميع الأسرى لدى المقاومة؛ ونفي مقاتلي “حماس” خارج قطاع غزة؛ وتجريد القطاع بالكامل من السلاح، كامتداد عملي للأهداف الكبرى التي أعلنها الاحتلال منذ بدء الحرب، متقاطعة مع الغاية المعلَنة: القضاء على حكم “حماس” في غزة.
هذا التصريح الأول من نوعه الذي يصدر عن نتنياهو ويتطرق مباشرةً إلى فكرة “نقاش إنهاء الحرب”، بعد أن ظل يرفض إدراج هذا العنوان على أجندة أي مفاوضات طوال الشهور الماضية، ويُمكن عدُّه تراجعًا عن التمسك الصارم بمقترح ويتكوف، الذي ظل مطروحًا كأرضية وحيدة للتفاوض حتى وقت قريب.
ويعكس هذا التحولُ اختراقًا نسبيًّا في جدار الاستعصاء التفاوضي، ويُظهِر حجمَ الضغط الأمريكي المتزايد على حكومة الاحتلال، ما دفع نتنياهو إلى استباق النقاش حول إنهاء الحرب بتحديد أجندته وشروطه المسبقة.
رغم غلافها الإنساني، لكن القرائن والدلائل تدل على أنها محاولة لإعادة هندسة الواقع السياسي في القطاع.. ماذا تعرف عن الخطة الإنسانية الأمريكية في #غزة؟#اليوم_التالي#ترامب pic.twitter.com/uZjoouSw8J
— نون بوست (@NoonPost) May 13, 2025
في المقابل، تبدو الولايات المتحدة وكأنها باتت تمتلك تصورها الخاص لشكل “إنهاء الحرب”، الذي ينسجم إلى حد كبير مع الهواجس الأمنية الإسرائيلية، دون تبنِّيها بالكامل، في إطار السعي إلى التوفيق بين مطالب الاحتلال، والمواقف العربية، والتصورات الدولية بشأن مستقبل غزة.
وفي هذا السياق، صرَّح ويتكوف، لمجلة “ذي أتلانتيك”، بأن أي حل طويل الأمد يجب أن يتضمن نزع سلاح “حماس” بالكامل شرطًا أساسيًّا لأي اتفاق سلام مستدام، عادًّا بقاء الحركة المسلحة في غزة غير مقبول.
بل ذهب في مقابلة مع الصحافي الأمريكي تاكر كارلسون –عقب انهيار اتفاق التهدئة– إلى القول إنه “يمكن أن تبقى “حماس” فاعلًا سياسيًّا في غزة إذا نزعت سلاحها”، منتقدًا نتنياهو لغياب خطة استراتيجية واضحة تجاه القطاع، موضحًا أن “غياب الأفق يسبب حالة من عدم الاستقرار”، عادًّا أن “حماس” “ليست حركة عنيدة أيديولوجيًّا”، وأنه “يمكن إنهاء الصراع في غزة عبر الحوار”.
وأظهرت الولايات المتحدة تراجعًا نسبيًّا عن ملامح خطة ترامب الأولى بشأن “ترحيل سكان غزة”، تحت تأثير المواقف العربية الرافضة، وتبنِّي الدول الإقليمية، وعلى رأسها مصر، خطة إعادة الإعمار. وقدمت نسخة “معدلة” من الخطة الإسرائيلية للمساعدات، تتضمن انتشارًا أوسع لنقاط التوزيع، وتعاونًا مع المؤسسات الدولية، بدلًا من النموذج الإسرائيلي الهادف إلى تجميع المساعدات في رفح، وتسليم إدارتها لشركات أمريكية خاصة، دون إشراف دولي أو مشاركة مؤسسات دولية.
تفكيك الحرب كمدخل لإنهائها
تبدو ملامح الاتفاق المطروح اليوم أقرب إلى مقاربة التفكيك التدريجي للحرب، لا إلى وقف شامل وفوري كما تطالب المقاومة، فالمسعى الرئيس يتمثل بتجاوز مطلب “وقف الحرب” عبر تأجيل البت فيه، دون رفضه صراحة، بحيث يُقبَل بوقف العمليات القتالية مؤقتًا، ويُرحَّل النقاش حول تفاصيل “نهاية الحرب” إلى مرحلة لاحقة تُدار في أيام الهدوء الأولى بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
يسعى هذا النمط التفاوضي إلى إخراج نقاش إنهاء الحرب من دائرة الضغط الميداني والتصعيد السياسي داخل حكومة الاحتلال، ومن صعوبات الاتصال بين قيادة المقاومة في الداخل والخارج، بما يتيح خوض مفاوضات أكثر هدوءًا وبرودًا، تسمح بتدوير الزوايا، وتجاوُز تعقيدات تبدو حاسمةً حين تُناقش تحت النار.
ترتكز هذه المقاربة على منطق “التهدئة التكتيكية”؛ فإن لم يكن بالإمكان إنهاء الحرب باتفاق واحد وشامل، فالأجدى وقف النزيف ومنع العنف الإسرائيلي المتجه نحو اجتياح شامل للقطاع، وفق الخطة العملياتية “عربات جدعون”، القائمة على إعادة احتلال غزة وحسم القتال ميدانيًّا، وهو سيناريو لا يمكن التنبؤ بتكلفته ولا بتداعياته.
في الإطار، يُنقَل النقاش حول الملفات الصعبة –مثل سلاح المقاومة– إلى مستوى أكثر تقنيةً وتفصيلًا، ضمن سياقات نقاش حول كون الاحتلال قد دمَّر بالفعل كثيرًا من القدرات العسكرية للمقاومة، التي تقاتِل منذ عامين بإمكانات متواضعة وأسلحة فردية.
كذلك، يفقد شرط “إبعاد القادة” كثيرًا من واقعيته بعد اغتيال “إسرائيل” غالبية الصف الأول من القيادة السياسية والعسكرية، ويُجهل مصير من تبقَّى منهم داخل القطاع، ما يجعل مناقشة هذا البند أقرب إلى إجراء شكلي.
وأما الحديث عن “اليوم التالي لغزة”، فلم يُعُد يُمثِّل عقدة تفاوضية، خصوصًا بعد إعلان “حماس” بوضوح أنها لا تسعى إلى البقاء في الحكم، وأنها مستعدة لتسليم إدارة القطاع إلى لجنة مهنية مؤقتة، ما يُسقِط ذريعةً مركزيةً طالما استُخدمت لتبرير استمرار الحرب.
بذلك، تتحول مقاربة “تفكيك الحرب” إلى مدخل واقعي لمغادرة عنق الزجاجة. صحيح أن الاحتلال يواصل إطلاق التهديدات بتفعيل “عربات جدعون”، لكن هذا التهديد بات يُستخدم كأداة ضغط في المسار التفاوضي، لا كموقف عملياتي نهائي، إذ سيعني تنفيذه فعليًّا الحُكمَ بالإعدام على الأسرى المتبقين لدى المقاومة، وجرَّ “إسرائيل” إلى مغامرة تفتقد للشرعية الدولية والداخلية، في ظل أزمة تجنيد خانقة وتصاعُد الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب.
وتدرك “حماس” أن تآكُل خيارات الاحتلال، وضغط وزراء اليمين على نتنياهو، قد يدفع الأخير إلى اندفاعة انتحارية تُنتِج مجازر جديدة، وسط تواطؤ دولي وصمت عربي، ودعم أمريكي مفتوح، قد يتجدد إذا فشلت جولة التفاوض الحالية.
وأما واشنطن، فتبدو معنيةً بإنهاء الحرب، ليس لاعتبارات إنسانية، بل انطلاقًا من مصالحها الاستراتيجية الأوسع، فاستعادة الاستقرار في الشرق الأوسط أداة مركزية في مشروع إدارة ترامب لإعادة هندسة الإقليم، وتعزيز النفوذ الأمريكي، وضمان استمرار تدفق المصالح الاقتصادية والصفقات الكبرى التي أبرمها مؤخرًا في الخليج.
وفي المحصِّلة، بات الجميع يُدرك أن الحرب استنزفَت ذاتها، وأن أي خيار عسكري جديد لن يكون سوى انزلاق أعمق في الدم، دون أن يُقرِّب الاحتلال من نصره المُطلَق الوهمي الذي يلهث خلفه نتنياهو.
في المقابل، تُدرك المقاومة أن اللحظة تتطلب تكليل الصمود الأسطوري لأهالي قطاع غزة بوقف النزيف، وصدِّ الاندفاع الإسرائيلي، والحفاظ على ما تبقَّى من الممكنات التي يمكن أن تشكِّل قاعدةَ نهوضٍ جديدةً للشعب الفلسطيني، تُمكِّنه من لملمة جراحه وإعادة بناء ما دمَّره العدوان.
من هنا، فإن كل السبل المؤدية إلى إنهاء الحرب، سواءٌ عبر اتفاق مباشر أو عبر التفكيك والتدرج، تُشكِّل المسارَ الأسلم، وهو مسار يتطلب التقاط اللحظة واستثمار الفعالية الأمريكية الراهنة للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة تُرسِّخ هدوءًا مستدامًا، وتمنح الفلسطينيين فسحةً للحياة بعد شهور طويلة من القتل والبطش والحصار.