قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية “الكابينت” قد صدَّق، مساء الأحد 18 مايو/أيار الجاري، على خطة لإقامة جدار أمني على طول الحدود الشرقية مع الأردن، وسيتم المشروع الذي من المقرر أن يمتد من جنوب الجولان السوري المحتل وحتى المناطق الشمالية من مدينة إيلات الجنوبية، على مرحلتين أساسيتين.
المرحلة الأولى تمتد من السياج الحدودي وصولًا إلى نهر الأردن، والثانية بين ما يسمى “الحاجز الأصفر” و”الحاجز الأحمر”، وفيها سيتم إقامة سياج فعلي مزوّد بأجهزة استشعار، وأنظمة إنذار متطورة، ونقاط تفتيش عسكرية.
وبحسب الخطة الإسرائيلية التي صاغتها وزارة الدفاع بالتعاون مع هيئة الأركان فإن الجدار المزعوم سيتضمن تدشين منظومة دفاعية متطورة، قائمة على عدة طبقات، تشمل بنى تحتية مادية، ووسائل مراقبة واستخبارات، ومراكز قيادة وتحكم، إضافة لانتشار قوات عسكرية خفيفة ومرنة تتكيف مع التهديدات الميدانية المتغيرة، وأنه من المتوقع أن تبلغ كلفته نحو 1.4 مليار دولار ويستغرق العمل فيه 3 سنوات وفق ما ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
صادق "الكابينت" الأمني السياسي الإسرائيلي على خطة لبناء جدار أمني على الحدود الشرقية مع الأردن، وفقًا لما أعلنته وزارة الأمن الإسرائيلية.
كما أقر المجلس الوزاري المصغر، إقامة مدارس عسكرية وبؤر استيطانية جديدة وعزب زراعية في منطقة #غور_الأردن.#عربي21 #الأردن pic.twitter.com/qck85Mzzgp
— عربي21 (@Arabi21News) May 18, 2025
ويمثل الشريط الحدودي الرابط بين الأردن وفلسطين أهمية محورية للكيان المحتل، كونه الأطول مع الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي يمتد على طول 335 كيلو مترًا (97 كيلومترًا مع الضفة الغربية، و238 كيلومترًا مع الأراضي المحتلة عام 48) بجانب عمق الوجود الفلسطيني داخل الأردن بحكم الارتباط التاريخي والثقافي بين البلدين، هذا بخلاف استخدام هذا الشريط الطويل في تعزيز نشاط المقاومة، إما تسللًا للمقاومين من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية أو الانسحاب والهروب من الضفة للأراضي الأردنية هربًا من الملاحقات الإسرائيلية.
ويرتبط الأردن مع الأراضي الفلسطينية بثلاثة معابر حدودية هي الشيخ حسين (نهر الأردن من الجانب الإسرائيلي)، وجسر الملك حسين (معبر اللنبي) ومعبر وادي عربة (إسحاق رابين)، تعمل بشكل منتظم، وتتحكم فيها بشكل كامل السلطات الإسرائيلية التي تحدد متى يتم إغلاقها ومتى تٌفتح، وفق مقارباتها الأمنية الداخلية.
وأعاد الحديث مجددًا عن بناء جدار عازل على كامل الحدود الأردنية الفلسطينية الجدل مرة أخرى، وسط تساؤلات مشوبة بالشك والريبة حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة، بعيدًا عن المزاعم الأمنية التي تروجها تل أبيب لتنفيذ هذا المشروع الذي يعتبره البعض خنجرًا في ظهر القضية الفلسطينية ويأتي في سياق تكريس واقع جديد تحاول فيه “إسرائيل” تحقيق حلمها في الهيمنة الكاملة على الضفة الغربية..
ليست المرة الأولى
ليست هذه هي المرة الأولى التي يُعلن فيها الاحتلال عن نيته في بناء جدار عازل مع الحدود الأردنية، إذ يبدو أن هذا المخطط يحتل مكانة مميزة في قائمة أولويات حكومة نتنياهو، ففي 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كانت قد صرحت وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنها شرعت بعمل مخطط هندسي لبناء “حاجز أمني على الحدود الشرقية مع الأردن” وفق ما وصفته.
وجاءت تلك التصريحات حينها ردًا على عمليتي جسر الملك حسين (اللنبي)، والتسلل قرب البحر الميت، واللتين نفذتا في 8 سبتمبر/ أيلول، و18 أكتوبر/ تشرين أول الماضيين، وأسفرتا عن سقوط 3 جنود إسرائيليين، وإصابة إسرائيليين على التوالي، والتي في أعقابهما أعلن وزير الطاقة في حكومة الاحتلال “إيلي كوهين” عن ضرورة تسريع خطوات بناء السياج الأمني على طول الحدود الأردنية الفلسطينية.
وفي 13 أغسطس/آب 2024 كان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قد دعا إلى ضرورة الإسراع في بناء هذا الجدار، زاعما أن “وحدات الحرس الثوري الإيراني تتعاون مع حركة حماس في لبنان لتهريب الأسلحة والأموال إلى الأردن، ومنها إلى الضفة الغربية لاستخدامها في أعمال المقاومة ضد قوات الاحتلال.
الدعوة ذاتها أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قُبيل معركة طوفان الأقصى بشهور، كاشفًا عن نية حكومته بناء الجدار العازل، وكان في 2019 قد أعلن ضرورة فرض السيطرة العسكرية الكاملة على الأغوار الفلسطينية وشمال البحر الميت لأسباب أمنية، مطالبًا بالإسراع قدر الإمكان في البدء في هذا المخطط.
دواعي أمنية.. السردية الإسرائيلية
تنطلق حكومة الاحتلال في مساعيها لتمرير مخطط بناء هذا الجدار من سرديتها الأمنية التقليدية، فلطالما أعلنت مرارًا وتكرارًا أن هذا الشريط الحدودي الممتد بين الأردن وفلسطين كان ساحة كبيرة لعمليات تسلل لفدائيين ومقاومين وتهريب كميات كبيرة من الأسلحة التي تستعين بها عناصر المقاومة في عملياتها ضد جيش الاحتلال
وبين الحين والأخر يخرج جيش الاحتلال ليعلن عن عمليات تهريب سلاح، بعضها تُمرر والأخر يتم إحباطها، كان أبرزها تلك التي أعلنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أي بعد عملية الطوفان بشهر واحد، حين خرجت سلطات تل أبيب لتكشف عن إحباط ما أسماه الإعلام العبري “أضخم عملية تهريب سلاح” منذ نشأة الاحتلال، وذلك عبر وادي عربة في الحدود الشرقيّة الجنوبيّة، وقد شملت مسدسات وبنادق وكميات من الذخائر.
بقـــنابل الغاز المسيل للدموع.. الأمن الأردني يفرق حشود المتظاهرين المتوجهة إلى الحدود الأردنية-الفلسطينية
#طوفان_الأقصى | #الأردن pic.twitter.com/oreAAZgXkn
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 13, 2023
ويحاول الكيان المحتل من خلال تلك المزاعم والسرديات، وما يستتبعها من تهديدات وتحذيرات، ممارسة أقصى أنواع الضغط على السلطات الأردنية، كان قد فعلها في السابق مع الجانب المصري، لفرض رقابة مشددة على الشريط الحدودي والتصدي لأي محاولة دعم وتعزيز للمقاومة في الداخل الفلسطيني، في محاولة لأن يكون الأمن الأردني ذراعا قويًا في مواجهة الاتصال النضالي بين فلسطيني الداخل والخارج.
وكثيرًا ما تقع عمّان في هذا الفخ، تارة بتشديد الحصار على الحدود، وأخرى بملاحقة الفدائيين القادمين، من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وثالثة بترهيب كل من يفكر في التسلل دون الموافقة الأمنية وعبر المعابر الرسمية، وكانت أجهزة الأمن الأردنية قد اعتقلت في يونيو/ حزيران/ 2023 أربعة مواطنين أردنيين بتهمة تهريب أسلحة إلى الضفّة الغربيّة عبر الحدود لصالح حركة حماس، ولا زالت السلطات الأردنية تحتجزهم حتى الآن.
الضفة الغربية.. الهدف الأكبر
عبر بوابة المزاعم الأمنية الكبيرة والمفتوحة على مصراعيها دون سقوف محددة، يحاول الكيان المحتل من خلال بناء جداره العازل على الشريط الحدودي مع الأردن تحقيق هدفين رئيسيين يقوداه إلى حلمه الأبدي، وغايته الأهم، ومشروعه الذي عمل عليه لأكثر من 70 عامًا، وهو العنوان الأبرز الذي يضم تحته كل لك المشروعات والمخططات والاستقطابات العربية والأجنبية.
الهدف الأول هو عزل الداخل الفلسطيني والدولة الفلسطينية بكامل ترابها عن محيطها الخارجي، فكما فعل في الجنوب حيث عزل رفح وجنوب القطاع عن الجانب المصري، يحاول المحتل تكرار السيناريو ذاته شمالا مع الضفة وعزلها عن عمقها الفلسطيني في الأردن الذي يعد المتنفس الوحيد لها مع العالم الخارجي.
الهدف الثاني، والذي يعد نتيجة منطقية للهدف الأول، حيث تجفيف منابع إمداد المقاومة، فبعد تدمير الأنفاق الحدودية مع مصر والتي كانت الرئة الأهم التي يتنفس بها الفلسطيني، مقاومة وشعبًا، يسابق الكيان الإسرائيلي الزمن لغلق البوابة الحدودية الأردنية، التي رغم تشديد الحصار الأمني عليها إلا أنها كانت بين والحين والأخر وعلى فترات متباعدة نافذة محتملة لتعزيز النشاط المقاوم، على المستويين، التسليحي والبشري.
وانطلاقا من هذين الهدفين، يؤمل المحتل النفس بتحقيق الغاية الكبرى، ضم الضفة الغربية، وهو الحلم الذي طالما راود الاحتلال منذ عام 1948 وحتى اليوم، الحلم الذي صاغ لأجله رموز الصهيونية خططهم وأجنداتهم ومؤامراتهم، والهدف الذي فتحت من أجل تحقيقه كل من واشنطن وتل أبيب وحلفائهما خزائنهم لتحويله من أفكار حالمة تداعب مخيلاتهم إلى واقع عملي وممارسات على أرض الميدان.
فلأجل هذا الضم كانت حرب غزة، حيث المخطط الإسرائيلي لوأد كل صوت مقاوم، وقتل كل مُغرد خارج السرب، وطمس كل ضمير وطني يضع التحرير والاستقلال هدفا نصب عينيه، وتحييد القرار العربي، إما تدجينا بإدخاله حظيرة التطبيع، أو ترهيبًا بقائمة مطولة من الضغوط والتحديات والابتزازات.
ولم يُنكر الاحتلال ورموزه هذا الهدف الأسمى في تحركاتهم، فكما جاء أكثر من مرة على لسان وزيري المالية والأمن الداخلي المتطرفين، فإن الاحتلال لابد وأن يفرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن تغييرها، في مقدمتها ضم الضفة والتوسع الاستيطاني وخلق بنية تشريعية قانونية لهذا التغول، تحميه من أي استهداف قضائي أو قانوني، وتوفر غطاءً دستوريًا للمستوطنين وفرض سياج من الوقاية والأمان لهم في جرائمهم العنصرية ضد الفلسطينيين.
ومن هنا فإن إقامة جدار عازل وفق الخطة الإسرائيلية المطروحة تعني عمليًا ضم منطقة الأغوار، وفعليًا ضم الضفة وتحويلها مع مرور الوقت إلى مستوطنات إسرائيلية مكثفة، يتزامن ذلك مع مخطط تفريغها من سكانها رويدًا رويدًا، وهو ما يترجمه الاستيلاء على آلاف الدونمات الإضافية من الأراضي الفلسطينية التابعة للقرى القريبة من الحدود، تارة باسم حماية المحميات الطبيعية وأخرى باسم الاعتبارات الأمنية وثالثة باسم القانون والأحكام القضائية المزيفة.
ولم يعد المخطط الإسرائيلي لضم الضفة خافيًا على أحد، فالتطورات الميدانية الأخيرة تكرس لهذا المسار، حيث تباشر قوات الاحتلال عمليات الهدف والتجريف الواسعة، فيما يرسخ اليمين المتطرف شرعنة هذا الوضع من خلال سن قوانين جديدة، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قبل فترة عن تقدم عدد من نواب الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل ببعض مشاريع قوانين إلى الكنيست، بهدف جعل ضم الضفة الغربية أو مساحات شاسعة منها، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، أمرا واقعا.
ورغم تداعيات مثل هذا الجدار على العلاقات الإسرائيلية مع الأردن، إذ أن تشييد هذا الجدار يحتاج إلى موافقة الجانب الأردني؛ لأنه يمكن أن يؤثر سلبا على الحركة التجارية والسياحة والاقتصادية، وحتى البيئية، غير أن تلك المقاربة لم يضعها المحتل في الاعتبار، ما يعكس إصرارًا قويًا على المضي قُدمًا في هذا المسار، وعدم مبالاة لعلاقاته مع عمّان
وفي الأخير.. يرى الكيان الإسرائيلي المحتل أن فرصته اليوم مواتية للغاية في تحقيق حلم ضم الضفة، ولا يمكن تفويتها، إذ من الصعب تكرارها في القريب العاجل، مستندًا للمستجدات الأخيرة التي فرضت نفسها على الأجواء، أبرزها الانبطاح العربي الفاضح وغير المسبوق، والتسليم التام والكامل للأجندة الإسرائيلية دون أدنى مقاومة، وعلى الجانب الأخر استثمار وصول ترامب للسلطة ودعمه اللا محدود للمخططات الإسرائيلية، بعيدًا عن فقاعات الصدام والخلافات مع نتنياهو وحكومته.