ترجمة وتحرير: نون بوست
قال وليد جنبلاط، زعيم الدروز في لبنان، لموقع “ميدل إيست آي” إن على من يبحث عن مفاتيح لفهم طموحات التوسع الإسرائيلي في المنطقة أن يقرأ الكتاب المقدس.
مع شن القوات الإسرائيلية هجومًا جديدًا في غزة، وانتشار جنودها في الضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا، حذّر جنبلاط من أن احتمال قيام “إسرائيل الكبرى” التي تستند إلى الحدود التوراتية لا يمكن تجاهله.
وقال جنبلاط: “كنا نقول منذ زمن بعيد إن إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات، ويبدو أن هذا الأمر يتحقق ببطء، ولكن بثبات”.
يُعد جنبلاط (75 عاما) أحد الناجين من المؤامرات السياسية والدبلوماسية المعقدة التي شهدتها المنطقة على مدى عقود، كما نجا من أهوال الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة، التي برز خلالها في الواجهة بعد اغتيال والده كمال جنبلاط سنة 1977.
تحدث جنبلاط من منزله في بيروت بالتزامن مع جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج، قائلاً إنه لم يعد هناك من يحمي الفلسطينيين، لا في المنطقة ولا في أي مكان آخر في العالم.
وعبّر جنبلاط عن ازدراءه لقادة دول الخليج الذين أغدقوا على ترامب بعقود وهدايا بمليارات الدولارات، واصفًا إياهم بـ”الهوليغانز”. وأكد جنبلاط أنه لا يتفق مع الرأي القائل إن بإمكانهم إقناع ترامب بوقف الحملة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة، والتي باتت تأخذ طابع الحملة الشخصية بشكل متزايد.
وتوقع جنبلاط، بنبرة يملؤها التشاؤم، أن يتم “القضاء على غزة بالكامل”، وأن يُجبر أكثر من مليوني فلسطيني على الرحيل.
وتوقع أن يأتي الدور لاحقا على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ثم في النهاية الضفة الشرقية، فيما يُعرف الآن بالأردن.
وقال جنبلاط: “يقولون إن موسى مدفون في مكان ما هناك. من يدري [أين ستتوقف الحملات العسكرية الإسرائيلية] لأنك تتعامل مع التاريخ والأيديولوجيا. علينا أن نقرأ الكتاب المقدس مرة أخرى”.
لكن الزعيم المخضرم، الذي كان حزبه التقدمي الاشتراكي الذي يهيمن عليه الدروز، متحالفا في السابق مع منظمة التحرير الفلسطينية، حازمًا في تأكيده أن النضال الفلسطيني سيستمر، حتى بعد انتهاء المعركة الحالية.
وقال: “الجنود العرب جنود جيدون، جنود رائعون. والمقاومة اللبنانية والمقاومة الإسلامية جنود رائعون، ولكننا نواجه حاليا تكنولوجيا جديدة. ربما في يوم من الأيام، سيكون لدينا هذه التكنولوجيا. سنقاتلهم بأسلحتهم. لسنا أقل منهم، وهم ليسوا أفضل منا”.
اللقاء مع أحمد الشرع
كان جنبلاط واثقًا من أن إسرائيل لن تنجح في مساعيها الرامية إلى تقسيم سوريا إلى ثلاثة مناطق بإعلانها أحادي الجانب حماية الدروز في الجنوب والأكراد في الشمال.
وكانت إسرائيل قد استولت على أراضٍ في جنوب سوريا، بما في ذلك قمة جبل الشيخ الاستراتيجي، منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي وصعود حكومة انتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أكد قادة إسرائيل أن الغارات الجوية التي نفذوها بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق تعدّ تحذيرا للحكومة الجديدة بأنها ستتخذ إجراءات ضد أي تهديد للدروز في جنوب البلاد.
ورحب جنبلاط بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، ووصف الشرع الذي التقى به مرتين بأنه “رجل ذكي جدًا”.
وقال جنبلاط: “إنه يعرف ما يريده واستطاع خلال خمسة أشهر أن يجعل العالم يعترف به”.
وكشف أنه يعمل الآن مع الشرع لدمج الفصائل الدرزية السورية المسلحة في الجيش السوري.
وأكد جنبلاط أنه ذهب إلى دمشق ليوضح لدروز لبنان وسوريا وإسرائيل أنه يعترف بشرعية الحاكم الجديد في دمشق.
وأضاف: “ذهبت إلى دمشق ونحن نعمل معه على دمج المسلحين الدروز السوريين… ببطء ولكن بثبات، في الجهاز الجديد للدولة. هذه هي الطريقة الوحيدة لتهدئة بعض مخاوف الدروز”.
ورفض جنبلاط المناشدات التي وجهها موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، إلى الحكومة الإسرائيلية من أجل المساعدة.
وقال جنبلاط إن الشيخ طريف لا يمكنه أن يتصرف نيابة عن إسرائيل، أو إصدار تصريحات نيابة عن الدروز في سوريا أو لبنان لأن طائفته “أصغر من أن يفعل ذلك”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتصادم فيها جنبلاط مع الشيخ طريف.
قبل سقوط بشار الأسد، أرسل جنبلاط رسالة إلى طريف يدينه فيها بسبب استقباله نتنياهو في أعقاب حادثة وقعت في بلدة مجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل، والتي قُتل فيها 12 مدنيًا، من بينهم 10 أطفال.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن صاروخا من حزب الله أدى إلى سقوط القتلى، لكن السكان -ومعظمهم من الدروز السوريين- أكدوا أنها كانت شظايا صاروخ من القبة الحديدية الإسرائيلية.
يوجد في إسرائيل مجتمع درزي صغير، وهو مختلف تاريخيًا من الناحية السياسية عن الـ 24,000 درزي الذين يعيشون في مرتفعات الجولان المحتلة التي استولت عليها إسرائيل في حرب 1967.
والدروز داخل إسرائيل مواطنون ويخدمون في الجيش الإسرائيلي، رغم أن هناك احتجاجات من البعض ضد الخدمة في غزة. أما الدروز السوريون في الجولان المحتل، فإنهم يرفضون في الغالب الجنسية الإسرائيلية.
وقال جنبلاط إن الدروز لا يسعون لطلب الحماية من إسرائيل: “إنها لا تحمي أحدًا تاريخيًا، لذا فليحتفظوا بمشاعرهم الطيبة تجاهنا لأنفسهم”.
حاز الرئيس اللبناني جوزيف عون الإعجاب داخل البلاد عندما أكد أن نزع سلاح حزب الله سيأتي من خلال الحوار وليس عبر القوة.
لكنّه تعرّض لضغوط من واشنطن للإسراع بنزع سلاح حزب الله وتجاهل المخاوف من أن ذلك قد يؤدي إلى حرب أهلية.
قال جنبلاط إن الجيش اللبناني الذي كان عون قائدًا له، كان قد بدأ يعمل فعليا على نزع سلاح الحزب.
لكنه أكد أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/ تشرين الأول كانت غير متوقعة وعقّدت الوضع.
وقال: “هناك وقف إطلاق نار من طرف واحد فقط. الإسرائيليون ينتهكون وقف إطلاق النار يوميًا بالقصف والقتل. وهذا قد يؤدي إلى بعض المشاكل”.
وأضاف جنبلاط أنه من المهم جدًا دمج مقاتلي حزب الله في الجيش، ولكن من المهم بنفس القدر إعادة بناء المنازل في المناطق الحدودية التي دمرتها إسرائيل.
وفقًا لتحليل بيانات الأقمار الصناعية الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست، تم تدمير ما يقرب من ربع المباني في المناطق القريبة من الحدود.
وقال جنبلاط: “لماذا يجب أن نربط إعادة إعمار الجنوب بإعادة ترتيب القطاع المصرفي؟ هذا غير ضروري. حتى الآن، يمنع الأمريكيون أي محاولة لإعادة الإعمار ويرفضون منحنا المال”.
حزب الله خسر المواجهة
صعّد حزب الله من هجماته الصاروخية ضد إسرائيل ردًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة، مما أجبر عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى إخلاء البلدات والقرى في شمال البلاد.
وردت إسرائيل في سبتمبر/ أيلول 2024 بشن غارات جوية مكثفة أسفرت عن مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله ومسؤولين كبار آخرين، ثم شنت هجوما بريا واسع النطاق على جنوب لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
قال جنبلاط إن حزب الله قاتل ببسالة ولكن إسرائيل تفوقت عليه.
وأوضح أن الحزب لم يكن لديه ثغرات كبيرة في معلوماته الاستخباراتية فحسب، بل كان يعتقد أن بإمكانه الحفاظ على توازن القوة مع إسرائيل.
وأضاف: “ظهر أن ذلك مجرد هراء، لأننا نواجه تكنولوجيا جديدة تمامًا، وهي التكنولوجيا الغربية. لقد قاتلوا بشكل جيد جدًا على الأرض، لكن ثمن تلك المعركة كان باهظًا على الشيعة في الجنوب وفي أماكن أخرى. وقد تم اختراقهم أيضًا من العدو، مثلما رأينا عند اغتيال نصر الله.”
لجنبلاط تاريخ معقد مع حزب الله، فقد دعم المقاومة لأكثر من ثلاثة عقود، وعارض الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق سنتي 1991 و2003، لكنه غيّر موقفه في 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
انحاز جنبلاط إلى تحالف ”14 آذار“ السياسي المناهض لحزب الله والمدعوم من الولايات المتحدة. وفي 2006، ألقى باللوم على حزب الله في إشعال حرب الـ 33 يومًا التي شنتها إسرائيل.
سرعان ما خاب أمله في السياسة الأمريكية وأصبح اليوم متشككا بشدة في أن السياسة الأمريكية في لبنان والمنطقة لديها أي فرصة للنجاح.
رغم تنحيه عن زعامة الحزب التقدمي الاشتراكي في 2023، إلا أن جنبلاط يحتفظ بالتطلعات السياسية للحزب الذي أسسه والده، والذي حاول تجاوز الخطوط الحمراء الطائفية.
وقال في هذا السياق: “علينا تغيير الدستور. وعلينا أن نجعل الطوائف الدينية في لبنان تفهم أن ذلك من أجلهم ومن أجلنا. الطائفية تعرقل وحدة اللبنانيين”.
لكن جنبلاط قال إن لبنان يجب ألا يطبع علاقاته مع إسرائيل ما دامت تحتل أراضٍ في سوريا ولبنان.
وأضاف مازحًا: “دعونا نحافظ على موقفنا من إسرائيل كما هو وفقًا لاتفاقية الهدنة: لا حرب ولا سلام. عدم الانخراط في السلام أكثر أمانًا للبنان من صنع السلام، لأنك لا تعرف أين سينتهي بك الأمر إذا تصالحت مع إسرائيل”.
المصدر: ميدل إيست آي