انتهت القمّة العربية في دورتها الـ34، التي عُقدت ببغداد، السبت 17 من مايو/ أيار الجاري، كما بدأت، دون أي تأثير واضح للدول العربية، سواء على مستوى القرارات المتعلقة بحرب الإبادة المستعرة في قطاع غزة، أو على مستوى العمل العربي المشترك الذي لا يزال يراوح مكانه.
ورغم أنه لم يكن من المتوقّع أن تخرج قمّة بغداد بأي قرارات معتبرة، بيد أنها كشفت عن تراجع كبير للدبلوماسية العراقية وغياب تأثير بغداد عربيًا وإقليميًا، سيّما أنها شهدت غياب غالبيّة الزعماء العرب عن القمّة، بما تسبب بإحراج كبير للحكومة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
غياب الزعماء
ورغم الضجّة الإعلامية الكبيرة التي سبقت القمّة في بغداد، والتحضيرات الأمنية واللوجستية، وإنفاق عشرات ملايين الدولارات لاستضافة القمّة، غير أن مراقبين للشأن السياسي أشاروا إلى خيبة أمل عراقية كبيرة بعد غياب غالبيّة الزعماء العرب.
وشهدت قمّة بغداد حضور 5 زعماء عرب فقط، هم: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأمير دولة قطر تميم بن حمد، الذي غادر القمّة قبل إلقاء كلمته، إضافة إلى حضور الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، مع غياب بقيّة الزعماء واقتصار تمثيل بقيّة الدول على رؤساء وزراء أو وزراء حكوميين، في الوقت الذي شهدت فيه القمّة حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.
من جانبه، يرى المحلّل السياسي نزار حيدر أن قمّة بغداد شهدت ما وصفه بـ”أضعف حضور منذ أول قمّة عربية ولحد الآن”، مشيرًا إلى العديد من الأسباب التي يأتي على رأسها افتقار العراق للقرار السيادي الداخلي، إثر تعدّد الولاءات الداخلية للزعماء السياسيين في العراق.
ويتابع حيدر أن هذا الوضع أدّى بالقادة العرب إلى عدم حضورهم، انطلاقًا من اعتقادهم بعدم وجود أي تأثير إيجابي فيما يتعلق بدعم الدولة العراقية، بعدما ثبت أن “رئيس الوزراء العراقي لا يمثّل أكثر من واجهة تختفي وراءها الدولة العميقة، والفصائل المسلحة، والفساد، والفوضى، والفشل”، وفق قوله.
ومع غياب العاهل الأردني عبد الله الثاني، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، وملك البحرين حمد بن عيسى، وسلطان عمان هيثم بن طارق، وأمير الكويت وولي عهده، والرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس اللبناني جوزيف عون، ورؤساء دول المغرب العربي، يشير مراقبون إلى أن القمّة أخفقت دبلوماسيًا ونجحت برتوكوليًا من حيث التنظيم والتحضيرات اللوجستية والأمنية.
وفي هذا الصدد، يقول وكيل وزارة الخارجية العراقية هشام العلوي: “غياب بعض القادة العرب، وفي مقدّمتهم ملك الأردن عبد الله الثاني، لم يكن متوقّعًا على الإطلاق، خاصة أن الحكومة كانت على اطّلاع مسبق يؤكّد حضوره”.
كما أشار العلوي إلى أن غياب ملك البحرين لم يكن متوقّعًا كذلك، إذ، وبحسب البروتوكول، كان من المفترض أن يسلّم العاهل البحريني رئاسة القمّة إلى الرئيس العراقي، وهو ما لم يحدث، لافتًا إلى أن “المعلومات التي وردت إلى وزارة الخارجية العراقية حتى مساء اليوم السابق لانعقاد القمّة، كانت تشير بوضوح إلى مشاركة ملكي الأردن والبحرين، إلى جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أكّدت المملكة حضوره رسميًا قبل أيام فقط”.
على صعيد آخر، وبعيدًا عن الشأن السياسي، يؤكّد الخبير الأمني حسن العبيدي أن قمّة بغداد أثبتت للعراقيين أولًا، ولمن يهمّه الأمر كذلك، أن الوضع الأمني في العراق شهد تطوّرًا كبيرًا في السنوات الماضية، حيث لم تتجه القوات الأمنية العراقية لفرض حظر للتجوّل، ولم تلجأ كذلك لقطع الطرقات الرئيسية للعاصمة، بما ينعكس إيجابًا على الصورة الأمنية للعراق.
وفي حديثه لـ “نون بوست”، أفاد العبيدي بأنه يمكن استثمار هذا النجاح الأمني في إيصال رسائل إيجابية لدول العالم حول الاستقرار الأمني في العراق، بما سينعكس إيجابًا على تشجيع المستثمرين الأجانب على دخول البلاد، لا سيّما أن القمّة شهدت حضور الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الوزراء الإسباني.
أسباب عديدة
ويشير مراقبون للشأن السياسي في العراق إلى جملة من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية التي أدّت إلى عدم نجاح قمّة بغداد وغياب الزعماء العرب، إذ إن زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني إلى بغداد قبيل انعقاد القمّة بأيام، أرسلت إشارات سلبية للزعماء العرب، ولا سيّما لقادة دول الخليج، حيث اعتُبرت زيارته رسالة إيرانية مفادها أن بغداد لا تزال تحت التأثير الإيراني سياسيًا وأمنيًا.
كما أن تصريحات زعماء سياسيين شيعة حول رفضهم حضور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى بغداد ومشاركته في القمّة، مع تهديد بعض الفصائل، أعطت إشارات سلبية حول مركزيّة القرار العراقي، وفيما إذا كانت الحكومة العراقية هي التي تتحكّم بالمشهد أم لا، رغم أن رئيس الوزراء العراقي كان قد التقى بالرئيس السوري في العاصمة القطرية الدوحة قبل شهر من انعقاد القمّة.
ولا تقف أسباب غياب القادة العرب عن حضور قمّة بغداد على الأسباب الداخلية فقط، إذ إن عوامل داخلية وخارجية أخرى أسهمت في غياب قادة دول الخليج، لعل من أهمها قرار المحكمة الاتحادية العراقية، الذي ألغى اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله مع دولة الكويت، وهو ما عدّته الكويت تنصّلًا عراقيًا من التزامات دولية، في الوقت الذي يشير فيه محلّلون عراقيون إلى أن هذا الإجراء العراقي قد يوضّح أسباب غياب بعض قادة دول الخليج عن القمّة.
في السياق، يرى الباحث السياسي أنس العبيدي أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لكل من السعودية وقطر والإمارات، قبيل أيام من قمّة بغداد، سحبت البساط من قمّة بغداد فيما يتعلق بالملف السوري، مُبيّنًا أن لقاء الرئيس الأميركي بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، حقق ما كانت تصبو إليه دول خليجية عديدة.
ويقول العبيدي في حديثه لـ “نون بوست” إن دول الخليج كانت تضغط على الحكومة العراقية لأجل دعوة الشرع لحضور القمّة العربية ببغداد من أجل ترسيخ اعتراف عربي شامل بالدولة السورية الجديدة، بيد أن لقاء ترمب بالشرع أعطى لدول الخليج بُعدًا سياسيًا أكبر واعترافًا أميركيًا بالحكومة السورية الجديدة، دون الحاجة إلى قمّة بغداد لتحقيق هذا الهدف، وفق قوله.
وفيما يتعلق بغياب بقية الزعماء، يرى العبيدي أن ما وصفه بـ“دبلوماسية القمح” أخفقت في تشجيع كل من الرئيسين اللبناني والتونسي على حضور قمّة بغداد، حيث كان العراق قد تعهّد في بداية الشهر الجاري بإرسال 320 ألف طن من القمح إلى لبنان، فضلًا عن تبرّع بغداد بـ50 ألف طن من القمح إلى تونس، وهو ما كانت تأمل بغداد من خلاله لتأكيد حضور الرئيسين، مُبيّنًا أن هذه الدبلوماسية سبّبت حرجًا كبيرًا لحكومة السوداني بعد غياب رئيسي البلدين عن القمّة.