خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في إحدى ندوات القوات المسلحة ليقول بوضوح: “إن الأزمة في سوريا، وانتهاك السيادة فيها، والتراجع الحاصل في الأمن والاقتصاد، تسبب بها أهلها”.
لم يكن هذا التصريح تعليقًا عابرًا على الشأن السوري، بل كان خطابًا موجهًا إلى الداخل المصري، وهدفه الأساس كان بث الخوف من فكرة انتقاد الدولة أو المطالبة بالمزيد منها، كما لم يكن هذا الطرح خاصًا بالسيسي، بل يمكن اعتباره خطابًا منهجيًا يتكرر على ألسنة مسؤولي الدولة ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية.
إنه خطاب يُمكن تسميته بـ”عقيدة اللا أمل”؛ وهي إستراتيجية تتبناها أنظمة عربية متعددة لإقناع شعوبها بأن الفشل قدرٌ محتوم، وأن أي بديل سيكون أشد دمارًا، وأن الطموح ترف لا وقت له.
تقوم هذه العقيدة على ثلاث رسائل رئيسية: نحن نحميكم من الفوضى، والبدائل أخطر من الواقع، وتحمّلوا… فالخطر قائم ومتصاعد، لكن خلف هذه الرسائل، تتخفى رواية أعمق: لقد أصبح الفشل مشروعًا سياسيًا بحد ذاته، ولم يعد الإخفاق نتيجة عرضية لسوء التخطيط أو ضعف الإدارة، بل تحول إلى نهج ممنهج، يُبرَّر، ويُعاد إنتاجه، ويُحتفى به أحيانًا بوصفه “أقلّ الشرور”.
إذ لا يُراد في عقل النظام السلطوي فقط إسكات الشعوب، بل إعادة برمجة وعيها لتكفّ عن طرح الأسئلة من الأساس، والنتيجة النهائية لهذا النهج هي حالة من القبول البارد تجاه أي محاولة للتغيير، وتراجع سقف المطالب الشعبية إلى أدنى حد ممكن، لتقتصر على كسرة خبز، وفسحة أمان، والتخلّص من شعور المطاردة أو الاستهداف أو التشويه.
كيف تقنع الأنظمة العربية شعوبها بهذا النهج؟
أولًا: “انظروا إلى العراق وليبيا!”
استحضار الحالة العراقية والسورية والليبية، خلال فترات الحرب والانهيار، يُعد من أكثر الأدوات استخدامًا في خطاب الأنظمة العربية، إذ تُكرّره وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، المستندة في أدائها إلى توجيهات الرؤساء، بهدف ترسيخ فكرة أن مجرد وجود مؤسسات الدولة، رغم الفساد والفشل والتقصير، هو نعمة يجب الحفاظ عليها، وبمعنى آخر: لا ترفعوا سقف مطالبكم، ولا تعترضوا، ناهيك عن الدعوة إلى تغيير جذري.
الرئيس المصري السيسي عبّر عن ذلك بوضوح، حين قال في إحدى جلسات “منتدى شباب العالم” عام 2018: “إن التكلفة التي تحملتها المجتمعات الساعية للتغيير في عام 2011 تفوق بكثير تكلفة بقاء الأوضاع على ما كانت عليه.”
وفي الجزائر، تُستدعى العشرية السوداء (التي شهدت موجة عنف دموي في تسعينيات القرن الماضي) كلما ارتفعت الأصوات المطالِبة بالتغيير، ففي خلال الحراك الشعبي عام 2021، قال الرئيس عبد المجيد تبون صراحة إن البلاد تواجه “أعمالًا تحريضية وانحرافات خطيرة من قبل أوساط انفصالية، وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب، تستغل المسيرات”.
بهذا، يصبح الخوف من المصير السوري أو الليبي أو الجزائري القديم أداة ترويض فعالة، تُقدَّم كحقيقة لا جدال فيها: “التغيير خطير، والأمن قبل الكرامة، والفوضى أقرب مما تظن”.
ثانيًا: “أهل الشر يتآمرون”… لا وقت للإصلاح
هناك دائمًا مؤامرة تُحاك ضد البلد وعليه، ولا وقت الآن للمطالبة بزيادة الأجور، أو تحسين الكهرباء، أو العدالة الاجتماعية، فهذه المطالب، وفق خطاب السلطة، ترفٌ لا يناسب المرحلة، ولا يجوز طرحه في ظل “الخطر الداهم” الذي يستهدف المسيرة التنموية، أو على الأقل، هذا ما يراه الرئيس تبون، حتى حين خرج طلاب في مظاهرات سلمية في الجزائر!
هكذا، يتحوّل الأمن إلى الغاية النهائية التي لا يعلو عليها شيء. إذ يُصوَّر الوضع وكأن هناك قوى خفية تعمل في الظل على زعزعة الاستقرار.،وهذا الخطاب لا يُستخدم فقط لتخدير الشعوب وتقييدها، بل يمنح أيضًا الذريعة لأجهزة الأمن للتصرف بلا قيود، واعتقال من تشاء دون أوامر قبض أو تحقيقات أو إجراءات قضائية سليمة.
في مصر أيضًا، لا يتوقف عبد الفتاح السيسي عن التلويح المستمر بوجود مؤامرة تستهدف البلاد، إذ يقول في إحدى خطاباته: “أقول للمصريين: إوعوا… إوعوا الاستقرار والأمن اللي انتوا شايفينه ينسيكو إن فيه تحديات مستمرة… ولازم نكون فاكرين ومش هننسى إن المؤامرة دي على الأقل من أهل الشر… وأنا ما بسمّيش حد، مش إخفاءً، لكن دا سلوك أنا بتعامل بيه… أهل الشر لازالوا يعملون وسيعملون ضد مصر”.
أما في سوريا، فقد كان النظام بقيادة بشار الأسد يرى الاحتجاجات الشعبية من البداية مؤامرة كونية، لا مطالب اجتماعية أو سياسية مشروعة، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل أخذ الخطاب إلى بعدٍ أوسع، معتبرًا أن تقسيم سوريا سيكون بداية لتقسيم المنطقة برمتها، إذا ما وصلت “المجاميع الإرهابية”، أي المعارضة، إلى الحكم.
فيما يتعلق بالعراق، وعلى الرغم من أن النظام السياسي جاء عبر صناديق الاقتراع، لا تزال عقلية المؤامرة حاضرة بقوة، إذ لا يتوقف نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق ورجل الدولة العميقة، عن تذكير العراقيين بأن هناك مؤامرات تُحاك ضد النظام السياسي، سواء حين كان رئيسًا للوزراء، أو حين أصبح قائدًا لائتلاف “دولة القانون”، أحد أركان “الإطار التنسيقي” الحاكم، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
بالنسبة للمالكي، الحديث عن تجاوزات الحشد الشعبي، ليس سوى مؤامرة. الطعن في شرعية ولايته الثالثة؟ مؤامرة أخرى. فشل الدولة في صدّ هجوم داعش؟ مؤامرة لا إخفاق أمني. وعندما تصاعدت مطالب الشارع بعد هزيمة التنظيم، عاد لتحذير الناس من “النملة السوداء في الليلة الظلماء”، كناية عن خطر لا يُرى إلا بعيون القادة.
وهكذا، حتى في أوقات الاستقرار السياسي والأمني، لا بد من التلويح من حين لآخر بـ”المؤامرة” التي لا تنام، والتي “يحوكها الجميع”، وهي أحاديث تزرع الرهبة والخوف في وعي المواطن، فذاك الذي يُغذّى صباح مساء بخطاب المؤامرة، سيتردد مئة مرة قبل أن يفكر بالخروج إلى الشارع أو يطالب بحقوقه، لأنه ببساطة قد يُصنَّف عندها كجزء من “المؤامرة” نفسها المؤامرة التي لا يعلم تفاصيلها إلا القادة وحدهم!
ثالثًا: شيطنة المعارضين… الحُلم خيانة!
تستخدم الأنظمة العربية هذه الاستراتيجية لتبرير قمع كل من يخرج عن النص، سواء بالاعتقال أو التصفية أو الإبعاد أو تكميم الأفواه، ولا فرق إن كان المستهدف شخصًا أو جماعة أو حركة أو حتى فكرة، فمطالب الناس وحقوقهم غالبًا ما تجد من يمثلها أفرادًا أو منظمات أو رموزًا، وهكذا يُصبح ضرب هذه الكيانات وسيلةً فعّالة لإجهاض أي محاولة للمعارضة أو التغيير.
خذ مثلًا الإسلام السياسي ورموزه؛ لقد تحوّل هذا العنوان بذاته إلى تهمة، فالإعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي روّج دومًا لفكرة أن صعود الإسلاميين يعني الفوضى، دون الالتفات إلى أن ما شهدته تلك الدول من انهيار، سببه الحقيقي كان الطغيان والاستبداد… لا الثورة عليه.
هذا التشويه المتعمّد يتجاوز الحدود، ويمتد عبر المنصات الإعلامية الإقليمية والدولية، ففي فترة صعود الحركات الإسلامية بعد الربيع العربي، جرت محاولات حثيثة لربطها بالإرهاب والقمع، ولعلّ حادثة اغتيال شكري بلعيد في تونس من أبرز الأمثلة، إذ سُرعان ما رُبطت بالنهضة والغنوشي، رغم غياب أي دليل يُثبت صلتهم بها حتى اليوم.
في مصر، عقب انقلاب 30 يونيو، شُنت حملة منهجية منظمة ضد جماعة الإخوان المسلمين، بهدف شيطنتهم وتبرير تصفيتهم سياسيًا وجسديًا، سواء عبر القانون أو خارجه، وكان لهذا النهج دور محوري في ترسيخ أركان الانقلاب وإضفاء شرعية عليه.
يرى الكاتب والباحث السعودي مهنا الحبيل أن الغاية من هذا النهج هو تشريع التصفية الجماعية بحق تيار فكري وسياسي بأكمله. ويقول: “القانون الذي أصدرته السلطات المصرية باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، دون أدلة على مسؤولية في أي عنف مسلح، كان هدفه شرعنة تصفية المخالفين لهذا التحالف المكون من السيسي، وقوى الثورة المضادة، والتيار الخليجي. إنه قانون للّاقانون، ويمكن أن يُستخدم لاحقًا لتصفية أي معارض آخر، ولو بتهمة مختلفة”.
أما التهمة الأوسع انتشارًا والأكثر مرونة وفعالية في القمع، فهي: “الإرهاب”، التهمة “الجوكر” في يد الأنظمة، تُستخدم لتصفية الخصوم، وقد تبناها النظام الدولي وتغاضى عن تبعاتها، دون الحاجة لأي تحقيق، أو حتى تعريف واضح لها.
تحت هذا الغطاء، فُتح بابٌ واسع لاعتقال أي ناشط أو معترض أو داعية أو كاتب أو مواطن بسيط، لمجرد المطالبة بحقوقه الأساسية: تحسين الكهرباء، محاربة الفساد، رفع الأجور… أو حتى مجرد التعبير عن الرأي. وفي بعض الدول، الشك وحده كفيل بأن يوصم المرء بالإرهاب، ويقضي سنين في السجن دون محاكمة.
يمكن اعتبار العراق من أكثر الدول تطرفًا في تبنّي هذا النهج، حيث استُخدم اتهام الإرهاب كأداة للإقصاء والتخويف والتصفية، ليس فقط ضد المعارضين، بل أحيانًا حتى ضد الحلفاء، فمنذ ما بعد 2003، بدأت حملة تخويف واسعة ضد مكوّنات معينة في البلاد، رافقها سلسلة اعتقالات عشوائية، بينما كانت عمليات الفساد والنهب تجري بوتيرة سريعة، ما أدى إلى اختفاء نحو 400 مليار دولار من خزينة الدولة خلال سنوات، دون أن يُحاسَب أحد، أو يُسأل أحد، فـ”الإرهاب على الأبواب دائمًا”.
وفي دول مثل الخليج ومصر وسوريا ولبنان والأردن، تكرّرت مشاهد الاعتقال والسجن بتهم فضفاضة، طالت ناشطين ومفكرين ومثقفين، بل حتى دعاة وكتّابًا، دون أن تكون هناك جريمة حقيقية تستدعي ذلك.
رابعًا: وليُّ الأمر… “الصبر المقدس”… وأشياء أخرى!
في إحدى برامجه التلفزيونية، خرج الشيخ خالد الجندي، وهو من بين المشايخ الذين أُتيحت لهم مساحة واسعة في الإعلام المصري ليتحدث عن طاعة ولي الأمر، وصلاحياته في الشريعة الإسلامية، كما يراها، إذ قال الجندي إن ولي الأمر يملك حق تقييد المباح، بل وقد يمتد ذلك إلى تقييد السنّة، معتبرًا أن طاعته تصل إلى منزلة “الفرائض العليا” في الإسلام.
هذا الطرح ليس عابرًا، بل يحمل وراءه خطابًا ممنهجًا، يُمثّل النسخة الرسمية من الدين التي ترغب الأنظمة في تكريسها بين الناس، فإذا كان لا مفر من حضور الدين في الحياة العامة، فلا بد أن يكون تحت وصاية الدولة، حيث يُقدَّم الحاكم كـ”ولي أمر” له صلاحيات مطلقة، ويُمنح حق تحديد ما هو الأصلح للبلد، بل وما هو الشرعي وما ليس كذلك,
في السعودية مثلًا، أخذ الشيخ عبد العزيز الريس هذا المفهوم إلى مستوى أبعد، حين قال إن طاعة ولي الأمر واجبة حتى لو زنى وشرب الخمر على مرأى الناس!
تعجّ القنوات الرسمية والمنصات الممولة بمثل هؤلاء “المشايخ”، لأن الدين هو المحفّز الأكبر للتغيير في المجتمعات العربية، ولذلك فإن هذه الثغرة يجب أن تُغلق، يُبرز النظام مشايخ ويُخفي آخرين، يُزج بجماعات في السجون وتُلمَّع جماعات أخرى، وكل ذلك لخدمة معادلة واحدة: “ولي الأمر… خط أحمر”.
أول خطوة في مقاومة عقيدة اللا أمل هي تفكيك لغتها، فالأنظمة تتحدث دائمًا بلغة الضرورة والكارثة: “نحن على حافة الهاوية”، “الخطر محدق”، “المؤامرة مستمرة”
وليس بعيدًا عن هذه “المعادلة الدينية”، هناك مفاهيم مثل الصبر والصمود والتحمّل انتظارًا للأجر والثواب، وهي مفردات تجد لها حيزًا واسعًا في الإعلام العربي الرسمي، وكأن الدين جاء لتخدير الناس لا لتحفيزهم على المقاومة والتغيير، وكأن المطلوب هو الصبر لا النهوض!
أما الوسيلة الأخرى المفضّلة للأنظمة، فهي: الإلهاء، وهذا فنٌ تتقنه الأنظمة العربية ببراعة، ويتكرر في كل مناسبة. تنظيم بطولة كروية؟ إنجاز قومي يُحتفى به في مصر. تبليط بضعة شوارع؟ منجز حكومي ضخم في العراق رغم الفساد المستشري. وتطبل وسائل الإعلام لهذه “الإنجازات” بوصفها أدلة على “التقدم”.
وعلى صعيد الإعلام الجديد، تشهد وسائل التواصل الاجتماعي حملات “وطنية” تظهر بين الحين والآخر، وتختلف في الشكل من بلد إلى آخر، لكنها تتفق في الجوهر: “بلدنا أحسن بلد… نحن أفضل مجتمع”.
قد تأخذ هذه الحملات طابعًا تاريخيًا في دول مثل العراق ومصر وسوريا: “مهد الحضارات.” أو دينيًا في السعودية: “قبلة المسلمين.” أو سياسيًا وتحرريًا في الجزائر: “بلد المليون شهيد.”
الفكرة الجوهرية واحدة: رفع الروح المعنوية لمواطن يعيش في واقع متردٍ، بتغذية شعور الفخر بالماضي، أو التعلق بمشهد في الحاضر، بدل أن يُدرك كم ضاعت من موارده وطاقاته، وكان يمكن أن تجعله في مصاف الدول المتقدمة.
تفكيك خطاب اللا أمل: ألمانيا واليابان بدل ليبيا والعراق !
الخطاب الذي يُشيَّد فوق أنقاض الأمل ليس مجرد سردية عابرة، بل مشروع سلطوي مدروس يعيد تشكيل علاقة المواطن بالزمن والتاريخ والسياسة. ولتفكيك هذا الخطاب، لا يكفي رفضه أخلاقيًا، بل ينبغي كشف بنيته وآلياته وتعريته من الداخل.
أول خطوة في مقاومة عقيدة اللا أمل هي تفكيك لغتها، فالأنظمة تتحدث دائمًا بلغة الضرورة والكارثة: “نحن على حافة الهاوية”، “الخطر محدق”، “المؤامرة مستمرة”. هذه اللغة لا تفسر الواقع، بل تجمّده، وتقطع الصلة بين الحاضر والمستقبل، وتُعيد تدوير الخوف بدل صناعة الأمل. تفكيكها يتطلب استعادة لغة أخرى: لغة الإمكان، لغة الأسئلة، لغة الخيارات.
ثم يأتي كسر الحتمية السياسية التي تروّج لها الأنظمة حين تقول إنه لا بديل عنها، فهي لا تصف الواقع، بل تفرض قيدًا على الخيال الجمعي، وتروّج لمعادلة زائفة مفادها أن كل تغيير هو خراب، وكل بديل هو فوضى، لكن التاريخ لا يعرف الخلود، والشعوب لا تنكسر إلى الأبد.
كسر هذه الحتمية يبدأ من إعادة صياغة الأسئلة المسكوت عنها: ماذا لو تغيّر النظام؟ من قال إن الفوضى حتمية؟ من قرر أن الطريق مسدود؟ من منعنا من تخيّل انتقال سياسي عادل؟ حتى سوريا، بكل ما آلت إليه تعطي الجواب!
الخطاب السلطوي لا يكتفي بقتل الأمل، بل يُجرّم الحلم، ففي ظل عقيدة اللا أمل، يصبح النقد خيانة، والحلم تهديدًا، والمطالبة بالحق تجاوزًا، ولهذا فإن إعادة الشرعية للنقاش، وإعادة الاعتبار للنقد، ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة لأي مجتمع أنهكه الخوف واستُنزف تحت وطأة القمع.
إن إنتاج خطاب بديل لا يقل وضوحًا عن خطاب السلطة، ليس خيارًا، بل واجب. خطاب لا يكتفي بفضح الفساد أو توثيق القمع، بل يؤسس لقناعة أن التغيير ممكن، وأن الحياة الكريمة ليست منحة من الحاكم، بل حق أصيل من حقوق الإنسان.
تفكيك عقيدة اللا أمل ليس عملًا نخبويًا منعزلًا، بل فعل وجودي مقاوم.،ففي زمن يُروَّج فيه أن لا شيء سيتغير، تصبح أولى أشكال المقاومة أن تهمس لنفسك: لا… ليس هذا قدري. أن تقول إن الضريبة التي ندفعها اليوم باسم الحيلولة دون أن نكون “مثل ليبيا أو العراق”، يمكن أن تُدفع أو نصفها على الأقل في سبيل أن نكون مثل ألمانيا أو اليابان.