ترجمة وتحرير: نون بوست
إن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، التي أسفرت عن مقتل ما يقارب 54,000 فلسطيني، إلى جانب الخطط المختلفة لطرد من تبقى من الناجين، لها هدف رئيسي واحد: تأمين المستعمرة الاستيطانية اليهودية في “إسرائيل” من خلال استعادة الأغلبية الديموغرافية اليهودية المفقودة، وهي الأغلبية التي تم تحقيقها من خلال عمليات القتل الجماعي والتهجير منذ سنة 1948.
لقد أدرك الصهاينة منذ وقت مبكر أن الفرصة الوحيدة لبقاء مشروعهم الاستيطاني الاستعماري الاستيطاني تكمن في إنشاء أغلبية يهودية من خلال طرد الفلسطينيين.
وقد وضع ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، خططًا مبكرة لذلك في تسعينيات القرن التاسع عشر، وهو ما سعت المنظمة الصهيونية إلى تحقيقه منذ عشرينيات القرن العشرين. ومع ذلك، لم يصبح التهجير ممكنًا إلا بعد الاحتلال العسكري الصهيوني لفلسطين.
عشية حرب سنة 1948، كان عدد السكان اليهود في فلسطين يبلغ 608,000 نسمة (يشكلون 30 بالمائة من السكان)، وكان معظمهم قد وصل إلى البلاد خلال العقدين السابقين، إلى جانب 1,364,000 فلسطيني.
وأثناء الاحتلال الصهيوني سنة 1948، قتلت القوات الصهيونية ما يزيد عن 13,000 فلسطيني، أي ما يعادل واحدًا بالمائة من السكان الفلسطينيين، وهجّرت نحو 760,000 فلسطيني، أي أكثر من 80 بالمائة من سكان المناطق التي أعلنت “إسرائيل” لاحقًا أنها دولة يهودية.
ولقد كانت هذه المجازر وأعمال التطهير العرقي هي التي أسست للتفوق الديموغرافي اليهودي في “إسرائيل” بين سنتي 1948 و1967.
التهجير القسري
بحلول نوفمبر/ تشرين الأول 1948، كان نحو 165,000 فلسطيني فقط قد تبقوا داخل “إسرائيل”، في حين ارتفع عدد السكان اليهود المستعمرين إلى 716,000 شخص، ما أدى إلى زيادة نسبتهم من 30 بالمائة إلى 81 بالمائة تقريبًا بين ليلة وضحاها.
وفي سنة 1961، ارتفع عدد السكان اليهود إلى 1,932,000 نسمة من إجمالي عدد السكان البالغ 2,179,000 نسمة، مما رفع نسبة اليهود إلى 89 بالمائة.
وعشية احتلال “إسرائيل” لثلاث دول عربية سنة 1967، بلغ عدد سكانها 2,7 مليون نسمة، منهم 2,4 مليون نسمة من المستعمرين اليهود وأحفادهم، محافظين بذلك على نسبتهم البالغة 89 بالمائة من المجموع الكلي.
وكان أكبر خطأ ديموغرافي ارتكبته المستعمرة الاستيطانية اليهودية هو احتلالها لبقية فلسطين في سنة 1967، إلى جانب هضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء المصرية ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
بينما أدى الطموح الإقليمي الشره ل”إسرائيل” إلى احتلال ضاعف حجمها الجغرافي ثلاث مرات، إلا أنه أضعف بشكل كبير التفوق الديموغرافي اليهودي التي عمل الصهاينة جاهدين على تأمينها منذ سنة 1948.
وقبل تهجير 1967، قُدّر عدد سكان الضفة الغربية قبل الطرد بما يتراوح بين 845,000 و900,000 نسمة، بينما تراوح عدد سكان قطاع غزة بين 385,000 و400,000 نسمة.
وبدأ التهجير القسري بشكل علني خلال الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تم إجبار أكثر من 200,000 فلسطيني على عبور نهر الأردن من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، وكان العديد منهم من اللاجئين الذين فروا في سنة 1948 من المناطق التي أصبحت “إسرائيل”.
التهديد الديموغرافي
في غزة، قامت القوات الإسرائيلية بطرد 75,000 فلسطيني بحلول ديسمبر/ كانون الأول 1968، ومنعت 50,000 آخرين كانوا يعملون أو يدرسون أو يسافرون إلى مصر أو أماكن أخرى من العودة إلى منازلهم.
وبعد عملية التهجير، سجل التعداد السكاني الإسرائيلي في سبتمبر/ أيلول 1967 عدد سكان الضفة الغربية بـ 661,700 نسمة، وعدد سكان غزة بـ 354,700 نسمة.
وكان عدد السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية 68,600 نسمة. وبالتالي، بلغ إجمالي عدد الفلسطينيين في “إسرائيل” والضفة الغربية وغزة 1,385,000 نسمة، مما خفض نسبة اليهود في جميع الأراضي التي تسيطر عليها “إسرائيل” من 89 بالمائة إلى 56 بالمائة، مع استثناء بضعة آلاف من السوريين والمصريين الذين بقوا في هضبة الجولان وسيناء.
في الواقع، قامت “إسرائيل” بطرد ما بين 102,000 و115,000 سوري من هضبة الجولان، ولم يتركوا أكثر من 15,000 سوري هناك.
وفي حين كان معظم سكان سيناء في ذلك الوقت من البدو والمزارعين، أصبح 38,000 منهم لاجئين. كما واصلت “إسرائيل” ترحيل الفلسطينيين بالمئات مع تقدم الاحتلال.
وقد تسبب هذا الزلزال الديموغرافي الذي أعقب سنة 1967 في العديد من الليالي المرهقة لرئيسة وزراء “إسرائيل” آنذاك غولدا مائير في السبعينيات؛ حيث كانت تشعر بالقلق الشديد من عدد الفلسطينيين الذين كانوا يُولَدون كل ليلة.
واستمر انخفاض نسبة المستعمرين اليهود من السكان حتى سنة 1990، وسط قلق متزايد بين الإسرائيليين.
التدفق السوفيتي
بحلول سنة 1990، بلغ عدد سكان “إسرائيل” 1948 حوالي 4.8 ملايين نسمة، منهم 3.8 ملايين يهودي، ومليون فلسطيني، بينما بلغ عدد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة 622,016 نسمة، وفي الضفة الغربية 1,075,531 نسمة.
بلغ العدد الإجمالي للفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية 2,697,547،547، مما جعل اليهود يشكلون 58 بالمائة من السكان، وهي زيادة هامشية عن نسبة 56 بالمائة في 1967.
وأدى انهيار الاتحاد السوفييتي والأزمات الاقتصادية التي أعقبت ذلك في جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي إلى هجرة جماعية، خاصة بين اليهود، الذين كانت لديهم فرصة أسهل في الانتقال؛ حيث وفر لهم قانون العودة الإسرائيلي وجهة فورية دون تعقيدات الهجرة إلى الدول الغربية.
وقد جعل هذا من “إسرائيل” خيارًا جذابًا للغاية لليهود السوفييت ونعمة للدولة الإسرائيلية؛ حيث ساعد ذلك على تفادي “القنبلة الديموغرافية” الفلسطينية المخيفة، كما أصبح مفهومًا لدى الإسرائيليين.
ومع ذلك، تبين أن المليون يهودي سوفيتي الذين هاجروا إلى “إسرائيل” بين سنتي 1990 و2000 — والذين غيّروا التركيبة السكانية بشكل كبير بزيادة كل من السكان اليهود والأشكناز – لم يكونوا جميعهم يهودًا.
لقد تم التشكيك في يهودية أكثر من نصف هؤلاء المهاجرين من قبل حاخامات “إسرائيل”، الذين أصروا على أن اليهودي هو من وُلد لأم يهودية، ومن قبل الجماعات الصهيونية، بما في ذلك المنظمة الصهيونية الأمريكية؛ حيث كان العديد من الوافدين الجدد لا يمتلكون، في أحسن الأحوال، إلا جدًّا يهوديًا واحدًا. وكان من بينهم الأزواج وأقارب آخرين لم يكونوا يهودًا على الإطلاق.
ورفض العديد من المهاجرين ما بعد الاتحاد السوفيتي تعلم اللغة العبرية واستمروا في التحدث باللغة الروسية، مما أدى إلى إصدار العديد من الصحف باللغة الروسية في “إسرائيل” لاستيعابهم. حتى أن بعض الشباب المهاجرين شكلوا مجموعات من النازيين الجدد و”حليقي الرؤوس” الذين هاجموا اليهود والمعابد اليهودية في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، لم تتمكن هذه الموجة الكبيرة من الهجرة من منافسة نمو عدد السكان الفلسطينيين.
الذعر الديموغرافي
بحلول سنة 2000، وصل عدد سكان “إسرائيل” إلى 6,4 ملايين نسمة، من بينهم خمسة ملايين يهودي وحوالي 1,2 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 2,012 مليون نسمة وسكان غزة 1,138 مليون نسمة، مما قلل نسبة المستعمرين اليهود وأحفادهم إلى ما لا يزيد عن 52 بالمائة من إجمالي عدد السكان.
وبعد أن أدركت الحكومة الإسرائيلية أن المستعمرات الاستيطانية الأوروبية القليلة التي نجت من التحول العالمي للاستعمار الاستيطاني منذ الستينيات – بما في ذلك جنوب أفريقيا في نهاية المطاف في سنة 1994 – هي تلك التي حافظت على أغلبية ديموغرافية بيضاء هائلة، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، أصيبت الحكومة الإسرائيلية بالذعر.
بحلول نهاية تلك السنة، أصبح استعادة التفوق الديموغرافي اليهودي هاجسًا حقيقيًا.
وفي ديسمبر/ كانون الأول من تلك السنة، عقد معهد السياسات والإستراتيجية في مركز هرتسيليا متعدد التخصصات في “إسرائيل” المؤتمر الأول من سلسلة المؤتمرات السنوية التي ركزت على قوة الدولة وأمنها، خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على طابعها الخاص بالتفوق اليهودي.
وكانت إحدى “النقاط الرئيسية” التي تم تحديدها في تقرير المؤتمر الذي جاء في 52 صفحة هي القلق بشأن الأعداد الديموغرافية المطلوبة للحفاظ على التفوق اليهودي في إسرائيل:
إن ارتفاع معدل المواليد “من عرب إسرائيل” يضع مستقبل إسرائيل كدولة يهودية موضع تساؤل… إن الاتجاهات الديموغرافية الحالية، إذا ما استمرت على هذا النحو، تتحدى مستقبل إسرائيل كدولة يهودية. وأمام إسرائيل إستراتيجيتان بديلتان: التكيف أو الاحتواء. وتتطلب الاستراتيجية الأخيرة سياسة ديموغرافية صهيونية نشطة وطويلة الأمد، من شأنها أن تضمن تفوق الطابع اليهودي لإسرائيل، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والتعليمي.
وأضاف التقرير بشكل قاطع أن “أولئك الذين يدعمون الحفاظ على طابع إسرائيل كدولة يهودية للأمة اليهودية… يشكلون أغلبية بين السكان اليهود في إسرائيل.”
الحفاظ على التفوق
ولم يكن المؤتمر مجهودًا منفردًا. فقد رحب بالحضور رئيس “إسرائيل” آنذاك موشيه كتساف.
وعكس المؤتمر وجهات النظر اليهودية المتطرفة السائدة بين اليهود الإسرائيليين والمنظمات اليهودية الأميركية المؤيدة ل”إسرائيل”، وقد شارك في رعايته كل من اللجنة اليهودية الأميركية ومركز “إسرائيل” للتقدم الاجتماعي والاقتصادي ووزارة الدفاع الإسرائيلية والوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية ومركز الأمن القومي في جامعة حيفا ومجلس الأمن القومي الإسرائيلي داخل مكتب رئيس الوزراء.
وشارك في المؤتمر 50 متحدثًا من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، بمن فيهم رؤساء وزراء سابقون ومستقبليون وأساتذة جامعيون وشخصيات من رجال الأعمال والإعلام بالإضافة إلى أكاديميين يهود أمريكيين ونشطاء اللوبي الأمريكي المؤيد ل”إسرائيل”.
ويعقد مؤتمر هرتسيليا سنويًا منذ ذلك الحين؛ حيث تتم مناقشة المسألة الديموغرافية بانتظام واقتراح إستراتيجيات لحماية التفوق الديموغرافي اليهودي.
وقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، وهو شخصية رئيسية في الحكومة الإسرائيلية منذ الخمسينيات، عن قلقه في سنة 2002 من “الخطر” الديموغرافي الفلسطيني؛ حيث بدأ الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية “بالاختفاء… مما قد يؤدي إلى ربط مستقبل فلسطينيي الضفة الغربية بعرب إسرائيل”.
ووصف المشكلة بأنها “قنبلة ديموغرافية”، وأعرب عن أمله في أن يؤدي وصول 100 ألف يهودي آخر إلى “إسرائيل” إلى تأجيل هذا “الخطر” الديموغرافي لعشر سنوات أخرى، وشدد على أن “الديموغرافيا ستهزم الجغرافيا”.
وبحلول سنة 2010، بلغ عدد سكان “إسرائيل” 7.6 ملايين نسمة، منهم 5.75 ملايين يهودي و1.55 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 2.48 مليون نسمة وسكان غزة 1.54 مليون نسمة. وهذا ما جعل السكان اليهود أقلية لا تزيد نسبتهم عن 49 بالمائة لأول مرة منذ التطهير العرقي الجماعي للفلسطينيين سنة 1948.
لقد كان هذا أمرًا غير مقبول بالنسبة لدولة الفصل العنصري، وعلى هذه الخلفية أقر الكنيست الإسرائيلي في يوليو/ تموز 2018 “القانون الأساسي الجديد: إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي”، مؤكدًا أن “أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، الذي أُسست فيه دولة “إسرائيل” وأن “الحق في ممارسة تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو حق حصري للشعب اليهودي”.
وكان القانون الجديد، الذي أكدت المحكمة العليا في “إسرائيل” أنه دستوري رغم طابعه العنصري، إعلانًا ضروريًا بأن “إسرائيل” فهمت أنها تخسر “الحرب” الديموغرافية.
وبالتالي أكد القانون أنه بغض النظر عن عدد اليهود الذين بقوا في “إسرائيل” أو نسبة السكان الذين يشكلونها، فإنهم سيستمرون في التمتع بامتيازات عنصرية واستعمارية فريدة من نوعها على حساب الفلسطينيين الأصليين.
التفوق المقنن
في سنة 2020، بلغ عدد سكان “إسرائيل” 9.2 مليين نسمة، بينهم 6.8 ملايين يهودي و 1.9 مليون فلسطيني، بينما بلغ عدد سكان الضفة الغربية 3.05 ملايين، وعدد سكان غزة 2.047 مليون، مما أدى إلى تقليص نسبة المستعمرين اليهود وذريتهم إلى 47 بالمائة من إجمالي السكان.
ومع ذلك، لا يبدو أن الفلسطينيين هم السكان الوحيدون الذين يُنظر إليهم على أنهم “قنبلة ديموغرافية” تهدد التفوق الديموغرافي اليهودي.
ففي يناير/ كانون الثاني 2023، أصدر مورتون كلاين، الرئيس الوطني للمنظمة الصهيونية العالمية، بيانًا مذعورًا بشأن “نزع الطابع اليهودي” المرتقب من الدولة اليهودية.
هذه المرة، اتضح أن الجناة هذه المرة هم اليهود الزائفون، أولئك الذين سمح لهم “قانون العودة” الإسرائيلي العنصري وسيئ السمعة بدخول البلاد. وقد تم تعديل هذا القانون في سنة 1970 ليسمح لأي شخص في جميع أنحاء العالم من أحد أجداده اليهود – بما في ذلك الزوج غير اليهودي، وأبناء وأحفاد هذا الشخص وأزواجهم – بأن يصبحوا مستعمرين في إسرائيل ويحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
وقد أعلن بيان المنظمة الصهيونية العالمية بأسف أن تعديل عام 1970 سمح لنصف مليون “غير يهودي” من الاتحاد السوفييتي السابق بالاستيطان في الدولة اليهودية.
واستندت المنظمة في قلقها إلى بيانات الحكومة الإسرائيلية التي أظهرت أنه “نتيجةً إلى بند الأجداد، كان أكثر من 50 بالمائة من جميع المهاجرين إلى الدولة اليهودية في السنة الماضية من غير اليهود، وأن 72 بالمائة من المهاجرين من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى الدولة اليهودية اليوم هم من غير اليهود”.
وحذرت المنظمة الصهيونية من أن “هذا الأمر يتسبب في انخفاض كبير في نسبة اليهود الذين يعيشون في إسرائيل، مما يعرض استمرارية إسرائيل كدولة يهودية للخطر”.
وبحسب بيان المنظمة الصهيونية العالمية؛ فإن هذا الوضع المروع يعني أن “غير اليهود سيكون لهم تأثير أكبر على تحديد قادة الدولة اليهودية وقوانينها وقراراتها الأمنية”، وأن “يهود الشتات الذين يحتاجون أو يريدون العيش في الوطن اليهودي قد ينتقلون إلى دولة ذات أغلبية غير يهودية في المستقبل”.
وطالب البيان “بإلغاء أو تعديل/ إصلاح بند الأجداد. يجب أن نفعل كل ما في وسعنا لضمان بقاء الدولة اليهودية يهودية.”
وعلى الرغم من أن البيان لم يدعُ صراحةً إلى طرد نصف مليون مستوطن أوروبي “غير يهودي”، كما فعلت “إسرائيل” مع الفلسطينيين الأصليين في 1948 و1967، إلا أن المعنى الضمني كان واضحًا.
وإذا قبل المرء وجهة نظر المنظمة الصهيونية بأن هؤلاء اليهود السوفييت السابقين في “إسرائيل” اليوم ليسوا يهودًا على الإطلاق؛ فإن نسبة اليهود تنخفض أكثر إلى 42 بالمائة.
المرحلة النهائية
في هذا السياق، صعّدت “إسرائيل” ومحكمتها العليا ومستوطنوها حملتهم لترهيب الفلسطينيين في القدس الشرقية في مايو/ أيار 2021؛ حيث تم طرد 13 عائلة، تضم 58 شخصًا، من منازلهم في حي الشيخ جراح.
كما هدد المستوطنون والمحاكم الإسرائيلية 1,000 فلسطيني آخر بالطرد من منازلهم. واعتُبر القرار دوليًا دليلًا إضافيًا على أن “إسرائيل” هي دولة فصل عنصري.
وفي يناير/ كانون الثاني 2021، كانت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان قد أصدرت تقريرًا تعرّف فيه النظام الإسرائيلي بأنه نظام “تفوق يهودي” وتصف “إسرائيل” بأنها دولة فصل عنصري.
وفي أبريل/ نيسان، أي قبل شهر واحد من صدور حكم المحكمة العليا، أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا أعلنت فيه أن “إسرائيل” دولة فصل عنصري داخل حدود 1948 والأراضي المحتلة منذ سنة 1967.
وفي فبراير/ شباط 2022، حذت منظمة العفو الدولية حذو هيومن رايتس ووتش، وأعلنت أيضًا أن “إسرائيل” دولة فصل عنصري.
وفي ضوء وضع الأقلية الذي يعاني منه المستوطنون اليهود في “إسرائيل”؛ فإن الإبادة الجماعية الحالية في غزة هي التي تدفع إلى تنفيذ الإبادة الجماعية الحالية في غزة، إلى جانب خطط طرد من تبقى من الفلسطينيين الناجين خارج القطاع.
إن المحاولة الإسرائيلية اليائسة لاستعادة التفوق الديموغرافي اليهودي هي ما يدفع إلى الإبادة والتهجير المخطط له لمليوني فلسطيني في غزة. ففي مارس/ آذار 2025، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على إنشاء “هيئة لإدارة الهجرة الطوعية [للفلسطينيين] من غزة”.
وتُفيد التقارير أن الحكومة الأمريكية، التي تعاونت مع “إسرائيل” خلال إدارتي جو بايدن ودونالد ترامب لإيجاد وجهات للاجئين الفلسطينيين الناجين من الإبادة الجماعية، تعمل الآن على ترتيب صفقة جديدة، هذه المرة مع أمراء الحرب في ليبيا، لاستقبالهم.
ومع نزوح ما بين 100,000 إلى نصف مليون يهودي إسرائيلي من البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استمرارًا لاتجاه سابق للهجرة، يبدو من غير المحتمل أنه حتى لو نجحت “إسرائيل” في حملات الإبادة والتهجير في غزة، فمن غير المرجح أن تتمكن من استعادة التفوق الديموغرافي اليهودي.
والخيار الوحيد المتبقي أمامها هو إبادة جميع الفلسطينيين – وليس فقط أولئك الموجودين في غزة.
المصدر: ميدل إيست آي