وافق مجلس النواب (البرلمان) المصري، أمس الأحد، على مشروعي قانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب الصادر بالقانون رقم (46) لسنة 2014، والقانون رقم (174) لسنة 2020، بشأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، وذلك بعد موافقة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس في اجتماعها الخميس 22 من الشهر الجاري.
وكان رئيس الهيئة البرلمانية لحزب “مستقبل وطن”، صاحب الأغلبية البرلمانية، النائب عبد الهادي القصبي، مدعومًا من الكتلة البرلمانية لأحزاب الموالاة (الشعب الجمهوري وحماة وطن وبعض نواب تنسيقية شباب الأحزاب) تقدم الأسبوع الماضي، بمشروعي قانونين لتعديل بعض أحكام القوانين المنظمة للانتخابات.
رئيس اللجنة الدستورية والتشريعية بالبرلمان، النائب إبراهيم الهنيدي، أشار خلال استعراضه تقرير اللجنة حول مشروعي القانون أن “التعديل التشريعي يهدف إلى تحقيق التمثيل العادل والمتكافئ للسكان والمحافظات، وفقاً للتطورات والتقسيمات الإدارية المستحدثة للمحافظات، وفي ضوء الإحصائيات المُحدثة المقدمة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والهيئة الوطنية للانتخابات عن عام 2025، إذ تم إدخال تعديلات بسيطة على القوانين الحالية لتحقيق التناسب العادل بين عدد السكان والناخبين من جهة، وعدد النواب الممثلين عنهم من جهة أخرى، وفق معايير منضبطة وواقعية”.
مصر.. البرلمان يقر نهائياً تعديل قانون الانتخابات التشريعية#الشرق_للأخبار https://t.co/xLdhjfZYVU
— Asharq News الشرق للأخبار (@AsharqNews) May 25, 2025
التعديلات المُقرة برلمانيًا جاءت صادمة لقطاع كبير من المراقبين للشأن الانتخابي والمعارضين للنظام المعمول به حاليًا، والتي تُكرس لاحتكار أحزاب الموالاة الداعمة للنظام للسواد الأعظم من المقاعد البرلمانية، وتبقي على الوضع على ماهو عليه، حيث لا منافسة ولا تشاركية ولا تعددية كما كان يطالب الكثيرون، في تغريد خارج سرب التصريحات والشعارات الرنانة التي رفٌعت خلال الآونة الأخيرة تحت ستار “جلسات الحوار الوطني”
وبحسب الدستور المصري من المقرر أن تُجرى الانتخابات قبل 60 يومًا من انتهاء مدة المجلسَين، النواب والشيوخ، الحالية، وهو ما يعني الدعوة لانتخابات مجلس الشيوخ في شهر أغسطس/أب القادم، قبل نهاية مدة المجلس في أكتوبر/ تشرين أول المقبل، ثم الدعوة لانتخابات النواب في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، قبل نهاية فترة المجلس الحالي، المقررة في يناير/ كانون الثاني 2026.
ويتنافس المرشحون على 568 مقعدًا بمجلس النواب ( 284 بالنظام الفردي و284 بنظام القوائم المغلقة) بخلاف المعينين، في مقابل 200 مقعد بمجلس الشيوخ ( 100 بنظام القائمة و100 بالنظام الفردي) فيما يعين رئيس الجمهورية الثلث الباقي والمقدر بـ 100 مقعد، مع أحقية الأحزاب والمستقلين في الترشح بكليهما معًا، وهو القانون الذي شهد مطالبات بتعديله.
تعديلات شكلية
لم يشهد النظام الانتخابي المُمرر برلمانيًا أي تغيرات جذرية في أضلاعه الرئيسية، إذ كانت كافة التعديلات شكلية لا تشتبك مطلقًا مع النقاط المثيرة للجدل والتي كان الخلاف حولها في الأساس، حيث انحصرت التعديلات في بعض المسائل القشرية الفرعية التي لا تؤثر على النظام ولا تصنع له الفارق الذي يميزه عن المعمول به حاليًا:
- مشروع القانون الجديد، كما القانون الحالي، يجمع بين نظامي القائمة والفردي، بحيث تقسم البلاد إلي 4 دوائر انتخابية للقوائم (دائرتان لهم 80 مقعدًا، كل دائرة 40، ودائرتان لهم 204 مقاعد لكل دائرة 102) بإجمالي مقاعد 284 مقعدًا، ومثلهم للنظام الفردي، وفي مجلس الشيوخ تقضي التعديلات بتوزيع مقاعد القوائم على 4 دوائر، بواقع 26 مقعدًا على دائرتين، 13 لكل دائرة، و37 مقعدًا لكل دائرة من الدائرتين الأخيرتين، ليصل إجمالي مقاعد القوائم إلى 100 مقعد.
- إضافة بعض المقاعد على الدوائر بنظام التدوير، مثل إضافة مقعد بدائرة مركزَي الواسطى وناصر، لتصبح ثلاثة مقاعد بدلًا من مقعدَين، وضم دوائر إلى أخرى مثل ضم دائرة السيدة زينب إلى دائرة الدرب الأحمر وعابدين، لتصبح جميعًا دائرة واحدة، بجانب فصل دوائر عن أخرى مثل فصل دائرة قسم الأهرام عن دائرة 6 أكتوبر، وفصل دائرة العاشر من رمضان، لتصبح دائرة مستقلة.
لاتعديلات جوهريه في قانوني مجلس النواب ومجلس الشيوخ
– النظام الانتخابي ٥٠٪ فردي ، و٥٠٪ قائمه مطلقه لايزال ساريا
– لا زياده في عدد نواب مجلسي النواب والشيوخ
– التعديلات التي جرت فقط تمس اعادة توزيع بعض المقاعد
– غدا اللجنه التشريعيه تناقش القانون تمهيدا لعرضه علي الجلسة العامه— مصطفى بكري (@BakryMP) May 21, 2025
- زيادة مبلغ التأمين ليصل إلى 120 ألف جنيه للقائمة التي عدد أعضائها 40 عضوًا، و306 آلاف جنيه للقائمة التي عدد أعضائها 101، في حين كان القانون القائم يجعل التأمين للقائمة التي عدد أعضائها 42 نحو 42 ألف جنيه، أما القائمة التي كان عدد أعضائها 100 عضو فكان التأمين لها نحو 100 ألف جنيه ( الدولار يساوي 50 جنيهًا)
- تضمن مشروع القانون ضرورة أن تتضمن القائمة المخصص لها 40 عضوًا (20) امرأة على الأقل، والقائمة المخصص لها 101 عضو نحو 51 امرأة؛ في حين أن القانون القائم كان ينص على أن تتضمن القائمة المخصص لها 42 عضوًا (21) امرأة على الأقل، والقائمة المخصص لها 100 عضو نحو 50 امرأة.
تجاهل كافة المقترحات
قبل 3 سنوات تقريبًا وبالتحديد في عام 2022 كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا كافة التيارات السياسية والحزبية للمشاركة في حوار سياسي تحت مسمى “الحوار الوطني”، كان الهدف إجراء نقاش مفتوح وموسع بين جميع الفئات حول أولويات العمل الوطني، متعهدًا بالنظر في مخرجاته وتطبيق ما هو ملائم منها.
وبالفعل انعقدت عشرات الجلسات تحت شعار هذا الحوار، شارك فيها الكثير من ألوان الطيف السياسي المصري، وكان هناك ملفان أساسيان سيطرا على معظم النقاش، الإفراج عن المعتقلين على ذمة قضايا سياسية أو قضايا رأي من النشطاء والصحفيين والمفكرين وأصحاب الاهتمامات الحقوقية، وتعديل النظام الانتخابي بما يمنح أكبر قدر ممكن من الأحزاب الفرصة في التشاركية والتعددية ويقلص نسبيًا من حالة الاحتكار التي تهمين على المشهد بفضل النظام المعمول به حاليًا.
وبعد جلسات عصف ذهني ومعارك سجالية بين المشاركين على مدار أكثر من عامين تقريبًا قُدمت ثلاثة مقترحات بشأن النظام الانتخابي المقرر العمل به خلال الانتخابات المقبلة، الأول يتعلق بالإبقاء على النظام الحالي، 50% من المقاعد بالنظام الفردي، و50% بنظام القائمة المطلقة، في 4 دوائر على مستوى الجمهورية.
أما الاقتراح الثاني تضمن انتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة عبر 15 دائرة على مستوى الجمهورية، ويختار الناخب قائمة حزبية، تتضمن عددا من المرشحين عن دائرة واحدة، والقائمة التي تحصل على أغلبية الأصوات لا تحصل على كافه المقاعد لهذه الدائرة، وإنما عدد من المقاعد، يتناسب مع نسبه ما تحصل عليه من أصوات، فيما ذهب الاقتراح الثالث إلى انتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي، و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية.
وبعد أربعة أيام فقط من أداء السيسي اليمين الدستورية لولايته الرئاسية الثالثة في أبريل/نيسان 2024 تعهد بدعم حالة الانفتاح والإصلاح السياسي التي بدأت مع إطلاقه دعوة الحوار الوطني عام 2022، فيما تصاعدت الآمال بشأن إجراء تعديلات جذرية في النظام الحالي تمنح المشهد السياسي المصري قبلة الحياة في ممارسة تعددية نزيهة، وانتخاب برلمان يمثل الشعب واقعيًا بعيدًا عن التمثيل الشرفي الغائب شكلا ومضمونا عن الواقع.
لكن كانت المفاجأة حين تقدمت أحزاب الموالاة النيابية التي يقودها حزب الأغلبية “مستقبل وطن” الوريث الحالي للحزب الوطني الديمقراطي المنحل، بمشروعي قانون بشأن تعديلات النظام الانتخابي لم تتضمن مطلقًا أي من المقترحات المقدمة خلال جلسات الحوار الوطني، في تجاهل واضح لما تم الاتفاق عليه، وإصرار على المضي قدمًا في درب الاحتكار دون أي اعتبارات أو حسابات ديمقراطية، مما أشعل الغضب لدى كثير من المهتمين بالشأن السياسي المصري.
عن أي توافق سياسي يتحدثون
في تصريحاتهم التبريرية لمشروعي القانون، كشفت اللجنة الدستورية بمجلس النواب وبعض الكتل النيابية أن تلك التعديلات تأكيد واضح وصريح على أن البرلمان يجب أن يكون مرآة حقيقية للشعب المصري بكافة فئاته وتنوعاته، وأنها تعكس توافقًا سياسيًا بين مختلف الأطياف والتيارات، وهي التصريحات التي قوبلت بالرفض والسخرية أحيانًا.
حيث شهدت جلسات الحوار الوطني الممتدة على مدار أكثر من عامين خلافات وتباينات بين ممثلي الأحزاب الموالية والمعارضة بشأن النظام الانتخابي، وضرورة إدخال بعض التعديلات الجذرية عليه، حيث انقسمت الساحة إلى قسمين:
الأول: الفريق الموالي الممثل بحزب مستقبل وطن وأقرانه والذي يميل إلى نظام القائمة المطلقة، والذي يعني أن القائمة التي تحصل على 50% من أصوات الناخبين تفوز تلقائيًا بكل المقاعد المخصصة للدائرة، دون أي اعتبار للقوائم الأخرى المشاركة، وهو ما يخدم مصالح الأحزاب ذات التمويل الكبير والنفوذ الواسع والعلاقات القوية مع أجهزة الدولة السيادية وقطاع رجال الأعمال الذي يلعب دورًا كبيرًا في تجييش العمال والموظفين للتصويت للقائمة المدعومة من الدولة.
الثاني: الفريق المعارض والذي يطالب بنظام القائمة النسبية المفتوحة، حيث تحصل القائمة على عدد مقاعد مساو لنسبة ما حصلت عليه من إجمالي أصوات المقترعين الصحيحة. فعلى سبيل المثال، لو كان لدينا دائرة فيها عشرة مقاعد، وكان عدد الأصوات الصحيحة مائة ألف صوت، وحصلت إحدى القوائم على ما مجموعه عشرون ألف صوت، فإن هذا يعني حصولها على 20 % من مجموع الأصوات، وهو ما يساوي مقعدين من المقاعد العشرة.
وبمقارنة النظامين فإن النظام الأول المعمول به حاليًا والذي تم إقراره مجددًا في التعديلات الجديدة يسمع للأحزاب الكبيرة ذات النفوذ المالي والسلطوي بالسيطرة الكاملة على البرلمان، وتهميش بقية الأحزاب الأخرى، فيما ذهب أخرون إلى أن مثل هذا النظام أحد الأسباب الرئيسية لضعف الأحزاب السياسية المصرية وإدراجها عنوة داخل حظيرة التدجين والمساومات.
لا تنافسية.. وأد حلم التعددية السياسية
تمرير تلك التعديلات بشكل رسمي داخل البرلمان تعني باختصار القضاء على الفرصة الأخيرة للتعددية السياسية ووأد أي حلم للتشاركية المأمولة وغلق الباب بشكل كبير أمام التنوع والتمثيل السياسي المعبر عن الثراء المجتمعي، وإصرار متعمد لا ريب فيه على المضي قدما في مسار الاستقطاب والاحتكار والهيمنة على الساحة من الأحزاب السلطوية.
ويبدو أن البرلمان وأحزاب الموالاة ومن يقف خلفها لا تتعلم من دروس وتجارب الماضي، ففي ظل التحديات الخطيرة التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وما أعقبها من تصاعد الخطاب المنادي بضرورة فتح المجال السياسي ومنح الأفق العام متنفسَا للديمقراطية والتعددية، إذ بالصلف السلطوي لا زال يحكم قبضته دون أي تزحزح أو إرادة في التغيير.
الصحفي المصري حسام مؤنس، المتحدث الرسمى السابق لدى التيار الشعبي المصري، يرى أن إقرار تلك التعديلات “ينهى تماما أي حديث عن إمكانية لانتخابات جادة أو تنافسية أو بها الحد الأدنى من فرص التمثيل السياسى المتنوع والواسع بما يعبر عن تنوع المجتمع” معتبرًا في منشور له على صفحته على فيس بوك ما حدث بأنه ضربة موجعة جديدة “لكل المحاولات بذلت منذ الدعوة للحوار الوطني في حلحلة الكثير من الملفات والقضايا التي قد تمثل بوادر وخطوات نحو إصلاح سياسي جاد”.
وفي المحصلة ووفق تلك التعديلات الجديدة فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة لا تحتاج إلى فنجان سياسي لقراءتها مسبقًا، فملامحها قد لاحت في الأفق مقدمًا، ونتائجها بنسبة كبيرة قد حٌسمت قبل أن ينطلق الماراثون الانتخابي، استمرار لهيمنة الأحزاب السلطوية الموالية، ومزيد من التهميش لأحزاب المعارضة، ومن ثم تشكيلة برلمانية لا تختلف كثيرًا عن التشكيلة الحالية، البعيدة كل البعد عن مشاكل وهموم المواطن، وغير المعبرة تمامًا عن مزاج المجتمع وقائمة أولوياته.