ترجمة وتحرير: نون بوست
شنت إسرائيل أكثر من 700 غارة على سوريا في الأشهر التي تلت إطاحة المتمردين الإسلاميين بالديكتاتور بشار الأسد، ومن بينها غارة جوية حديثة وقعت على مقربة من القصر الرئاسي في دمشق.
وكانت الأهداف الرئيسية، وفقًا للمسؤولين الإسرائيليين، هي منع وقوع الأسلحة في أيدي أي جماعة معادية ومنع مثل هذه الجماعات من التمركز في جنوب غرب سوريا بالقرب من إسرائيل.
وقال عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الآن من منتقدي نتنياهو: “هذا بالتأكيد درس مستفاد من جنوب لبنان”. فقد أمضت إسرائيل عقودًا في محاربة المسلحين الفلسطينيين ومقاتلي حزب الله الذين تحصنوا في جنوب لبنان وشنوا هجمات من هناك عبر الحدود إلى شمال إسرائيل.
ووصفت إسرائيل أيضًا الحكومة السورية الجديدة، التي يقودها فصيل إسلامي متمرد كان مرتبطًا بتنظيم القاعدة، بأنه “متطرفة”.
غير أنه بعد أيام قليلة من الغارة الجوية الإسرائيلية التي حدثت في الثاني من مايو/ أيار بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق، قلب الرئيس ترامب عقودًا من السياسة الخارجية الأمريكية رأسًا على عقب بلقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع وإعلانه عن خطط لرفع جميع العقوبات المفروضة على البلاد، وقال ترامب إن الشرع لديه “فرصة حقيقية للملمة شتات بلاده” بعد حرب أهلية دامت نحو 14 عامًا مزقت البلاد.
ومنذ ذلك الاجتماع في 14 مايو/أيار، توقفت الضربات الإسرائيلية على سوريا تقريبًا.

تعد الولايات المتحدة الحليف الأقوى والأكثر رسوخًا لإسرائيل، لكن تقارب ترامب المفاجئ مع الشرع لم يمنح الزعيم السوري الجديد طوق نجاة غير متوقع فحسب، بل يبدو أيضًا أنه قوّض جهود الحكومة الإسرائيلية المتشددة لاستغلال حالة عدم الاستقرار في سوريا وضعف الحكومة الجديدة لمنع صعود جار آخر معادٍ لإسرائيل.
وقالت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في معهد دراسات الأمن القومي، عن الشرع: “لدى إسرائيل شكوك جدية بشأن نيته الحقيقية والصورة البراغماتية التي يحاول رسمها”.
قبل إعلان ترامب عن ثقته بالزعيم السوري الجديد، كان نتنياهو وكبار مساعديه في إسرائيل مصممين على حرمان الشرع وحكومته الناشئة من الوصول إلى مجموعة واسعة من الأسلحة الثقيلة التي جمعها نظام الأسد على مدى عقود من حكمه.
وقالت فالنسي إن “الجزء الأكبر من الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا خلال الأشهر الأربعة الماضية كان يستهدف أسلحة إستراتيجية كانت بحوزة الجيش السوري السابق”، مضيفة أن الحكومة الإسرائيلية تبدو الآن وكأنها بدأت في إيجاد طرق لتجنب المزيد من المواجهة.
وقالت: “كل هذا يشير إلى اتجاه لتخفيف حدة الصراع وخفض التصعيد والمزيد من الاستعداد لفتح حوار مع النظام السوري”.
ووصف المسؤولون الإسرائيليون عددًا من الدوافع التي تقف وراء هجماتهم على سوريا؛ فأحدها هو علاقة القرابة مع الأقلية الدينية الدرزية في سوريا، والتي تعتنق أحد مذاهب الإسلام؛ حيث يعيش حوالي 150,000 من الدروز في إسرائيل ويخدمون في الجيش ويشاركون في السياسة.
وفي بيان صدر الشهر الماضي، تعهد الجيش الإسرائيلي بمساعدة مجتمعات الدروز في سوريا “انطلاقًا من التزامه العميق تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل”.
ويسيطر الدروز في سوريا منذ فترة طويلة على منطقة السويداء ذات الموقع اإستراتيجي في جنوب غرب البلاد بالقرب من إسرائيل، لكن الإسرائيليين لا يرون الدروز باعتبارهم تهديدًا.
وفي أواخر أبريل/ نيسان، عرضت إسرائيل المساعدة على الدروز عندما اندلعت اشتباكات طائفية عنيفة بين مقاتلي ميليشيا الدروز والقوات المرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.
وقال القادة الإسرائيليون إن الغارة الجوية بالقرب من القصر الرئاسي كانت بمثابة تحذير للشرع لوقف الهجمات على الدروز.
لكن الدوافع وراء مئات الغارات على سوريا خلال الأشهر الماضية تتجاوز دعم الدروز؛ فقد بدأت إسرائيل هجماتها على سوريا مباشرة بعد الإطاحة بالأسد من السلطة في 8 ديسمبر/ كانون الأول بعد فترة حكم دامت 24 عامًا، قضى أكثر من نصفها في حرب أهلية دموية.
وفي غضون أسبوع تقريبًا من سقوط الأسد، شنت إسرائيل أكثر من 450 غارة على سوريا، وفقًا لما ذكرته المنظمات العسكرية والإنسانية.
وأفاد الجيش الإسرائيلي بأن الهجمات أدت إلى تدمير البحرية السورية بأكملها، والطائرات المقاتلة، والطائرات المسيرة، والدبابات، وأنظمة الدفاع الجوي، ومصانع الأسلحة، ومجموعة واسعة من الصواريخ والقذائف في جميع أنحاء البلاد.
لم تهاجم الحكومة الجديدة في سوريا إسرائيل منذ وصولها إلى السلطة وقالت إن البلاد سئمت الحرب وتريد العيش في سلام مع جميع الدول.
إن غصن الزيتون الذي قدمه ترامب للشرع من شأنه أن يعقد الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا، وهو أحدث مثال على كيفية إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.
وقال يعقوب أميدرور، وهو مستشار سابق آخر للأمن القومي لنتنياهو، وزميل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي: “لا نريد في سوريا نسخة أخرى من الحوثيين”.
ويسيطر الحوثيون المدعومون من إيران على شمال اليمن ويطلقون الصواريخ على إسرائيل منذ بدء الحرب في غزة تضامنًا مع الفلسطينيين.
يُصرّ الشرع، الذي نأى بنفسه منذ زمن طويل عن صلاته السابقة بتنظيم القاعدة، على رغبته في قيادة نظام مستقر وأن يكون شريكًا موثوقًا به للدول الغربية، لكنّ المسؤولين الإسرائيليين متشككون في ذلك على أحسن الأحوال.
ويرى كثيرون من المحيطين بنتنياهو أن الإدارة السورية الجديدة من المرجح أن تتطور إلى حكومة إسلامية متشددة معادية لإسرائيل.
وفي مارس/ أذار، صرّح جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، بأن فكرة أن سوريا تتجه نحو حكومة عاقلة “سخيفة”، مضيفًا أن الشرع ورفاقه “كانوا جهاديين وسيظلون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم بِدلًا رسمية”.
ومع ذلك، أثار حجم ونطاق الهجمات الإسرائيلية على سوريا انتقادات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي التقى الشرع في منتصف مايو/ أيار.
وقال ماكرون عن إسرائيل: “لا يمكنك ضمان أمن بلدك بانتهاك سلامة أراضي جيرانك”.
حتى أن البعض داخل إسرائيل يقول إن حملة عسكرية منسقة لن تكون مفيدة لإسرائيل على المدى الطويل.
وقال تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات في الجيش الإسرائيلي والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي، إنه قلق من أن تؤدي الضربات إلى خلق التطرف ذاته الذي تسعى إسرائيل لردعه.
وقال: “أعتقد أننا نتخذ هذا القرار بناءً على زخمٍ ما، وعلينا إعادة النظر في جميع المهام التي ننفذها”.
ويقول خبراء عسكريون إن جزءًا من دوافع الضربات الإسرائيلية كان رغبة نتنياهو في تأمين أجزاء جنوب غرب سوريا الأقرب إلى مرتفعات الجولان، وهي هضبة إستراتيجية احتلتها إسرائيل خلال حرب عام 1967 وضمتها لاحقًا.
ويتمثل أحد المخاوف في أن تتمكن جماعات أكثر تطرفًا من الدروز من إيجاد موطئ قدم لها بالقرب من إسرائيل، مع القدرة على تهديد المستوطنات اليهودية في مرتفعات الجولان أو شن هجمات في عمق إسرائيل.
وبعد سقوط نظام الأسد، استولت القوات الإسرائيلية أيضًا على المزيد من الأراضي السورية.
ووفقًا لمسؤولين ومحللين عسكريين سابقين، فإن لإسرائيل هدف آخر في سوريا، وهو الحد من نفوذ تركيا في البلاد.
لقد كانت العلاقة بين إسرائيل وتركيا مشحونة على مر السنين، وقد تحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسرعة لتأسيس نفوذ عسكري وسياسي في سوريا المجاورة، واضعاً نفسه كحليف وثيق للحكومة هناك.
وقال أميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: “إذا حاول الأتراك جعل سوريا قاعدة لجيشهم ومساعدة النظام الحالي على بناء قدرات قد تستخدم ضد إسرائيل، فقد ينشأ صراع”.
ولكن جهود الولايات المتحدة للتقارب مع سوريا هي التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إعاقة الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في سوريا.
فقد قال ترامب في خطاب ألقاه في المملكة العربية السعودية هذا الشهر إنه يأمل أن تنجح الحكومة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار في البلاد وحفظ السلام.
وقال: “لقد كان لهم نصيبهم من المآسي والحرب والقتل، ولهذا السبب اتخذت إدارتي بالفعل الخطوات الأولى نحو استعادة العلاقات الطبيعية”.
المصدر: نيويورك تايمز