يحمل ربيع هذا العام في طياته الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاق ما يُعرف بتقارير الدول للكونغرس الأمريكي، أو “تقارير حقوق الإنسان” (HRRs)، ففي عام 1977، أصدر الكونغرس قرارًا بتكليف دائرة الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان (DRL)، التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية والتي أُنشئت خصيصًا لهذا الغرض، بإعداد هذه التقارير كمكون أساسي في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية.
وعلى امتداد ما يقارب نصف قرن، أسهمت هذه التقارير في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، ضمن توليفة معقدة ومتشابكة من المصالح والتوافقات الجيوسياسية، فقد أعادت تعريف حقوق الإنسان وحرياته، بل وطرحت تساؤلات حول من يُعد “إنسانًا” أساسًا، وفقًا لأجندات الحزب الحاكم وسياقات البيئة الداخلية والدولية التي يعمل ضمنها، كما رفعت حكومات وأسقطت أخرى، فتحت عينيها على وسعها ترصد أصغر هفوات مناوئيها، وفي المقابل أغمضت الطرف عن أبشع انتهاكات حلفائها.
ما هي هذه التقارير؟ كيف تغيّرت نبرتها وأهدافها تبعًا لتبدّل ساكن البيت الأبيض؟ كيف تُوظّف كأداة نيوإمبريالية مزدوجة المعايير؟ وما الدور الخفي الذي تلعبه في تأمين مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الخارج؟ وماذا عن قرار ترامب الصادم بشأنها؟ أيّ مخاوف أثارها هذا القرار؟ كل هذه الأسئلة وأكثر، يتناولها هذا المقال.
أداة للتأثير والابتزاز: ما حقيقة تقارير حقوق الإنسان الأميركية؟
حمل عام 1977 قرارًا سيكون له أثر ممتد على العقود التالية، كبطاقة للتأثير تارة وللابتزاز تارة أخرى؛ إذ عدّل الكونغرس القسم 116 من قانون المساعدات الخارجية، المُقرّ عام 1961، ليشمل إعداد تقارير تهدف -ظاهريًا- إلى مساعدته في اتخاذ قرارات التمويل وتوظيف البرامج الأمنية والاستخباراتية مع دول العالم، بناءً على أدائها الحقوقي.
وهو القسم ذاته الذي يمنع الكونغرس، من حيث المبدأ، من تقديم مساعدات خارجية للدول التي تنخرط حكوماتها في انتهاكات لحقوق الإنسان، فقد ارتبطت هذه التقارير، في بداياتها خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بقوانين “ليهي” التي تُقيّد تمويل ومعاونة الأنظمة الضالعة في الانتهاكات الحقوقية.
تركّز التقارير على أداء الحكومات فيما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية، مثل حرية التعبير وحرية التجمع السلمي والحرية الدينية والسلامة الجسدية والنفسية واحترام الخصوصية والحماية من التمييز والحقوق السياسية والتمثيلية وغيرها من الحقوق الفردية والمدنية والسياسية والعمالية، الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948.
وتتناول كذلك قضايا مستندة إلى مواثيق دولية أخرى، مثل اتفاقيات مناهضة التعذيب، والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، إضافة إلى ما يتعلق بظروف الاعتقال وأوضاع السجون، والعلاقة بين الأفراد والحكومات، وغيرها من المسائل التي تشكّل مجتمعةً ما يُعرف بـ”القواعد العالمية لحقوق الإنسان”.
وقد بدأت هذه التقارير بعدد محدود من الدول التي تربطها علاقات مباشرة بالحكومة الأمريكية، غير أن الكونغرس وسّع نطاقها في عام 1979 لتشمل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فبعد أن كانت تشمل 105 دول تتلقى المساعدات الأمريكية في أول دفعة تقارير عام 1978، أصبحت اليوم تغطي 194 دولة، بمعدل تقرير سنوي لكل دولة ممثلة في الأمم المتحدة، وليس فقط الدول المتلقية للمساعدات الأمريكية.
استمرت دول مثل باكستان ومصر والأردن في تلقي مساعدات مالية سخية، رغم سجلها الضعيف في مجال الحقوق والحريات، كما حصلت السعودية على صفقات سلاح ضخمة، رغم تكرار انتهاكاتها
تعتمد التقارير عادةً على مصادر متعددة لجمع معلوماتها، منها ما هو حكومي رسمي، ومنها ما يأتي من مؤسسات مدنية محلية أو دولية، وبعضها يُستقى من وسائل الإعلام أو حتى من الضحايا وذويهم، ممن تعرضوا لانتهاكات على يد حكوماتهم، ويتم مراجعة هذه التقارير والتأكد من دقة المعلومات الواردة فيها، ثم تُجاز من قبل متخصصين وموظفين دبلوماسيين أمريكيين قبل عرضها بشكلها النهائي على الكونغرس.
لم تكن هذه التقارير ثابتة على مرّ الأعوام؛ فقد طوّرت الدائرة من محتوياتها مع تغيّر العصور وتبدّل المزاج الدولي حول حقوق الإنسان، كما أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة غيّرت من مضامين التقارير، مقدِّمةً بعض الموضوعات على أخرى، أو موسّعة ومضيّقة نطاقها بحسب أجندة الحزب الحاكم.
واستخدمتها الأحزاب الأمريكية أداةً للضغط السياسي، ليس فقط على الدول الأجنبية، بل أيضًا على الحزب الحاكم في الكونغرس أو البيت الأبيض، إذ تتجاوز أهدافها حدود المتابعة السطحية لأوضاع حقوق الإنسان في الخارج، أو مراقبة وجهات الدعم المالي الأمريكي.
على سبيل المثال، ضمّنت إدارة ريغان التقارير قسمًا خاصًا بحقوق العمال عام 1988، وآخر حول التمييز على أساس العرق والدين واللغة والحالة الاجتماعية والجنس عام 1986، بينما أضافت إدارة أوباما إلى قسم التمثيل والمشاركة السياسية جزئية تتعلق بفساد الحكومات وغياب الشفافية في عام 2009، كما حرصت على تضمين أقسام متعلّقة بحقوق النساء والأطفال طوال سنوات حكمها الثماني.
أما إدارة ترامب، فقد قلّصت نطاق هذه التقارير، مكتفية بالتركيز على قضيتَي الإجهاض بالإكراه والتعقيم اللاإرادي، لتعود إدارة بايدن لاحقًا وتُعيد توسيع نطاق حقوق المرأة كما أقرّته إدارة أوباما، وهو ما يُظهر بوضوح أثر الانقسام الحزبي في تحديد ما يُعتبر “حقًّا من حقوق الإنسان” وفق منظور كل طرف.
رغم ذلك، فقد استقرّت بنية التقارير منذ عام 2009 على سبعة أقسام أساسية: حقوق العمال، الفساد الحكومي، سلامة الأفراد، الحريات المدنية، حرية المشاركة في العملية السياسية، التمييز المجتمعي، وتعاون الحكومات مع التحقيقات الدولية والحقوقية بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان من قِبلها. وتُقدّم هذه التقارير بذلك بنكًا غنيًّا من الوقائع والمعلومات حول أوضاع الحقوق والحريات، دون ترتيب للدول أو إصدار توصيات قانونية مباشرة، بل كمصدر معلوماتي مفصّل لأداء الحكومات الحقوقي حول العالم.
كما أولت التقارير أهمية خاصة للنزاعات المسلحة، موثّقةً ما رافقها من جرائم وانتهاكات جسيمة لقواعد الحرب، فعلى سبيل المثال، ركزت تقارير ما بعد عام 2023 على النزاع الروسي-الأوكراني، وجرائم الحرب في السودان، والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والانتهاكات الإيرانية في الداخل والخارج، إلا أنها لم تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف؛ إذ نالت روسيا وإيران القسط الأكبر من اللوم والتقريع، بينما ظلّت “إسرائيل” والإمارات مختبئتَين خلف العبارات المنمّقة والصياغات حمّالة الأوجه.
خطاب حقوق الإنسان: وجه جديد للإمبريالية
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة هذه التقارير رمزًا لقيادتها للعالم وممارسةً لدورها كشرطي للدول، ورغم أنها ليست المصدر الوحيد لاتخاذ قرارات التمويل أو فرض العقوبات الأمريكية، فإنها تُعدّ ركيزة مهمة في صياغة هذه القرارات، فقد ساهمت التقارير، على سبيل المثال، في وقف المساعدات الخارجية وربطها بشروط تحسين الأداء الحقوقي، كما حدث في السلفادور خلال ثمانينيات القرن الماضي، وأسهمت كذلك في اتخاذ قرارات بفرض عقوبات على أنظمة متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الفترة ذاتها.
وقد ظلّ هذا التوجه حاضرًا خلال تسعينيات القرن الماضي، حيث دعمت التقارير فرض عقوبات على الأنظمة الضالعة في حروب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، كما في البوسنة والهرسك وميانمار، إلا أن فترة حكم الرئيس بيل كلينتون شهدت بروز بعض التجاوزات، نتيجة لرؤية أمريكية مبكّرة تجاه علاقاتها بالصين وإيران ودول الشرق الأوسط، ومحاولات خلق تحالفات وتوازنات جيوسياسية جديدة، فعلى سبيل المثال، حملت التقارير انتقادات شديدة لنظام صدام حسين بسبب قمعه للحريات، بينما جرى تخفيف حدّة الانتقادات الموجهة إلى المملكة العربية السعودية.
غير أن الألفية الجديدة شكّلت مفترقًا واضحًا للطرق، فقد غيّرت الحرب الأمريكية المفتوحة على الإرهاب مفهوم حقوق الإنسان، وتقدّمت اعتبارات الأمن القومي على قيم الديمقراطية والحريات، ولم تعد التقارير تلعب دورًا محوريًا في قرارات التمويل أو الضغط السياسي كما كانت في السابق.
وفي ظل ما عُرف بـ”مقياس الإرهاب السياسي الأمريكي”، الذي يرصد مستوى الإرهاب الحكومي في دول العالم بهدف منع وصول الدعم الأمريكي إلى جهات ضالعة في العنف، استُخدمت هذه التقارير – إلى جانب تقارير منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” – كأدوات مرجعية ظاهريًا، بينما شكّلت في الخفاء محركًا للسياسة الخارجية الأمريكية.
وعليه، استمرت دول مثل باكستان ومصر والأردن في تلقي مساعدات مالية سخية، رغم سجلها الضعيف في مجال الحقوق والحريات، كما حصلت السعودية على صفقات سلاح ضخمة، رغم تكرار انتهاكاتها، طالما حافظت على دورها الحيوي في “محاربة الإرهاب”، وفقًا لتعريف العم سام.
ومع ذلك، لم يختفِ أثر هذه التقارير كليًّا؛ ففي مصر مثلًا، وخلال فترة رئاسة أوباما، جرى تجميد المساعدات الأمريكية لحكومة السيسي عقب سلسلة من الانتهاكات الحقوقية، أعقبت انقلاب يوليو، كما توسّعت في تلك المرحلة الأقسام المتعلقة بحقوق الأقليات والحقوق الرقمية والصحة النسوية وغيرها من القضايا الحقوقية المستجدة.
وقد حسبت حكومات العالم حسابًا لهذه التقارير، لما لها من أثر مباشر على تلقي المساعدات الأمريكية أو التعرض للعقوبات والضغط الدبلوماسي، فقد أظهر تقرير صادر عن قسم الدراسات الدولية في جامعة أكسفورد، نُشر عام 2019، أن بعض الحكومات حاولت التأثير على مُعدّي هذه التقارير بهدف تعديل محتواها، خشية انعكاسها في أروقة السياسة الأمريكية.
في عام 2024، أزاحت إدارة ترامب في تقريرها السنوي الإشارة إلى عنف المستوطنين، واستعاضت عنها بعنوان ملطّف حول “أنشطة البناء”، بما يعكس تطبيعًا فجًّا لفكرة الاستيطان وتماهٍ معها.
ولا يقتصر دور هذه التقارير على تزويد الكونغرس بالمعلومات المطلوبة لاتخاذ قرارات التمويل، بل إنها متاحة أيضًا للعامة، مع تعديلات وتحريرات محدودة، ما يجعلها مصدرًا مهمًا للمعلومات الموثقة حول أوضاع حقوق الإنسان في مختلف الدول. ويعتمد عليها الباحثون والإعلاميون والمؤسسات المدنية كمرجعية عند تقييم الوضع الحقوقي في بلدٍ ما، وهو ما يساعد الناشطين والحقوقيين وحتى المستثمرين على اتخاذ قراراتهم بشأن العمل في تلك المنطقة وما يمكن فعله فيها.
أضف إلى ذلك أن أطرافًا أمريكية داخلية، من نشطاء ومؤسسات حقوقية، تستند إلى هذه التقارير في الضغط باتجاه منح حق اللجوء السياسي، وتوسيع نطاق الهجرة، ومنع ترحيل اللاجئين إلى دول تشتهر بانتهاكاتها الحقوقية، وقد لعبت هذه التقارير دورًا بارزًا في تشجيع الهجرة من أفغانستان هربًا من ممارسات حركة طالبان، كما ساهمت في تعزيز عمليات اللجوء من فنزويلا وكوبا وهايتي ونيكاراغوا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية.
السلاح من حجر والبيت من زجاج
إن الادعاء بأحقية الولايات المتحدة في لعب دور “شرطي العالم” وصاحب السلطة الأخلاقية فيه، هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، إذ ترتكب الولايات المتحدة، بشكل مباشر أو عبر وكلاء، جرائم وانتهاكات حقوقية في الخارج، من دون محاسبة أو رقابة، لا سيما في ظل حربها المستمرة ضد المحاكم الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية، وبلطجتها داخل أروقة الأمم المتحدة، حيث تجلس على عرش مجلس الأمن وتُسيّر قراراته وفقًا لمصالحها.
من ناحية أخرى، فإن تغاضيها المشين عن الانتهاكات التي ترتكبها حليفتها “إسرائيل” في الأراضي المحتلة، رغم أنها تتصدر بلا منافسة مراتب متقدمة في سجل الإجرام العالمي، يعكس تناقضًا صارخًا في نهجها، فقد جسّدت هذه التقارير السياسة الخارجية الأمريكية بشأن الصراع في الشرق الأوسط، إذ تحوّل التقرير المعنون باسم “إسرائيل” في عام 1980 إلى “إسرائيل والأراضي المحتلة”، قبل أن يصبح عام 2017 “إسرائيل ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وغزة”، انسجامًا مع سياسة إدارة ترامب الرافضة لاعتبار هذه المناطق أراضٍ محتلة، وتمهيدًا لشرعنة ضمّها من قبل “إسرائيل”.
أما تقرير عام 2023، فقد اكتفى بالإشارة إلى عنف المستوطنين وتقييد حرية التنقل في الضفة الغربية، دون أي تطرّق للجريمة الكبرى المتمثّلة في الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وفي عام 2024، أزاحت إدارة ترامب في تقريرها السنوي الإشارة إلى عنف المستوطنين، واستعاضت عنها بعنوان ملطّف حول “أنشطة البناء”، بما يعكس تطبيعًا فجًّا لفكرة الاستيطان وتماهٍ معها.
أما استهداف الاحتلال للمباني المدنية في غزة، بما فيها المستشفيات، فتصفه الإدارة بأنه “بيئة قتالية معقّدة”، في تبرير فجّ يتماهى مع الرواية الإسرائيلية. وعليه، لا يُعوَّل على تقارير “إسرائيل” لتحقيق إنصاف أو حتى الاقتراب من الحقيقة، لا سيّما في ظل إدارة ترامب، التي أزالت في تقاريرها السنوية أيّ ذكر لـ”الاحتلال” أو “الضم”، تطبيقًا لسياسات “صفقة القرن”، وامتنعت عن الإشارة إلى جرائم الحرب الإسرائيلية خلال قمعها لمسيرات العودة الكبرى في غزة، في مسعى واضح لمحو المعاناة الفلسطينية بالكامل.
على الصعيد الداخلي، فإن سجل حقوق الإنسان في الولايات المتحدة ليس أفضل حالًا من أولئك الذين تكيل لهم التقارير الانتقادات، ففي الوقت الذي تُدين فيه واشنطن الصين وروسيا بسبب انتهاكات تتعلق بالتضييق على المعارضين، والتجسس الإلكتروني، والقيود المفروضة على الحريات الفردية، تمارس هي ذاتها سياسات مماثلة.
إذ تُضيَّق الخناق على النشطاء السود المنخرطين في حركة “حياة السود مهمة”، ويتجسّس مكتب التحقيقات الفيدرالي على المجتمعات المسلمة، وينتهك مكتب الهجرة والجمارك حقوق المهاجرين، فيما تُلاحق الشرطة المحلية مناصري القضية الفلسطينية. كل ذلك دون أن ينعكس في تقارير مماثلة أو يحظى بمتابعة حقيقية في الخطاب الرسمي الأمريكي الموجّه للعالم.
ومن ناحية أخرى، لعبت سياسة الاستقطاب العالمي بين الولايات المتحدة ومنافستها الصاعدة، الصين، دورًا لا يُستهان به في تغيير نغمة التقارير لصالح التحالفات والتوافقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تربط الولايات المتحدة بالعديد من دكتاتوريات العالم، فقد تجاهلت تقارير الإدارة الأمريكية، على سبيل المثال، استخدام دولة الإمارات لتقنية “بيغاسوس” في التجسس على المعارضين، بينما أدانت الصين وكوريا الشمالية بشدة بسبب ما وصفته بـ”التجسس السلطوي” على معارضيها.
كما أغمضت عينها عن سياسة التهجير التي تنتهجها تركيا بحق اللاجئين السوريين، في حين ركزت بشكل مبالغ فيه على سياسة التهجير التي اتبعتها فنزويلا في تقرير عام 2023. وبالمثل، خصصت التقارير مساحات واسعة لما سمّته “اضطهاد” إيران للمسيحيين، لكنها لم تُعطِ الحيّز نفسه لإعدامات السعودية المتكررة للشيعة باعتبارهم أقلية مذهبية.
وفي مثال رابع، وجّهت إدارة بايدن انتقادات حادة لروسيا بسبب سنّها قوانين تضيّق على المنظمات غير الحقوقية المموّلة من الخارج، معتبرةً ذلك انتهاكًا لحرية العمل والتعبير. في المقابل، لم تلقَ هذه القوانين ذاتها أي انتقاد يُذكر عندما تبنتها حكومة السيسي في مصر، بل تم إدراجها ضمن الإطار الفضفاض لما يُسمى “تجفيف منابع الإرهاب وقنوات تمويله”.
وعليه، اكتسبت اللغة المستخدمة في هذه التقارير، إلى جانب معاييرها المزدوجة، سمعة نيوإمبريالية راسخة في أوساط مناوئي الولايات المتحدة التقليديين، وبات من الواضح أن الأخيرة مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى ممكن في تكييف خطابها الحقوقي، بما يخدم مصالحها ويحفظ موقعها المتصدر على عرش النظام العالمي.
ترامب والمزيد من التضليل والتحايل
في قرارٍ صادم من وزارة الخارجية في عهد إدارة ترامب، بقيادة ماركو روبيو، الرجل الذي كان قد أشاد بهذه التقارير عام 2013 قبل أن يتحوّل إلى أحد أبرز رجالات ترامب، نُشرت حيثياته عبر الإذاعة الوطنية العامة (NPR)، تقرّر تقليص نطاق تغطية تقارير حقوق الإنسان لتقتصر على الحد الأدنى المطلوب قانونيًا.
بمعنى آخر، لن تشمل هذه التقارير بعد الآن مسائل جوهرية مثل حرية التعبير والتجمع السلمي والاعتقال السياسي والفساد والعنف ضد الأقليات والمهمشين، إلى جانب أكثر من عشرين فئة حقوقية أخرى. ووفقًا للقرار، ستتماهى التقارير مع “سياسة الإدارة الحالية وسلسلة القرارات التنفيذية التي اتخذها ترامب منذ توليه الحكم”.
وعلى الصعيد العملي، يتضمّن القرار إلغاء أقسام كاملة كانت تركّز على التدخل غير المشروع للحكومات في خصوصيات الأفراد، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وحرية الإنترنت، والممارسات الطبية والنفسية غير المشروعة، إضافة إلى التمييز ضد الأقليات على أساس النوع الاجتماعي، أو الميول الجنسية، أو الحالة الصحية الجسدية.
كما يشمل القرار تضييقًا على محتوى القسم المخصص لحقوق النساء، والذي كان يتناول عادة قضايا مثل الإجهاض والاغتصاب والعنف الجنسي والتمييز ضد المرأة وقائمة طويلة من القضايا الحقوقية من منظور ليبرالي واسع، أما تحت إدارة ترامب، فسيُختزل هذا القسم في قضايا أضيق تتركّز أساسًا على قدرة المرأة الإنجابية، في استجابة مباشرة لسياسة “من أجل الحياة” التي يتبناها التيار اليميني المحافظ في الولايات المتحدة.
ويتّسق هذا القرار أيضًا مع توجهات إدارة ترامب فيما يخص قضايا التنوع والعدالة والشمول العرقي (DEI)، وهي التوجهات التي تجسّدت بإلغاء برامج التنوع في الداخل الأمريكي، كما أزال القرار أي إشارة إلى حقوق المتحوّلين جنسيًا، في انسجام مع موقف صارم تبنّته الإدارة تجاه هذه الفئة، من خلال تحديدها المسبق للهوية الجنسية باعتبارها تنحصر في “ذكر” و”أنثى”، في تراجع واضح عن السياسات الأكثر شمولية التي تبنّتها الإدارات السابقة.
تضمّن القرار أيضًا تمييزًا واضحًا في التعامل مع دول العالم وأداء حكوماتها الحقوقي، إذ شمل تعيين مراقب حكومي من قِبل الإدارة الأمريكية لمراجعة التقارير التي تتناول بعض الدول، مثل هنغاريا، والتي حُذف منها القسم المتعلّق بفساد الحكومة، علمًا أن رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، سبق أن وُصف بالدكتاتور من قبل مسؤولين أمريكيين، بينما وصفه ترامب بأنه “رجل رائع وقائد رائع لأوروبا”.
الدول المشمولة بهذا التعامل التمييزي هي تلك التي تربطها بإدارة ترامب مصالح جيوسياسية أو توافقات أيديولوجية، ما يكشف عن رغبة واضحة لدى الإدارة في غضّ الطرف عن انتهاكاتها الحقوقية مقابل تمرير مصالحها الاستراتيجية، وقد شملت اللائحة عشرين دولة سيتم تعيين “مستشار رفيع” بتعيين سياسي مباشر من إدارة ترامب لمتابعة تقاريرها، مع صلاحيات بحذف أو تعديل ما تراه الإدارة مناسبًا، ومن بين هذه الدول: هنغاريا، السلفادور، مصر، روسيا، الأرجنتين، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، صربيا، إيطاليا، بريطانيا، كندا، الفلبين، والمكسيك.
وستحتفظ التقارير بجوانب محددة تتعلق بحرية الممارسة الدينية، لا سيما للأقليات، إضافة إلى مواضيع مثل زواج القُصّر، ومعاداة السامية، وهي محاور لطالما أثرت في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة، كما ستبقى الإشارات إلى جرائم الحرب والإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، نظرًا لأن القانون ينص على تضمينها، إلا أن توصيفها سيتعرض لتسييس واضح، بما يسمح بتجنيب الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم “إسرائيل”، أي اتهامات أو مسؤوليات مباشرة.
أما الموضوعات القليلة التي ستبقى حاضرة في التقارير، فستُختصر إلى حدّ كبير، بحيث يُكتفى بتقديم مثال واحد فقط عن كل انتهاك، ما يفرغ التقارير من محتواها الوثائقي ويُضعف قدرتها على دعم الجهود الدولية في ملاحقة مرتكبي الانتهاكات، أو تشكيل صورة كافية عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم.
وفي سياق تنفيذ القرار، باشرت دائرة الديمقراطية، المكلّفة بإعداد هذه التقارير، فعليًا بتسريح نحو 60 متعاقدًا كانوا يعملون على صياغة التقارير السنوية، كما قامت الإدارة الحالية بتعديل تقرير عام 2024، الذي كان قد أُعدّ للنشر في يناير/كانون الثاني الماضي قبل تولي ترامب الحكم، معلنةً أنها ستصدر النسخة المعدّلة منه في مايو/أيار أو في موعد آخر قريب، بدلاً من مارس/آذار أو أبريل/نيسان كما هو معتاد سنويًا.
الديمقراطية الأمريكية تلفظ أنفاسها
برّرت الإدارة الأمريكية قرارها بأنه محاولة للتركيز على “المهم”، وترك ما وصفته بـ”التوسعات غير الضرورية” التي قد تؤدي إلى تشتيت متّخذي القرار، غير أن طبيعة المسائل التي جرى استبعادها، وارتباطها المباشر بسياسات داخلية لإدارة ترامب، أثارت انتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة.
إذ يكمن موطن التوجّس الحقوقي في الداخل الأمريكي في توافق هذا القرار مع الانقلاب الذي قادته إدارة ترامب على مفاهيم حقوق الإنسان وسيادة القانون على الأراضي الأمريكية نفسها، وذلك من خلال سلسلة من القرارات التنفيذية التي بدأت بتنفيذها فور دخول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المنصرم، إذ أغلقت الإدارة 132 مكتبًا، من بينها دائرة الأمن المجتمعي والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسرّحت نحو 15% من الموظفين الأمريكيين العاملين في مجالات تتعلّق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لا سيما التنوع العرقي والمساواة وحقوق المرأة.
تأتي هذه التضييقات الجديدة اليوم لتُحاكي، بل وتُعزّز، انتهاكات حقوقية داخلية تسعى من خلالها إدارة ترامب لإحكام قبضة الحكومة الفيدرالية المركزية، ضمن نهج سلطوي محافظ يستهدف ما يُطلق عليه داخل الإدارة “الأيديولوجيا اليسارية المتطرفة”، وهي عبارة باتت تُستخدم في وصف المفهوم الليبرالي الموسّع للحقوق والحريات والديمقراطية، ليس خارجيًا فحسب، بل داخليًا أيضًا.
إذ إن الأقسام التي جرى تقليصها أو حذفها من التقارير، مثل حرية التجمع السلمي وحرية التعبير، تشهد تضييقًا موازيًا داخل البلاد، خاصة فيما يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية داخل الجامعات الأمريكية، التي تتعرض فيها حركات التضامن للقمع والملاحقة.
كما تتقاطع هذه السياسات مع ممارسات تتعلق بمحاكمة المعارضين السياسيين دون توفير الإجراءات القانونية الواجبة (Due Process)، وهو ما يظهر جليًا في ملاحقة طلبة جامعة كولومبيا وسواهم، فضلًا عن أن موضوعات المشاركة السياسية والشفافية والفساد وحرية الانتخابات، هي قضايا شديدة الحساسية ترتبط بسجل حافل بالانتهاكات في عهدَي ترامب، الأول والثاني.
من ناحية أخرى، ترتبط بعض الأقسام المحذوفة بسياسة ترامب تجاه الهجرة، إذ تحاول الإدارة جاهدة قطع الطريق أمام المهاجرين غير الشرعيين الراغبين في تغيير وضعهم القانوني عبر طلبات اللجوء السياسي، وهي الطلبات التي تُبنى أساسًا على عناصر حقوقية مثل المشاركة السياسية والحق في التعبير والحماية من الاضطهاد، وهي بالضبط الأقسام التي تم إضعافها أو حذفها.
وبالمثل، فإن ملف أحوال السجون في الخارج، الذي يمسّ مباشرة حقوق المهاجرين المرحّلين، تم تهميشه رغم أن أعدادًا غفيرة من المهاجرين غير النظاميين جرى ترحيلهم إلى بلدان قد يتعرضون فيها لانتهاكات جسيمة، دون أي اعتبار أو مساءلة.
على سبيل المثال، كانت السلفادور من الدول التي استقبلت مؤخرًا مهاجرين غير شرعيين تم ترحيلهم من الولايات المتحدة، ضمن نظامها السجني، وقد أُلغي القسم المتعلّق بأوضاع السجون في السلفادور من التقرير الأخير المزمع نشره، بحسب ما أوردته الإذاعة الوطنية العامة. وهذا يعني أن إدارة ترامب تمكّنت من الإفلات من شرط قانوني أساسي يمنع تسليم الأفراد إلى حكومات يُشتبه بتورطها في التعذيب وسوء المعاملة، مخافة تعرّضهم للانتقام والانتهاك.
وبذلك، لن تتضمّن التقارير قضايا جوهرية، مثل الترحيلات غير القانونية، وإلغاء حقوق اللجوء، والسياسات الطاردة للهجرة في الخارج، لا سيما في ظل عودة أجواء منع التأشيرات عن الدول ذات الغالبية المسلمة، والتي كانت عنوان سياسة ترامب الأولى تجاه هذه الدول.
كما تُثير رغبة ترامب، التي أفصح عنها مرارًا، بالترشح لولاية رئاسية ثالثة، رغم مخالفتها للدستور الأمريكي، إضافة إلى تصريحات نجله حول رغبته في “خلافة والده”، مخاوف مشروعة في ظل تجاهل التقارير الحالي لقضايا حرية الانتخابات ونزاهتها في بقية دول العالم.
ولا يزال العالم يذكر الهجوم غير المسبوق الذي شنه أنصار ترامب على مبنى الكابيتول أثناء تنصيب بايدن، وسط حملة ترامب المستمرة للتشكيك في نتائج الانتخابات، وما خلّفه ذلك من استقطاب حادّ داخل الشارع الأمريكي، وقد توّج ترامب هذا التوجه بتصريح صادم قبيل فوزه في الانتخابات الأخيرة، حين قال إن “خسارته ستُراقب معها الدماء في الشوارع الأمريكية”.
وتبدو قضايا مثل الصحة النسوية، وحقوق الإنجاب، والإجهاض، مرآةً لأجندة المحافظين وشرائح اليمين في الولايات المتحدة، والتي تعمل على توسيع الحريات الدينية وحرية التملك والحقوق الاقتصادية، مقابل خنق حقوق النساء والأقليات والأعراق والحريات المدنية والسياسية في المجال العام.
وقد بدأ هذا التوجه بالتبلور خلال إدارة ترامب الأولى، حين جرى تضييق المساحة الممنوحة لهذه المسائل في تقارير حقوق الإنسان السنوية، حيث عمد وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، إلى تهميش قضايا التمييز العرقي وصحة المرأة، في مقابل توسيع نطاق التركيز على الدين والملكية الخاصة والنظام الرأسمالي في بنية المجتمع.
الوجه الاستعماري في أبهى حلله
شهدت فترة ترامب الأولى تراجعًا عامًا في لغة تقارير حقوق الإنسان ونطاقها، إذ جرى تقديم المصالح القومية، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، على تمتع الشعوب بالحقوق والحريات، فحتى بعد حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، حُذفت أجزاء كبيرة من التقرير المتعلق بالمملكة العربية السعودية، وخُفّفت اللهجة تجاه تعاملها مع المعارضين، طمعًا في انضمامها إلى “اتفاقيات أبراهام”، وسعيًا لعقد صفقات عسكرية وتجارية ضخمة مع ولي العهد محمد بن سلمان.
كما تم التغاضي تمامًا عن الانتكاسة التي شهدتها مصر في ملف المنظمات غير الحكومية عام 2017، رغم أن هجمة مشابهة في السابق كانت قد أدّت إلى تعليق المساعدات الأمريكية، إذ قدم ترامب مصالح “إسرائيل” في المنطقة، ورغبته في قمع الحركات الإسلامية، على سجل حقوق الإنسان في الجمهورية.
وصارت الانتهاكات المتعلقة بحرية التجمع السلمي والتعبير والعمل الحقوقي تُدرَج تحت بند “إجراءات مناوئة للإرهاب”، بدلًا من تصنيفها كـ”انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، وأصبح سجن المعارضين يُقدَّم كتحدٍّ في “نظام العدالة”، بدلًا من تسميته بـ”الاضطهاد المنهجي”. وفي المقابل، استمرت التقارير في تسليط الضوء على أوضاع الأقباط في مصر، بوصفها عنوانًا لتسامح الحكومة الديني.
لكن المثير للملاحظة أن التعديلات الجدلية الأخيرة تجاوزت حتى مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” الذي يحكم السياسة الواقعية، لتتبنّى خطابًا أعمق يحمل بين طياته عقلية تفوقية يتبناها اليمين الغربي عامة، والأمريكي بشكل خاص، حيث لا ترى هذه العقلية شعوب الجنوب والشرق، التي تعيش تحت أنظمة ديكتاتورية وسلطوية، كأنداد يستحقون التمتع بذات الحقوق والحريات.
بل لا ضير، في نظرها، من تجاهل معاناة تلك الشعوب، ما دامت الهيمنة الأمريكية العالمية ومصالح واشنطن ومعها “إسرائيل” مؤمّنة. وعليه، تُطلق يد عبد الفتاح السيسي، ومحمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، للتنكيل بمعارضيهم وشعوبهم، بلا أدنى ذكر في تقارير حقوق الإنسان، مقابل توافقات سياسية وأمنية تخدم “أمريكا أولًا” التي تحملها حركة ماجا وبقية أطياف اليمين.
هذا المنحى أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الحقوقية حول الأثر غير المباشر لإخفاء معلومات جوهرية، تؤثّر بشكل مباشر على قرارات المحاسبة ومنع التمويل التي يتخذها الكونغرس الأمريكي، وهي إحدى ركائزها، وهو ما قد يُشجّع حكومات العالم على تشديد قبضتها وارتكاب مزيد من الانتهاكات، بينما يغضّ “السيد الأمريكي” الطرف عنها.
وقد عبّر بول أوبراين، المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية، عن هذا القلق بقوله إن القرار “يعني تخلّي الولايات المتحدة عن دورها الرقابي في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والضغط باتجاه احترامها على مستوى العالم”.
وعند ربط الخيوط ببعضها، يتضح أن إعجاب ترامب بالديكتاتوريين، وإيمانه بالقبضة الحديدية في إدارة الشعوب، قد انعكس حتى على الألفاظ المستخدمة في التقارير، فعلى سبيل المثال، تغيّر عنوان القسم المعني بالمشاركة السياسية من “حرية المشاركة في الحياة السياسية” إلى “أمن الأشخاص”، ما يعكس ذهنية أمنية لا تؤمن بالديمقراطية كما تُعرَف في الفكر الغربي.
وكذلك، تحوّل عنوان “حرية التعبير، بما يشمل حرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام”، إلى “حرية الصحافة” فقط، ما يُظهر التوجه القمعي لإدارة ترامب في التعامل مع الفضاء العام، خاصة في ظل حذف الأقسام المتعلقة بحرية استخدام الإنترنت، رغم ما أثبتته هذه المنصات من قدرة على تحريك الرأي العام عالميًا.
أخيرًا، يثير القرار الأخير لإدارة ترامب تساؤلات مشروعة حول هذا الانجراف الدراماتيكي في سياسة تقارير حقوق الإنسان، حتى مقارنة بتاريخها المريب أصلًا، فهل أصبحت هذه التقارير أداة صريحة بيد التيارات المحافظة واليمينية المتطرفة؟ وهل يُعقل أن تُمنَح الحكومات الموالية لترامب غطاءً كاملاً لانتهاكاتها، في حين تُسلَّط التقارير على خصومه السياسيين؟ إننا أمام فصل مظلم جديد في تاريخ الحريات الفردية والجمعية، قد يتجاوز حتى أكثر اللحظات سوادًا في ظل الإدارات الأمريكية السابقة.