ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال رحلاته إلى الشرق الأوسط في منتصف مايو/ أيار، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطوة غير مسبوقة، ففي المحطة السعودية من جولته التي استغرقت أربعة أيام، أعلن عن تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. فقد صرّح، وسط تصفيق حاد في الرياض، أن الولايات المتحدة ستعلّق جميع العقوبات المفروضة على البلاد، في الوقت الذي تمرّ فيه الحكومة السورية بمرحلة انتقالية صعبة عقب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول.
وفي اليوم التالي، التقى ترامب علنًا برئيس سوريا المؤقت، أحمد الشرع، المقاتل السابق في تنظيم القاعدة، والذي كانت الحكومة الأمريكية قد خصصت مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لقاء القبض عليه قبل بضعة أشهر فقط. وبعد الاجتماع، وصف ترامب الشرع بأنه “شاب وسيم ذو ماضٍ قوي”.
ومن خلال اتخاذه هذه الخطوات المفاجئة، تجاوز ترامب ما كان سيُعدّ في أي إدارة أمريكية أخرى عملية صنع قرار طويلة وشاقة، فعلى مدى أشهر، راود القلق العديد من السوريين والمراقبين للشأن السوري من أن الولايات المتحدة قد لا ترفع عقوباتها أبدًا.
وكانت واشنطن قد فرضت عقوباتها لأول مرة على سوريا سنة 1979، عندما صنّفت النظام السوري كراعٍ للإرهاب، ما أدّى إلى حظر بيع الأسلحة وفرض قيود أخرى على الصادرات إلى البلاد. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، فرض الكونغرس عقوبات إضافية. ومع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا سنة 2011، أضافت كل من الولايات المتحدة وأوروبا المزيد من القيود.
كما تم تصنيف جماعات مسلحة داخل سوريا، بعضها أصبح اليوم ممثلًا في الحكومة بدمشق، كمنظمات إرهابية، ولا تزال خاضعة للعقوبات، وقد أدّت هذه الإجراءات مجتمعة إلى عزل سوريا عن التجارة والاستثمار الدوليين، وشكّلت عائقًا رئيسيًا أمام تعافي اقتصادها المُنهك بفعل الحرب.
وتواجه سوريا حاجة ملحة؛ إذ يعيش أكثر من 90 بالمائة من السوريين تحت خط الفقر، ويعتمد 70 بالمائة منهم على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبمعدّل النمو الحالي، لن يعود الاقتصاد السوري إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب الأهلية في سنة 2011 قبل سنة 2080 على الأقل.
وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية الكارثية نتيجة تصاعد العنف الطائفي والتوترات المجتمعية بعد سقوط نظام الأسد، الذي هيمنت عليه الأقلية العلوية، وسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، وهي جماعة سنّية معارضة سابقة، على العاصمة.
ورغم تعهد الشرع بحماية الأقليات في البلاد، لا يزال بعض أبناء الطائفة العلوية والدروز ومكونات أخرى غير مقتنعين بذلك. كما زاد التدخل الخارجي من زعزعة الاستقرار، وخصوصًا من جانب “إسرائيل” التي نفذت أكثر من 700 غارة جوية داخل سوريا واستولت على أراضٍ سورية، وتتصاعد كل هذه الضغوط الآن.
وبعد أيام من إعلان ترامب، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن قرار رفع العقوبات جاء بعد أن خلص المسؤولون الأمريكيون إلى أن الحكومة الانتقالية في سوريا قد تكون على بعد “أسابيع، لا أشهر عديدة” من الانهيار المحتمل واندلاع حرب أهلية شاملة وواسعة النطاق.
وكان تحوّل ترامب المفاجئ بشأن العقوبات خطوة صائبة، وقد يسهم في مساعدة سوريا على مواجهة التحديات الراهن، فسقوط نظام الأسد الوحشي فتح الباب أمام مستقبل أفضل للسوريين وللمنطقة بأكملها، لكن رفع العقوبات وحده لم يكن كافيًا لانتشال البلاد من حافة الانهيار.
ويُعد بدء رفع العقوبات الأمريكية خطوة أولى مهمة، خاصة بعد أن تبنّى الاتحاد الأوروبي قرارًا مماثلًا بإلغاء معظم عقوباته على سوريا، وهو ما من شأنه تهيئة بيئة مواتية للاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه سوريا بشدة. وتحتاج الولايات المتحدة وشركاء سوريا الآخرين إلى إزالة العقبات المتبقية بسرعة أمام تحقيق الاستقرار والتعافي الاقتصادي، قبل أن تؤدي الضغوط الداخلية والتنافسات الإقليمية إلى تفكك البلاد من جديد.
فرصة اقتصادية
لقد اتخذت إدارة ترامب بالفعل بعض الخطوات للوفاء بوعد الرئيس برفع العقوبات، ففي الأسبوع الماضي، أصدرت إدارة مراقبة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة ترخيصًا تُرفع بموجبه معظم العقوبات الأمريكية فورًا، بما في ذلك العقوبات المفروضة على أحمد الشرع نفسه، رغم أن هذا لا يشمل إزالة تصنيفه كإرهابي أجنبي ويمكن سحب هذا الترخيص في أي وقت.
وفي اليوم نفسه، أصدرت وزارة الخارجية إعفاءً لمدة 180 يومًا من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لسنة 2019، مما سيمكن الحكومات والشركات والأفراد الأجانب من ممارسة الأعمال التجارية في سوريا.
ومع ذلك، فإن الإعفاءات ليست سوى حل جزئي، فبدون رفع دائم للعقوبات، وهو ما يتطلب في حالة عقوبات قانون قيصر موافقة الكونغرس، وسيظل الغموض بشأن إمكانية إعادة فرض العقوبات بعد ستة أشهر قائمًا، مما قد يعيق تعافي الاقتصاد السوري.
قد لا تثني هذه الحالة بعض المستثمرين المقربين من إدارة ترامب أو المعتادين على العمل في الاقتصادات الخاضعة للعقوبات، لكن العديد من الشركات والمؤسسات الدولية التي تسعى إلى استثمارات طويلة الأمد قد تتردد في الدخول إلى السوق السورية. وقد تختار هذه الجهات تجنب المخاطرة والامتناع عن ممارسة الأعمال التجارية في سوريا تمامًا، كما فعلت طوال فترة الحرب الأهلية في البلاد.
لا يزال بإمكان إدارة ترامب اتخاذ مزيد من الخطوات؛ إذ يمكن لوزارة الخارجية أن تعمل على رفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية أجنبية، وذلك عبر التأكيد على أن الشروط التي أُدرجت بموجبها لم تعد قائمة، أو لوجود أسباب تتعلق بالأمن القومي تبرر رفعها.
كما ينبغي للوزارة أن تسعى أيضًا إلى رفع تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، استنادًا إلى التغير الجذري في القيادة والسياسات، بالإضافة إلى ضمانات من القيادة الحالية بأنها لا تدعم الإرهاب حاليًا ولن تقوم بذلك في المستقبل. فبدون إزالة هذه التصنيفات، سيبقى تخفيف ضوابط التصدير أمرًا بالغ الصعوبة.
وفي الوقت الراهن، بدأ تخفيف العقوبات يتيح لدول الخليج والجهات الفاعلة الأخرى الاستثمار في سوريا. فبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان ترامب بشأن العقوبات، وقعت شركة إماراتية مذكرة تفاهم بقيمة 800 مليون دولار مع الحكومة الانتقالية في دمشق لتطوير ميناء طرطوس السوري وإنشاء مناطق صناعية وتجارة حرة.
كما قامت قطر والسعودية بسداد ديون سوريا، ما مكّنها من الحصول على قروض وضخ سيولة نقدية من مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي. وبات بإمكان سوريا أيضًا إعادة الاندماج في النظام المالي العالمي. فعلى سبيل المثال، من شأن العودة إلى نظام “سويفت”، الذي يُعد ضروريًا للتحويلات المصرفية الدولية والدفعات العابرة للحدود، أن يُسهّل التحويلات المالية والمعاملات الدولية الأخرى.
وفي ظل حكم الأسد، بالكاد بقي الاقتصاد السوري صامدًا، معتمدًا على الدعم الإيراني والروسي وتهريب المخدرات والمساعدات الإنسانية. وسيسمح رفع العقوبات ببدء عملية إعادة الإعمار بشكل جاد. إذ يمكن إحياء قطاعات النفط والغاز والمواد الخام والصناعات التحويلية، مما سيوفر إيرادات للدولة وسبل عيش لعدد كبير من المواطنين.
ويحتاج قطاع الطاقة تحديدًا إلى استثمارات؛ فقد كانت سوريا تنتج نحو 400 ألف برميل نفط يوميًا سنة 2010، قبل اندلاع الحرب، لكن الإنتاج انخفض عند سقوط الأسد السنة الماضية إلى ما بين 40 و80 ألف برميل يوميًا فقط. وعلى الصعيد الفردي، سيساعد تخفيف العقوبات السوريين في الخارج على الاستثمار داخل بلادهم من خلال تسهيل إرسال الأموال.
ومع أن هذا التقدم ليس مضمونًا بالكامل، خصوصًا أن بعض مشاريع الإعمار قد لا تجذب المستثمرين، وإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلق فجوة كبيرة يجب على ممولين آخرين سدّها، إلا أن تخفيف العقوبات يمنح سوريا خيارات تتجاوز الاعتماد على دول خاضعة للعقوبات أو أنشطة غير مشروعة للبقاء.
المنافسون الإقليميون
إن العقوبات ليست العقبة الوحيدة التي تهدد بزعزعة استقرار سوريا؛ فمنذ الإطاحة بنظام الأسد، نشأت منافسة بين أطراف إقليمية لكسب نفوذ اقتصادي وسياسي في البلاد الضعيفة. وتُعد “إسرائيل” أحد أبرز هذه الأطراف، إذ شنّت قواتها مئات الغارات داخل سوريا واحتلت أجزاء من الجنوب، بينما زعمت الحكومة الإسرائيلية أن تدخلها يهدف إلى حماية الأقلية الدرزية، ما ساهم في تأجيج الانقسامات الطائفية.
كذلك، ضغطت “إسرائيل” على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات والسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية داخل سوريا. وقد توسطت الإمارات في محادثات سرية بين “إسرائيل” وسوريا، فيما أكد أحمد الشرع مرارًا وتكرارًا أنه لا يرغب في الدخول في حرب مع “إسرائيل”. بل إن الحكومة السورية أعادت ممتلكات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أُعدم في دمشق سنة 1965، في بادرة حسن نية.
ومع ذلك؛ لا تزال “إسرائيل” تحتل أراضي سورية. ويبدو أن انفتاح إدارة ترامب على الشرع قد خفف من حدة الموقف الإسرائيلي، إذ تراجعت وتيرة الغارات الجوية في الأيام الأخيرة. والآن يتعين على الرئيس الأمريكي أن يستخدم نفوذه للحد من العمليات التخريبية التي تقوم بها إسرائيل.
لقد دخلت أطراف إقليمية أخرى على خط الصراع، سعيًا لعقد صفقات استثمارية مع الحكومة السورية الجديدة، قد تخدم أو لا تخدم مصالح البلاد على المدى البعيد. فعلى سبيل المثال؛ أعلنت تركيا في ديسمبر/ كانون الأول عن خطة للتفاوض على اتفاقية منطقة اقتصادية خالصة مع سوريا، تُحدد بموجبها الحدود البحرية وتمنح كل طرف حقوقًا حصرية في استكشاف واستغلال الموارد، بما في ذلك النفط والغاز، داخل منطقته.
ورغم أن مثل هذا الاتفاق قد يوفر مكاسب اقتصادية لسوريا؛ فإنه قد يؤدي أيضًا إلى تأجيج النزاعات القائمة بشأن الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، مما يضع سوريا في صراع محتمل مع جيرانها.

هناك سبل يمكن لتركيا أن تلعب من خلالها دورًا أكثر إيجابية، فبإمكان الحكومة السورية؛ بعد رفع العقوبات عنها، أن تتعاون مع أنقرة في تنفيذ خططها لبناء بنية تحتية لنقل الطاقة تربط بلاد الشام بالخليج، وربما أوروبا أيضًا. كما أن المساعدات التركية للجيش السوري قد تسهم في ردع هجمات الجيوش الأجنبية أو تنظيم الدولة، طالما أن هذه المساعدات لا تؤثر على استقلال سوريا أو يُفاقم المخاوف الأمنية لأطراف أخرى، وخصوصًا إسرائيل.
ويُعد احتمال اندلاع مواجهة بين “إسرائيل” وتركيا في سوريا مصدر قلق بالغ. ففي مارس/ آذار الماضي، أفادت وسيلة إعلام إسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية تستعد لاحتمالية وقوع مثل هذا التصادم. وفي الآونة الأخيرة؛ دخلت “إسرائيل” وتركيا في محادثات لتهدئة التوترات وإنشاء خط اتصال مباشر لهذا الغرض في سوريا.
ومع بدء الحكومة السورية وقواتها الأمنية في إعادة البناء، قد تتنافس “إسرائيل” وتركيا على النفوذ في هذا المسار بوسائل لا تصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة. ومن المرجح أن تكون الحكومة الأمريكية قد دفعت “إسرائيل” إلى التراجع عبر انخراطها مع السلطات السورية المؤقتة ودول الخليج وتركيا نفسها. ومع ذلك؛ فإن استمرار الجهود الدبلوماسية الأمريكية ضروري لضمان ألا تتحول سوريا مرة أخرى إلى ساحة صراع للمنافسات الإقليمية.
ولكي تتمكن سوريا من تولي مسؤولية الدفاع عن نفسها، بما في ذلك تنفيذ عملياتها الخاصة لمكافحة الإرهاب، فإنها بحاجة إلى موارد اقتصادية ومساعدة دولية لإعادة بناء وتوحيد جيشها وأجهزتها الأمنية. وفي الوقت الراهن، الوضع الأمني لا يزال هشًا؛ إذ لا تسيطر هيئة تحرير الشام على جميع مناطق البلاد، وتجد صعوبة في فرض الانضباط داخل صفوفها.
أما سيطرتها على قوى أخرى، مثل عشرات الآلاف من مقاتلي الجيش السوري الحر، فهي أضعف؛ حيث يتلقى هؤلاء توجيهات من أنقرة أكثر من دمشق. وقد أعادت ميليشيات مكوّنة من عناصر النظام السابق تجميع صفوفها على الساحل، فيما يعاود تنظيم الدولة الظهور في الشرق.
ولا تزال بعض الجماعات المسلحة الكردية والدرزية متمسكة بحلم الحكم الذاتي في سوريا ما بعد الأسد. وسيكون التعامل مع هذا المشهد الأمني الممزق صعبًا من دون دعم خارجي، يشمل التدريب على الحد من الأذى المدني. ويكمن التحدي الأكبر في بناء قوى أمن وشرطة منضبطة تحمي الشعب السوري بدلاً من أن تبتزه، فالسوريون يشعرون بالارتياح لانتهاء الحواجز الأمنية التابعة لنظام الأسد، التي كانت تراقبهم وتبتزهم، لكنهم في الوقت نفسه يخشون عودة الفساد والعنف إذا تعثرت عملية التعافي الاقتصادي.
الحوكمة الرشيدة
تلك المخاوف ليست بلا أساس؛ فسوريا محاطة بأمثلة تحذيرية لإخفاقات إدارة مرحلة ما بعد الصراع. ففي العراق، ترسخ الفساد خلال عملية إعادة الإعمار التي أعقبت الغزو الأمريكي سنة 2003، وكذلك في لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية بين سنتي 1975 و1990. فقد ازداد ثراء عدد محدود من السياسيين ورجال الأعمال على حساب الخدمات الأساسية والتنمية الاقتصادية لشرائح أوسع من السكان. وعجزت الحكومات الانتقالية عن بناء اقتصادات متكاملة، مما أدى إلى تصاعد النزاعات الطائفية وخلق فراغات استغلتها الفصائل غير الحكومية.
ولا يزال العراق يكافح لتنويع اقتصاده المعتمد على النفط وتحقيق تنمية مستدامة في قطاعي الزراعة والطاقة، نتيجة الفساد المستشري وتدخل إيران والجماعات غير الرسمية في اقتصاده. وفي لبنان، تراجع أداء القطاعات الإنتاجية، وزاد الاعتماد على الواردات الرخيصة في مرحلة ما بعد الحرب، فيما ركز زعماء الميليشيات المتحولون إلى سياسيين على مشاريع بنية تحتية تخدم مصالحهم الشخصية بدلًا من تحقيق نمو اقتصادي شامل.
وتُظهر التجارب السابقة في إعادة الإعمار بعد الصراعات حول العالم أن الشفافية والشمولية في صنع القرار الحكومي تُعتبران أفضل سبل مكافحة الفساد والركود الاقتصادي وغيرها من المشاكل الشائعة في البلدان التي تمر بمرحلة التعافي. ومع ذلك، فإن مطالب واشنطن حتى الآن تجاه الحكومة السورية الجديدة اقتصرت على المسائل الأمنية، مثل طرد المقاتلين الأجانب، وتجاهلت الإصلاحات السياسية والمؤسسية الضرورية لضمان انتقال سلمي ومستدام.
ويعتبر هذا خطأ جسيم؛ فلا يجوز إغفال الطموحات التي ناضل السوريون وضحوا من أجلها. وفي ظل غياب أي ضغوط من الولايات المتحدة أو من حكومات المنطقة التي تخشى حركة ديمقراطية ناجحة في سوريا قد تلهم الاضطرابات في بلدانها، استطاع الشرع تعزيز قبضته على السلطة. ولكن إذا تجاهلت الحكومة السورية إرادة السوريين الذين انتفضوا ضد استبداد الأسد؛ فإنها تخاطر بإشعال الصراع مجددًا وإحياء قوى شريرة مثل تنظيم الدولة.
ما يحدث في سوريا قد يؤثر على الاستقرار خارج حدودها، فمنذ سنة 2011، شردت الحرب الأهلية السورية ملايين الأشخاص، مما تسبب في موجة من اللاجئين على حدود أوروبا. وكان من نتائج ذلك تصاعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، التي استغلت رد الفعل الشعبي ضد المهاجرين لتحقيق دعم انتخابي متزايد.
وفي الوقت نفسه، استغلت الحكومة الإيرانية ضعف نظام الأسد لتعزيز نفوذها في العراق وسوريا ولبنان، مما زعزع استقرار هذه الدول وعزز الجماعات المسلحة غير الحكومية. كما أن وصمة العار التي لحقت بسوريا تحت حكم الأسد جعلت من المستحيل اتخاذ خطوات فعلية نحو التكامل الإقليمي، سواء من خلال التفاوض على اتفاقيات تجارية أو بناء خطوط أنابيب غاز جديدة.
وبدلاً من تكرار تلك التجارب التاريخية، يمكن أن تكون مرحلة الانتقال بعد الأسد في سوريا محفزًا للنمو والاستقرار. وعندما أعلن ترامب رفع العقوبات الأمريكية، قال إن هذه الخطوة تمنح السوريين “فرصة للعظمة”. وللحفاظ على هذه الفرصة، يجب على إدارته أن تبني على الزخم الحالي وتضمن التزام الحكومة الأمريكية بتنفيذ وعده، وألا تسمح للجهات الفاعلة في سوريا والمنطقة بإفساد العملية. لقد كان رفع العقوبات الخطوة المحورية الأولى نحو انتقال مستقر ومثمر بعد الأسد في سوريا، ويجب ألا تكون الأخيرة بالتأكيد.
المصدر: فورين أفيرز