دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي نحو 69% من مباني قطاع غزة، منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وحتى مطلع عام 2025، وفقًا لتقييم مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات).
ويتزايد الدمار يومًا بعد يوم، ولا أحد يدري إلى أي مدى قد يصل، لكن يبدو أن حجم الدمار يفوق ما تعكسه الإحصائيات، ففي مايو/أيار 2025، وثّق جندي إسرائيلي مشهدًا مصورًا من مدينة رفح جنوبي القطاع، ظهر فيه الدمار شاملًا، لدرجة أن المدينة بدت مدمّرة بالكامل، باستثناء منزلٍ واحد فقط بقي قائمًا.
وقدّرت الأمم المتحدة مدة إعادة إعمار غزة بحوالي 15 عامًا، بتكلفة تتراوح -وفقًا لتقديرات جهات مختلفة – بين 30 مليارًا و53 مليار دولار، لكن الفلسطينيين يضربون دائمًا المثل في تحدي الصعوبات، ولا يتخلّون عن الأمل؛ فقد فاجأوا العالم سابقًا بإعادة تدوير ركام المباني التي دمّرها قصف الاحتلال في قطاع غزة، ليستخدموه في بناء منازل جديدة.
وكأن لسان حالهم يردد تلك الأغنية التراثية التي كان أجدادهم ينشدونها وهم يبنون بيوتهم قبل نكبة 1948: “يا دارنا لنبنيك يا واو وانشمِّخلِك بالعلالي، بسيوفنا لنحَنّيك من كل قرمن أوالي، يا واو يا واو”.
وبهذه الأغنية يتجلى التحدي لعدوٍّ يترصّدهم؛ فـ”يا واو” ليست مجرد لازمة صوتية، بل اختصار لابن آوى، رمز الذئب المتربص، أما عبارة “من كل قرمن أوالِي”، فتعني “من دم كل قويٍّ يقترب”، وكأن لسان حال الفلسطيني يقول: “يا دارنا، سنبنيك ونرفعك عاليًا وشامخًا، رغم أنف الذئب المتأهّب، وسنحميك بسيوفنا من كل من يقترب منك”.
ولِمَ لا؟ فقد كان الفلسطيني لا يحتاج إلى شيء من خارج أرضه لبناء بيته، فنظرة واحدة إلى البيت الفلسطيني في النصف الأول من القرن العشرين، قبل النكبة، تكشف عن اكتفاء ذاتي حقيقي، بل وأكثر من ذلك، تكشف عن سعادة وإيمان، أغانٍ وترابط اجتماعي، وعادات دينية تفيض بالحياة.
نعم، كان بناء البيت الفلسطيني أكثر من فعل عمراني؛ كان طاقة فرح، وطقسًا اجتماعيًا وروحيًا يتشابك فيه الحضور المجتمعي بالإرث الديني والأسطوري، وهذا ما تؤكده المصادر التي عايشت تلك الحقبة وسجلتها بدقة، ومنها دراسة الباحث الفلسطيني توفيق كنعان، المتوفى عام 1964، بعنوان: “البيت العربي الفلسطيني: عمارته وتراثه الشعبي – THE PALESTINIAN ARAB HOUSE: ITS ARCHITECTURE AND FOLKLORE”.
وكذلك موسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين” للمستشرق الألماني غوستاف دالمان، الذي عاش في فلسطين أوائل القرن العشرين، إضافة إلى كتابي: “Naplouse et son district – نابلس وضواحيها”، و “Coutumes des Arabes au pays de Moab – عادات العرب في أرض موآب”، لعالم الآثار الفرنسي أنتونين جوسن، الذي أقام في فلسطين والمنطقة أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
وبالاعتماد على هذه المصادر الحيّة، سنرصد في السطور التالية كيف كان الفلاح الفلسطيني يبني بيته بالاعتماد على موارده الذاتية، وما شكل ذلك البيت، وما مواده، وكيف تحوّل فعل البناء رغم بساطته إلى مصدر سعادة، ومناسبة مجتمعية جامعة، وممارسة مشبعة بالمقدس والأسطوري.
شكل البيت الريفي الفلسطيني
كان البيت الريفي الفلسطيني بسيطًا إلى حدٍّ بعيد، حتى أن الفلاح كان غالبًا ما يبنيه بنفسه، بمساعدة أبنائه وأهله وجيرانه وأقاربه، وإن استعان ببنّاء محترف، فإن يدَه لم تكن تغيب عن العمل.
من التفاصيل الأساسية في عملية البناء حفر قناة حول البيت لتصريف مياه الأمطار، بحيث تصبّ في بئرٍ مخصص لتجميع المياه. فقد كانت المياه تشكل خطرًا حقيقيًا على البيوت المبنية من الطين، خاصةً الأسقف، التي كانت تتطلب صيانة متكررة في كل شتاء، إذ تُصنع هذه الأسقف من خليط الطين والتبن، يُلصق فوق طبقات من الخشب والحطب.
وغالبًا ما كانت الأمطار تُنبت أعشابًا على الأسطح، بل إن بعضهم تعمّد زراعة القمح على السقف، إلا أن هذه المزروعات كانت تجف سريعًا.
وكان الفلاحون يصفون هذه البيوت بتشبيهات طريفة؛ فيقولون مثلًا: “أربعة حرامية لابسين طاقية”؛ إشارة إلى الجدران الأربعة التي تحمل السقف (الطاقية)، ويقولون أيضًا: “أربعة ميّتين شايلين قتيل، ووراهم مشنوق بيقول وين رايحين”، في وصف للجدران الأربعة التي تحمل السقف الثقيل، بينما يُشبه الباب المصاب بالصرير المزعج بالمشنوق الذي يصرخ من دون أن يُصغى إليه.
في بعض الأحيان، كان السقف يُدعَم بأعمدة داخلية، مصنوعة من الخشب أو الحجارة، لكن في كثير من البيوت لم تكن هناك أعمدة، بل يُرفَع السقف مباشرة على الجدران الحاملة.
أما النوافذ، فقلما وُجدت في بيوت القرى، خشية تسلل اللصوص، وبدلًا منها، كانوا يفتحون “طاقات” صغيرة قرب السقف، تسمح بمرور الهواء وخروج دخان الطهي، فيما تُترك الأبواب مفتوحة معظم ساعات النهار، لتدخل أشعة الشمس وتنعش الهواء في الداخل.
كان الهواء الداخل من تلك الفتحات الصغيرة، في أحيان كثيرة، قاسيًا ومؤذيًا، حتى أن الناس اعتادوا القول: “الطاقة اللي يجيك منها الهوا، اقلع ثوبك وسدها، لا، جيب الفاس وهدها”، ويزيدون: “نام في البرية ولا تنام جنب طاقة هوية”، ولهذا، كان الفلاحون يغلقونها في الشتاء بألواح الخشب أو الحجارة.
مع ذلك، كان البعض يُدخل النوافذ في تصميم البيت، وغالبًا ما تكون مربعة الشكل، تُصنع من الخشب دون زجاج، وتُزوَّد من الداخل بقضبان حديدية للحماية، وهذا كان أكثر شيوعًا في البيوت المدينية منه في البيوت الريفية.
أما البيت الريفي المعتاد، فكان يتكون من طابق واحد، وربما طابقين، ويضم غرفة نوم واحدة بالطابق الأرضي، إلى جانب المدخل وصالة صغيرة، وأحيانًا غرفة ثانية للمعيشة. وفي بعض البيوت، تُبنى غرفة نوم إضافية على السطح، تُعرف بـ”العلية” لعلوها، وتُطل عادةً على شرفة، ويُصعد إليها بسلم خشبي من الطابق السفلي.
وكثيرًا ما خلت البيوت الريفية من الحمامات؛ فكان الفلاح يقضي حاجته في مكان معزول خلف البيت، أما داخل المنزل فتوضع مبولة بسيطة، غالبًا ما تستخدمها النساء والأطفال لقضاء الحاجة، في حين كانت بيوت المدن تحوي مراحيض وحمامات داخلية.
وللبيت الريفي فناء واسع في مقدّمته، فيه “مصطبة” ظليلة، تُظللها أغصان الأشجار وسقف من خشب أو عريش، وغالبًا ما تُزرع بالقرب منها شجرة كبيرة لتظلل المكان، وكان الفلاح يجد راحته في النوم على تلك المصطبة في ليالي الصيف الحارة.
ويضمّ الفناء كذلك حظيرة للدواجن، وأخرى للبهائم، ومخزنًا للتبن يُستخدم كعلف للمواشي، إضافة إلى موقدٍ للطبخ وفرنٍ تقليدي. وكان هذا الفضاء كله يُحاط بسورٍ بسيط، يحميه ويحدّد معالمه، ويجعل من البيت عالمًا صغيرًا متكاملًا، يعكس الاكتفاء الذاتي، والتلاحم بين الإنسان وأرضه.
بناء البيت.. من البيئة الفلسطينية وإليها
تحدث باحثون بشكل مستفيض حول المواد التي يبنى منها البيت، حسب درجة ثراء صاحب البيت وطبيعة البيئة التي يبنى فيها المنزل، فهي إما مبنية بالحجارة -بأنواع مختلفة منها- كما في منطقة القدس وما يحيط بها نظرا لوجود الأحجار هناك في الهضاب والتلال، ويمكن الحصول عليها بسهولة، وفي هذه الحالة قد يلجؤون لتفجير كتل صخرية كبيرة بالبارود، ثم ينحتونها ويشكلونها بأدوات تقطيع بدائية يصنعها الحداد، مثل “البلطة” والـ”مخلُ” والـ”بيك” والـ”دبورة” والـ”العتلة”.
أو مبنية بالطوب اللبن الذي يجففوه في الأفران، كما في سهل فلسطين الساحلي، حيث يغربلون التراب المائل إلى الحمرة، ويعجنوه بالماء ويضعوه في هياكل على شكل قوالب، وتترك قوالب الطين حتى تجف وتتحول لقوالب من الطوب، وقد يحرقون هذه القوالب في أفران فتصبح أكثر صلابة وقوة.
أما لصق وبناء هذه القوالب فيتم عن طريق “الملاط”، وهي المادة المعجونة بالماء، وتستخدم للصق الحجارة أو الطوب، فيما بينها وبين بعضها لتكوين الجدران.
في حالة البناء بالحجارة – ولاسيما الجيرية- يستخدم الجير المسحوق منها في عجن الملاط، أو الطين الأحمر المائل للسمرة في حالة البناء بالطوب كما في حيفا، أو الطين الأصفر الناري كما في جبل الزيتون، وكذلك كان يوجد الأسمنت ولكنهم كانوا يفضلون عليه ملاط الجير الذي يتمتع بصلابة أعلى.
والملاط لم يكن للبناء فقط ولصق الأحجار والطوب، ولكن كانوا يصنعون به لياسة لطلاء وتقوية الجدران، وكذلك كانوا يقوون به سطح البيت ويصبونه عليه، مع خلطه بالتبن، ويجددون به السطح سنويًا، ولا سيما في الريف في حالة البيوت الطينية.
أما البيوت الحجرية، فكانوا يستخدمون في طلاء وتبطين جدرانها وأسقفها ألواحا حجرية، ويطلونها بنحاتة مخلوطة بالجير، ثم تصقل بالرخام مع خيوط الكتان، ثم مادة مبيضة مؤلفة من الجير والنيلة، ثم يكحلون شقوق الحجارة (الفواصل فيما بينها) بعد كحتها.
والبنّاء الذي يبني كان يستخدم ميزانًا لضبط الجدار والتأكد من استقامته، وهو ثقل نحاسي مع بكرة خشبية وخيط يشده على الجدار لضبطه أثناء البناء، وينقل إليه الملاط على لوح خشبي، ويغرف منه بالمسطرين ويضعه وفوقه قوالب الطوب أو الحجارة، ويرص الطوب تباعًا، وبين كل طوبة وطوبة ملاط.
ويستخدم الخشب لبناء السقف وأحيانا لدعمه وحمله، ويستخلص الخشب من أنواع مختلفة من الأشجار أهمها الصنوبر، والسنديان، والبطم، والفستقة، والسرو، والدلب، والجميز، أما الزيتون المنتشر في فلسطين فرغم صلابة خشبه إلا أن التواءاته حادة، ما يمنع استخدامه في البناء.
كان الخشب يُرَص فوق الجدران كعوارض مستقيمة لبناء السقف عليه، ولاسيما في مناطق شمال فلسطين، أما في الجنوب فكانت تكثر الأسقف المحدبة لندرة الغابات في الجنوب التي تحتوي على أشجار ضخمة يمكن استخلاص الخشب المستقيم منها، فكانت الأسقف مقوسة لطبيعة الأخشاب والأشجار الموجودة بها.
وغالبا، يقوم الفلاح بتقطيع الخشب من أشجار الغابات أو الحقول بنفسه، بأدواته البسيطة مثل البلطة والقادوم، ثم يجهزها ويقوم بأعمال النجارة بنفسه، وإن كان ميسورا يستطيع أن يستأجر نجارا لإعداد الأعمال الخشبية له، سواء للسقف أو لصناعة الأبواب والنوافذ.
طقوس البناء: ذبائح وأغاني للحماية والشكر
للفلسطيني عادات وتقاليد دينية، وطقوس فرح وأغنيات عند البناء، ولا يستطيع مخالفتها، تبدأ عند وضع أساس البيت أو تأسيس الجزء السفلي من الجدران، وحينها لا بد من ذبح شاة، ويسمى “ذبح التأسيس” أو “ذبيحة الأساس”، ويترك دمها يسيل في الحَفْر الذي سيبني به الجدار قبل الردم حوله، حيث يشيع الاعتقاد أنه بذلك يخزي الجن الموجود في المكان، بطاعة يقدمها لله.
وكثيرا ما يذبحون بمجرد وضع حجر واحد أو طوبة واحدة فقط من الجدار في الحفرة، وبعدها يوزعون لحم الشاة مطهيا على الأقارب والأصدقاء والفقراء، بجانب عمال البناء أنفسهم.
وفي شمال غرب القدس لا يقيمون هذا الاحتفال في الغالب، ولكنهم عندما يضعون الحجر الأول في الزاوية اليمنى من الجهة الجنوبية للبيت، يقولون: “يا الله، يا خليل الله، يا خليل الرحمن” ويقرأون الفاتحة، وكذلك يقرؤونها حين يبنون عتبة البيت.
أما المسيحيون، وخاصة في بيت جالا، فيدعون القسيس كي يرش ماءً قدسيا ويقرأ صلوات عليه، ويتبرك صاحب البيت بالشرب من نفس الماء، وقد يضع القسيس قطعة من الفضة أو الذهب تحت أول حجر ويتلو عليها صلواته.
ويتجنب صاحب البيت أن يقع ظله فوق هذا الحجر الأول في البيت الذي يسمى بحجر الأساس، لأن هناك عقيدة شعبية تدعي أن من يقع ظله فوق حجر الأساس يموت. وعند بناء العتبة يضع المسيحيون شيئا أخضر تحتها، وأحيانا بعض القطع المعدنية لاسترضاء العفريت الساكن في المكان.
أثناء بناء البيت يساعد الجميع من الجيران والأقارب في بنائه بالعمل المباشر مع صاحب المنزل، رجالا ونساءً، أو بإحضار المرطبات والمشروبات والطعام للعمال.
وغالبا ما تسمع الزغاريد أثناء البناء، والأغاني التي يغنونها معا، والتي تتخللها روح دينية في كثير من الأحيان، ومنها: “يالله حي الله، النبي صلوا عليه”، ومن أشهر أغانيهم: “منهو بنى بيته جديد ودبرت الجمال من نقل الحديد منهو بنا بيته عجب ودبرت الجمال من نقل الخشب واحنا نوينا ع العقد يا ناس صلوا ع النبي”.
ويغنون أيضا: “يا مرحبا رَوَّح المال ع الدار يا واو يا واو رَوَّح سَخي الأيادي، روح أبو يوسف ع الدار يا ضميكم يا الأعادي يا واو يا واو”، وبعد الانتهاء من بناء البيت تذبح شاة وتقام وليمة جديدة ويُقام حفلا كبيرا، وعند بناء الطابق العلوي (العليّة) تقام وليمة أخرى.
وللخوف من العين والحسد ومن النفوس الشريرة والجن، يضعون فوق باب المنزل بعض الأشياء التالية: قشر بيض، خرزة زرقاء، رأس ثوم، شظايا زجاجية وحلقات زاهية اللون، خرز زجاجي، أساور المعاصم وغوايش، ثمرة رمان وريشة نعام… هذه الأشياء أو ما تيسر منها، يعتقدون أنها تساعد في الحماية والوقاية.
وبجانب تلك الأشياء يحلو للمسيحيين لصق صليب فوق الباب، أما المسلمون فيضعون سورة الفاتحة، كذلك يفضل الفلسطينيون عموما -من الديانات الثلاث- رسم كف أزرق للحماية من العين الشريرة، والكف بالنسبة للمسلمين هي يد فاطمة بنت النبي، وللمسيحيين يد مريم، ولليهود يد الله، حسبما شاع بينهم.
وبعد طلاء البيت من الداخل، تذبح شاة جديدة وينقط دمها على عتبة البيت، ويرسم المسلمون أشكالا من نقاط، في حين يرسم المسيحيون بالدم صليبا فوق العتبة.
وبعد انتهاء تلك الوليمة يغنون: “يا خليل الله يابو الضيفان وأخضر لهان، قوي زندي مثل الجندي، يلّه ينتم إيش خمنتم، خليل ابتلعب في هالملعب، يا خليل الله الله الله”، أي: يا خليل الله يا أبو الضيوف هلا أتيت إلى هنا، اجعل زندي قويا مثل الجندي، إلى الأمام أنتم، ماذا خمنتم؟ خيول تلعب في هذا المضمار، وتردد الجوقة بعد كل نصف سطر “يا خليل الله”.
والذبح في مجمله يقوم على شيئين، وهما: الحماية والشكر؛ فالحماية تتمثل في تقديم أضحية عن أهل البيت الذين حتما سيموت واحد منهم إن لم يذبحوا، أما الشكر فهو شكر الله الذي أعان على البناء.
وبعد الذبح ومن والشكر يغرسون على السطح ما كانت تعرف بـ”راية الله”، وهي قماشة بيضاء تربط على عود صغير، وتترك عليه حتى تتلف نتيجة المطر والريح والشمس، وتعني هذه الراية سعادة البيت وسلاما دائما مع سكان القرية. وكذلك كانوا يضعون غصنا من شجرة الزيتون فوق السطح، وهو يبشر بالنسبة لهم بحياة طويلة وإخضرار دائم وبركة مستمرة.
وفي المنطقة المحيطة بمقام النبي موسى يقدم البدو الأضحية الذبيحة أمام المقام، وتمسح بدمها الأعمدة الوسطى لخيامهم، تبركا بالنبي موسى ضد الجن والعفاريت ساكني المكان.
هكذا كان بناء البيت عند الفلاح الفلسطيني: سهلًا بسيطًا، لا يحتاج إلى تعقيد أو أدوات مستوردة، بل يعتمد كليًا على ما تجود به بيئته من طينٍ وخشبٍ وتبنٍ وحجارة، كما كان بإمكانه أن يشيد منزله بيديه، بمساعدة محبة من حوله؛ من أهله، وجيرانه، وأصدقائه.
وكان لهذا الجهد طابع روحاني، يترافق مع طقوس من البركة، يستجلبها بالذبائح، وبالطاعة، وبأهازيج يرددها وهو يعمل، ممتلئًا بالفخر، ومتمسكًا بالإباء، وقويًا كأرضه التي يبني عليها.