ترجمة وتحرير: نون بوست
في 29 أبريل/ نيسان، قُتلت سوزان عبد القادر بالرصاص في سيارتها بالقرب من منزلها في الطيرة، وهي خامس مواطنة فلسطينية تُقتل في “إسرائيل” خلال خمسة أيام، والثالثة والثمانين هذا العام.
ساعدت سوزان، وهي ناشطة مجتمعية معروفة، في قيادة “مسيرة الأموات” في تل أبيب عام 2023، حيث حمل آلاف المتظاهرين الفلسطينيين واليهود نعوشًا رمزية للتنديد بتصاعد جرائم القتل في المجتمع العربي في إسرائيل.
بعد عامين فقط، أصبحت سوزان (40 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، ضحية جديدة ضمن جرائم القتل التي احتجت ضدها. وفي الشهر الذي أعقب مقتلها، قُتل سبعة مواطنين فلسطينيين آخرين.
لم يكن القاتل الذي لا يزال طليقًا، يحاول تخويف سوزان أو تهديدها، فكل الرصاصات التي أُطلقت عليها كانت موجهة إلى النصف العلوي من جسدها، ما يعني أنه كان ينوي قتلها. وقال زوجها زياد بشارة لموقع +972: “نصب لها المسلح كمينًا واقترب من سيارتها وأطلق عليها النار أثناء عودتها إلى المنزل”.
يأتي مقتل سوزان في وقت بلغت فيه الجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة. ووفقًا لـ”مبادرات إبراهيم”، بلغ عدد ضحايا جرائم القتل 230 مواطنًا فلسطينيًا عام 2024، مقارنة بـ 116 عام 2022، أقل بقليل من ذروته التي بلغت 244 عام 2023.
وقال الناشط السياسي أمير مخول لموقع +972: “هناك شبكة من المنظمات الإجرامية جيدة التسليح، تشبه الجيوش الصغيرة. نتحدث عن مئات، بل آلاف الشباب، سواء من داخل الخط الأخضر أو من الضفة الغربية، يعملون بطريقة منظمة للغاية”.
استفادت العصابات من انتشار السلاح داخل إسرائيل منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول – عبر تهريب المتفجرات العسكرية لتنفيذ تفجيرات بسيارات مفخخة في البلدات العربية، واستغلال تساهل الحكومة في السماح بحيازة السلاح – كل ذلك في الوقت الذي تغض فيه الشرطة الإسرائيلية الطرف عن نشاط هذه العصابات.
يقول مخول: “لا يوجد أي تجمع فلسطيني في إسرائيل بمنأى عن هذا العنف. لقد وصلت الجريمة إلى كل ركن من أركان المجتمع. إنها منظومة اقتصادية متكاملة تُدرّ مليارات الدولارات من خلال عمليات الابتزاز، والاستحواذ على العقود البلدية، ومصادرة الشركات، وغيرها. هي آلية متكاملة، وليست مجرد حوادث معزولة”.
العربية ⬇️ English
עכשיו בטירה – כולנו סוזאן.
חיי אדם אינם הפקר.
לזכרה של סוזאן עבד אל קאדר בשרה שנרצחה השבוע.
يحدث الآن في الطيرة – كلنا سوزان.
لذكرى سوزان عبد القادر بسارة التي أغتيلت هذا الاسبوع
Now in Tira – we are all Susan.
Human life is not expendable.
In memory of… pic.twitter.com/E5q9JDECe0
— נשים עושות שלום (@WomenWagePeace) May 3, 2025
يؤكد مخول أن انتشار الجريمة أدى إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المواطنين الفلسطينيين الراغبين في الهجرة من إسرائيل خلال السنوات الأخيرة. يكشف تصفح سريع لمجموعات فيسبوك المعنية بالتوطين عن مئات الاستفسارات من المواطنين الفلسطينيين الذين يستكشفون خيارات الهجرة. وحسب رأيه فإن هذا ليس من قبيل الصدفة.
وبينما ينقسم المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بشدة حول العديد من القضايا، من الولاءات السياسية ومسألة الشراكة الفلسطينية اليهودية، إلى التعاون مع الأحزاب الصهيونية، إلا أن هناك إجماعًا كبيرًا بشأن تفشي الجريمة المنظمة التي تمزق مجتمعهم، إذ يعتقدون أن الظاهرة ليست نتيجة فشل أو إهمال مؤسسي، بل هي جزء من حملة حكومية متعمدة لتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل.
“الخطة تتقدم بنجاح”
أكد مخول أن “الجريمة مشروع استراتيجي للدولة، هدفه النهائي هو الهجرة الطوعية للفلسطينيين”.
ويضيف: “هذه السياسة لا تقتصر على غزة أو الضفة الغربية، بل تشمل أيضًا الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وهي تُطبّق بالفعل، لا سيما ضد الشباب المتعلم والمتخصصين في مجالات كالطب والتكنولوجيا المتقدمة”.
وأشار مخول إلى تقاعس الدولة المتعمد في معالجة الجريمة، كجزء من جهد أوسع لدفع المواطنين الفلسطينيين إلى الهامش. وقال: “اليمين الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو، يعمل بشكل ممنهج على دفع المواطنين الفلسطينيين إلى حالة من اليأس التام، لأنهم كتلة انتخابية تُهدد استمرار حكمه”.
وأضاف: “حتى الميزانيات المخصصة لما يُسمى مكافحة الجريمة، تُستخدم لملاحقة من يُحاربونها فعليًا”. على سبيل المثال، تصاعد موجة الاعتقالات الإدارية ضد الناشطين السلميين مثل رجا إغبارية، إلى جانب حظر “لجنة نشر السلام”، وهي مجموعة وساطة في النزاعات تعمل تحت إشراف لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في إسرائيل.
وقد اختبر غسان منير، وهو ناشط في اللجنة المحظورة، هذا الأمر بشكل مباشر عندما استدعاه عملاء الشاباك وأمروه بوقف عمله في مجال حل النزاعات. وقال منير لـ+972: “بدلًا من ملاحقة المجرمين والقتلة، يلاحقون من يحاولون حل المشاكل. هذه هي الطريقة التي يتم بها تفكيك المجتمع، وهي سياسة ممنهجة. والحقيقة أنها نجحت، إذ لم يعد المواطنون العرب يخرجون إلى الشوارع، ولا يحتجون، ولا يرفعون المطالب”.
منير هو أحد سكان الرملة، وهي مدينة مختلطة بين الفلسطينيين واليهود في وسط إسرائيل، وقد شهدت مع مدينة اللد المجاورة ارتفاعًا كبيرًا في جرائم العنف في السنوات الأخيرة. في 10 أبريل/ نيسان، قُتل شقيقان من حي الجواريش في المدينة، وهما جلال ومتين الشمالي بالقرب من منزلهما. وخلال السنوات القليلة الماضية، قُتل أيضًا شقيقان آخران من نفس العائلة.
أصبحت ظاهرة وجود ضحيتين أو ثلاث أو أربع ضحايا من عائلة واحدة، شائعة بشكل مقلق خلال السنوات القليلة الماضية. وقد تدهور الوضع إلى حد أن رئيس بلدية اللد، اليميني يائير ريفيفو، المحسوب على حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، اتهم الحكومة بالسعي إلى “التخلص من العرب” من خلال السماح باستمرار جرائم القتل دون رادع.
أوضح منير أن “ما يحدث في الرملة أصبح ممكنا في المقام الأول بسبب توفر الأسلحة بشكل كبير، ولأن الشرطة لا تعتقل القتلة. يأتي رجال الشرطة ويُحصون عدد الرصاصات ثم يغادرون. نعيش هذا الوضع منذ سنوات، لكنه تفاقم بشكل كبير منذ تولي بن غفير منصبه”.
في ظل هذه الأوضاع، يعتقد العديد من الفلسطينيين حاليا أن الدولة الإسرائيلية تعمل على تمكين المنظمات الإجرامية كجزء من “سياسة تهجير واسعة ومنظمة ومخططة بعناية” لإجبار المواطنين الفلسطينيين على مغادرة إسرائيل، كما جاء في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي تم تداوله على نطاق واسع مؤخرًا.
وجاء في المنشور: “المرحلة الأولى هي القضاء على الشعور بالأمان الشخصي واستبداله بخوف وجودي. هذا ما يؤدي إلى اختفاء الطبقة الوسطى في المجتمع العربي، الطبقة التي تستطيع الهروب من دورة العنف الدموية إلى المدن المختلطة، أو إلى خارج البلاد تمامًا”.
ويتابع المنشور أن سكان القرى العربية يتم إجبارهم على دفع رسوم حماية “حتى تغلق أبوابها ويغادر أصحابها قراهم، أو يغادروا البلاد”. وأضاف المنشور أن هذه الممارسات جزء من “عملية ممنهجة تهدف إلى القضاء على القدرة الاقتصادية للمجتمع العربي، وتقويض الأمن الشخصي، وتفريغ المجتمع من طبقاته المنتجة”.
أشار المنشور أيضًا إلى بن غفير، النائب اليميني المتطرف الذي أصبح وزيرًا للأمن القومي الإسرائيلي عام 2022، كأحد الأسباب الرئيسية للتصعيد الأخير. وجاء في المنشور المجهول المصدر: “كل قطرة دم عربية تراق هي نجاح بالنسبة له، وليست فشلاً. كل ضحية إضافية هي دليل على أن الخطة تتقدم بنجاح. لهذا السبب لن تزعجهم التقارير اليومية عن عدد ضحايا القتل، لا بن غفير ولا نتنياهو ولا الرأي العام اليهودي في إسرائيل. بالنسبة لهم، هذا دليل على نجاح الخطة”.
“هذا ليس خللًا”
قالت نيبال عردات، منسقة المرافعة القانونية في مركز مساواة، وهي منظمة مدنية تدافع عن حقوق الفلسطينيين في إسرائيل، لموقع +972، إن الأزمة ليست نتيجة “إهمال” من جانب الحكومة أو الشرطة، مؤكدة أن “هذا التعريف يطمس فقط عمق المشكلة. إنها ظاهرة أوسع بكثير، ظاهرة لا تتعلق فقط بالجريمة والعنف، بل تمس كل جوانب الحياة تقريبًا”.
في الشهر الماضي، رفعت دعوى قضائية أمام محكمة العدل العليا ضد ديوان الخدمة المدنية، على خلفية أن المواطنين الفلسطينيين لا يشكلون إلا 2 بالمئة فقط من القوى العاملة، رغم أن الديوان مكلف بضمان التمثيل العادل في المكاتب الحكومية.
وقالت: “عندما تضاف ذلك إلى معدلات التوظيف المنخفضة، وتخفيضات الميزانية، والقيود الممنهجة، والاضطهاد السياسي، والإهمال المستمر للجريمة المنظمة، تظهر صورة واضحة: هذا ليس خللاً، بل سياسة متعمدة”.
وتسلط نيبال الضوء على عدد من الحالات، مثل حالة المحامي روي كحلون، الذي عينه نتنياهو مفوضًا للخدمة المدنية رغم فشله في رئاسة فريق العمل الحكومي لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي، والتي ارتفع خلالها معدل جرائم القتل. وقالت في هذا الصدد: “يتعامل النظام مع المواطنين العرب وكأنهم غير موجودين”.
وأكدت المحامية راوية حندقلو، مديرة مركز الطوارئ لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، لموقع +972، أن تراكم عدة عوامل منها “فشل الشرطة في حل 85 بالمئة من جرائم القتل، والتحريض المستمر ضد الفلسطينيين، قد عمّق أزمة الثقة في المؤسسات الحكومية، وأدى إلى شعورٍ واسع النطاق بأن هناك مؤامرة ضدنا”.
وأوضحت أن التصعيد في الجريمة “ليس حدثًا عابرًا، بل هو عملية مستمرة، كل موجة فيها تفوق سابقتها في الوحشية. لم يعد من الممكن النظر إلى هذا الأمر على أنه مشكلة اجتماعية أو اقتصادية فقط، بل هو مشكلة سياسية في المقام الأول”.
ومثل غيرها من النشطاء الذين قابلتهم +972، وصفت راوية الأزمة بأنها متعمدة وممنهجة: “نحن لا نتعامل مع غياب السياسات، بل مع سياسة فاعلة، سياسة تتجاهل الجريمة وتسمح للمنظمات بملء الفراغ الذي تخلقه الدولة عمدًا. إن فقدان الأمن الشخصي وانهيار المجتمع هما النتيجة المباشرة لسياسة تمييزية ومتعمدة ضد المواطنين الفلسطينيين في الدولة”.
ومع ذلك، تواصل راوية وفريقها مقاومة هذه الظاهرة، وتقول: “ندرك تمامًا صعوبة هذه التحديات، لكننا نبقى ملتزمين بنهجنا متعدد الجوانب. في ظل حكومة “أثبتت مرارًا وتكرارًا أن سلامتنا وحياتنا لا تهم”، فإن استراتيجية مركزها واضحة: “نحن نغير السياسات من القاعدة إلى القمة، ونبني قوة جماعية في مجتمعاتنا، ونخلق واقعًا جديدًا من القاعدة، يصل في النهاية إلى أعلى مستويات صنع القرار”.
المصدر: +972