ترجمة وتحرير: نون بوست
تهيمن الروبوتات الصناعية من الشركات الصينية – وهي أحد الأهداف الرئيسية لهذه السياسة – على خط الإنتاج، بدءَا بالمكبس الآلي الذي يطبع الصفائح المعدنية على ألواح الأبواب.
بعد ذلك، يلحم أكثر من 800 روبوت من شركة كوكا الصينية القِطع في هياكل السيارات، بينما يقوم مورد صيني آخر بأتمتة عملية تركيب العجلات، ويفوق عدد الروبوتات عدد البشر في كل وردية.
ويقول توبياس ليبيك، رئيس قسم هندسة التصنيع في أودي بمصنع تشانغتشون: “لم نتوقع أتمتة هذا العدد الكبير من العمليات في الصين، لكن أسعار الموردين الصينيين منخفضة للغاية”. وتمتلك الصين الآن عددًا أكبر من الروبوتات لكل 10,000 عامل مقارنةً بألمانيا.
وأطلقت بكين خطة “صنع في الصين” قبل عقد من الزمن بهدف الهيمنة على 10 صناعات متقدمة، وسعت من خلال الخطة إلى الوصول إلى حصة 70 بالمئة من السوق المحلية في التصنيع الصيني في “المكونات الأساسية الرئيسية والمواد الأولية المهمة” بحلول العام الجاري.
بالإضافة إلى الروبوتات، تراوحت القطاعات المستهدفة الأخرى من معدات السكك الحديدية المتقدمة، وتصنيع السفن البحرية عالية التقنية، ومعدات الفضاء والطيران، إلى المركبات الكهربائية، وتكنولوجيا المعلومات من الجيل التالي.
وشكّلت هذه السياسة نقطة تحول تاريخية، ليس فقط للصناعة الصينية، بل للاقتصاد العالمي أيضًا، فقد ساهمت خطة “صنع في الصين” في إحداث شرخ كبير في علاقات بكين التجارية مع شركائها الغربيين، وشكّلت طريقة تفكير الحكومات الحديثة في السياسة الصناعية.
وانتقد الشركاء التجاريون أهدافها المتعلقة بحصة السوق، واصفين إياها بالنزعة التجارية، واستخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخطة لتبرير حربه التجارية مع الصين خلال ولايته الأولى؛ حيث فرض رسومًا جمركية بقيمة 50 مليار دولار استهدفت القطاعات المستفيدة مباشرةً من خطة “صنع في الصين”. كما اتبع خليفته جو بايدن سياسة صناعية أمريكية أكثر نشاطًا، خاصة فيما يتعلق بالرقائق الدقيقة والتكنولوجيا الخضراء.
وقد ساهم استهداف بكين للصناعات التي يتخصص فيها الاتحاد الأوروبي، من الأدوات الآلية إلى السيارات والشحن المتقدم، في زيادة التوترات التجارية مع أوروبا بشكل مباشر. كما تعرضت الخطة لانتقادات بسبب خلق طاقة إنتاجية مفرطة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وعلى الرغم من الجدل السياسي الذي أثارته، يشير تقريران صدرا مؤخرًا عن خطة “صنع في الصين”، من غرفة التجارة الأوروبية في الصين ومجموعة روديوم غروب ومقرها واشنطن نيابة عن غرفة التجارة الأمريكية، إلى أن بكين حققت هدفها الرئيسي: تحديث قطاع التصنيع الذي كان يعتمد كليًا على العمالة الرخيصة.
وباستخدام مزيج فريد من السياسة الصناعية والإعانات وغيرها من الدعم الحكومي إلى جانب ريادة القطاع الخاص والمنافسة الشرسة في السوق الصينية الواسعة، تمكنت البلاد من زيادة حصة المنتجين الصينيين بشكل حاد محليًا ودوليًا في العديد من القطاعات، وفي بعض الحالات كانت هذه الحصة تضاهي أو تتفوق على تكنولوجيا المنافسين الأجانب.
ووُضع الهدف الإستراتيجي للسياسات الصناعية الصينية – وهو الاعتماد على الذات في سلسلة التوريد لمقاومة التدخل الغربي مع تشجيع الاعتماد الأجنبي على الصين – على المحك هذا الشهر عندما تمسك الرئيس شي جين بينغ بموقفه في مواجهة ترامب في حربهما التجارية المتبادلة. وفي النهاية، تراجع الرئيس الأمريكي، وخفض الرسوم الجمركية التي ارتفعت إلى 145 بالمئة. ويرى العديد من المحللين أن الولايات المتحدة ربما أدركت أنها بحاجة ماسة إلى الواردات الصينية أكثر من استعدادها للمخاطرة بفرض حظر.
ويقول جيرارد ديبيبو، القائم بأعمال المدير المساعد لمركز راند لأبحاث الصين: “كانت الصادرات الصينية هي السلاح. يمكن القول إن [الصين] تمكنت من محاربة الولايات المتحدة حتى التعادل… من خلال هيمنة التصدير. ومن منظور الأمن القومي، فإن هذا يصب بشكل كبير في رؤية شي العالمية”.
وتعني هذه الهيمنة التصديرية أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تدرس عن كثب إرث “صنع في الصين”، ويحاولون فهم مدى الموارد التي خصصتها بكين لخططها وما إذا كان من الممكن تكرار هذا النوع من الأدوات والتدابير المستخدمة في أماكن أخرى، ويريدون أيضًا تقييم ما إذا كانوا بحاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات للدفاع عن أنفسهم من التهديد التنافسي المتزايد للصناعة الصينية، بما في ذلك من خلال التدابير الحمائية.
ويصح هذا بشكل خاص بالنظر إلى أن بكين تحاول الآن استخدام نفس الصيغة لاستهداف تقنيات المستقبل، من أشباه الموصلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي إلى الآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والروبوتات الشبيهة بالبشر.
ويقول ديبيبو: “لقد بدأ العالم يستيقظ على مخاوف التنافسية التي ربما كانت الولايات المتحدة أول من أدركها. أعتقد أن هناك رد فعل عنيف قادم”.
ويقول ينس إسكلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين: “لا يوجد من يضاهي الصين الآن عندما يتعلق الأمر بالتصنيع”، مشيرًا إلى أنها تُمثل 29 بالمئة من القيمة المضافة للتصنيع العالمي.
وأضاف: “لذا، إذا كان هدف من مبادرة “صنع في الصين 2025″ هو ترسيخ مكانة الصين كدولة تصنيع رائدة عالميًا، فقد تم إنجاز المهمة. لكن علينا أن ندرك أن هذا النجاح لم يتحقق دون مشاكل”.
يجب أن تمتلك الدول القوية قطاعات تصنيع قوية، هذه هي الرسالة التي وجهتها بكين عندما أطلق رئيس الوزراء الصيني السابق لي كه تشيانغ خطة “صنع في الصين” قبل عشر سنوات.
وجاء في مقدمة الإعلان الرسمي للخطة: “لقد أثبت تاريخ صعود وسقوط القوى العالمية وتاريخ كفاح الأمة الصينية مرارًا وتكرارًا أنه بدون مجال تصنيع قوي، لن تكون هناك دولة ولا أمة”.
ويقول لي مينغانغ، عميد معهد أبحاث الأمن الاقتصادي الوطني بجامعة بكين جياوتونغ، إن الهدف منها هو دفع عجلة تحول الصين من “دولة تصنيع كبيرة” إلى “دولة تصنيع قوية”.
لم تكن الخطة أكثر شمولاً من برامج السياسة الصناعية السابقة فحسب، بل تضمنت أيضًا أهدافًا مفصلة تتعلق بحصة السوق، والاكتفاء الذاتي المحلي، والتطوير التكنولوجي.
وحشدت هذه الإستراتيجية العديد من الأدوات التي يسهل حشدها في دولة استبدادية يقودها الحزب الشيوعي مثل الصين. فقد تم إنشاء ما يقرب من 800 صندوق موجه من الدولة، بقيمة إجمالية بلغت 2.2 تريليون يوان بحلول عام 2017، لدعم الصناعات المفضلة.
ووفقًا لمجموعة روديوم، فقد ارتفعت المزايا الضريبية للابتكار بمعدل سنوي متوسط قدره 28.8 بالمئة بين عامي 2018 و2022، وتضاعفت نسبة الشركات التي تتمتع بخصومات وتخفيضات ضريبية إضافية أكثر من أربعة أضعاف بين عامي 2015 و2023. وزاد استثمار الدولة من خلال صناديق التوجيه الحكومية بأكثر من خمسة أضعاف بين عامي 2015 و2020.
وحصلت الشركات الصينية على دعم حكومي لشراء شركات أجنبية للاستفادة من التكنولوجيا الأجنبية، وتم دمج الشركات المملوكة للدولة لتشكيل أبطال وطنيين في مجالات الاتصالات والطيران والتصنيع الذكي، بينما تلقت الشركات الأصغر ذات الإمكانات الابتكارية تمويلًا حكوميًا كبيرًا.
وفُرضت أيضًا قيود على وصول الشركات الأجنبية إلى السوق، مما أجبرها على الدخول في مشاريع مشتركة مع شركات محلية وتقديم خدمات نقل التكنولوجيا في قطاعات مثل صناعة السيارات والطيران المدني والاتصالات.
ويقول تقرير غرفة التجارة الأوروبية: “لقد لعبت الشركات الأجنبية دورًا محوريًا في تمكين الصين من تحقيق أهدافها في مجال التصنيع العسكري لعام 2025”.
وكان النجاح الأعظم في المجالات التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة، والتي استطاعت الشركات الصينية الوصول إليها بوفرة من خلال النظام المصرفي الذي تهيمن عليه الدولة، وأيضًا في الصناعات التي يمكن للمشاركين فيها الاستفادة من السوق الصينية الضخمة. وقد زاد من احتدام المنافسة تشجيع القطاع الخاص على المنافسة.
ويقول ديبيبو من مؤسسة راند: “أعتقد أن الابتكار في الصين يتركز بشكل كبير في القطاع الخاص”.
وتم تحفيز الشركات الأجنبية على توطين الإنتاج، مما عزز هدف بكين المتمثل في دمج سلاسل التوريد المحلية. ويُظهر بحث مجموعة روديوم أن مبيعات الشركات التابعة للولايات المتحدة في الصين استمرت في الارتفاع حتى مع ركود الصادرات الأمريكية إلى البلاد.
وتقول كاميل بولينويس، المؤلفة المشاركة في تقرير روديوم: “لقد حققت الصين نجاحًا كبيرًا في تقليل الاعتماد على الواردات، لكنها لم تحقق نجاحًا يُذكر في تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية”. وتضيف أن العديد من الشركات الأجنبية الموجودة في الصين تعمل محليًا بدلاً من التصدير. وتقول بولينويس: “بطريقة ما، هذه الشركات مسؤولة عن جزء كبير من نجاحهم”.
ويُصنّف تقرير روديوم نجاح كل قطاع صناعي مستهدف في الخطة وفقًا لأربعة مقاييس أداء: تقليل الاعتماد على الواردات، وتقليص الاعتماد على الشركات الأجنبية، وتحقيق الريادة التكنولوجية، وتحقيق القدرة التنافسية العالمية.
ويُصنّف روديوم قطاعين فقط من القطاعات العشرة – وهما معدات نقل السكك الحديدية المتقدمة ومعدات الطاقة الكهربائية – على أنهما قويان وفق جميع المقاييس الأربعة.
وكانت هناك خمسة قطاعات أخرى ذات أداء مختلط أو قوي وفق المقاييس، بما في ذلك الروبوتات والأدوات الآلية والمعدات الزراعية والمركبات الكهربائية، بينما اتسم أداء المواد الجديدة ومعدات الطيران والفضاء والطب الحيوي والأجهزة الطبية عالية بأداء ضعيف أو مختلط. ولكن يمكن أن تختلف فئات المعدات الفردية داخل الصناعات اختلافًا كبيرًا عن متوسط القطاع.
على سبيل المثال، حددت الصين أهدافًا للأدوات الآلية عالية الجودة ذات التحكم الرقمي بالحاسوب، والتي تعد أحد ركائز التصنيع، تتمثل في حصة سوقية للشركات المحلية تصل إلى 70 بالمئة بحلول عام 2020 و80 بالمئة بحلول عام 2025. واليوم، حققت الصين الاكتفاء الذاتي في الأدوات الآلية عالية الجودة ذات التحكم الرقمي بالحاسوب منخفضة الجودة وتجاوزت الهدف الخاص الأدوات الآلية متوسطة الجودة، ولكن بالنسبة للأدوات عالية الجودة، لا تمثل الشركات الصينية سوى حوالي 15 بالمئة.
يُعد سوق السيارات الكهربائية الجديد في الصين مجالًا آخر من مجالات النجاح، حيث نمت حصتها من 3 بالمئة فقط من سوق السيارات الأوسع في عام 2015 إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز النصف هذا العام. في الوقت نفسه، انخفضت حصة شركات صناعة السيارات الأجنبية من مبيعات السيارات الصينية إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 31 بالمئة في أول شهرين من عام 2025، بخسارة تقارب ثلث السوق منذ عام 2020.
ولكن هناك عدد من المجالات التي أثبتت أنها تمثل تحديًا، مثل الطيران المدني، الذي لم يحقق هدف 10 بالمائة بحلول هذا العام للسوق المحلية للطائرات، وأشباه الموصلات، التي تحرز تقدمًا ولكنها لا تزال متخلفة عن الركب. لا تزال شركتا بوينج وإيرباص تهيمنان على قطاع الطيران في الصين، بينما تأتي الرقائق الأكثر تقدمًا من تايوان.
ويقول ريتشارد أبو العافية، المدير الإداري لشركة إيروديناميك للاستشارات، وهي شركة استشارية في مجال الصناعة: “الطائرات التي تبنيها الصين هي في الحقيقة طائرات غربية مُغطاة بمعادن صينية”، في إشارة إلى حقيقة أن صناعة الطيران الصينية تعتمد على المحركات الأجنبية.
وأعطى تقرير غرفة التجارة الأوروبية في الصين تصنيفًا مشابهًا لتصنيف تقرير روديوم فيما يتعلق بالريادة التكنولوجية؛ حيث منح بناء السفن المتقدمة، ومعدات السكك الحديدية المتقدمة، ومركبات الطاقة الجديدة أعلى الدرجات، تليها الآلات الزراعية ومعدات الطاقة الكهربائية.
ومع ذلك، يقول ماكس زنغلين، كبير الاقتصاديين في مركز ميريكس للأبحاث في بكين، إن قياس أداء الخطة مقارنةً بأهداف الصين لا يُظهر الهدف الحقيقي للبرنامج. “إنه يُغفل الهدف الكامل الذي يُفترض أن يحققه [برنامج صنع في الصين]، وهو أن تصبح الصين قوة صناعية عظمى”.
مع ذلك، تسبب التقدم الذي أحرزته الصين في قطاع التصنيع في سلسلة من المشاكل، سواءً لاقتصادها أو لبقية العالم؛ حيث يقول النقاد إن إحدى نقاط الضعف الرئيسية هي الميل إلى إحداث تشوهات في السوق، والتي تكون أحيانًا على نطاق هائل، فالحكومات المحلية، التي يُقاس أداء قادتها بقدرتهم على تحقيق النمو الاقتصادي، تتمسك بسياسات الحكومة المركزية الجديدة لجذب الصناعات المدعومة إلى مناطقها، والنتيجة هي الازدواجية والطاقة الإنتاجية الفائضة المدعومة من الدولة، والتي تُعززها المنافسة التي تدفع الأسعار إلى الانخفاض، وهو أمر جيد للمستهلكين ولكنه ليس جيدًا لربحية الشركات أو مالية الحكومات المحلية.
ويقول إسكلوند من غرفة التجارة الأوروبية في الصين، مشيرًا إلى صناعتي الطاقة الشمسية والبطاريات: “لقد شهدنا دورات ازدهار وكساد. في الواقع، تُقدم الحكومة توجيهات سياسية، ويبدو أن الجميع يسارعون في الاتجاه نفسه”.
ويضيف أن قطاع السيارات الكهربائية يعد مثالاً واضحًا على ذلك؛ حيث لا يحقق الأرباح سوى ثلاثة فقط من أصل 112 مصنعًا، مؤكدًا وجود “هدر هائل”.
ويتساءل آخرون عما إذا كانت هناك صلة مباشرة بين “صنع في الصين” ونجاح التصنيع في البلاد.
وبحث لي برانستيتر، الخبير الاقتصادي في جامعة كارنيجي ميلون، وجوانجوي لي من جامعة شنغهاي للتكنولوجيا، في التقارير المالية للشركات الصينية المدرجة عن عبارة “صنع في الصين 2025” بين عامي 2015 و2018؛ حيث توقفت بكين عن ذكر الخطة علناً حوالي عام 2018 بعد أن أصبحت حساسة سياسيًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وبينما كشف عدد قليل من الشركات عن الإعانات المتعلقة بالخطة، فإن الشركات التي فعلت ذلك لم يكن لديها “أدلة إحصائية كافية على تحسن الإنتاجية أو زيادة الإنفاق على البحث والتطوير وبراءات الاختراع والربحية”، كما كتب برانستيتر ولي في ورقة عمل للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهي منظمة أمريكية غير ربحية.
ويتفق ديبيبو من مؤسسة راند على أن نقص البيانات في الصين يجعل من الصعب أحيانًا تحديد مدى فعالية سياستها الصناعية. ويقول: “يبدو الأمر كما لو أن هناك صندوقًا أسود تعرف فيه ما هي الخطة، وتعرف نوعًا ما ما هي مدخلات دعم السياسات، وترى المخرجات، لكنك لا تعرف حقًا العلاقة السببية بينهما”.
ويقول علماء صينيون آخرون إن السياسة الصناعية خدمت الصين جيدًا. يقول لي من جامعة بكين جياوتونغ: “تشكل الريادة التكنولوجية في قطاعات معينة أساس مشاركة الصين في المنافسة العالمية وتتماشى مع اتجاهات التنمية العالمية. في هذه المجالات، سنبقى على المسار الصحيح [في السياسة الصناعية]”.
غير أنه يقول إن السياسة الصناعية بحاجة إلى تحسين، على سبيل المثال؛ كان لأهداف حصة السوق دورها في تشجيع الصناعات على التوسع، لكنها قد تؤدي إلى فائض في الطاقة الإنتاجية وسوء تخصيص الموارد.
في المستقبل، ستُركز السياسات على تحسين القيمة المضافة للسلاسل الصناعية بأكملها، بدلاً من مجرد توسيع النطاق، مع التركيز على مقاييس مثل البحث والتطوير وجودة براءات الاختراع وغيرها من المعايير للمساعدة في “تجنب التوسع الأعمى مع توجيه القدرة التنافسية على المدى الطويل” كما يقول لي.
ويقول المحللون إن التركيز على ضخ الموارد في جانب العرض من الاقتصاد الصيني كان له أيضًا آثار جانبية مهمة على الاقتصاد الكلي، مما أدى إلى الاعتماد على الاستثمار بدلاً من الاستهلاك.
ومع انفجار فقاعة العقارات في الصين، أدى التركيز على السياسة الصناعية في جانب العرض إلى اعتماد البلاد على الطلب الخارجي لاستيعاب إنتاجها الصناعي الهائل.
ويقول روبن شينغ، كبير الاقتصاديين الصينيين في مورغان ستانلي: “ينبغي على الصين الارتقاء إلى إستراتيجية “سوق الصين 2030″. وهذا يعني أنه ينبغي التركيز على توسيع سوق المستهلكين من خلال تنفيذ إصلاح أعمق للضمان الاجتماعي، وبناء شبكة أمان اجتماعي للمزارعين والعمال المهاجرين حتى يتمكنوا من إطلاق العنان لمدخرات الصين الاحترازية العالية وتعزيز الاستهلاك بطريقة أكثر استدامة”.
من شأن ذلك أيضًا أن يُسهم في تخفيف التوترات التجارية المتنامية مع الولايات المتحدة وأوروبا والدول النامية بشأن فوائض الصين التجارية، التي بلغت نحو تريليون دولار العام الماضي. ويقول شينغ: “بفعل ذلك، يُمكنهم على الأرجح توفير سوق محلية أكبر وأقوى وأكثر مرونة لشركاتهم وللشركات العالمية”.
وتقول بولينويس من مجموعة روديوم إن قطاع التصنيع الصيني سيستمر في ديناميكيته، وقد يتلقى دفعة من الذكاء الاصطناعي، إلا أنه سيكون من الصعب تكرار الزيادة غير المسبوقة في تمويل السياسات الصناعية على مدى العقد الماضي في العقد المقبل؛ فمستويات الديون المرتفعة والعجز المالي والأعداد الكبيرة من الشركات الخاسرة تثقل كاهل المالية العامة. وتضيف: “لقد ضحت بكين بالنمو الاقتصادي والإنتاجية، وربما الابتكار على المدى الطويل، من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل.“
وعلى الرغم من كل هذه المشاكل، لا تُظهر الصين أي علامة على التخلي عن سياستها الصناعية. بل على العكس، يُكثّف شي طموحات البلاد لقيادة التكنولوجيا المتطورة تحت شعار “قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة”.
ويقول لي من شركة بكين جياوتونغ إن هذا يُمثل في جوهره تعميقًا لمفهوم “صنع في الصين”، ولكن مع تركيز أكبر على الابتكار التكنولوجي.
وتُعتبر الروبوتات الشبيهة بالبشر المجالَ الواعد التالي، على الرغم من قلق بعض المحللين أن تحقيق اختراقات رئيسية في هذه التكنولوجيا قد يحتاج إلى عدة سنوات، وأن الاستخدام التجاري على المدى القريب لا يزال محدودًا.
تخطط الصين هذا العام لإطلاق صندوق جديد لرأس المال الاستثماري مدعوم من الدولة بقيمة تريليون يوان صيني (137 مليار دولار أمريكي)، يهدف إلى توجيه الاستثمار إلى الروبوتات الشبيهة بالبشر وغيرها من القطاعات التي يضعها صانعو السياسات في أولوياتهم. في مايو/ أيار، طرح ائتلاف من الوزارات سياسات تهدف إلى حشد رأس مال الإقراض المصرفي والتأمين في هذه الصناعات الاستراتيجية، كجزء من مساعي شي لبناء “دولة علمية وتكنولوجية قوية تعتمد على الذات”.
ويقول ليانغ ليانغ، نائب مدير منطقة بكين للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، إن المنطقة تُطلق صناديق استثمارية للروبوتات وغيرها من التقنيات، وصرح لصحيفة فاينانشال تايمز: “سيكون لكل منطقة صناديق استثمار خاصة بها… للمساعدة في تسريع عملية التطوير”.
ويقول ليبيك، الرئيس التنفيذي لشركة أودي، إن الروبوتات الشبيهة بالبشر التي صنعتها مجموعة صينية، والتي تم اختبارها في مصنع تشانغتشون، تتميز بتكنولوجيا واعدة، على الرغم من أن شكلها الشبيه بالبشر قد يحتاج إلى بعض التغييرات. ويضيف: “لا نريد روبوتات ذات ذراعين، بل أربعة أو خمسة أذرع”.
وتقول بولينويس إنه بالنظر إلى عزم الصين على تعزيز سياستها الصناعية، فإن الدول الأجنبية تواجه خيارات صعبة بعد عقود من التركيز على الخدمات والاستهلاك، وتضيف أن هناك حاجة أيضًا إلى مستوى معين من الحماية في القطاعات التي تعاني من المنافسة مع الصادرات الصينية التي استفادت من الدعم والسياسات الصناعية.
وتضيف: “تشوهات السوق في الصين جسيمة لدرجة أنها تمنع المنافسة العادلة في كل مكان. يجب أن تكون هناك حواجز تجارية أعلى لحماية الصناعات الناشئة. هذا ما تفعله العديد من الدول النامية، وأعتقد أننا في بعض القطاعات، مثل التكنولوجيا النظيفة، نواجه هذا الوضع الآن أيضاً”.
المصدر: فاينانشال تايمز