من المقرر أن يتوجه وفد من اللجنة الوزارية المُكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة التي عقدت بالرياض العام الماضي، والذي يضم وزراء خارجية السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وتركيا، إلى مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، الأحد 1 يونيو/حزيران، في إطار مساعيها لوقف الحرب على قطاع غزة، وتأمين إدخال المساعدات، وإيجاد أفق سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي.
وكان يُفترض أن تزور اللجنة التي تترأسها السعودية والتي تشكلت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 الأراضي الفلسطينية قبل أشهر لكن الزيارة أٌجلت لأسباب غير مُعلنة، ضمن الجولات المكوكية التي قامت بها وشملت العديد من العواصم العالمية بهدف حشد الدعم الدولي للضغط على “إسرائيل” لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار.
السفير الفلسطيني لدى المملكة لـ #الإخبارية: اللجنة الوزارية برئاسة المملكة تزور رام الله الأحد المقبل pic.twitter.com/07Wu4pWqvb
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) May 29, 2025
وبحسب وسائل إعلام دولية وعبرية فإن سلطات الاحتلال قررت منع دخول الوفد العربي إلى رام الله، ورفض التعاون مع السلطة الفلسطينية في هذا الأمر، وفق ما نقل موقع “أكسيوس” ووكالة “رويترز” وصحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين إسرائيليين، فيما لم تعلق الحكومة الإسرائيلية عن تلك التقارير حتى كتابة تلك السطور، وهو ما يعني أن الزيارة لم يٌحسم أمرها بعد.
وبعيدًا عما يثار بشأن منع الجانب الإسرائيلي دخول وفد اللجنة الوزارية العربية الإسلامية، وهي الخطوة التي لا يمكن قراءتها إلا في سياق الضغوط والابتزاز الذي تمارسه حكومة الاحتلال على الوسطاء والجانب الفلسطيني للحصول على أكبر قدر من التنازلات، يبقى السؤال الأهم: ما دلالة تلك الزيارة؟ وأي رسائل تحملها ولمن؟ وماذا يمكن أن تحققه عملياتيًا؟
دلالة التوقيت.. سياق مهم لفهم الأحداث
وفق ما كشفه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد المجدلاني، في تصريح لوكالة “الأناضول”، فإن الوفد المقرر زيارته لرام الله يضم وزراء خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ومصر بدر عبد العاطي، والأردن أيمن الصفدي، وقطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والإمارات عبد الله بن زايد، لافتا إلى أن هناك حديثاً عن أن الوفد يضمّ أيضاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.
ومن المقرر بحسب مصادر أن تنقل طائرة عمودية عسكرية أردنية الوفد الوزاري من العاصمة الأردنية عمّان إلى رام الله، حيث سيمكث الوفد ساعات عدة قبل عودته إلى عمّان مرة أخرى.
تأتي تلك الزيارة في وقت تشهد فيه الساحة الفلسطينية تصعيدًا غير مسبوق من قبل قوات الاحتلال حيث حرب الإبادة التي تجاوزت مئويتها السادسة، والتي خلفت ورائها عشرات الالاف ما بين شهيد ومصاب، وما يقرب من مليوني محاصر ومئات الالاف من النساء والأطفال، القابعين على قوائم انتظار الموت، قصفًا أو جوعًا، وسط صمت دولي وخذلان عربي فاضح.
تتزامن كذلك مع تصعيد الخطاب الأوروبي تجاه تل أبيب والتخلي ولو شكليًا عن مقاربة الدعم الأبيض غير المشروط لحكومة نتنياهو التي تواجه مستويات غير مألوفة من اللهجة القاسية من حلفاءها وشركاءها التقليديين وعلى رأسهم ألمانيا وبريطانيا، فضلا عن تصاعد موجة الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة مستقلة والحديث ولأول مرة عن ضرورة تبني مواقف صارمة ضد تل أبيب، وصلت إلى المطالبة بقطع العلاقات وحظر التسليح وإعادة النظر في اتفاقيات الشراكة.
وقبيل الموعد المحدد لتلك الزيارة أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاقتراب من التوصل إلى اتفاق وشيط لوقف إطلاق النار في غزة، مضيفًا في إفادة صحفية له من مكتبه بالبيت الأبيض، مساء الجمعة 30 مايو/أيار الجاري، أن “حماس وإسرائيل قريبتان جدا من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وسنخبركم بذلك خلال اليوم أو ربما غدا، لدينا فرصة لذلك”.
التحضير لمؤتمر نيويورك
يرى مراقبون أن الزيارة تأتي في سياق الإعداد والترتيب للمؤتمر الدولي المزمع عقده في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بين 17 – 20 يونيو/حزيران والذي من المقرر أن ترأسه كل من السعودية وفرنسا،، لإعطاء دفع لحلّ الدولتَين الفلسطينية والإسرائيلية، حيث سبقه اجتماعان أخران في ذات السياق.
الاجتماع الأول عقده أعضاء اللجنة الوزارة العربية الإسلامية، الأحد 25 مايو/أيار، مع “مجموعة مدريد” وعددٍ من الدول الأوروبية، في العاصمة الإسبانية، حيث بحث “تطورات الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية، والجهود الدولية الرامية إلى إيقاف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية في القطاع” وفق البيان الصادر عن الاجتماع.
أما الاجتماع الثاني فعقده وزراء خارجية السعودية، وفرنسا، ومصر، والأردن، اجتماعاً في باريس حيث ناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي رفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، فيما شدّد أعضاء اللجنة على “أهمية تنفيذ حل الدولتين على أساس القرارات الدولية ذات الصلة، وبما يكفل الحق الأصيل للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
زيارة رام الله.. ما الرسائل؟
تحمل زيارة الوفد العربي الإسلامي للضفة الغربية رسالة دعم مباشرة وواضحة للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس أبو مازن، والتأكيد على ضرورة أن يكون لها دورًا محوريًا في مستقبل التسوية، أو فيما يعرف إعلاميًا بـ “اليوم التالي للحرب”، وأن تكون نواة الدولة الفلسطينية الموحدة، وذلك ردًا على مطالب الحكومة الإسرائيلية باستبعاد السلطة من المشهد، رغم التنسيق الكبير بينهما، بدعوى ضعفها وهشاشتها في ملاحقة عناصر المقاومة وعدم قدرتها على تلجيم النشاط المقاوم في الضفة.
تزامن الزيارة مع التوسع في النشاط الاستيطاني في الضفة وشرعنة ذلك قانونيًا وعمليًا، قد يحمل رسالة تنديد ورفض لتلك السياسة الاستعمارية الإسرائيلية، والتأكيد على وحدة الأرض الفلسطينية والتمسك بكامل ترابها، على الأقل ما أقرته الأمم المتحدة ضمن حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
ويمكن اعتبار تلك الزيارة الاستثنائية والتي ربما تكون الأولى لوزير سعودي إلى فلسطين منذ تأسيس السلطة قبل أكثر من 30 عاماً، رسالة تأييد ودعم، رمزي وعملي، للخطة المصرية العربية الرامية إلى إعادة إعمار غزة بمشاركة السلطة ودون تهجير الغزيين، والتشديد في الوقت ذاته على استبعاد حماس من المشهد على الأقل في المرحلة المقبلة، وهي الرسالة التي تتقبلها الحركة ولا تمانعها في ضوء المرونة التي تبديها في ظل الوضعية الحرجة التي بات عليها القطاع.
أي تأثير محتمل؟
عمليًا، تأتي الزيارة في سياق التحركات العربية الإسلامية طويلة المدى لتحريك المياه الراكدة في ملف “حل الدولتين”، دون أي تأثير مباشر على الوضع المأساوي في غزة، وإلا لكان القطاع أولى بمثل تلك الزيارة، ومن ثم فهي ذات دلالة رمزية أكثر منها ميدانية، ويمكن اعتبار رام الله محطة تقليدية في قائمة مطولة من المحطات التي وقف فيها قطار اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمة الرياض الأخيرة للتدشين لأرضية دولية يمكن الانطلاق منها نحو حلحلة الأزمة الفلسطينية.
على جانب أخر، تحاول السعودية التي تبذل جهودّا مضنية لتسويق نفسها كلاعب مؤثر على الساحة الشرق أوسطية، مستغلة نفوذها الاقتصادي ومن ثم السياسي، أن تطأ بأقدامها ثرى الساحة الفلسطينية بعد ابتعاد نسبي عن الحضور الفعال والتأثير الفعلي، رافقته موجات متتالية من الانتقادات والتحفظات لدى الشارع العربي، ومن ثم تحاول الرياض غسل صورة الخذلان المشوهة التي لازمتها منذ بداية الحرب، بالتحرك الدبلوماسي الدولي لدعم القضية الفلسطينية، لترسل أرفع مسؤول خارجي لديها للأراضي الفلسطينية منذ الاحتلال.
غير أن مثل هذا الحراك الذي يفتقد لأدوات الضغط ويتجاهل ما لدى العرب من أوراق وكروت مؤثرة لا يمكن أن يكون له أثر على الساحة الغزية، فالحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وهيمنة اليمين المتطرف لا يحرك فيها ساكنًا مثل تلك التحركات الرمزية، التي لا تختلف كثيرًا عن بيانات الإدانة والشجب والاستنكار الصادرة ليل نهار عن وزارات الخارجية في العواصم العربية.
وفي الأخير، لا يمكن تجاهل ما تحمله تلك الزيارة من دلالة رمزية مهمة، خاصة إذا ما وظفت الرياض ورقة التطبيع مع المحتل لخدمة أهدافها العملية، لكن المراهنين على مثل هذه الخطوات العربية في خلخلة المشهد وإجبار “إسرائيل” على وقف الحرب وإنهاء القتال، أبعد ما يكونوا عن الواقع الذي تؤكد أبجدياته أن الكيان المحتل لن يثنيه عن إجرامه إلا الإجراءات والتحركات العملية والخطوات التصعيدية.
أما الزيارات والجولات المكوكية والمؤتمرات والقمم والبيانات فيوظفها لخدمة أهدافه مستخدمًا سياسة الابتزاز التي تؤتي ثمارها بشكل فعال مع الأنظمة والحكومات العربية، وهو ما ثبت عمليًا على مدار 600 يومًا من الحرب، إذ إن ذات المقدمات حتمًا ستقود إلى نفس النتائج ومن يتوهم غير ذلك فعليه مراجعة نفسه قبل فوات الأوان.