ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يكن هناك أي مفاجأة، سوى خيبة الأمل والإحباط، بين المسلمين الفرنسيين عقب نشر تقرير حكومي الأسبوع الماضي يُبرز التأثير المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في فرنسا.
وتم تكليف اللجنة بإعداد هذا التقرير السنة الماضية بهدف “توضيح التهديد الذي يشكله التغلغل الإسلامي على الأمن والوحدة الوطنية”، ويهدف التقرير إلى رفع مستوى الوعي بما يُعرف بـ “تسلل الإسلاميين”.
ويُعتبر هذا “أسلوبًا انفصاليًا في العمل”، يتميّز بـ”الانخراط في الحياة المحلية بهدف الوصول إلى مواقع النفوذ والسلطة، بما يتيح السعي إلى تعديل القوانين القائمة”.
وفي 21 مايو/ أيار، عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتماعًا لمجلس الدفاع لمناقشة التقرير وطلب من الحكومة إعداد مقترحات في ضوء “خطورة المعطيات” الواردة فيه.
بالنسبة لكثير من المسلمين في فرنسا، لم يكن ذلك سوى خطوة مقلقة أخرى في مسار وصم مجتمعهم.
وقالت سلوى حميتي، وهي مدربة رياضية سابقة في مركز اجتماعي قرب باريس، لموقع “ميدل إيست آي”: “بعد أن اتهمونا بالانفصالية، ها هم اليوم يشتبهون في أننا نخطط للاستيلاء على السلطة”.
وأضافت سلوى: “إلى أي مدى سيصل هذا التشويه، في تحويلنا إلى أعداء يجب القضاء عليهم؟”.
لقد أصبحت هذه المرأة المسلمة، البالغة من العمر 34 سنة، هدفًا منذ اللحظة التي قررت فيها تغطية رأسها قبل سنتين.
وقالت: “لم يعجب مديري أن يراني أرتدي عمامة في صباح أحد الأيام”.
وقالت سلوى، التي استقالت في نهاية المطاف: “أخذني جانبًا على الفور وطلب مني خلعه. وفقًا له، لم أكن فقط أخالف قانون العلمانية، بل كنت أخاطر أيضًا بالتأثير على الفتيات الصغيرات اللواتي كنت أدربهن، ومعظمهن من أصول مسلمة”.
وفي فرنسا، تُعدّ “العلمانية” شكلًا من أشكال الفصل بين الدولة والمؤسسات الدينية، ويفرض على الدولة التزامًا بالحياد تجاه الأديان.
وفي سنة 2004، سنّت الدولة قانونًا يحظر ارتداء الرموز أو الملابس الدينية في المدارس الحكومية، وفي وقت سابق من هذه السنة، أقرّ مجلس الشيوخ قانونًا مشابهًا – لا يزال بحاجة إلى مناقشته في مجلس النواب – يشمل جميع المسابقات الرياضية.
اليوم، وعلى الرغم من أن سلوى وجدت وظيفة كبائعة في متجر “صديق للمسلمين”، لا تزال المدربة السابقة لا تصدق اتهامها بالتبشير الديني.
وقالت: “لا بأس بالكيباه أو الصليب، ولكن ليس الحجاب والجلباب واللحية، التي تُستخدم اليوم كذريعة من قبل اليمين واليمين المتطرف لإثارة الخوف والكراهية تجاه المسلمين الفرنسيين“.
“الطابور الخامس”
يسلط التقرير الذي كُشف عنه الأسبوع الماضي حول تأثير جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا الضوء بشكل رئيسي على ممارسات الضغط السياسي وبناء الشبكات المزعومة.
وندد وزير الداخلية برونو ريتايو بـ”التهديد” الذي يشكله “تسلل” جماعة الإخوان المسلمين، التي تهدف، بحسب قوله، إلى “دفع المجتمع الفرنسي بأكمله نحو تطبيق الشريعة الإسلامية”.
بالنسبة للمحامي سيفن غوز غوز، فإن هذا “غير صحيح على الإطلاق”. وأضاف لموقع “ميدل إيست آي” أن السلطات من خلال ترويج مثل هذا الخطاب، تُعزز نظريات المؤامرة حول الإسلام.
وقال: “تشير هذه النظريات إلى وجود منظمات تهدف إلى زعزعة استقرار الدولة، بينما نشهد جميعًا تصاعدًا في ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا.”
ووفقًا للمديرية الوطنية للاستخبارات الإقليمية، ارتفعت أعمال العنف والتحريض ضد المسلمين بنسبة 72 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
وعلى الرغم من خطورة هذا الارتفاع، يعتقد ممثلو الجالية المسلمة أن هذه الأرقام لا تعكس حجم المشكلة بالكامل، لأن الضحايا لا يقدمون دائمًا شكاوى رسمية.
ويعتبر غوز غوز أن “الدولة تساهم في تضخيم ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال الإيحاء بأن المسلمين يشكلون خطرًا ويُعتبرون نوعًا من “الطابور الخامس”، خاصة إذا نظموا أنفسهم وحققوا نجاحًا”.
وأضاف: “شخصيًا، أنا مقتنع بأن نجاح الجالية المسلمة في هذا البلد هو ما يثير القلق”.
في السنوات الأخيرة، دافع المحامي عن عدة قضايا تتعلق بمنظمات إسلامية استُهدفت بإجراءات الحظر، مثل “التحالف ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، الذي تم حله سنة 2020، بالإضافة إلى إغلاق مساجد ومدارس إسلامية خاصة.
ووُجّهت إلى جميع هذه الجهات اتهامات بالتواطؤ مع دوائر إسلامية متطرفة ونشر أفكارها.
وهذا هو حال مدرسة “ابن رشد” الثانوية الإسلامية، وهي مؤسسة تعليمية عالية الجودة تقع في مدينة ليل شمال فرنسا؛ حيث نجح فريقها القانوني مؤخرًا، في الاستئناف، في استعادة الدعم المالي الحكومي، بعد أكثر من سنة من المعارك القانونية.
وفي مدينة ليون الواقعة في وسط شرق فرنسا، لا يزال مصير مدرسة الكندي الثانوية، المشهورة أيضًا بتفوق نتائجها، معلقًا بيد القضاء.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قررت المحافظة المحلية إنهاء عقد المدرسة مع الدولة بحجة أنها “تنفذ مشروعًا يتعارض مع قيم الجمهورية”.
وأفاد غوز غوز بأن “مدير الشؤون القانونية في وزارة الداخلية، الذي حضر إلى المحكمة للدفاع عن القضية نيابةً عن المحافظة، قال إن المشكلة الحقيقية مع مدرسة الكندي هي أنها تُخرّج نخبة قد تتولى السلطة يومًا ما”.
وندّد المحامي بذلك قائلًا: “هناك رغبة واضحة من جانب الدولة في تفكيك أي إمكانية أمام المجتمع المسلم لبناء نخبة ناجحة مهنيًا وتُعبّر في الوقت نفسه عن هويتها الإسلامية”.
وبعد سنة ونصف من صدور ما يُعرف بقانون “الانفصالية” سنة 2021، وهو القانون الذي يقول منتقدوه إنه يستهدف المسلمين، تم تنفيذ 3,000 عملية تفتيش في المؤسسات الإسلامية.
وونتيجة لذلك، تم إغلاق 187 مؤسسة، من بينها سبعة مساجد و11 مدرسة.
وبعد مدرستي ابن رشد والكندي، أصبحت مدرسة ابن خلدون، الواقعة في مدينة مرسيليا، مهددة بالإغلاق. وقد سحب رؤساء المنطقة والمقاطعة اليمينيون التمويل العام لأن المؤسسة، حسب رأيهم، جزء من “منظومة جماعة الإخوان المسلمين”.
وحذّر غوز غوز قائلاً: “يجب أن نتوقع تكرار قرارات مماثلة بعد صدور هذا التقرير”.
“ثقافة الشك”
هذا هو أيضًا ما يخشاه كريستيان دي ميغليو، رئيس نادي سيت أولمبيك، وهو نادٍ لكرة القدم للهواة يقع بالقرب من مدينة مونبلييه الجنوبية، والذي جُرد من ترخيصه قبل سنة بسبب وضعه نجمة وهلالًا، وهما رمزان بارزان في الإسلام، على قمصان لاعبيه؛ حيث اتُهم النادي بممارسات “طائفية” و”انفصالية”.
وقال دي ميغليو لموقع “ميدل إيست آي”: “شعارنا لم يسبب أية مشاكل منذ تأسيس النادي سنة 2016، لكن مع تصاعد اليمين المتطرف أصبحنا هدفًا”.
ومن بين إجمالي “280 جمعية مرتبطة بالحركة في مجالات متعددة تؤثر على حياة المسلمين”، يذكر التقرير الحكومي حول جماعة الإخوان المسلمين وجود 127 جمعية رياضية مدرجة في سنة 2020 على أنها “ذات صلة بحركة انفصالية”.
وقال دي ميغليو معترضًا على “تطور ثقافة الشك التي تستهدف المسلمين فقط”: “عندما يصلي اللاعبون في غرفة الملابس يُعتبرون إسلاميين، لكن عندما يقوم لاعب كرة القدم بعمل علامة الصليب عند دخوله الملعب، لا يزعج ذلك أحدًا.”
ويصف مستشار جامع ليون الكبير، كامل كبتاني، ذلك بأنه “افتراض بالذنب تجاه المسلمين”.
وقال كبتاني لموقع “ميدل إيست آي”: “عندما ينعقد مجلس الدفاع، فهذا يعني أن الوضع خطير، لأن هناك عدوًا داخليًا، وهم يذكرونه صراحة: الإسلام والإسلاموية”.
ويزعم التقرير الحكومي الصادر هذا الشهر أن مسجدين في ليون وحوالي 50 جمعية في المنطقة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وينفي الإمام ذلك، ويدين الأجواء التي يصفها بأنها تثير قلقًا كبيرًا للمسلمين في البلاد، والتي تذكره “بكيفية معاملة اليهود منذ سنة 1933”.
وقال كبتاني: “هم حاليًا يراقبون بدقة طريقة لباسنا وتصرفاتنا، وما إلى ذلك”.
وتعبّر منظمات إسلامية أخرى، مثل المسجد الكبير في باريس والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، عن قلقها إزاء وصم المسلمين باسم مكافحة الإسلاموية.
وقد أدان المسجد الكبير في باريس في بيان صحفي “اصطناع مشكلة المسلمين وتطور خطاب تمييزي متصاعد بشكل متسلط”، يهدف إلى “خدمة أجندات سياسية خاصة”.
دوافع سياسية
ويرى فرانك فريغوزي، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي والمتخصص في الإسلام في فرنسا، أن التقرير يخدم بشكل خاص وزير الداخلية، “الذي تُعرف طموحاته الرئاسية جيدًا”.
وقد فوجئ الأكاديمي، الذي أجرى معه مؤلفو التقرير مقابلة، باكتشاف استنتاجات تُضخم، حسب رأيه، تأثير وتهديد جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا.
وقال لموقع “ميدل إيست آي”: “أعترف بأنني لا أفهم طبيعة هذا التهديد. هل يجب أن نعتبر أن 400 شخص، يشكلون مركز جماعة الإخوان [وفقًا للتقرير]، قادرون على تقويض المؤسسات الجمهورية أو حتى أسلمة المجتمع؟ هذا غير معقول.”
ويشير فريغوزي إلى أن مجموعة “مسلمو فرنسا” التي يحددها التقرير على أنها “الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين” في البلاد، في الواقع تفقد نفوذها.
ويرى فريغوزي أن التركيز على جماعة الإخوان المسلمين يشكل ذريعة لاستهداف الوجود الحضري للمسلمين، وهو أمر غير مقبول في نظر أنصار اليمين واليمين المتطرف.
وعلاوة على ذلك، يقلق الباحث من أن يكون التقرير ذريعة لتطوير قوانين جديدة أكثر تقييدًا ضد المسلمين.
ويشاركه هذا القلق رئيس الجامع الكبير في ليون؛ حيث قال كبتاني: “محتوى هذا التقرير يهدف إلى تخويف الرأي العام، ثم يزود [الحكومة] بالوسائل اللازمة لتطبيق إجراءات عنصرية ضد المسلمين دون أن إثارة غضب الشعب الفرنسي”.
وقد بدأ بعض القادة السياسيين بالفعل في تقديم مقترحات؛ حيث يريد غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب النهضة الرئاسي، في حظر ارتداء الحجاب للفتيات دون سن الخامسة عشرة.
وفي المقابل، يريد وزير الداخلية أن يُعالَج موضوع “التسلل” المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين بالطريقة نفسها التي يُتعامل بها مع الإرهاب، بما يشمل تكثيف عمليات الرقابة الميدانية على الشركات والمحال التجارية والمساجد والجمعيات الإسلامية، وتسهيل إجراءات العرقلة الإدارية ضدها.
المصدر: ميدل إيست آي