ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لبعض التقديرات، يقضي الإنسان العادي نحو ثلث حياته في النوم (أو محاولة النوم). والنوم هو حالة راحة للدماغ والجسم تحدث على فترات منتظمة، والحصول على قسط كافٍ منه ضروري للحفاظ على صحة جيدة.
عندما ينام الإنسان، تنخفض درجة حرارة جسمه الأساسية. كما يتباطأ معدل ضربات القلب والتنفس، وتنخفض نشاطات التمثيل الغذائي الإجمالية بحوالي 10 بالمائة. قد يبدو الجسم النائم خاملاً للوهلة الأولى؛ حيث يكون الدماغ أقل استجابة للمؤثرات الخارجية.
لكن في الواقع، الدماغ النائم مشغول للغاية. ويتيح النوم للدماغ القيام بمهام الإصلاح والصيانة الضرورية، وبناء روابط بين الخلايا التي تعزز أداء الدماغ عند اليقظة. كما يُعتقد أن الأحلام تساعد الدماغ على تنظيم وتثبيت الذكريات، بالإضافة إلى معالجة المعلومات وتخزينها.
ويتيح النوم للجسم إصلاح وتجديد المواد الخلوية التي تعرضت للتلف أو النفاد. وتحدث العديد من الوظائف الحيوية المهمة، مثل إنتاج الهرمونات ونمو الأنسجة وإصلاح العضلات، في الغالب أثناء النوم، كما أن النظام المسؤول عن إزالة السموم والفضلات من الدماغ يكون أكثر نشاطًا أثناء النوم.
ما هي مراحل النوم؟
تتضمن دورة النوم الطبيعية مرحلتين أساسيتين تعرفان باسم نوم حركة العين السريعة أو نوم حركة العين غير السريعة. وفي كل دورة نوم، هناك ثلاث مراحل من النوم حركة العين غير السريعة تبدأ من النوم الخفيف إلى النوم العميق، ثم تنتقل إلى مرحلة واحدة من نوم حركة العين السريعة.
وخلال فترة نوم نموذجية، يمر الشخص بأربع إلى ست دورات نوم، تستغرق كل منها حوالي 90 إلى 120 دقيقة. مع تقدم كل دورة متتالية، تقصر مراحل نوم حركة العين غير السريعة ويزداد الوقت الذي يقضيه النائم في مرحلة النوم بحركة العين السريعة.
وعندما ينام الإنسان، تنتج النشاطات الكهربائية في دماغه أنماطًا مختلفة من الموجات تبعًا للمرحلة التي يمر بها في دورة النوم. وتختلف هذه الموجات الدماغية في ترددها؛ حيث تكون أكثر سرعة عندما يبدأ الشخص في الدخول في النوم، ثم تنخفض وتصبح ذات تردد أبطأ مع تعمق النوم.
ويعتبر الجزء الأول من دورة النوم مرحلة حركة العين غير السريعة تُسمى إن 1، وتستمر من دقيقة إلى سبع دقائق. تبدأ العضلات بالاسترخاء، ويكون من السهل إيقاظ الشخص خلال هذه المرحلة من النوم الخفيف. تليها المرحلتان حركة العين غير السريعة إن2 وإن3، حيث تسترخي العضلات بشكل أعمق مع انخفاض معدل التنفس ودرجة حرارة الجسم. تستمر مرحلة إن2 حوالي 10 إلى 25 دقيقة، أما مرحلة إن3، المعروفة بالنوم العميق، فتستمر نحو 20 إلى 40 دقيقة.
والمرحلة الرابعة والأخيرة من النوم هي نوم حركة العين السريعة، وسُميت بذلك لأن العينين تتحركان بسرعة خلال هذه المرحلة مع بقاء الجفون مغلقة. وتصبح عضلات الجسم، باستثناء تلك التي تحرك العينين، مشلولة مؤقتًا. وتحدث معظم أحلام الشخص خلال نوم حركة العين السريعة. ويشكل هذا النوع من النوم حوالي 25 بالمائة من إجمالي مدة النوم، وتستمر المرحلة حوالي 10 دقائق في البداية، لكنها تطول مع كل دورة، لتصل في النهاية إلى حوالي ساعة لكل دورة.
كم يحتاج الشخص المتوسط من النوم؟
ويحتاج الجميع إلى قدر كافٍ من النوم، لكن كمية النوم الإجمالية ومدة النوم قد تختلف بشكل كبير حسب عمر الشخص (مع وجود فروق إضافية بين الأفراد). وتشير الدراسات إلى أن العوامل الوراثية تؤثر أيضًا على مقدار النوم الذي يحتاجه الشخص ليتمتع بصحة جيدة.
خلال الأشهر القليلة الأولى من الحياة، ينام الأطفال حديثو الولادة عادةً بفترات تتراوح مدتها بين 30 دقيقة إلى ثلاث ساعات، مع حوالي ساعتين من اليقظة قبل العودة للنوم. ويحتاج الأطفال من عمر 4 إلى 12 شهرًا إلى حوالي 12 إلى 16 ساعة من النوم خلال دورة 24 ساعة، تشمل فترات القيلولة خلال النهار. وفي هذا العمر، لا يزال الأطفال ينامون بفترات قصيرة، لكنهم عادةً يبدأون في النوم طوال الليل، حوالي خمس إلى ست ساعات متواصلة، عندما يبلغون من العمر أربعة إلى ستة أشهر. وتعد هذه الكمية من النوم ضرورية لنمو أدمغة وأجسام الأطفال بشكل سليم.
ويحتاج الأطفال إلى نوم أكثر من البالغين لأنهم في مرحلة النمو والتطور. وللحصول على كمية كافية من النوم، غالبًا ما يأخذ الأطفال الصغار فترات قيلولة خلال النهار. ويحتاج الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وسنتين إلى حوالي 11 إلى 14 ساعة من النوم.
أما الأطفال بين 3 و5 سنوات، فيحتاجون إلى 10 إلى 13 ساعة من النوم خلال 24 ساعة، بما في ذلك فترات القيلولة. ومن سن 6 إلى 12 سنة، يُوصى بنوم إجمالي يتراوح بين 9 إلى 12 ساعة يوميًا.
ويحتاج المراهقون، الذين يمرون بفترة نمو وتطور مهمة في أدمغتهم وأجسامهم، إلى ما لا يقل عن 9 إلى 9.5 ساعات من النوم يوميًا. كما أن مرحلة البلوغ تُحدث تغيرات في الإيقاعات اليومية (الساعة البيولوجية)، وهي دورات تستمر حوالي 24 ساعة تتحكم في وظائف الجسم، مما يؤثر على توقيت شعور المراهقين بالنعاس. وبالمقارنة مع الأطفال، يجد المراهقون صعوبة أكبر في النوم قبل الحادية عشرة مساءً، ويميلون إلى مواجهة صعوبة في الاستيقاظ مبكرًا في الصباح.
ويحتاج البالغون في المتوسط إلى حوالي سبع إلى تسع ساعات من النوم المتواصل يوميًا. ومع تقدم العمر، تتغير الإيقاعات اليومية لديهم مرة أخرى. فغالبًا ما يذهب البالغون الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق إلى النوم مبكرًا ويستيقظون مبكرًا مقارنةً بالبالغين الأصغر سنًا، كما يميلون إلى النوم بشكل أقل عمقًا.
ما هو الأرق؟
هل سبق أن عانيت لساعات طويلة من أجل النوم، أو استيقظت في وقت مبكر جدًا، أو لم تستطع العودة إلى النوم بعد الاستيقاظ في منتصف الليل؟ تُسمى هذه الفترات من فقدان النوم بالأرق. ولا يشعر الشخص المصاب بالأرق بالراحة أو النشاط بعد نومه المتقطع أو غير الكافي.
وتُعرف حالات فقدان النوم المفصلة التي لا تستمر لأكثر من بضعة أيام بـ”الأرق الحاد”. أما الأرق المزمن، فهو الحالة التي يعاني فيها الشخص من صعوبة في الحصول على نوم كافٍ لمدة لا تقل عن ثلاث ليالٍ في الأسبوع، ولمدة ثلاثة أشهر أو أكثر. ويُعتبر الأرق أكثر اضطرابات النوم شيوعًا بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق، ويُصاب حوالي 10 بالمائة من الناس حول العالم بالأرق المزمن في مرحلة ما من حياتهم.
وتتنوع أسباب الأرق؛ فقد ينتج الأرق عن التوتر أو الألم الجسدي أو القلق. كما أن قلة ممارسة التمارين الرياضية والاستهلاك المفرط للكافيين أو الكحول أو التبغ قد تؤثر سلبًا على جودة النوم. ويمكن أن يؤدي اتباع جدول نوم غير منتظم – مثل الذهاب إلى الفراش في أوقات مختلفة أو القيلولة خلال النهار – إلى تحفيز الأرق، وكذلك تناول أدوية تزيد من معدل ضربات القلب أو تقلل من هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون الذي ينظم دورات النوم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون العوامل الوراثية وبعض الحالات الطبية واضطرابات الصحة النفسية من العوامل المسببة للأرق.
ويمكن أن يساعد الحفاظ على بيئة نوم مظلمة وهادئة وتجنب العادات التي قد تزعج النوم في معالجة الأرق الحاد. أما في حالة الأرق المزمن؛ فإن استشارة أحد المختصين في الرعاية الصحية قد تساعد في تحديد ومعالجة المشكلات الطبية الكامنة التي قد تعيق النوم أو تمنعه.
كيف يمكن أن يضر الحرمان من النوم بصحتك؟
إذا لم يتمكن الشخص من الحصول على الراحة التي يحتاجها؛ فإنه يواجه صعوبة في العمل بكامل طاقته ويشعر بالنعاس والتعب والانزعاج وضعف التناسق في الحركة، أو عدم الراحة. وقد يواجه أيضًا صعوبة في التركيز أو يعاني من تأخر في ردود الفعل وتشوش في الذاكرة.
ونظرًا لأن الحرمان من النوم يُضعف سرعة الاستجابة وردود الفعل؛ فإنه يزيد بشكل كبير من خطر الحوادث والإصابات. ففي دراسة تناولت تأثير الحرمان من النوم على الأطباء المقيمين، الذين غالبًا ما يعانون من جداول نوم غير منتظمة؛ حيث تبيّن أن الأداء المعرفي لدى من حُرموا من النوم كان مماثلًا لأداء أشخاص لديهم تركيز كحول في الدم يبلغ 0.05 بالمائة.
وللمقارنة، يُعتبر السائق في الولايات المتحدة “غير مؤهل للقيادة” إذا تراوح تركيز الكحول في دمه بين 0.05 بالمائة و0.07 بالمائة. وعندما يُحرم الأشخاص من النوم، قد يغفون لفترات قصيرة جدًا تُعرف باسم “الغفوات القصيرة”، والتي قد تكون خطيرة، خاصة أثناء قيادة السيارات أو تشغيل الآلات.
وقد يؤدي الحرمان المزمن من النوم إلى ما يُعرف بـ”ديون النوم”. وعلى المدى الطويل، يؤدي الحرمان من النوم إلى عواقب صحية خطيرة، إذ يؤثر على الدماغ وعلى أنظمة متعددة في الجسم، بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي والغدد الصماء (الهرمونية) والجهاز المناعي والعصبي.
ويمكن أن يؤدي نقص النوم إلى تفاقم الحالات الطبية الموجودة مسبقًا، كما يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. كما أن الحرمان من النوم قد تزيد الشعور بالجوع، من خلال تقليل إنتاج الإشارات التي تثبط الشهية وزيادة مستويات الإشارات التي تحفزها ما قد يسهم في زيادة الوزن في بعض الحالات.
كذلك، يكون الأشخاص المحرومون من النوم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب – علمًا بأن كلا الاضطرابين قد يُسهم أيضًا في حدوث مشكلات في النوم، مما يجعل العلاقة بينهما متبادلة.

ما هو “شلل النوم”؟
عادةً لا يلاحظ الناس لحظة الانتقال بين اليقظة والنوم. ومع ذلك، قد يجد البعض أنفسهم أحيانًا، قبيل النوم أو الاستيقاظ، في حالة وعي لما يحدث من حولهم ولكن دون القدرة على الحركة أو الكلام. وقد يصاحب ذلك هلوسات، أي إدراك أحاسيس أو رؤى لا وجود لها في الواقع، أو الشعور بضغط على الصدر.
هذا نوع من اضطرابات النوم، يُسمى “الباراسومنيا”، ويعرف بشلل النوم. وهي حالة مؤقتة لا تدوم طويلًا، عادةً من بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق، ولكنها قد تستمر نادرًا حتى 20 دقيقة. وبغض النظر عن مدتها؛ فإن هذه التجربة قد تكون مقلقة وتؤثر في عادات النوم الطبيعية من خلال التسبب بالقلق المرتبط بالنوم.
ويُعرف شلل النوم أيضًا باسم تقلص العضلات، ويحدث شلل النوم عندما يكون الشخص في طور الدخول إلى نوم حركة العين السريعة أو الخروج منه. خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة، ترسل الدماغ إشارات تُرخي عضلات الذراعين والساقين، لمنع الحركة الزائدة أثناء الأحلام. وفي نوبة شلل النوم، يستيقظ الشخص بينما يكون التحكم الطوعي في عضلاته لا يزال معطلاً، مما يجعله يشعر وكأنه مشلول.
ولا يُعرف السبب الدقيق وراء حدوث شلل النوم، لكنه يرتبط ببعض حالات الصحة النفسية مثل اضطرابات القلق واضطراب ما بعد الصدمة). وبالمقارنة مع عامة الناس، يُعد شلل النوم أكثر شيوعًا لدى الأشخاص المصابين بمرض النوم القهري (النعاس النهاري المفاجئ)، وهو اضطراب يسبب النعاس خلال النهار ونوبات نوم تحدث فجأة وبدون سابق إنذار. كما يرتبط شلل النوم أيضًا بأنماط النوم المتقطعة أو باستخدام بعض الأدوية، مثل تلك المستخدمة لعلاج اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط.
وتختلف التقديرات بشأن مدى شيوع شلل النوم بشكل كبير. ففي إحدى الدراسات التي شملت أكثر من 400 شخص في إيطاليا، أفاد حوالي 40 بالمائة منهم بأنهم عانوا من شلل النوم مرة واحدة على الأقل. وتشير تقديرات أخرى إلى أن نسبة الأشخاص حول العالم الذين يمرون بتجربة شلل النوم مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم تقترب من 8 بالمائة، مع إصابة النساء بشكل أكثر قليلًا مقارنة بالرجال.
المصدر: لايف ساينس