ترجمة وتحرير: نون بوست
كان العراق سوقًا صغيرًا بالنسبة لشركتي فيزا وماستركارد قبل عامين؛ حيث لم يحقق سوى 50 مليون دولار فقط شهريًا أو أقل في المعاملات العابرة للحدود في بداية عام 2023، ثم قفز إلى حوالي 1.5 مليار دولار في أبريل/ نيسان من ذلك العام، بزيادة 2900 بالمئة بين عشية وضحاها.
ما الذي تغير؟ اكتشفت الميليشيات العراقية كيفية استخراج الدولارات على نطاق واسع من شبكات الدفع التابعة لشركتي فيزا وماستركارد لصالحها ولحلفائها في إيران، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين ووثائق اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال.
وجاء هذا التحول إلى البطاقات بعد أن أغلقت وزارة الخزانة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في أواخر عام 2022 ثغرة كبيرة كانت تُستخدم في عمليات الاحتيال، وهي معاملات تحويل دولية أجرتها البنوك العراقية وكانت تفتقر إلى ضمانات غسيل الأموال، وقد سمحت الثغرات في هذا النظام، الذي أنشأته الولايات المتحدة أثناء احتلال العراق، لإيران والميليشيات التي تدعمها بالوصول إلى مليارات الدولارات على مدى أكثر من عقد من الزمان.
وبعد أن أغلقت الولايات المتحدة هذا الصنبور أخيرًا، وجدت الميليشيات سريعًا طرقًا أخرى للاستفادة من نظام البطاقات.
وقد ساهمت شركات الدفع الأمريكية العملاقة في تعزيز هذا الازدهار من خلال التعاقد مع شركاء عراقيين لإصدار بطاقات نقدية وبطاقات خصم تحمل علامتي ماستركارد وفيزا، مقدمةً لهم حوافز مالية لتعزيز مستويات المعاملات. في بعض الحالات، كانت لدى الجهات العراقية المُصدرة للبطاقات روابط بالميليشيات، وكانت ضوابط منع الاحتيال فيها غير كافية في بلد معروف بتفشي الفساد ، وفقًا للوثائق.
ومع ذلك، استغرقت شركات البطاقات شهورًا لكبح هذه المعاملات بشكل كبير بعد إبلاغ وزارة الخزانة الأمريكية بتورط الجماعات المسلحة، والتي انخفضت حدتها لكنها ظلت تتراوح بين حوالي 400 مليون دولار و1.1 مليار دولار شهريًا حتى أوائل هذا العام. وفي محاولة للسيطرة على عمليات الدفع بالبطاقات، حدد البنك المركزي العراقي مؤخرًا سقفًا قدره 300 مليون دولار شهريًا، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
لدى العراق سعر صرف رسمي للدولار وسعر صرف أعلى غير رسمي، وهذا يعني أنه يمكن لأي شخص شراء بطاقات مسبقة الدفع وبطاقات الخصم في العراق، وسحب الأموال بالدولار في دول الشرق الأوسط الأخرى بسعر الصرف الرسمي للعراق، ثم إعادتها إلى العراق لتحويلها مرة أخرى إلى الدينار بالسعر غير الرسمي، وتحقق هذه العملية مكاسب وصلت إلى 21 بالمئة.
وكانت النتيجة ازدهارًا تجاريًا للميليشيات العراقية القوية، التي نشأت بدعم إيراني قبل عقدين أو أكثر، ولا تزال خاضعة للعقوبات الأمريكية بسبب هجماتها على القوات الأمريكية في العراق وسوريا. كما استفادت ماستركارد وفيزا، من خلال فرض رسوم تتراوح بين 1 و1.4 بالمئة أو أكثر على المعاملات العابرة للحدود في بعض الأسواق عالية المخاطر.
وتشير التقديرات إلى أن حاملي البطاقات العراقيين المنخرطين في المخطط قد حققوا حوالي 450 مليون دولار من الأرباح في عام 2023 وحده، وأن شبكات البطاقات الأجنبية قد حققت ما يقرب من 120 مليون دولار، حسبما قال شخص مطلع على الأمر. ومن المتوقع أن تزداد الإيرادات في عام 2024 مع ارتفاع إجمالي المعاملات بحوالي 60 بالمئة.
- مكتب صرافة في وسط بغداد.
خاضت الولايات المتحدة معركة استمرت لسنوات لمنع إيران ووكلائها في العراق من الحصول على الدولار، وهو ما ينتهك العقوبات المفروضة عليها منذ عقود بسبب برنامجها النووي وتمويل الإرهاب وقضايا أخرى. ومن بين أمور أخرى، تدعم إيران أيضًا حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهما جماعتان مدرجتان على قائمة الإرهاب الأمريكية.
وأبلغ مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية شركات البطاقات في الخريف الماضي أن الميليشيات العراقية حصلت على كميات ضخمة من بطاقات ماستركارد وفيزا محملة بالأموال، ونقلتها إلى الإمارات العربية المتحدة ودول مجاورة أخرى وسحبت الأموال من خلالها. وقالت وزارة الخزانة إن الجماعات المسلحة قامت بعد ذلك بتحويل الأموال النقدية إلى العراق واستبدلتها بالدينار واستفادت من المراجحة في العملة.
ومن المحتمل أن تكون عمليات الكسب غير المشروع هذه قد موّلت عملياتهم أو دفعت ثمن الأسلحة، أو ببساطة ملأت جيوبهم.
تجري أيضًا تحويلات أخرى وفق مخطط صرف العملة، وكلها تستفيد من الفرق بين سعر صرف الدولار الرسمي وغير الرسمي في العراق.
وفي الأيام الأخيرة، طلبت وزارة الخزانة الأمريكية رسميًا من البنك المركزي العراقي حظر أكثر من 200,000 بطاقة يستخدمها أعضاء الميليشيات بسبب مخاوف من الاحتيال.
واتخذت إدارة ترامب، التي تجري محادثات نووية رفيعة المستوى مع طهران منذ أبريل/ نيسان، خطوات جديدة لمنع وصول إيران إلى العملة الصعبة، بما في ذلك استهداف السفن التي تستخدمها لبيع النفط في انتهاك للعقوبات وتقييد وصولها إلى الدولار من العراق المجاور.
وتتمتع الميليشيات العراقية الأكثر قوة المدعومة من إيران، بما في ذلك فيلق بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بنفوذ داخل الحكومة العراقية والقطاعات المالية لمساعدة طهران على التحايل على العقوبات، حيث شكلت ما أسماه وزير الخزانة سكوت بيسنت في أبريل/نيسان “شبكة سرية من الميسرين الماليين”.
وقالت متحدثة باسم الوزارة عن جهودها لكبح جماح النشاط النقدي والبطاقات المصرفية العراقية: “تماشيًا مع أولويات الإدارة الأمريكية وللحفاظ على قوة الدولار الأمريكي، ستواصل وزارة الخزانة توخي اليقظة بشأن التهديدات التي يتعرض لها النظام المالي الأمريكي، بما في ذلك من قبل الجهات الفاعلة المتحالفة مع إيران”.
- عناصر من قوات الحشد الشعبي في تشييع مقاتلي كتائب حزب الله الذين قتلوا في غارة جوية أمريكية العام الماضي.
وقال مسؤولون أمريكيون وعراقيون إن التحذيرات الموجهة إلى شركتي فيزا وماستركارد بشأن دور الميليشيات في الارتفاع الحاد في مدفوعات النقد وبطاقات الخصم لم تُؤخذ في الاعتبار على مدار أشهر.
وأضاف المسؤولون الأمريكيون والعراقيون أن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ووزارة الخزانة بدأوا في مطالبة فيزا وماستركارد بتفسير ارتفاع المعاملات في مايو/ أيار 2023، وعقدوا اجتماعات منتظمة حول السوق العراقية، شارك فيها أيضًا مسؤولون من البنك المركزي العراقي في عام 2024 ومطلع هذا العام، وبدأت شركات البطاقات باتخاذ إجراءات هامة في مارس/ أذار.
لم تكن شركات إصدار البطاقات العراقية التي دخلت في شراكة مع فيزا وماستركارد خاضعة لعقوبات، ولا توجد أي مزاعم علنية بانتهاك فيزا أو ماستركارد لأي عقوبات.
وقالت الشركتان، اللتان تستحوذان على حصص متساوية تقريبًا من السوق العراقية، إنهما تصرفتا على الفور للحد من المعاملات بعد العثور على أدلة على الاحتيال.
وقال سيث آيزن المتحدث باسم ماستركارد: “إن المشاركة الحكومية المستمرة مدمجة في برامجنا حتى نتمكن من النظر بسرعة في الادعاءات وتحديد الموقف واتخاذ الإجراءات المناسبة. وأضاف: “وهذا بالضبط ما فعلناه مع الحكومة الأمريكية في هذا الشأن منذ مرحلة مبكرة جدًا”. وأكد أن الحكومة العراقية تعمل على رقمنة اقتصادها، مما سيؤدي إلى زيادة معاملات الدفع الإلكتروني.
وقال فليتشر كوك، المتحدث باسم فيزا: “من الأمور المحورية في عملياتنا الالتزام بضمان عدم انتهاك المعاملات على شبكتنا للقانون… فعندما نحدد أو نتلقى تنبيهًا بشأن أي نشاط مشبوه أو غير قانوني، نتخذ الإجراءات اللازمة”.
الاصطفاف أمام أجهزة الصراف الآلي
للحفاظ على تدفق الأموال عبر الاقتصاد بعد حملة التحويلات البنكية الدولية، سمح البنك المركزي العراقي في أوائل عام 2023 بإجراء المدفوعات النقدية وبطاقات السحب الآلي خارج العراق بسعر التحويل الرسمي – وهو حاليًا 1,320 دينار عراقي للدولار – وهو سعر أرخص من السعر المتاح في أسواق العملة العراقية، وقد أدى ذلك إلى زيادة استخدام البطاقات في المراجحة على العملة.
وقام سعاة الميليشيات بتهريب البطاقات إلى الإمارات وتركيا والأردن، وسحبوا هناك النقود من أجهزة الصراف الآلي – وصف شهود عيان عراقيين اصطفوا ليلًا ونهارًا أمام أجهزة الصراف الآلي في دبي حاملين أكوامًا من البطاقات النقدية المدفوعة مسبقًا، وأدخلوا واحدة تلو الأخرى ـ ثم أعادوا الأموال إلى العراق، إما من خلال عملية تحويل الأموال غير الرسمية في الشرق الأوسط المعروفة باسم الحوالة أو عن طريق التحويل الإلكتروني بين الحسابات المصرفية، ثم استُبدلت الأموال بالدينار في أسواق العملات بسعر صرف غير رسمي أعلى – ما يقارب 1,600 دينار مقابل الدولار في أعلى مستوياته في عام 2023 – مما أدى إلى تحقيق أرباح بالنسبة لهم، وقد انخفض فارق سعر الصرف في الأشهر الأخيرة إلى حوالي 1,400 دينار مقابل الدولار.
كيف تستخدم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق بطاقات السحب الآلي وبطاقات الخصم التي تحمل علامة فيزا وماستركارد للحصول على الدولارات الأمريكية؟
- ملاحظة: الإصدارات الرئيسية لنظام صرف العملات. تعتمد ترتيبات أخرى أيضًا على الفرق بين سعر صرف الدولار الرسمي وغير الرسمي في العراق. المصدر: مسؤولون أمريكيون وعراقيون.
حدّت الجهات الرقابية في العراق والإمارات من عمليات السحب اليومية، وشنّت حملةً صارمةً على تهريب البطاقات. في إحدى الحالات، أُلقي القبض على أكثر من عشرين عراقيًا يحملون ما مجموعه حوالي 1200 بطاقة نقدية محملة بأكثر من 5 ملايين دولار في المطارات والمعابر الحدودية العراقية. وأُلقي القبض على مسافر عراقي في مطار مدينة النجف، وبحوزته 300 بطاقة مصرفية مخبأة في علب سجائر في أمتعته. وفي حالة أخرى، ألقى حرس الحدود القبض على عدد من الإيرانيين والعراقيين أثناء محاولتهم تهريب بطاقات ماستركارد إلى إيران.
وقد تكيفت الميليشيات مع الوضع، وبدأت بإقناع التجار في البلدان الأخرى التي لديها إمكانية الوصول إلى شبكات فيزا وماستركارد بإجراء معاملات شراء وهمية مقابل رشوة.
وفي مثال وصفه مصرفيون على دراية بالمخطط، فرض متجر للسلع الفاخرة في الإمارات رسومًا قدرها 5000 دولار أمريكي على بطاقات فيزا أو ماستركارد، رغم عدم تداول أي بضائع. وفي مقابل دفع 5 بالمئة، يمنح المتجر حامل البطاقة مبلغ 5000 دولار أمريكي نقدًا أو ما يعادله بالدرهم الإماراتي المربوطة بالدولار؛ حيث تخصم شركة البطاقة من البطاقة بسعر الصرف الرسمي للدولار العراقي، ثم تُعاد الأموال إلى العراق لصرفها بسعر السوق.
غالبًا ما تستخدم الميليشيات هذه الأموال لتكرار العملية مرارًا وتكرارًا، محققة أرباحًا في كل دورة.
وقال مسؤولون عراقيون وأميركين إن المحتالين تمكنوا في نهاية المطاف من الحصول على أجهزة “نقاط بيع” محمولة، تُستخدم عادة في المطاعم والمتاجر. وفي ما يُعرف بمزارع نقاط البيع، نفّذوا معاملات وهمية باستخدام عشرات من هذه الأجهزة، مستعينين بشبكات افتراضية خاصة لإخفاء مواقعهم، بحسب ما ذكره المسؤولون.
وقال المسؤولون العراقيون إنهم لم يكن لديهم الضوابط الكافية لمنع ما وصفوه بعمليات الاحتيال الواسعة. وأضافوا أن السلطات الأمريكية لم تكتشف على الفور الثغرات في النظام، ويعود ذلك جزئيًا لتسوية المعاملات بالبطاقات تخضع لرقابة أقل بكثير مقارنة بالتحويلات المصرفية التقليدية. وكان العراق عرضة بشكل خاص مسرحًا لمخططات الاحتيال عبر البطاقات، بسبب ضعف الرقابة على الجهات المصدرة للبطاقات، واقتصادها الذي لا يزال يعتمد إلى حد كبير على التعاملات النقدية.
- رجال يتبادلون الدولارات الأميركية في سوق ببغداد.
وحققت السلطات بعض النجاح في إحباط حيلة سعر الصرف في بعض المناطق.
ورصد المسؤولون ارتفاعًا مشابهًا في الأموال التي تُحوّل من العراق عبر شركات تحويل الأموال مثل ويسترن يونيون وماني جرام. وقد تجاوزت التحويلات عبر هذه الشركات مليار دولار في مارس/ آذار 2023، بعد فترة وجيزة من حملة التشديد على التحويلات المصرفية بين البنوك، وارتفعت إلى 1.7 مليار دولار في يونيو/ حزيران. وعندما أعلنت ويسترن يونيون عن نتائجها المالية للربع الثاني في يوليو/ تموز 2023، رفعت توقعاتها لإيرادات السنة المالية كاملةً “بشكل أساسي بسبب الأداء التجاري في العراق”.
وكشفت الشركة أيضًا أنها تجري “مناقشات منتظمة مع صانعي السياسات في كل من الولايات المتحدة والعراق بشأن الأحجام المرتفعة لتحويلات الأموال التي تتدفق عبر شبكتها في العراق”.
وفرضت الجهات التنظيمية الأمريكية والعراقية قيودًا جديدة على حجم التحويلات الشهرية لشركتي تحويل الأموال الأمريكيتين. وبناءً على طلب السلطات، أغلقت شركتا ويسترن يونيون وماني جرام حساباتها في العديد من البنوك العراقية. وأسفرت هذه الإجراءات عن خفض تدفقات الأموال الشهرية الخارجة من العراق إلى 110 ملايين دولار بحلول أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
وقد رفضت ويسترن يونيون التعليق، ولم ترد ماني جرام على طلبات التعليق.
وبعد أن بدأ بنك العراق الأول في بغداد في تقديم خدمة تحويل أموال فورية المعروفة باسم “فيزا دايركت” في أوائل سنة 2024، شهدت تدفق هائل من المعاملات النقدية إلى حسابات مرتبطة ببطاقات فيزا أخرى. وخلال شهرين، أرسل حاملو بطاقات البنك نحو 1.2 مليار دولار إلى دبي وتركيا وأماكن أخرى، بحسب شخص مطلع على الأمر. وأشار هذا الشخص إلى أن أحد حاملي البطاقات كان يحول أكثر من 5 ملايين دولار يوميًا إلى 11 حسابًا في إندونيسيا بشكل متكرر.
وأثارت وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي المخاوف بشأن التحويلات الضخمة، وأوقفت شركة فيزا استخدام البنك للخدمة بعد 10 أسابيع. ولم ترد فيزا وبنك العراق الأول في بغداد على الأسئلة المتعلقة بخدمة فيزا دايركت.
صورة واضحة لعمليات الاحتيال
غير أن إيقاف المنتجات الفردية لم يؤثر كثيرًا على الاحتيال بشكل عام، واستمر نشاط البطاقات في النمو؛ حيث ارتفع عدد الجهات العراقية المرخص لها بتقديم بطاقات مسبقة الدفع أو بطاقات الخصم من خمس إلى 17 بين سنتي 2017 و2024، وفقًا لما ذكره شخص مطلع على الأمر.
وكان المسؤولون الأمريكيون قلقين بشكل خاص بشأن واحدة من أكثر بطاقات الخصم انتشارًا في العراق، والمعروفة باسم “كي كارد”، والتي تتعاون مع شركتي ماستركارد وفيزا وتغطي نحو نصف السوق. فقد ارتفعت المعاملات التي تُجرى باستخدام هذه البطاقة من حوالي 10 ملايين دولار شهريًا في أوائل سنة 2023 إلى أكثر من 500 مليون دولار شهريًا بحلول بداية هذه السنة.
وبموجب عقد مع بنك عراقي مملوك للدولة، تُستخدم البطاقة في توزيع الرواتب على ملايين المتقاعدين والموظفين الحكوميين، بما في ذلك الميليشيات. وتم إدراج قوات الحشد الشعبي، وهي منظمة تجمع مجموعات ميليشيات، إلى جدول الرواتب الحكومية قبل عقد من الزمن، عندما اجتاح مقاتلو تنظيم الدولة مساحات واسعة من شمال وغرب العراق في سنة 2014. وبعد انهيار الجيش العراقي المدرب من قبل الولايات المتحدة بشكل كبير، لجأت حكومة بغداد إلى مجموعات مسلحة خاصة، أغلبها من الشيعة العراقيين، في خطوة طارئة لمواجهة القتال إلى جانب القوات الأمريكية.
وقال مصرفي عراقي إن قادة الميليشيات استحوذوا على بطاقات الأعضاء العاديين، كما قاموا بتضخيم قوائم الرواتب بإضافة جنود وهميين أو غير موجودين للحصول على المزيد من البطاقات.
- موظفة في البنك المركزي العراقي.
وعلى الرغم من هزيمة تنظيم الدولة إلى حد كبير في سنة 2019؛ إلا أن قوات الحشد الشعبي ازدادت قوة تدريجيًا داخل القطاعين الحكومي والمالي. وكان أكثر من 200,000 عضو في الميليشيات يتلقون رواتبهم عبر بطاقة “كي كارد”، وهي نقطة ارتكاز استخدمته الميليشيات، بحسب مسؤولين أمريكيين وعراقيين، لتصبح لاعبًا رئيسيًا في الأنشطة غير القانونية المتعلقة بالبطاقات. وقد دفع ذلك وزارة الخزانة مؤخرًا إلى طلب من البنك المركزي العراقي حظر بطاقات “كي كارد” الصادرة للميليشيات.
قالت شركة البطاقة الذكية الدولية، وهي الشركة الأم العراقية لبطاقة “كي كارد”، إنها “لم تعد تقدّم أي خدمات لقوات الحشد الشعبي”.
وقال بهاء عبد الهادي، مؤسس الشركة البالغ من العمر 55 سنة، إن الشركة اتخذت خطوات أخرى لطمأنة وزارة الخزانة والبنك الاحتياطي الفيدرالي بأن أي شخص يحمل بطاقة “كي كارد” ليس خاضعًا لعقوبات أميركية، وأن عناصر الميليشيات لم يتسلموا بطاقات “كي كارد” التي يمكن استخدامها خارج العراق. وأضافت الشركة: “الخدمة الوحيدة التي قُدمت لحاملي بطاقات الحشد الشعبي كانت تحويل الرواتب من جهة عملهم”.
وقال مسؤولون أميركيون وعراقيون إن الأموال المدفوعة للميليشيات يمكن تحويلها بسهولة إلى بطاقات أخرى تعمل خارج العراق.
وأضاف المسؤولون أن البيانات التي تتبعت استخدام البطاقات العراقية عبر الحدود قدّمت صورة واضحة لعمليات الاحتيال.
ووفقًا لشخص مطلع على الأمر؛ فإن واحدة من كل خمس معاملات أجراها حاملو البطاقات الأجنبية في الإمارات سنة 2024 كانت باستخدام بطاقة خصم أو بطاقة نقدية عراقية، رغم أن مسافرًا واحدًا فقط من بين كل 250 زائرًا للبلاد كان من العراق.
وكانت معظم المدفوعات العراقية موجهة إلى شركات غير معروفة تقع في مناطق التجارة الحرة أو إلى متاجر مجوهرات فاخرة، بدلاً من الفنادق والمطاعم والمعالم السياحية التي ينفق فيها الزوار الأجانب عادةً أموالهم في دبي ومدن إماراتية أخرى. والأكثر إثارة للقلق أن البائعين أجروا غالبية معاملاتهم تقريبًا مع بطاقات صادرة من العراق فقط، وبشكل متكرر شهريًا.
إجراءات فيزا وماستركارد
وعندما أجرت وحدة الامتثال العالمية في شركة ماستركارد مراجعة افتراضية في أغسطس/ آب 2023 لخدمات يانا المصرفية، وهي جهة موفّرة للبطاقات مقرها أربيل، لم تجد أي دليل على أن العملاء يخضعون لعمليات تدقيق للتأكد من أنهم غير خاضعين لعقوبات أمريكية، وهو ما يشكّل شرطًا ضمن اتفاقية الترخيص الموقعة مع ماستركارد.
وكشفت المراجعة أيضًا عن “رصد وإبلاغ غير فعّالين للأنشطة المشبوهة” يهدف إلى منع الاحتيال، إضافة إلى ضعف في تدابير مكافحة غسل الأموال. وبحسب نتائج ماستركارد التي اطّلعت عليها صحيفة “وول ستريت جورنال”، “لم تتم أي عملية تصنيف لمخاطر العملاء، ولم تظهر أي تقييمات للمخاطر في ثماني ملفات لحاملي بطاقات وثلاثة ملفات لتجار تم اختبارها خلال عملية المراجعة”.
وتم حظر شركة يانا من إصدار بطاقات تحمل علامة ماستركارد التجارية حتى أن تُصحح ما وصفته المراجعة بأنه “انتهاكات ذات أولوية قصوى”. وقد رُفع هذا التعليق لاحقًا بعد معالجة المشكلات، وفقًا لشخص مطلع على الأمر.
وقال آيزن، المتحدث باسم ماستركارد: “الهدف هو ضمان تجنبهم المزيد من الانتهاكات لمعايير ماستركارد أو المتطلبات التنظيمية. ونحن نحتفظ بالحق في إعادة النظر في أي ادعاء لضمان الالتزام بذلك”.
ولم ترد شركة يانا على طلبات التعليق.
- مكاتب البنك المركزي العراقي في بغداد.
وقد تسارعت جهود التنفيذ في ربيع هذه السنة. ففي مارس/ آذار، قامت ماستركارد بحظر أكثر من 100,000 بطاقة صادرة من العراق، وأزالت 4,000 تاجر في الإمارات من شبكة الدفع الخاصة بها بسبب الاشتباه في تورطهم في معاملات عراقية احتيالية. وأفاد مسؤولون أميركيون وعراقيون بأن نصف هذه البطاقات كانت صادرة عن شركة البطاقة الذكية الدولية.
وقال آيزن إن المعلومات المتعلقة ببطاقة “كي كارد” وشركة البطاقة الذكية الدولية التي تلقتها ماستركارد من الجهات الحكومية “تم تجميعها مع المعلومات الموجودة واتُخذت الإجراءات اللازمة بناءً عليها”.
وفي أبريل/ نيسان، أرسلت شركة فيزا تنبيهات بشأن احتمال وجود احتيال في 70,000 بطاقة عراقية، وقامت بحظر حوالي 5,000 تاجر في الإمارات، مع حظر استخدامها مؤقتًا.
وبحسب شخص مطلع على الأمر، تم إعادة تفعيل بعض البطاقات لاحقًا بعد أن استنتجت شركتا ماستركارد وفيزا أن المعاملات المشكوك فيها كانت مشروعة.
وبدأت الشركات والسلطات في حظر بعض شركات إصدار البطاقات العراقية البالغة عددها 17 شركة، مما أدى إلى تقليص العدد الإجمالي بنحو النصف تقريبًا.
وإلى جانب تحديد الحد الأقصى الشهري البالغ 300 مليون دولار على إجمالي التحويلات عبر الحدود في البلاد، فرض البنك المركزي العراقي حدًا شهريًا قدره 5,000 دولار لكل حامل بطاقة. كما استعان البنك بشركة كي2، وهي شركة استشارية متخصصة في الجرائم المالية مقرها نيويورك، لمراقبة معاملات البطاقات، وطلب من كل جهة إصدار بطاقات الانتقال إلى التعامل مع بنك عراقي له بنك مراسل في الولايات المتحدة، حسبما أفاد المسؤولون.
واتخذت وزارة الخزانة إجراءات واسعة بشكل مستقل؛ حيث أدرجت ثلاثة من جهات إصدار البطاقات العراقية على قائمة العقوبات بسبب الاشتباه في ارتباطها بالميليشيات. وكانت جميع هذه الجهات شركاء لشركتي فيزا وماستركارد.
وترتبط إحدى هذه الشركات، شركة الساقي للدفع الإلكتروني، بالمزار العباسي المقدس، وهو مسجد شيعي ذو قبة ذهبية في كربلاء، بالعراق. ويزور الملايين من الحجاج، كثير منهم من إيران، هذا المكان سنويًا. ولم ترد شركة الساقي على طلبات التعليق.
وأوقفت فيزا معالجة بطاقات شركة الساقي على شبكتها للدفع، رغم أن موقع الشركة العراقي لا يزال يعرض صورًا لبطاقات فيزا، ويعد العملاء بـ”جميع المزايا التي تقدمها فيزا، بما في ذلك سهولة الاستخدام والقبول العالمي والمعايير العالية للأمان”.
المصدر: وول ستريت جورنال