ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ فترة غير بعيدة، كان المديرون التنفيذيون في مجال الذكاء الاصطناعي يطالبون الكونغرس بمزيد من اللوائح التنظيمية. ويوضح مشروع قانون الميزانية الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي مدى سرعة تغير مسار هذه الصناعة.
يتضمن مشروع قانون مجلس النواب تعليقا مؤقتا للوائح الذكاء الاصطناعي المعنية بـ”التزييف العميق” في المجال السياسي على صعيد الولايات، واستخدام الذكاء الاصطناعي لرفض المطالبات الطبية. وفي نفس الوقت الذي يخفض فيه مشروع قانون مجلس النواب ميزانية الرعاية الطبية، فإنه يوجّه المزيد من الأموال إلى شركات التكنولوجيا لتطوير طائرات مسيرة انتحارية.
يُمثّل مشروع قانون مجلس النواب بالنسبة لمؤيدي تنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي تتويجًا لتحول في عقلية هذا القطاع. بدلًا من الاستجابة لمخاوف الناس بشأن الذكاء الاصطناعي، قررت الصناعة التعاون مع إدارة ترامب لتحقيق هدفها المتمثل في “الهيمنة العالمية على الذكاء الاصطناعي”.
يقول كيفن دو ليبان، مؤسس منظمة “تكتونيك جاستس”، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى حماية الفئات ذات الدخل المحدود من أضرار التكنولوجيا: “الرسالة واضحة، اقتراح الجمهوريين في مجلس النواب يسرق أموال الفقراء لتقديم منح ضخمة لشركات التكنولوجيا الكبرى لتطوير تقنيات تُديم خطط الرئيس الاستبدادية وحملاته القمعية ضد الفئات الضعيفة”.
حظر التنظيم
قد يكون البند الأكثر إثارةً للجدل في مشروع قانون مجلس النواب من بين أبرز البنود التي لا يُحتمل المصادقة عليها. يمنع البند الولايات من صياغة لوائحها الخاصة للذكاء الاصطناعي على مدى السنوات العشر القادمة.
في جلسة استماع عُقدت مؤخرًا في مجلس النواب، أكد النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا جاي أوبرنولت، أن الدافع وراء هذا البند يعود جزئيًا إلى خيبة الأمل التي سببها فشل الكونغرس في إقرار لوائح تنظيمية على مستوى البلاد، مضيفا أن التداخل المتزايد بين لوائح الولايات يُمثل تحديًا أمام الشركات الناشئة الصغيرة.
وقال: “أولئك الذين يواجهون تحديًا في التعامل مع هذا الأمر هم مبتكرون يعملون في ورشات عمل، ويحاولون إطلاق أوبن إيه آي التالي، أو غوغل التالي. هؤلاء هم الأشخاص الذين نحاول حمايتهم. أتمنى أن يستغرق هذا الأمر شهورا، لا سنوات. لكنني أعتقد أنه من المهم إرسال رسالة مفادها أنه يجب تحفيز الجميع للمشاركة في هذا النقاش”.
وترى أمبا كاك، المديرة التنفيذية المشاركة لمعهد “إيه آي ناو”، وهو مركز أبحاث يعارض المراقبة التجارية، بأن هذا التداخل في اللوائح ليس بالصعوبة التي يدّعيها أوبرنولت. وتضيف أن أغلب التشريعات الشاملة التي أُقرّت على صعيد الولايات – في كاليفورنيا وكولورادو – تتناول الشفافية بشأن حدود استخدام الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت كاك أن القوانين في ولايات أخرى مُصممة لملاحقة أسوأ الجهات الفاعلة في هذا المجال النامي، وتستهدف “التزييف العميق” في المجال السياسي، و”الإباحية الانتقامية” للذكاء الاصطناعي، واستخدام الذكاء الاصطناعي من قِبل شركات التأمين الصحي. وقالت كاك: “هذا ليس مستنقعا كبيرا من القوانين التي تعيق هذه الصناعة. إنه في الواقع الحد الأدنى”.
أثار قرار مجلس النواب بوقف اللوائح التنظيمية معارضة مجموعة تتكون من 40 مدعيا عاما للولايات من الحزبين، وصفوه بأنه “غير مسؤول”، ومن منظمات حماية المستهلك، بما في ذلك تقارير المستهلك.
تجنبت أكبر شركات الذكاء الاصطناعي التعليق بشكل مباشر على وقف اللوائح التنظيمية، لكن الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان، قدم أفكاره بشأن اللوائح في جلسة استماع بمجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا الشهر.
عام 2023، أثار ألتمان ضجة كبيرة بدعوته إلى تنظيم هذه الصناعة. لكنه قال في شهادته هذا الشهر في مجلس الشيوخ إن إقرار الولايات المتحدة لوائح تنظيمية على غرار اللوائح الأوروبية سيكون أمرًا “كارثيًا”، حيث تتطلب اللوائح الأوروبية تسجيل أنظمة الذكاء الاصطناعي “عالية المخاطر” وتفرض متطلبات أخرى على مطوريها. وعلى نطاق أوسع، دعا إلى وضع لوائح تنظيمية محدودة لهذه الصناعة.
وقال ألتمان: “أعتقد أن بعض السياسات جيدة. أعتقد أنه من السهل أن تتجاوز حدودها، وكلما تعلمت المزيد عن كيفية عمل هذا القطاع، خشيت أن تتجاوز حدودها أكثر مما ينبغي وأن تكون لها عواقب وخيمة”.
يشكك المراقبون في أن ينجح مجلس النواب في تمرير وقف اللوائح التنظيمية في مجلس الشيوخ. يستخدم الجمهوريون عملية تُعرف باسم المصالحة لدفع مشروع القانون من خلال مجلس الشيوخ بـ 50 صوتًا بدلاً من 60 صوتًا، وهو الحاجز الذي يسمح لهم بتجاوز جهود إجهاض مشروع القانون. لكن المبدأ التوجيهي للمصالحة المعروف باسم “قاعدة بيرد” يشترط أن يتمحور كل بند من بنود مشروع قانون المصالحة حول الميزانية.
قال بوبي كوغان، كبير مديري سياسة الميزانية الفيدرالية في مركز التقدم الأمريكي، والذي عمل سابقًا في البيت الأبيض في فترة بايدن وكان عضوًا ديمقراطيًا في لجنة الميزانية بمجلس الشيوخ: “أشعر بثقة كبيرة في أن قرار التعليق المؤقت سيسقط”. وأضاف: “إملاء القوانين على الولايات لا علاقة له بدخول الأموال في الميزانية الفيدرالية أو خروجها”.
ووعد السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري جوش هاولي، بمحاربة قرار التعليق المؤقت. وأعرب السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس وعضو لجنة الميزانية، جون كورنين، عن شكوكه في موافقة هذا الإجراء لقواعد مجلس الشيوخ.
وبغض النظر عن مصير مشروع قانون مجلس النواب، يقول مراقبو قطاع الذكاء الاصطناعي إنه قد يُبشر ببداية حقبة تواجه فيها اللوائح التنظيمية على مستوى الولايات المزيد من العقبات.
وقالت كاك: “من المحتمل أن نشهد تصاعدًا في الضغط من قطاع الذكاء الاصطناعي. إذا كان هذا هو مسارنا، فأعتقد أن ذلك سيزيد من صعوبة أي جهد تشريعي على مستوى الولايات”.
كشف “الاحتيال”
يبدو أن الجمهوريين في مجلس النواب يتجهون إلى موقف أكثر ثباتًا بشأن بند يقضي بإنفاق 25 مليون دولار على عقود الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال في برنامج الرعاية الطبية واسترداد الأموال.
يُثير هذا البند قلق المشككين في الذكاء الاصطناعي، والذين يُشيرون إلى تاريخ هذه البرامج. ففي ولاية أركنساس، أدت خوارزمية استُخدمت لتحديد مدى أهلية المتمتعين ببرنامج الرعاية الطبية إلى حرمان بعض الناس من المساعدات الصحية المنزلية.
يقول دو ليبان، الذي عمل محاميًا في مجال المساعدة القانونية بولاية أركنساس في تلك الفترة: “لقد أدى ذلك إلى تخفيضات مروعة في الرعاية الصحية الخاصة بموكليّ”. وأضاف: “كان الناس يحصلون سابقًا على ثماني ساعات من الرعاية، وهي غير كافية، ولكنها الحد الأقصى للولاية. خُفِّضت ساعات الرعاية إلى أربع أو خمس ساعات فقط… لقد عانوا من الإهمال ساعات طويلة”.
وفي ولاية تكساس، يُزعم أيضًا أن مئات المرضى الذين يتمتعون ببرنامج الرعاية الطبية طُردوا من البرنامج أو واجهوا عقبات بسبب أخطاء في خوارزمية الولاية. وقال دي ليبان إنه ينبغي على الأطباء والمرضى القلق بشأن بند الاحتيال في مجلس النواب، نظرًا لتاريخ الذكاء الاصطناعي والخوارزميات حتى الآن. وأضاف: “على الأرجح ستُستخدم تقنيات معيبة وغير موثوق بها لمنع الأطباء من تقديم الرعاية للمرضى”.
أسلحة الحرب
الأموال المخصصة لمكافحة الاحتيال ضئيلة مقارنةً بالأموال الأخرى المخصصة للإنفاق على الذكاء الاصطناعي. يشمل مشروع القانون مليارات الدولارات للبنتاغون وأمن الحدود، وهو سوق واعد لموجة من الشركات الناشئة في مجال الدفاع الممولة من وادي السيليكون.
وقالت كاك إن هذه الموجة المقترحة من الإنفاق على مشاريع الدفاع والحدود باستخدام الذكاء الاصطناعي تتماشى مع تحوّل في المواقف تجاه القيود المفروضة على هذه التكنولوجيا.
وأضافت: “غالبا، هذا التوجه التنظيمي الذي نشهده من خلال قرار الوقف المؤقت للأنشطة يُنذر بتصعيد أكبر نحو الاستثمار في الأمن القومي، حيث نسمع أن هذه هي اللحظة المناسبة للتراجع عن إجراءات الحماية”.
وتشمل البنود الواردة في مشروع قانون مجلس النواب، 500 مليون دولار “للقدرات العسكرية المستقلة القابلة للاستنزاف”، ومنها الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة على غرار تلك التي استخدمتها أوكرانيا ضد روسيا؛ و450 مليون دولار للذكاء الاصطناعي والقدرات ذاتية التشغيل في بناء السفن البحرية؛ و298 مليون دولار لمشاريع الذكاء الاصطناعي والقدرات ذاتية التشغيل في مركز إدارة اختبارات الموارد التابع للبنتاغون؛ و250 مليون دولار للذكاء الاصطناعي في القيادة السيبرانية؛ و188 مليون دولار لأنظمة الروبوتات البحرية المستقلة؛ و120 مليون دولار للطائرات المسيرة المخصصة للمراقبة الجوية؛ و111 مليون دولار للطائرات المسيرة الهجومية الانتحارية؛ و20 مليون دولار لاستخدام الذكاء الاصطناعي في عملية التدقيق في وزارة الدفاع.
تستفيد من مشروع القانون أيضًا مختلف الوكالات المشاركة في حملة ترامب لأمن الحدود والترحيل؛ حيث ستحصل هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية على 2.7 مليار دولار لتمويل تقنيات مراقبة الحدود، ومليار دولار لمشاريع مكافحة المخدرات، بما في ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي. كما سيحصل خفر السواحل على 75 مليون دولار لـ”الأنظمة البحرية ذاتية التشغيل”.
وبشكل منفصل، ستحصل وزارة التجارة على 500 مليون دولار لتحديث تكنولوجيا المعلومات في الحكومة الفيدرالية. رغم شكوك كاك في أن تُحدث منتجات شركات الدفاع المتخصصة في الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية مثلما تعد به، إلا أن هذه التقنيات حظيت بتأييد البيت الأبيض.
عيّن ترامب، الذي وصف الذكاء الاصطناعي سابقًا بأنه “خطير”، شخصيات داعمة لهذه الصناعة في مناصب حساسة، مثل جيه دي فانس وديفيد ساكس. كما دعا في أحد أوامره التنفيذية الأولى الوكالات الحكومية إلى إزالة العوائق التي فرضتها إدارة بايدن أمام تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقال ترامب: “سياسة الولايات المتحدة هي الحفاظ على هيمنة أمريكا العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي وتعزيزها، من أجل ازدهار البشرية، والقدرة التنافسية الاقتصادية، والأمن القومي”.
المصدر: ذي إنترسبت