يشهد موسم الحج الحالي (1446هـ / 2025م) نقلة نوعية غير مسبوقة، حيث تتسابق الجهات السعودية إلى تسخير أحدث ما توصلت إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتطبيقات الذكية، في سبيل تسهيل تجربة الحجيج وضمان سلامتهم وراحتهم.
من غرف العمليات الدقيقة التي تُدار عن بُعد، إلى الروبوتات التي تُرشد وتُفتي بلغات متعددة، ومن الطائرات المسيّرة التي تراقب الحشود لحظة بلحظة، إلى الأساور الذكية التي تتابع المؤشرات الصحية، تتجلى ملامح حج عصري متكامل، يُؤدَّى فيه المناسك بيسر وسهولة.
صحة ذكية بخدمات استباقية
في خطوة تعزز التحول في المنظومة الصحية، أطلقت وزارة الصحة السعودية في 31 مايو/أيار 2025 مستشفى “صحة الافتراضي“، بتقنية (Lunit INSIGHT CXR) المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتحليل أشعة الصدر للحجاج، والتنبؤ بالأمراض الرئوية والقلبية المحتملة، ما يُمكّن الأطباء من تركيز جهودهم على الحالات الحرجة أولًا، ويُعزز دقة التشخيص وسرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
ويقدّم المستشفى خدمات الاستشارات الفوريَّة على مدار 24 ساعة بالتعاون مع أكثر من 300 مركز صحي دائم ومؤقت في مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، إضافة إلى مقرات حملات الحجِّ.
وفي تطور لافت، دشّنت وزارة الصحة مشروع الروبوت الجراحي في مدينة الملك عبدالله الطبية، بتكلفة 16 مليون ريال (4.3 مليون دولار) ضمن استعداداتها المكثفة لموسم الحج. ويُعد المشروع أحد أحدث الابتكارات الطبية التي تتيح إجراء عمليات دقيقة ومعقدة، تشمل جراحة الصدر والأورام والمسالك البولية، باستخدام أذرع روبوتية عالية الدقة تُدار من قِبل جراحين سعوديين مؤهلين.
وأوضحت وكالة الأنباء السعودية (واس)، في 29 مايو/أيار 2025، أن هذه المبادرة تنسجم مع برنامج تحول القطاع الصحي، وترتكز على تقليل التدخل البشري، وتقديم رعاية عالية الجودة تقلص فترات التعافي وترفع كفاءة الأداء.
الالتزام بإرشادات التنقل بين المشاعر المقدسة يسهم في حجٍ ميسّر وآمن#حج_بصحة#يسر_وطمأنينة#المركز_السعودي_لسلامة_المرضى pic.twitter.com/gP2vXosaU7
— المركز السعودي لسلامـة المرضى (@SAUDIPSC) June 3, 2025
كما شملت الاستعدادات الصحية استخدام روبوتات لتوزيع مياه زمزم آليًا، وأجهزة متقدمة للرصد الصحي في مواقع التجمعات الكبرى، وفي إطار ذاته وفرت إدارة الحرمين مجموعة من الروبوتات الذكية المتخصصة في التعقيم والتطهير وتوزيع عبوات ماء زمزم داخل المسجد الحرام وساحاته.
تتميز الروبوتات بخاصية الإنذار المبكر والبث الصوتي، كما أنها مزودة بكاميرات ورادارات عالية الدقة لرسم الخرائط وتجنب العوائق، وحصلت هذه الأجهزة على براءات اختراع عالمية، من بينها تقنية (SLAM)، وشهادة الجودة الأوروبية (CE).
تبلغ مدة عمل الروبوت الواحد من 5 إلى 8 ساعات دون تدخل بشري، مع قدرة على تغطية 600 متر مربع باستخدام ضباب جاف بتركيز جسيمات بين 5 إلى 15 مايكرومتر، وفق وكالة الأنباء السعودية.
كما تم تجهيز روبوتات توزيع ماء زمزم بأنظمة ذكية للشحن وتوفير الطاقة، وتبلغ سعة الجهاز نحو 23.8 لترًا، يستهلك منها لترين في الساعة فقط، ما يعزز الكفاءة التشغيلية وجودة الخدمة.
وفي خطوة متميزة لحماية الحجاج من الإجهاد الحراري، جُهزت المشاعر المقدسة بوحدات تبريد ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، تقوم هذه الوحدات بتحليل درجة حرارة الجو والكثافة البشرية، لتوزيع الرذاذ البارد بفعالية في أوقات الذروة.
حين تتحدث الآلة بلسان الفقيه..
أطلقت رئاسة شؤون الحرمين النسخة الثانية من روبوت “منارة الحرمين”، المعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم الفتاوى الفورية لزوار الحرم المكي بعدة لغات، وبواجهة تفاعلية تشمل الصوت والنص.
الروبوت الجديد يتحدث بـ15 لغة، ويعتمد على قاعدة بيانات شرعية محوْكمة، مع إمكانية التواصل المباشر مع المفتين عبر مكالمات فيديو في حال غياب الإجابة المخزنة، ما يجعله مرجعًا متنقلًا عصريًا يخدم الحجاج في ساحات وأروقة المسجد الحرام.
تدشين روبوت “منارة الحرمين”..
مشرف الإعلام في رئاسة الشؤون الدينية في الحرمين فهيم الحامد: الروبوت صمم خصيصا للشؤون الدينية ويتعامل بـ 25 لغة، يحوي جميع أدعية وأسئلة المناسك ويتحول مباشرة إلى المفتين إذا تعذرت الإجابة#نشرة_النهار | #الإخبارية pic.twitter.com/FdPJyfNt0W
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) May 21, 2025
كما أطلقت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني بالتعاون مع وزارة الحج والعمرة، الإصدار الثاني من “دليل التوعية السيبرانية” المخصص لضيوف الرحمن، ويتضمن نصائح لحماية البيانات وكلمات المرور والتصدي للاحتيال الرقمي، ويُقدم بـ16 لغة على الموقع الرسمي.
في السياق ذاته، يستفيد الحجاج من سوار “نسك الذكي” الذي يدمج تقنيات التوجيه والإرشاد والمراقبة الصحية ضمن جهاز صغير يرافق الحاج في جميع تنقلاته، مع إمكانية طلب النجدة الفورية بضغطة واحدة.
كما يتيح مشروع “المساعد الذكي“، الذي أطلقته وزارة الحج والعمرة كنافذة رقمية تفاعلية داخل الحرمين للوصول الفوري إلى معلومات شاملة بلغات متعددة لتلائم تنوع الحجاج الثقافي واللغوي، وتشمل:
- أوقات الصلاة.
- مواقع حلقات القرآن الكريم.
- الفتاوى.
- أسماء الأئمة.
- نقاط التوجيه الصوتي.
وضمن البنية التحتية الرقمية، وفّرت الجهات المعنية أكثر من 10 آلاف نقطة اتصال بشبكة “واي فاي” عالية السرعة في مكة المكرمة والمشاعر، مما دعم وصول الحجاج للخدمات الذكية والتطبيقات الرسمية.
إدارة الحشود بأعين ذكية
على صعيد التنظيم الميداني، كشفت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجدين الحرام والنبوي عن استخدام كاميرات ذكية وحساسات أرضية عند مداخل المسجد الحرام، لرصد كثافة الحشود وتحليل حركة الدخول والخروج في الزمن الحقيقي.
تُتيح هذه التقنية متابعة دقيقة لتدفقات الزوار، وتحديد مناطق الازدحام داخل صحن المطاف والمسعى، بما يُسهم في تحسين التفويج وضمان السلامة خاصة في أوقات الذروة.
وفي خطوة داعمة، أعلنت قوات أمن الحج عن توفير ست خرائط تفاعلية تغطي مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتُساعد الحجاج في التنقل بين عرفات ومزدلفة ومنى، وتجنب الاختناقات المرورية أثناء مراحل التصعيد والنفرة. إلى جانب ذلك، تعمل الطائرات المسيّرة وأنظمة التنبؤ بالحالات الطارئة على تحسين سرعة الاستجابة للحالات الحرجة في مناطق الحج.

وأعلنت المديرية العامة للدفاع المدني عن إطلاق طائرة “الصقر” من دون طيار، المخصصة لمهام الإطفاء والإنقاذ، وقد تم دعم الطائرة بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتكون جزءًا من المنظومات المتقدمة في الاستجابة للحالات الطارئة خلال موسم الحج.
تتميز طائرة “الصقر” بقدرات تشغيلية فائقة، حيث يمكنها التحليق لمدة 12 ساعة متواصلة والعمل على ارتفاعات عالية، مع قدرتها على حمل حمولة تصل إلى 40 كيلوغرامًا، مما يجعلها مناسبة لعمليات الإطفاء متعددة الأغراض، كما تم تزويدها بأنظمة إنقاذ وتحكم وأمان دقيقة.
إضافة لذلك، تم تجهيز مراكز مراقبة وتحكم حديثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار والكاميرات الحرارية، لمتابعة الأوضاع الأمنية والصحية على مدار الساعة، والاستجابة الفورية لأي طارئ.
وتعزيزًا لإدارة الحشود، طوّر مختبر الذكاء الاصطناعي السعودي نموذجًا يعتمد على تقنيات التعلم الآلي لرصد وتصنيف كثافة التجمعات في بث الفيديو المباشر، ما أتاح للجهات الأمنية اتخاذ قرارات استباقية دقيقة في توجيه التفويج ومنع الازدحام.
ما بين الجراحة الدقيقة والفتاوى الذكية وتنظيم الحشود بالتقنية، يؤكد موسم حج 2025 أن التحول الرقمي في خدمة الحجاج لم يعد خيارًا، بل أصبح واقعًا متكاملًا، حيث تمضي المملكة بثقة نحو تحقيق شعار “حج بلا مشقة”، عبر تمكين الذكاء الاصطناعي في الحرمين، وتكامل الجهود بين الجهات الأمنية والصحية والدينية، ضمن رؤية وطنية تضع ضيوف الرحمن في قلب الأولويات.