أثار إطلاق صاروخين من داخل سوريا باتجاه مرتفعات الجولان المحتل الكثير من الجدل، وفتح الباب على مصراعيه أمام حزمة من التكهنات، في هذا التوقيت الحساس الذي تواجهه الإدارة السورية الجديدة، والتي شككت في حقيقة هذا الهجوم الذي يُعد الأول من نوعه منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقد أشارت القناة “12” العبرية إلى أن “مصدر إطلاق الصواريخ من منطقة درعا السورية، حيث تم إطلاق صاروخين على الأقل من طراز (غراد) سقطا في منطقة مفتوحة في جنوبي الجولان”، فيما قال جيش الاحتلال إنه رصد سقوط صاروخ على الأقل في موقعين إسرائيليين جنوبي الجولان المحتل، لافتًا على لسان المتحدث باسمه إلى أنه “عقب إطلاق الإنذارات في حسبان ورمات مغشيم، تم رصد إطلاق صاروخين اجتازا الأراضي السورية باتجاه الأراضي الإسرائيلية وسقطا في مناطق مفتوحة”.
وقد تبنّت مجموعة مسلحة أطلقت على نفسها “كتائب الشهيد محمد الضيف” تلك العملية، مما أثار التساؤلات بشأن دلالات ظهورها وتداعياته على المشهد الإقليمي، فيما حمّل وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الرئيس السوري أحمد الشرع المسؤولية المباشرة عن عملية الإطلاق، معتبرًا أنه “المسؤول عن أي تهديد أو قصف يستهدف دولة إسرائيل”، ومتوعّدًا بأن “ردًا شاملًا سيتم قريبًا”.
کتائب الشهید محمد الضیف pic.twitter.com/tBUJxZZ55t
— علی صمدزاده 🇮🇷 (@A_Samadzadeh) May 31, 2025
وبالفعل، لم يستغرق الرد طويلًا، إذ استهدف جيش الاحتلال منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، جنوب سوريا، بقذائف مدفعية ثقيلة، فيما قال الجيش في بيان له إن طائراته الحربية “قصفت أسلحة تعود للنظام السوري في منطقة جنوب سوريا”، زاعمًا أن “النظام السوري مسؤول عن الوضع الراهن في سوريا، وسيواصل تحمّل التبعات إذا استمرت الأنشطة العدائية من أراضيه”.
العملية، بتفاصيلها المُعلنة، وسرعة ردّ الفعل الإسرائيلي بشأنها، وفي وقت تنتهج فيه الإدارة السورية الجديدة الدبلوماسية لغةً رسميةً في تعاملها مع كافة دول الجوار، متجنبةً الصدام المبكر مع أي طرف، بما في ذلك الكيان الإسرائيلي، وماضية في انفتاحها السريع على الإدارة الأمريكية، وتهرول نحو الانخراط الفعّال في المحيطين الإقليمي والدولي، تثير الكثير من التساؤلات حول هوية المنفذ، ومن يقف خلفه، والمستفيد، والتداعيات المحتملة.
التساؤل الأول: نوعية السلاح المستخدم
أول ما لفت الانتباه في البيانات الواردة عن جيش الاحتلال حول تلك العملية أن الصواريخ المستخدمة من نوعية “غراد”، وهي صواريخ روسية الصنع، وسهلة الاستخدام وواسعة الانتشار، وتستطيع إطلاق وابل كبير من الصواريخ في وقت واحد، ما يعني أن هناك منصات صاروخية كاملة داخل الأراضي السورية.
وتستخدم منظومة “غراد” صواريخ عيار 122 مليمترا، ويعود صنعها لخمسينات القرن الماضي، وهي من أكثر الأنظمة الصاروخية انتشارا في العالم، واستخدمت لأول مرة عام 1969 في النزاع العسكري بين الاتحاد السوفياتي والصين في جزيرة دامانسكي على نهر أوسوري، ويعود إنتاجها للشركة الروسية “أن آي أل 147” الواقعة في مدينة تولا الروسية، والتي غيرت اسمها فيما بعد إلى “سبلاف”.
وهناك أربعة أنواع من منظومات تلك الصواريخ، منظومة “بي أم 21” غراد الأصلية، وتتكون من أربعين أنبوب إطلاق مصفوفة على شكل عشرة أنابيب في أربعة صفوف، و”بي أم 21 في”، والتي تتكون من 12 أنبوب إطلاق موزعة في ستة أنابيب على صفين، ثم “بي أم 21 بي” المكونة من 36 أنبوب إطلاق صاروخي، وتستخدم معها الرؤوس الحربية التي لها قوة متفجرة أكبر ومدى أقل، وأخيرًا منظومة بريما (9A51) وهو أحدث أنظمة غراد وقد طُوّر في أوائل التسعينيات، ويتكون من خمسين أنبوب إطلاق صاروخي.
التساؤل الثاني: دخول تلك الصواريخ للأراضي السورية
هذه النوعية من الصواريخ التي تحتاج إلى منصات صاروخية متقدمة، بطبيعة الحال، لا يمكن أن تتوفر بأيدي الفصائل المسلحة بسهولة، إذ تحتاج إلى إمكانيات لوجستية عالية، وهنا علامات استفهام تُطل برأسها باحثة عن إجابة حول كيفية وصول تلك الأسلحة للفصائل أو الجهات التي نفذت العملية، ما يشير إلى وجود أربعة احتمالات رئيسية:
– الدخول عن طريق حزب الله أو العراق بأوامر إيرانية.
– الدخول عن طريق الفصائل الفلسطينية في لبنان، وذلك بعد تضييق الخناق عليها من السلطات اللبنانية والمطالبة بتجريدها من سلاحها مما قد يدفعها إلى نقله إلى الأراضي السورية.
– حصول الفصائل المسلحة في الداخل السوري عليه من مخازن جيش النظام السوري بعد سقوط الأسد أواخر العام الماضي، حيث كانت معظم القواعد العسكرية بعد أن تركها قادة الجيش وهربوا خارج البلاد، في مرمى الاستهداف، إما إسرائيليًا بالقصف أو فصائيليًا بالاستحواذ على عدد من الأسلحة الثقيلة.
– إدخاله عبر جيش الاحتلال الذي شن أكثر من عملية في منطقة درعا بعد سقوط النظام، والذي ربما كان يوظفه لخدمة أغراض وأهداف مستقبلية غير معلنة بشكل مباشر، وإن كان هذا الاحتمال أقل نسبية مقارنة بالاحتمالات السابقة.
التساؤل الثالث: هوية منفذ العملية
تبنى فصيل حمل لقب “كتائب الشهيد محمد الضيف” مسؤوليته عن تلك العملية، وهو عبارة عن مجموعة فلسطينية مسلحة أعلنت عن نفسها يوم 31 مايو/أيار 2025، وتقول إنها حركة ثورية تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، وفي بيانها الذي نشرته على منصة “تليغرام” قالت إنها تأسست “وفاء للدماء الطاهرة (للشهداء) وامتدادا لطريق المقاومة المستمر”، وأنها انطلقت “من وجع الشعب، ومن صمت العالم، ومن خذلان القريب، ومن دماء الشهداء التي لم تجف، ومن آهات الأسرى والمشردين”.
عناصر الكتائب في بيانهم أشاروا إلى أنهم يريدون أن يكونوا “رجال المرحلة” وأن يحملوا “الراية من بعد قادة المقاومة الأبطال”، وذكروا منهم مؤسس حركة حماس الشهيد أحمد ياسين والقيادي فيها الشهيد عبد العزيز الرنتيسي والشهيد محمد الضيف، وأضافوا في البيان: “نحن جيل ولد تحت القصف وشبّ على صوت البنادق ولن يقبل بالعيش في ذل أو خنوع، فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا”.
#حماس تنفي علاقتها مع تنظيم أعلن تبنيه إطلاق صواريخ من #سوريا باتجاه الجولان#أخبار_الصباح#قناة_العربية pic.twitter.com/F49NRHLXHZ
— العربية (@AlArabiya) June 4, 2025
كما وجهوا رسالة إلى الاحتلال، قالوا فيها: “سنكون سيفا مسلطا على رقابكم أينما كنتم ستجدوننا هناك، نقاتلكم بكل ما نملك، نزرع الرعب في قلوبكم، ونقتلع جذوركم من أرضنا، فلا رحمة لكم، والخبر ما ترون لا ما تسمعون”، فيما قال أحد قادتهم في تصريحات له على قناة “الجزيرة” إن “عملياتنا ضد الاحتلال الإسرائيلي رد على المجازر في غزة، ولن تتوقف حتى يتوقف قصف المستضعفين في القطاع”.
إقدام الفصيل على تلك العملية بعد أقل من 3 أيام فقط على تأسيسه، مستخدمًا أسلحة من عينة صواريخ “غراد”، ما يعني امتلاكه لمنصات إطلاق صاروخية، بخلاف تبرؤ حماس من أي علاقة لها بهذا الكيان، مسألة لا يمكن ابتلاعها دون ألم في الحلق يدفع للتساؤل حول أهدافها الحقيقية من وراء هذا القصف، المعروف ردّه المتوقع إسرائيليًا، وفي هذا التوقيت الذي تحاول فيه الإدارة السورية الجديدة التفرغ للشأن الداخلي عبر تحييد التهديدات الخارجية بشتى أنواعها، والعمل على الانخراط السريع في المشهد الإقليمي والدولي، وكسر العزلة المفروضة على البلاد خلال عهد الأسد البائد.
التساؤل الرابع: احتمالية تورط جهات أخرى
قد يكون المُعلَن هو مسؤولية “كتائب محمد الضيف” عن تلك العملية، لكنها مسؤولية لا تستبعد ضلوع جهات أخرى يمكن أن تكون حاضرة في المشهد، تحريضًا أو دعمًا أو تذليلًا للعقبات، وهنا يمكن حصرها في ثلاث جهات رئيسية:
– الفصائل الفلسطينية المسلحة: تشير التقديرات إلى احتمالية تواجد فصائل مسلحة في الداخل السوري من الممكن أن تقف وراء تلك العملية، منها عناصر تابعة للمقاومة الفلسطينية، كانت خاضعة في السابق لبعض الكيانات التابعة لحركة حماس قبل أن يتم تفكيكها وتوزيع عناصرها على الفصائل الأخرى، خاصة بعد التوتر الذي شاب العلاقات بينها وبين الإدارة السورية الجديدة التي طالبت جميع الكيانات المسلحة بتسليم سلاحها تحت بوتقة القوات المسلحة والجيش السوري كأحد الحلول الاستراتيجية الملحة للحفاظ على الأمن الداخلي السوري وفرض السيطرة على المشهد والحيلولة دون انفراط عقده الداخلي.
– الفصائل الموالية لإيران: هناك فصائل مسلحة أخرى كانت موالية للنظام السوري البائد، وتربطها علاقات قوية مع بعض القوى الخارجية مثل حزب الله وإيران، وكان لها نشاط ملحوظ عقب سقوط النظام. وهي الفصائل التي يمكن استقطاب بعض عناصرها من فلول الأسد، الذين طالما وجهوا تهديدات باستهداف الإدارة الجديدة والانقلاب على الثورة السورية، ومن الممكن أن يكون لها دور في تلك العملية، مدفوعًا بتحريض إيراني مباشر.
– الاستخبارات الإسرائيلية: من غير المستبعد توجيه أصابع الاتهام إلى دولة الاحتلال في التورط في هذا الهجوم، إذ إن المنطقة التي انطلقت منها تلك الصواريخ خضعت أكثر من مرة للتمشيط الإسرائيلي، وكانت في بعض الأوقات نقاط تمركز لبعض عناصر الجيش الإسرائيلي. هذا التورط الذي قد يتخذ أشكالا عدة أبرزها: تسهيل مهام الجهة أو الفصيل الذي نفذ العملية فعليًا ومساعدته على إدخال هذه النوعية من المنصات الصاروخية في مدينة لم تترك عناصر الاحتلال مترًا واحدًا فيها إلا وعاينته وفتشته.
التساؤل الخامس: فتش عن المستفيد
تنحصر هوية المستفيدين من تلك العملية في 3 جهات أساسية:
– إيران: المستفيد الأبرز الذي تعرض لضربة موجعة بسقوط نظام الأسد الحليف، والذي بسقوطه فقدت طهران أحد أبرز أذرعها الإقليمية في المنطقة، وعليه تحاول استعادة بعض نفوذها وحضورها في المشهد بإحدى مسارين، إما تشويه العلاقات بين الإدارة السورية الجديدة والإدارة الأمريكية والتي بدأت تتخذ منحى تصاعدي على المستوى الإيجابي، الأمر الذي أثار حفيظة طهران بشكل كبير، أو من خلال استعادة الساحة السورية كمنصة للتنغيص على الكيان المحتل في رسالة تبعث بها إيران بأنها لم تخسر الساحة السورية بشكل نهائي، وأن لها أصابع من الممكن أن تعمل كورقة ضغط يمكن استخدامها لاحقًا.
– فلول نظام الأسد: لا يمكن نكران أو تجاهل تواجدهم ومخططاتهم للانقلاب على الثورة ومكتسباتها، التي أطاحت بحكم الأسدين، الذي جثم على صدور السوريين لأكثر من خمسة عقود كاملة. وعليه، فليس من المستبعد – وتحت ستار المقاومة ضد المحتل – القيام بمثل تلك العمليات أو التحريض عليها وتوفير سبل الدعم لها، للإيقاع بين الإدارة الجديدة من جهة، وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، على أمل أن يُسفر هذا التوتير عن قلب الطاولة وتجريد الثورة من نجاحاتها.
– دولة الاحتلال: الانفتاح السوري على الخارج، والعلاقات المتنامية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والخطوات التي بدأت تتٌخذ بحق العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السابق، وكسر العزلة الدولية التي فٌرضت لعقود طويلة، كل هذا مثل ضغطا كبيرًا على الكيان المحتل وتواجده في الداخل السوري، ففي ظل الخطاب الدبلوماسي الهادئ والمطمئن الصادر عن الإدارة الجديدة والذي وصل إلى حد اتهامها بالتماهي مع المصالح الإسرائيلية، فقدت تل أبيب كافة ذرائعها للتواجد والتوسع الميداني عسكريًا في الأراضي السورية.
عليه وفي ضوء عملية مثل هذه، ورغم أنها لم تٌحدث أي إصابات أو خسائر معلنة بحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية، ورغم أنها أٌدينت من الحكومة السورية، إلا أنها ستٌستخدم كمبرر وذريعة قوية لاستمرار التواجد العسكري الإسرائيلي في سوريا، وهو المأزق الذي حاولت حكومة نتنياهو إيجاد مخرج له طيلة الأشهر الخمسة الماضية، هذا بخلاف إمكانية توظيف ما حدث لممارسة الضغط والابتزاز على السلطة الجديدة لتقديم مزيد من التنازلات التي تخدم الرؤية الإسرائيلية.
وتتفق الأطراف الثلاثة، فلول النظام السابق وإيران و”إسرائيل”، في استشعار القلق والانزعاج من الانفتاح السوري مع الولايات المتحدة ودول أوروبا، وعليه تسعى جاهدة لجر سوريا إلى مستنقع جديد من المواجهات العسكرية التي تقوض نجاحاتها الأخيرة وتنسف الاستقرار الذي بدأت في تدشين أولى قواعده.
التساؤل السادس: المتضرر الأكبر
لا يختلف اثنان على أن الدولة السورية الجديدة هي المتضرر الأكبر من وراء مثل تلك العمليات، التي تجهض كافة التحركات الدبلوماسية التي تحاول من خلالها تحييد التوترات الخارجية، ريثما يتم استتباب المشهد الداخلي المرتبك والمعقد بطبيعته.
ومن ثم، فإن أي توتر مع إحدى دول الجوار، بما فيها إسرائيل، سيمثل تهديدًا مباشرًا لدمشق، ويعرضها لأزمات هي ليست في أقوى حالاتها للاستعداد لها حاليًا، خاصة في ظل الخطاب الإسرائيلي المُشيطِن للسلطة الجديدة.
وهذا ما أرادت دمشق أن تعبر عنه من خلال البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية السورية، الذي شكك ابتداءً في صحة هذه العملية، قائلاً إنه “لم يتم حتى اللحظة التثبت من صحة الأنباء المتداولة عن قصف باتجاه الجانب الإسرائيلي”، موضحًا أن “هناك أطرافًا عديدة (لم تُحدد) تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة”.
وأكد المكتب في بيانه على ما سبق أن أكده الرئيس الشرع، من أن “سوريا لم ولن تشكل تهديدًا لأي طرف في المنطقة”، معتبرًا أن “الأولوية القصوى في الجنوب السوري تكمن في بسط سلطة الدولة، وإنهاء وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار لجميع المواطنين”، مُدينًا القصف الإسرائيلي الذي استهدف بعض قرى وبلدات درعا، لافتًا إلى أن “هذا التصعيد يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية، ويزيد من حالة التوتر في المنطقة، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة والحلول السلمية”.
وقد ركز البيان السوري على مسألتين رئيسيتين: الأولى تبرئة ساحته من أي اتهامات إسرائيلية بمسؤوليته عن مثل هذه العمليات، مجددًا التأكيد على أن سوريا لن تشكل تهديدًا لأي طرف إقليمي. أما الثانية، فهي التشكيك في تنفيذ الضربة بالصورة التي نقلها الإعلام العبري، مع الإشارة إلى وجود أطراف أخرى تسعى لزعزعة الاستقرار في المنطقة لتحقيق مصالح خاصة، وهما المسألتان اللتان تجيبان عن كثير من المسكوت عنه في هذه العملية.
التساؤل السابع: مسؤولية الإدارة السورية الجديدة
يتنافى اتهام وزير الحرب الإسرائيلي للرئيس السوري، وتحميله المسؤولية المباشرة عن عملية الإطلاق، واعتباره المسؤول الأول عن أي تهديد أو قصف يستهدف الكيان الإسرائيلي، مع مقتضيات الواقع شكلًا ومضمونًا، وذلك من خلال خطين محوريين:
الأول: تناقض هذا الاتهام مع الخطاب السياسي الواضح للإدارة السورية الجديدة، ورسائل الطمأنة المرسَلة منذ سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، بعدم جعل الأراضي السورية منصة تهديد أو مصدر قلق لأي من دول الجوار، بغض النظر عن المواقف السياسية المسبقة. بل إن الأمر وصل إلى الانتقال من مجرد الطمأنة إلى الحديث عن احتمال تطبيع العلاقات بين البلدين.
#عاجل | الخارجية السورية: لم نتثبت من صحة إطلاق صواريخ على الجانب الإسرائيلي وهناك أطراف تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة #سوريا pic.twitter.com/o2zrTOrGqs
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 3, 2025
الثاني: عرقلة جيش الاحتلال للمحاولات السورية الرامية إلى السيطرة على كافة مناطق الجنوب، بما يساعدها في تطهيرها من أي سلاح خارج رحم المؤسسة العسكرية النظامية، حيث فرض المحتل قيودا صارمة كان لها صداها في تكبيل مثل تلك المحاولات، وفي المقابل فرض الجيش الإسرائيلي كامل هيمنته على الجنوب بأريحية كاملة وبشكل فردي بمعزل عن التواجد السوري الرسمي، ما يعني أن أي تهديد يصدر من تلك المنطقة تكون “إسرائيل” هي المسؤولة المباشرة عنه وليس حكومة دمشق.
وهذا ما عبر عنه بشكل مٌعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، جو ويلسون، الذي غرد على حسابه على منصة “إكس”، قائلا: “لكي تفي الحكومة السورية الجديدة بالتزاماتها تجاه الرئيس ترامب، يجب أن تكون وزارة الدفاع قادرة على العمل في جميع أنحاء سوريا، وقد صرّح المسؤولون السوريون بوضوح بأن سوريا لن تُشكّل تهديدًا لإسرائيل. وسيتم استغلال تقييد وصول قوات الأمن إلى مناطق معينة”.