يوم الخميس، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي يسلح عصابات في قطاع غزة لمواجهة حماس. وجاء هذا الإعلان عقب اتهام عضو الكنيست اليميني أفيغدور ليبرمان في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلي “كان”، نتنياهو بتسليح عصابة تضم مئات الرجال في رفح للحد من نفوذ حماس في القطاع.
وردّ مكتب رئيس الوزراء بأن الحكومة تواجه جماعة المقاومة الفلسطينية “بطرق متعددة، وبناءً على توصية جميع رؤساء الأجهزة الأمنية”.
فيما بعد، أكد نتنياهو رسميًا هذه التقارير عبر مقطع فيديو نُشر على منصة “إكس”، قائلاً: “بناءً على نصيحة المسؤولين الأمنيين، قمنا بتفعيل العشائر في غزة التي تُعارض حماس. ما الخطأ في ذلك؟ هذا فقط ينقذ حياة جنودنا”، مضيفًا “نشرُ هذه المعلومات لا يخدم سوى حماس، لكن ليبرمان لا يهتم”.
ومن بين هذه الجماعات، توجد عصابة مسلحة يقودها ياسر أبو شَبّاب، لص ومهرّب مخدرات من رفح، تضم مئات المسلحين نفّذت عمليات نهب قوافل المساعدات خلال النصف الثاني من سنة 2024.
وينحدر أبو شَبّاب من عشيرة الترابين البدوية التي تمتد جذورها في جنوب غزة وسيناء وصحراء النقب. ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية علاقته بتنظيم الدولة، على الأرجح بسبب تورطه في شبكات تهريب مخدرات بين غزة وسيناء يشتبه بصلتها بالتنظيم. وتعترف إسرائيل الآن علنًا بدعم وتسليح مجموعة أبو شَبّاب، ما يعد اعترافًا صريحًا بدعمها الفعلي لعمليات نهب المساعدات الغذائية الموجهة إلى سكان غزة الجائعين.
تأتي هذه السياسة ضمن حملة إسرائيلية منهجية تستهدف موظفي حكومة حماس المدنيين لإحداث انهيار اجتماعي ونشر الفوضى وغياب القانون في القطاع. فقد استهدفت القوات الإسرائيلية عمدًا موظفي وزارة الداخلية، وقوات الشرطة، والأجهزة الأمنية، لخلق فراغ يمكن لناهبين مسلحين مثل مجموعة أبو شَبّاب سدّه، وذلك حسب تقرير حديث لموقع “موندويس”.
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أقر صراحة بهذه السياسة الشهر الماضي، متفاخرًا: “نقوم بتصفية الوزراء، والبيروقراطيين، ومديري الأموال — كل من يشكل دعامة لحكم حماس المدني”.
منذ أواخر 2024، بدأت حماس محاولة التصدي لهذه السياسة عبر تشكيل وحدة خاصة من رجال الشرطة بلباس مدني ومتطوعين مكلّفين بملاحقة الناهبين وإعادة النظام إلى شوارع غزة. تُعرف هذه الوحدة باسم “وحدة السهم” أو “قوة السهم”، وقد أُعيد تفعيلها مع تجدد القتال بين إسرائيل وحماس بعد انهيار وقف إطلاق النار في منتصف آذار/ مارس.
كشفت مقابلات أجراها موقع “موندويس” مع عدد من أفراد وحدة السهم إضافةً إلى مصدر أمني رفيع في المقاومة عن الجهود المستمرة لحماس في مواجهة المجموعات المسلحة المدعومة من إسرائيل داخل القطاع. كما تحدث الموقع مع زعماء عشائر في غزة حول محاولات إسرائيل استغلال الفراغ الأمني الذي خلّفته، عبر دعم زعماء العشائر كبديل عن حكم حماس.
كيف تطارد وحدة السهم اللصوص والمتعاونين؟
تشكّلت وحدة السهم لأول مرة في آذار/ مارس 2024، قبل أكثر من سنة، تزامنًا مع تفشي ظاهرة النهب على يد عصابات مسلحة في أنحاء غزة. بدأت الوحدة كمجموعات غير رسمية من شباب يرتدون الملابس السوداء ويغطون وجوههم ينتشرون في أماكن عامة تعمّها الفوضى مثل طوابير المخابز، وأجهزة الصراف الآلي، والأسواق. وأظهرت تقارير إخبارية في ذلك الوقت كيف كانوا يعتقلون المشتبه بسرقتهم ويعاقبونهم بشدّة في الأسواق معلنين على الملأ أن هذه هي عقوبة اللصوص.
مع مرور الأشهر، توسّعت قوة السهم وبرزت بالعشرات في شوارع غزة لتنظيم الناس في الطوابير في الأماكن العامة، ويُعتقد أنهم يتّبعون قائدًا يُرجّح أنه ضابط شرطة. وحسب أعضاء في وحدة السهم، فإن الفوضى أصبحت ظاهرة متجذرة في غزة بعد اضطرار الشرطة للانسحاب عقب استهداف إسرائيل لضباطها المكلفين بحماية قوافل المساعدات. وأسفر ذلك عن تدهور أمني سريع مع ارتفاع الأسعار في الأسواق، وتصاعد النزاعات العائلية، وظهور ما وصفوه بـ “قانون الغاب”، وذلك وفقًا لأعضاء الوحدة.
أكّد أبو هادي، وهو عضو في وحدة السهم وضابط في شرطة غزة، لموقع “موندويس” أنه انضم إلى الوحدة بعد أن شاهد لصوصًا ينهبون مخازن الطعام والمطابخ الدولية دون أي اعتبار لجوع الناس. وأضاف: “هذه المساعدات تذهب إلى عائلتي وجيراني وأقاربي، ولا يجب أن تُسرق وتباع في السوق السوداء. نحن في وحدة السهم سنوقف هؤلاء”.
وأوضح أبو إسلام، وهو عضو آخر في الوحدة، أن القوة تتألف من ضباط شرطة وأعضاء من الفصائل السياسية وأفراد من عائلات بارزة في غزة وأحيانًا من كتائب القسام، الجناح المسلح لحماس. وبعد بدء عمل الوحدة داخل القطاع، أعلن رسميًا أنها جهاز تابع لوزارة الداخلية.
وأكد أبو محمد، المسؤول في الوزارة، في شهادة مسجلة لموقع “موندويس” أن وحدة السهم مُخوّلة بـ”الحفاظ على الأمن داخل قطاع غزة، خصوصًا في زمن الحرب”. وعند سؤاله عن آلية عمل الوحدة، أوضح أبو محمد أنها تعتمد على معلومات استخبارية من الشرطة حول لصوص ومشتبه بتعاونهم لتكليفها باعتقالهم بسرية.
وأضاف أن “الحرب أثرت بشكل كبير على وزارة الداخلية، لكننا نبذل جهودًا للتواصل مع ضباط الشرطة لتعقب الناهبين وتزويدنا بالأسماء والأدلة”. وأشار إلى أن فرقًا مثل وحدة السهم تتمكن من القبض على المجرمين سرًا، لأن الاحتلال يطارد ضباط الشرطة، مما يقيد عمل الوزارة.
كما شدد أبو محمد على أنه “إذا ثبتت التهم ضد بعض اللصوص والخارجين عن القانون، فيجب معاقبتهم فورًا، حتى بالإعدام، ليكونوا عبرة ولمنع الفوضى من الاستمرار في غزة”، مؤكّدًا أن ليس كل ناهب متعاون مع إسرائيل، لكن “الجيش الإسرائيلي يسهّل عليهم السرقة”.
وأوضح أن هذا قد يؤدي إلى اتباع توجيهات الجيش الإسرائيلي، وقد يتطور لاحقًا إلى تعاون علني، مضيفًا أن الاحتلال قد يحول اللصوص إلى متعاونين عبر عدم قصف أماكن نهبهم أو توجيههم عبر الهاتف.
من جهته، شرح أبو إسلام، المسؤول عن التحقيق واعتقال اللصوص في مدينة غزة، طرق معاقبة الناهبين والمتعاونين، قائلًا: “بعضهم يُعاقب بالضرب، وبعضهم بالقتل، وبعضهم بالسجن”.
وأشار إلى أن “العملاء الذين ثبت تورطهم في القتل يُعدَمون”، مبينًا أن الهدف من هذه العقوبات القاسية هو ردع الناس عن التفكير حتى في التواصل مع الاحتلال. وأكد أبو إسلام أيضًا حصوله على عدة اعترافات من ناهبين أشاروا إلى أن ضباطًا إسرائيليين وجّهوهم إلى مخازن الغذاء، مضيفًا: “لقد أعطونا حتى أسماءهم ومهامهم” واصفًا ذلك بأنه “دليل واضح على وجود عملاء مُندَسين يتلقون أوامر مباشرة من العدو الإسرائيلي في وقت ومكان محددين”.
أفاد مصدر أمني رفيع في المقاومة، في بيان مكتوب لموقع “موندويس”، بأن “التحقيقات تكشف أن جهاز الشاباك (الأمن الداخلي الإسرائيلي) يوجّه بعض العملاء لتنفيذ عمليات نهب واقتحام كغطاء لعمليات أمنية”.
واستشهد المصدر باعتراف مكتوب لأحد المتعاونين المزعومين يفيد بأن ضابطًا إسرائيليًا طلب منه اقتحام منزل أحد قادة المقاومة عبر ثقب في الجدار أحدثته طائرة مسيرة.
وأشار المصدر الأمني إلى تعرض أحد اللصوص للابتزاز من قبل الشاباك بهدف تجنيده للتجسس، وذلك عبر استخدام تطبيق تابع للجيش للحصول على إذن دخول إلى منطقة قتال. وقال المصدر: “استغل الشاباك سجلّه الإجرامي كوسيلة ابتزاز لتجنيده لصالحه”.
في مواجهة هذه العمليات، حاول أعضاء وحدة السهم التدخل ما دفع القوات الإسرائيلية لاستهدافهم مباشرة في الميدان، وهو ما أسفر عن مقتل “العشرات” منهم، وذلك وفقًا لما ذكره أبو إسلام. وأضاف: “في أواخر أيار/ مايو، توجه عناصر من وحدة السهم إلى مخزن غذاء في مدينة غزة حيث كان اللصوص يحاولون سرقة المساعدات، فاستهدفتهم طائرة إسرائيلية مسيرة”.
وشرح أن اللصوص انسحبوا عند وصول وحدة السهم، لكن القوّة تعرضت للقصف، كما أُرسلت وحدة دعم إلى الموقع فتعرضت بدورها للقصف من قبل الاحتلال.
وحدة السهم في مواجهة ياسر أبو شَبّاب
في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، نفّذت وحدة السهم أولى عملياتها الكبرى خلال الحرب مستهدفة مجموعة من الناهبين الذين كانوا ينهبون شاحنات المساعدات لعدة أشهر، خصوصًا في رفح. وأعلنت قوات السهم عن مقتل نحو 20 من أفراد العصابة، وكان قائد المجموعة ياسر أبو شَبّاب.
وأوضح أبو هادي أن حركة حماس بدأت تشتبه في تعاون أبو شَبّاب مع إسرائيل بعد توثيقه وهو يصل إلى مناطق يصعب الوصول إليها في رفح، وتخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية حصرية، خاصةً أن “أي شخص كان يصل إلى هذه المناطق كان يُقتل”، مما دفع قوات السهم للاشتباه بأنه تلقى أوامر من الجيش الإسرائيلي لمنع دخول المساعدات إلى السكان.
مع استمرار نهب قوافل المساعدات حتى أواخر 2024، أصبح دور أبو شَبّاب أكثر وضوحًا. وفي مذكرة داخلية للأمم المتحدة تمّ تسريبها لوسائل إعلام دولية، وُصف أبو شَبّاب بأنه “الجهة الأساسية والأكثر نفوذًا وراء النهب المنهجي وواسع النطاق” لقوافل المساعدات خلال السنة، مع احتمال استفادته من “تساهل، إن لم يكن حماية مباشرة” من الجيش الإسرائيلي.
وأكد أبو هادي أن حركة حماس قررت تصفية أبو شَبّاب موضحًا: “واصلت وحدة السهم مراقبة تحركاته”. وفي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، قال أبو هادي: “بعد تأكدنا من خروجه بسيارته المعروفة، تم استهدافه بقذيفتين من نوع آر بي جي، لكن كان شقيقه في السيارة وليس هو”.
قُتل فتحي شقيق ياسر أبو شَبّاب في الكمين، وأكد أبو هادي أن العملية أسفرت عن مقتل أكثر من 20 من أفراد العصابة. وأضاف أبو هادي: “بعد ذلك، بدأ بحرق شاحنات المساعدات وإطلاق النار على السائقين بدلًا من نهبها، انتقامًا”. ولكن رسالة قوة السهم كانت واضحة لذلك “توقف عن سرقة المساعدات خوفًا من أن يُقتل”، وذلك حسب قوله.
أما شادي الصوفي، مجرم سابق أُدين بالقتل واحتُجز قبل الحرب، فكان قائد عصابة مشتبه بها أخرى، واتُّهم بتشكيل مجموعة نهب متمركزة قرب معبر كرم أبو سالم. وقال أبو هادي إن الصوفي لم يكن ليبقى في تلك المنطقة لولا تسهيلات إسرائيلية، مشيرًا إلى أن “لا أحد يجرؤ على الوصول إلى الموقع الذي تتمركز فيه مجموعته، وهذا دليل قاطع على عمله تحت حماية الجيش الإسرائيلي”.
وأضاف: “هاجمت قوة السهم مجموعات الصوفي وحاولت الوصول إليه، لكن الطائرات المسيّرة استهدفت عناصرنا وحمت اللصوص والمجرمين”. ظهر الصوفي لاحقًا في فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي نافياً التهم، قائلاً إنه نازح منذ بداية الاجتياح الإسرائيلي لرفح، وأنه مثل باقي السكان لا يملك طحينًا في منزله، موضحًا أن الشائعات عن سرقة المساعدات “كاذبة تمامًا”.
في تلك المرحلة من الحرب، بدأت استراتيجية حماس تؤتي ثمارها، إذ توارى الصوفي وأبو شَبّاب خلال فترة الهدنة بين إسرائيل وحماس. وخلال الهدنة، تمكنت الشرطة والأجهزة الأمنية من استعادة النظام وبسط السيطرة المدنية في غزة. لكن مع عودة الحرب في 18 آذار/ مارس، وتحديد هدف معلن باستهداف القيادة المدنية لحماس، توارت المؤسسات الحكومية مجددًا وعادت حوادث نهب وسرقة مخازن المواد الغذائية إلى غزة، ما دفع وحدة السهم لتكثيف جهودها.
عاد ياسر أبو شَبّاب للظهور في أيار/ مايو، حيث ظهر في صور إلى جانب رجال مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا كاملًا في رفح، التي أُفرغت تمامًا من سكانها وتُصنف منطقة “حمراء” تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. ورفع رجاله أعلامًا فلسطينية وشارات مكتوب عليها: “قوّة مكافحة الإرهاب”.
في 30 أيار/ مايو، نشرت كتائب القسّام مقطع فيديو غير مسبوق يظهر مقاتليها وهم يستهدفون مجموعة من رجال بلباس مدني، ووصفتهم بـ”المستعربين” — وهو مصطلح فلسطيني يُشير إلى عناصر القوات الإسرائيلية الخاصة المتخفّين في هيئة فلسطينيين.
لكن مصدر أمني رفيع من المقاومة في غزة أفاد لقناة الجزيرة بأن المستهدفين كانوا مجموعة من المتعاونين الذين كلفهم الجيش الإسرائيلي بنهب قوافل المساعدات والتجسّس على نشاطات المقاومة. وأوضح المصدر أن هؤلاء المتعاونين ينتمون إلى جماعة أبو شَبّاب، متهمًا إياه مباشرة بالعمل بتوجيهات إسرائيلية لنشر الفوضى وتعميقها في غزة.
جاء الفيديو في وقت استمرت فيه التقارير خلال الشهر الماضي بالإشارة إلى عمليات نهب قوافل المساعدات في جنوب غزة على يد مسلحين. في المقابل، ينفي أبو شَبّاب علنًا كل هذه الاتهامات، وقد أعاد تشكيل صورته العامة على وسائل التواصل الاجتماعي مقدّمًا نفسه كشخص نزيه و”زعيم وطني” عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، حيث يصور نفسه كحامي مرور المساعدات عبر معبر رفح.
تسهيل مخطط التهجير الإسرائيلي
بعد اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم أمس بتسليح إسرائيل لجماعة ياسر أبو شَبّاب، أصدر المكتب الإعلامي لما يُسمّى “القوات الشعبية” — الجماعة التي يقودها أبو شَبّاب — بيانًا عبر صفحته الرسمية على منصة “إكس”، نفى فيه أي علاقة مع الجيش الإسرائيلي. وجاء في البيان: “نرفض رفضًا قاطعًا هذه الادعاءات، ونعتبرها محاولةً فاضحة لتشويه صورة قوة شعبية وُلدت من رحم المعاناة، وفي مواجهة القمع والسرقة والفساد”.
وأضاف البيان: “لم نكن ولن نكن يومًا أداة في يد الاحتلال. وإذا كان لدى الاحتلال دليل، فليُبرزه لشعبنا وللوسائل الإعلامية الدولية. وندعو الجميع لزيارة مناطقنا والتحقق بأنفسهم قبل نشر الأكاذيب التي تخدم رواية الاحتلال في زرع الفتنة”.
كشف المصدر الأمني الرفيع في المقاومة، الذي تحدث إلى موقع موندويس، أن أبو شَبّاب، وفقًا للمعلومات الاستخباراتية، مرتبط بـ”أجهزة مخابرات عربية سهّلت له تنفيذ التعليمات الصادرة عن الشاباك”.
وأضاف: “خاصة خلال فترة احتلال مدينة رفح، شهدنا تصاعدًا في عمليات نهب شاحنات المساعدات”. وأكد المصدر أن المقاومة تمتلك صورًا تُظهر أبو شَبّاب مع الجيش الإسرائيلي، لكنه أشار إلى أن الظروف الأمنية الحالية لا تسمح بنشرها.
لا يزال محلّلون يشيرون إلى أن الحضور المنسّق بعناية لياسر أبو شَبّاب على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك صدور بيانات بلغتين — العربية والإنجليزية — يتجاوز قدرات أي جماعة محلية في غزة، ويميلون إلى اعتباره نتاجًا تقنيًا وإعلاميًا من إنتاج جهاز الشاباك.
كتب الكاتب والمحلّل السياسي محمد شحادة على منصة إكس قبل بيان نتنياهو بيومين: “العديد من الصحفيين في وسائل الإعلام الغربية الذين تحدثتُ إليهم مقتنعون بأن المستوى المتقدّم من الإنجليزية في تلك المنشورات لا يمكن أن يصدر إلا عن غرفة عمليات تتبع الجيش الإسرائيلي”.
ويؤكد شحادة أن ياسر أبو شَبّاب يعمل اليوم بصفته الجديدة كقائد لما يُسمى “القوة الوطنية” – التشكيل الذي أعاد تسميته ويضم عناصر عصابته – للنهب تحت حماية الجيش الإسرائيلي وتنفيذ عمليات مراقبة لتحركات المقاومة نيابةً عنه، فضلاً عن تأمين وصول المساعدات إلى “صندوق غزة الإنساني” — الجهة الأميركية المتعاقدة لتوصيل المساعدات إلى الفلسطينيين بدلاً من الأمم المتحدة بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل.
خلال الأسبوعين الماضيين، تحوّلت مراكز توزيع المساعدات التابعة للصندوق إلى مواقع عدة مجازر ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، فيما تتهم منظمات إغاثة دولية خطة توزيع المساعدات بأنها “مخطط للتطهير العرقي“. والآن، يجري تجنيد جماعة أبو شَبّاب لخدمة هذا المخطط.
وحسب شحادة، من بين المهام التي يُرجّح أن الجيش الإسرائيلي أوكلها لأبي شَبّاب: إنشاء “معسكرات تركيز” في غزة، وتشكيل “قوة أمنية دمية” يضعها الجيش في مناطق تم تفريغها من سكانها، لتكون ميليشيا بالوكالة لمحاربة حركة حماس. وفيما يبدو تأكيدًا لهذا الهدف، نشرت صفحة أبو شَبّاب على فيسبوك مقطع فيديو، يُرجح أنه بصوته، يدعو فيه سكان شرق رفح للعودة إلى منازلهم، قائلاً: “الدواء والطعام والمأوى والأمن بات متوفرًا. قواتنا الشعبية تعمل تحت شرعية فلسطينية كاملة، وبتنسيق مع القنوات الرسمية”.
ويحتوي الفيديو على لقطات لعناصر أبو شَبّاب يوزّعون مساعدات على المدنيين في شرق رفح يعقبها صوت راوٍ يصف كيف تواجه “القوات الشعبية” حركة حماس — التي وُصفت بـ”حكومة الأمر الواقع” — وفي الوقت نفسه يظهر مئات العائلات في خيام نُصبت شرق غزة وقدمت لها مساعدات مجانية.
يبدو أن دعوات “القوات الشعبية” للمدنيين للانتقال إلى تلك المناطق في رفح إلى جانب تنسيق أبو شَبّاب مع صندوق غزة الإنساني تتماشى مع خطة نتنياهو التي تستخدم المساعدات كطُعم لجذب الفلسطينيين إلى معسكرات تركيز معزولة بهدف تهجيرهم لاحقًا ضمن ما يُعرف بـ”الهجرة الطوعية”، فيما يُرجّح أن إسرائيل جنّدت بالفعل ميليشيا محلية لتنفيذ هذا المخطط.
صراع العشائر
على الرغم من محاولات ياسر أبو شَبّاب تصوير نفسه كزعيم وطني، أصدرت عائلته في غزة، في 31 أيار/مايو، بياناً تبرأت فيه من “ابننا ياسر”، وذلك بعد يوم واحد من نشر كتائب القسّام فيديو يظهر مجموعته مبتعدة عن أي صلة به. وجاء في البيان: “لقد صُدمنا، كما صدم الجمهور، حين بثّت المقاومة مشاهد تُظهر مجموعة ياسر وهي تقوم بأعمال أمنية خطيرة، بل وتشارك كعناصر متخفية. سوف نلاحقه ونحاسبه بكل الوسائل الممكنة، ولن نسمح له بأن يلوّث سمعة عائلتنا. لقد خدعنا لوقت طويل”.
ومع اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً مؤخرًا بأن “تنشيط” العشائر في غزة جزء من خطته لمحاربة حركة حماس، تواجه المقاومة الفلسطينية في القطاع جبهة “داخلية” جديدة ضد التعاون العلني مع الاحتلال.
وفي الأشهر السابقة، أدى انتشار النهب نتيجة استهداف الاحتلال لأجهزة الأمن الفلسطينية في غزة إلى دعوات من عدد من العائلات لتشكيل “لجان شعبية” للدفاع الذاتي ضد اللصوص، ومنها بيانات صدرت عن عشيرتَي مدهون والغول مطلع أيار/مايو، وبعضها طالب علنًا بتسليح العائلات. وفي ذات الفترة، ظهر مسلحون من عائلة الغول قرب مستشفى حمد للتأهيل – المموّل قطريًا – في مدينة غزة، وادعوا أنهم متطوعون لحماية المستشفى من النهب، لكن سرعان ما تلاشى هذا التجمّع، وأكدت العائلة علناً التزامها بسيادة القانون منذ ذلك الحين.
في منتصف أيار/ مايو، قال يُسري الغول، أحد ممثلي العائلة، لموقع “موندويس”: “شكّلنا مجموعة مسلحة لحماية المستشفى القطري لأن اللصوص كانوا على وشك نهبه، وقد أمّنا المكان. وبعدها، شكّلت الحكومة وحدة أمنية لحماية الممتلكات العامة، فتراجعنا خطوة إلى الوراء. كل ما نريده هو الأمن في غزة”.
أكد حسني المغني، رئيس اللجنة العليا لشؤون العشائر في قطاع غزة، لموقع “موندويس” في أيار/مايو: “لم تُشكَّل أي لجنة عشائرية مسلحة”، مضيفاً أن العشائر في غزة “ترفض تسليح العائلات، ويجب أن يكون السلام الاجتماعي هو الأولوية”. وتابع: “نحن اليوم نتقاتل على الماء والطعام والخيام، فإذا تسلّحت العائلات ستتحول جميع معاركنا إلى معارك داخلية”.
أما ياسين المدهون، زعيم عشائري آخر، فأقر بأن بعض أفراد عائلته ناقشوا فكرة تشكيل مجموعة مسلحة، لكنه أوضح أن العائلة لم تتخذ قرارًا رسميًا بذلك، وقال: “العائلة لم تُقرّر تشكيل وحدات مسلحة، لكننا نريد الحفاظ على الأمن داخل قطاع غزة. وفي حال انهارت الحكومة، أو غاب الأمن والأمان في القطاع، فلا بدّ من المطالبة بقوة تتولى حفظ الأمن وتحلّ محل الحكومة لملء الفراغ الأمني. وهذا ليس استثناءً في غزة؛ فكلما انهارت حكومة، تشكّلت لجان شعبية لحماية المجتمع”.
في المقابل، قال أعضاء من وحدة السهم لموقع “موندويس” إنهم سيمنعون هذه العائلات من تسليح نفسها، لأن ذلك سيجعلهم أدوات بيد إسرائيل تخدم أهدافها الإبادية. وصرح أبو إسلام، أحد أفراد وحدة السهم: “سنواجه العائلات التي تسلّح نفسها، وليس هذا أمرًا يخص وحدة السهم وحدها، بل جميع العائلات في قطاع غزة. على كل العائلات أن تقف صفًا واحدًا مع وحدة السهم وجميع وحدات الشرطة من أجل كبح انتشار الفوضى”. وأضاف أن كثيرًا من العائلات رفضت هذه الدعوات، مشيراً إلى أن محاولة تسليح العائلات وتحويل القانون إلى حكم عشائري “فشلت لأن العائلات تحمّلت مسؤولياتها ورفضت هذا العرض من الاحتلال”.
بعد قرابة شهر، أصبحت عصابة أبو شَبّاب المسلحة تحمل اسمًا جديدًا هو “القوات الشعبية”، وتهدف إلى ملء الفراغ الأمني الذي خلّفته إسرائيل بتفكيك مؤسسات غزة المدنية. ومن بين مهامهم توزيع المساعدات على السكان المحليين لكسب التأييد الشعبي وتأمين إيصال المساعدات إلى مواقع صندوق غزة الإنساني.
قال مصدر أمني من المقاومة لموقع “موندويس”: “ليس سرًا أن الاحتلال طارد كل جزء من الأجهزة الأمنية لأنها تشكّل السند في الحفاظ على الجبهة الداخلية، وهو ما يتناقض مباشرة مع أهداف الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي”. وأضاف: “هدفهم هو خلق الفوضى في غزة انتقامًا من المدنيين لأنهم يحتضنون المقاومة”.
المصدر: موندويس