ترجمة وتحرير: نون بوست
أنهت السفينة “مادلين”، التي كانت ضمن ما يُعرف بـ “أسطول الحرية”، رحلتها فجأة، بعد أن كانت تحمل على متنها حمولة صغيرة من المساعدات الإنسانية، وتهدف إلى تسليط الضوء على الحصار واليأس الذي تعانيه غزّة. وقد اعترضت القوات الإسرائيلية الأسطول فجر الإثنين وأوقفت مساره.
وقال الناشط البرازيلي تياغو أفيلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي قرابة منتصف الليل: “نحن نتعرض لهجوم. تُرتكب جريمة حرب”.
وفي بيان على منصة “إكس”، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن “يخت السيلفي”، كما أطلقت عليه الحكومة تهكما، رسا في ميناء أسدود الإسرائيلي عند الساعة التاسعة مساءً بتوقيت إسبانيا.
وجاء في التغريدة أن “الركاب يخضعون لفحوصات طبية لضمان سلامتهم”، مرفقة بصورتين: إحداهما للناشطة السويدية الشابة غريتا تونبرغ، التي تُعد جزءًا من الأسطول، والأخرى لتياغو أفيلا.
وبذلك تنتهي رحلة استمرت أكثر من أسبوع انطلقت من السواحل الإيطالية.
وفي تغريدة سابقة، نشرت الوزارة صورة أخرى لتونبرغ، بينما يعرض عليها جندي قطعة حلوى، في إشارة إلى أنها “بصحة جيدة وآمنة” وفي طريقها إلى إسرائيل.
تحالف “أسطول الحرية” أكد أنه لم يتواصل مع المتطوعين المعتقلين طيلة اليوم. ووفق ما أُعلن، يُتوقع أن يُنقلوا من أسدود إلى مركز احتجاز تمهيدًا لترحيلهم.
أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية ذلك في رسالة عبر منصة “إكس” بعد الظهر، قائلة: “عند وصولهم، سيتم ترتيب عودتهم إلى بلدانهم الأصلية”.
وكان المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة) قد طالب في وقت سابق السلطات الإسرائيلية بمعلومات عاجلة حول أماكن وجود النشطاء، معلنًا اتخاذ إجراءات قانونية “لضمان سلامتهم والإفراج عنهم”.
كما أوضح بيان صادر عن محامي النشطاء أنهم جاهزون ميدانيًا لزيارتهم.
وفي مراسلاته مع الحكومة، قدّم المستشار القانوني للبحرية الإسرائيلية روايته لما حدث، مشيرًا إلى أنه تم تحذير السفينة من أنها تقترب من منطقة خاضعة للحصار، وطُلب من الطاقم “تغيير الاتجاه”، وعندما لم يستجيبوا “صعدت القوات الإسرائيلية إلى السفينة لإعادة توجيهها”.
وأضاف: “الركاب تلقّوا طعامًا وماء، وخضعوا لفحوصات طبية أولية. وبحسب معلوماتنا، لا توجد إصابات بينهم، ولا يحتاج أيّ منهم إلى علاج طبي”.
تمكّن عدد من النشطاء الاثني عشر الذين كانوا على متن السفينة “مادلين” من مشاركة مقاطع فيديو ورسائل قصيرة توثّق اللحظة التي قالوا فيها إنهم قد “اختُطفوا” على يد القوات الإسرائيلية. وأكد الناشط تياغو أفيلا أن وجود إسرائيل في المياه الدولية وتنفيذها لهذه العملية يشكّل “جريمة حرب”، مشيرًا أيضًا إلى أن منعها وصول المساعدات الإنسانية الشرعية إلى قطاع غزّة يندرج في السياق نفسه.
وفي الساعات التي سبقت عملية الاعتراض، واصلت النائبة في البرلمان الأوروبي، ريما حسن، الفرنسية من أصول فلسطينية، توثيق التطورات عبر نشر رسالة كل ساعة على منصة “إكس”، استعدادًا للحظة انقطاع الاتصال نتيجة التدخل الإسرائيلي. وقالت في إحدى رسائلها: “بمجرد أن تتوقفوا عن سماع أخبارنا، يعني ذلك أن الإنترنت قد قُطع وأن إسرائيل تستعد لمهاجمتنا. هذا سيمنحكم فكرة أوضح عن التوقيت”.
وقد نشرت أولى الرسائل في تمام الساعة 23:12 من مساء الأحد بالتوقيت المحلي، فيما كانت الثالثة والأخيرة عند الساعة 01:12 من فجر الإثنين.
عرض هذا المنشور على Instagram
منشور شاركه تياغو أفيلا على انستغرام
نشرت النائبة الأوروبية ريما حسن، بعد وقت قصير من انقطاع الاتصال، صورة أخيرة لسطح السفينة تظهر عليه بقع يُعتقد أنها ناتجة عن مادة تشبه الطلاء الأبيض. وكتبت عبر منصة “إكس”: “طائرة دون طيار فوقنا ألقت سائلاً أبيض”. كما أفادت بأن أجهزة الراديو توقفت عن العمل بسبب “تشويش” متعمّد، ما حال دون إمكانية طلب المساعدة من سفن أخرى في المنطقة.
وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، هنّأ الجيش على “القبض السريع والآمن على أسطول مادلين”، بهدف منع المتطوعين من “كسر الحصار والوصول إلى سواحل غزة”. وأكد في بيان رسمي أنه أمر بعرض فيديو “فظائع مجزرة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر” على ركاب السفينة فور وصولهم إلى ميناء أسدود.
وهاجم كاتس مجددًا الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، قائلاً: “من المناسب أن ترى المعادية للسامية غريتا ورفاقها المؤيدون لحماس من هي بالتحديد المنظمة الإرهابية التي جاؤوا لدعمها”.
من جهتها، أدانت حركة حماس اعتراض السفينة، ووصفت العملية بأنها “إرهاب دولة” و”اعتداء صارخ على الضمير الإنساني”. وأكدت أن المتطوعين كانوا يسعون إلى “كسر الحصار وكشف جريمة التجويع”، مضيفة في بيانها الإعلامي أن محاولتهم تمثل رسالة واضحة مفادها أن “غزة ليست وحدها”.
وكان كاتس قد صرّح عصر الأحد، عندما كانت السفينة على بعد أقل من 300 كيلومتر من سواحل غزة، بأنه وجّه تعليماته للجيش لمنع ما وصفه بـ “أسطول الكراهية” من الوصول، وأضاف: “لتُتخذ جميع الإجراءات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. لغريتا المعادية للسامية ورفاقها المروجين لدعاية حماس، أقول بوضوح: يجب أن تعودوا، لأنكم لن تصلوا إلى غزة”.
تحسّبًا لاعتراض محتمل من القوات الإسرائيلية، كما حدث بالفعل لاحقًا، أعدّ النشطاء على متن السفينة مادلين سلسلة من مقاطع الفيديو يُظهرون فيها أسماءهم وجنسياتهم، حاملين جوازات سفرهم بأيديهم، ومن بينهم المتطوع الإسباني سيرخيو توريبيو. وطالب النشطاء حكوماتهم بالتدخل الفوري، مناشدين مواطنيهم ممارسة الضغط من خلال مختلف القنوات لحث قادة دولهم على اتخاذ مواقف ضد إسرائيل.
وخلال فترة ما بعد الظهر، طلبت حكومات إسبانيا وفرنسا والبرازيل وتركيا – وهي دول ينتمي إليها عدد من ركاب السفينة – من السلطات الإسرائيلية تقديم توضيحات أو معلومات، والسماح بزيارة مواطنيهم فور وصولهم إلى ميناء أسدود. وفي محيط الميناء، تجمع مؤيدون ومعارضون للمبادرة التضامنية، لإظهار دعمهم أو اعتراضهم عليها.
ائتلاف أسطول الحرية ذكّر بدوره أن السفينة مادلين ترفع علم المملكة المتحدة، مؤكدًا أن “بريطانيا ملزمة قانونيًا بحماية سفينتها والمدنيين على متنها من أي تدخل إسرائيلي”.
وصدر نداء مماثل عن فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين، دعت فيه حكومة المملكة المتحدة إلى “طلب توضيح عاجل وكامل، وضمان الإفراج الفوري عن السفينة وطاقمها”، مشددة على ضرورة السماح لها بمواصلة “مهمتها الإنسانية المشروعة”.
10قتلى في 2010
تأسس أسطول الحرية سنة 2010 كائتلاف سلمي تضامني مع الشعب الفلسطيني، هدفه الإنساني الدائم يتمثل في إيصال المساعدات إلى غزّة حين يمنع الاحتلال الإسرائيلي وصولها. في العام نفسه، اعترضت القوات الإسرائيلية قافلة مكونة من ست سفن تقل 750 شخصًا وتحمل 10.000 طن من المساعدات، وأسفرت العملية العسكرية الدامية في أواخر مايو/ أيار عن مقتل 10 أشخاص وإصابة أكثر من 50.
في هذه الرحلة، سعى أسطول الحرية لإيصال كمية رمزية من الغذاء، تشمل الأرز وحليب الأطفال، إلى سكان القطاع الجائعين، في محاولة رمزية لـ “فتح ممر إنساني” بعد شهور من الحصار الخانق. منذ 2 مارس/ آذار، تفرض حكومة بنيامين نتنياهو حصارًا كاملاً يمنع تدفق المساعدات بسلاسة إلى غزة، مما فاقم أزمة الجوع إلى درجة تهديد حياة جميع السكان (2.1 مليون نسمة، نصفهم تقريبًا من الأطفال)، الأمر الذي دفع إسرائيل لاحقًا للسماح بدخول عدد محدود من الشاحنات.
تؤكد الأمم المتحدة أن هذه الكمية غير كافية، إذ لا تدخل سوى نحو 100 شاحنة يوميًا، في حين أن الحاجة الفعلية تتراوح بين 500 و600 شاحنة.
كما أن عملية التوزيع العسكرية التي تتم خارج إشراف الأمم المتحدة عبر مؤسسة “غزّة الإنسانية” المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، لا توفر الكميات اللازمة ولا شروط الأمان الدنيا، حيث قُتل أكثر من 130 شخصًا بالرصاص أثناء توجههم إلى نقاط التوزيع، وفقًا لما أكدته منظمات غير حكومية والأمم المتحدة.
ومنذ بدء الحرب، قُتل في قطاع غزة 54.927 شخصًا وأُصيب 126.615 آخرون، حسب أحدث إحصاءات وزارة الصحة في القطاع، الخاضعة لحركة حماس.
المصدر: إل باييس